شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ماذا لو كان محمد بن عبدالله جاري؟

ماذا لو كان محمد بن عبدالله جاري؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن والنساء

الأحد 3 ديسمبر 202311:03 ص

منذ أيام كنت أجلس في صالون بيتي أبكي. لا أعرف لماذا تحديداً، أو ربما لأسباب كثيرة متداخلة لا أريد أن أميز بعضها عن بعض الآن. بكيت، غضبت لصعوبة شرح ما يدور بداخلي لصديق لي قد يفسّر ما أقوله وفق هواه أو تتأثر مكانتي عنده. وقتها فقط وجدتني أفكر فيه. محمد بن عبدالله. أتساءل وأنظر حولي: أين هو؟ لماذا لا يكون جاري وأطرق بابه وقتما أشاء، لأدردش معه قليلاً حول كل الأمور التي تشغلني.

من أكثر الأشياء التي أحسد عليها أصدقاءه أنهم كانوا شديدي القرب منه، يستطيعون لقاءه وقتما يشاءون، ليسألوا عن أي أمر مهما كان صغيراً.

أخبرت زميلتي أنه لو كان محمد، رسول الله، جاري لجلست معه طوال الوقت ولن أفارقه. ردّت قائلة: "ما كان ليجلس معك بدون حجاب، وربما سمح فقط لإحدى زوجاته أن تقابلك". لم أهتم كثيراً لما يقولونه يا محمد، فأنا أعرف أنها وغيرها حمقاوات لا يعرفن ما أنت عليه حقاً، يظنون أنك ستمنعني، بينما أنا أتخيلك وأنت تفرش رداءك لاستقبالي.

أخبرت زميلتي أنه لو كان محمد، رسول الله، جاري لجلست معه طوال الوقت ولن أفارقه. ردّت قائلة: "ما كان ليجلس معك بدون حجاب، وربما سمح فقط لإحدى زوجاته أن تقابلك". لم أهتم كثيراً لما يقولونه يا محمد، فأنا أعرف أنها وغيرها حمقاوات لا يعرفن ما أنت عليه حقاً

أول سؤال

عندما وجهت هذا التساؤل لمجموعة من صديقاتي حول ما أول شيء سيخطر على بالهن لو التقين برسول الله قالت واحدة: سأقبله، وأخرى سأعانقه، والثالثة سأحاسبه فكيف يقول عنا إننا ناقصات عقل ودين.

الحقيقة أنا لا أصدق أنك قلت ذلك يا محمد. أتعرف شيئاً؟ لقد قلتها بصوت عال. ربما قد يثير سخطك لو عرفت كيف كانت حالتي وقتها. قلت: "لن أنتمي لهذا الدين لو كان يفرق حقاً بين رجل وامرأة". أتسمع عن النسوية يا رسول الله، لو كان هناك نصوص واضحة تحمي حقوقنا في الحياة والمعيشة والزواج، وحتى بعد الوفاة، لما ظهرت هذه الحركات، ولكنا بغنى عنها إلى الأبد.

أخبرني يا محمد، ألم تسأل ربك يوماً لماذا وضع لنا تلك النصوص القابلة للتأويل والتحوير من قبل الرجال؟ لماذا أعطى لهم قوامة وهو يعلم كيف سيفسرونها وفق هواهم؟ لماذا لم يجعلنا نحن أسياد قرارنا كما نريد الآن؟

أنا أحبك. والكثير الكثير منا يحبك. هم يعرفونك حقاً. يتخيلون دائماً بشاشة وجهك وحلاوة صوتك. يدورون في الأنحاء وهم يحلمون بلقائك. وأنا أحبك يا محمد، وحق المصطفى أحبك، ولكن في بعض الأحيان أشعر بالغيظ من بعض الأحاديث التي نسبت إليك والتي لا أعرف إلى الآن، هل قلتها حقاً أم لا؟

في لقائي الأول بك سأسلّم عليك. وسأنظر إلى وجهك الجميل بوحشة. ثم سأجلس معك جلسة عتاب كبيرة لعلنا نخرج منها بشيء. أظن أنك ربما وقتها تكتب نصوصاً جديدة لتصالح بها نساء أمتك. ستقول إنك لم تقصّر وأن مكانتنا واضحة، وأن أنصاف الرجال هم فقط من يفسّرون كل شيء بشكل خاطئ. ولكن أتعرف كم تكبّدنا نظير هذا التفسير الخاطئ؟ كم دفعنا ثمنه طوال قرون طويلة وكثيرة. ربك فقط من يعلم يا محمد، كم أُذينا وداسوا علينا بأقدامهم باسم الدين وشرع الله وتفسير آياته.

الشباب ينتحر والبنات يقتلن لو رفضن الخطيب، وتدنّس الأعراض لأتفه الأسباب. أصبحنا نتزوج حتى نتطلق، ولن أحدثك عما يمكن أن تفعله بنا لقمة العيش. أتعلم يا حبيبي: نتساءل أحياناً كيف يتحمل الله قذارتنا إلى هذا الحد؟ ربما لأن بعضنا مازال يتذكره ولو حتى بأذكار يكرّرها في الصباح، ثم ينساه طوال اليوم.

هل ستحرمني من شفاعتك؟

تسألني ابنتي: "هل سيغضب مني الله ورسوله بسبب كثرة أسئلتي؟". أقول لها بثقة: "بالطبع لا". بينما يشكك آخرون فيما أقوله لها يحذروني من أن أترك لها كل شيء مباحاً بهذا الشكل.

انظر معي يا رسول الله. أتعرف ما هذا؟ إنه تليفون. آلة حديثة اخترعها من سبقونا. بها تقنيات تجعلك تصل لكل مكان. في المرة الأخيرة التي راقبت ابنتي فيها، وجدتها تكتب على محرك البحث جوجل (لم تسمع به أليس كذلك؟ إنه منقذ العصر ومهلكه أيضاً). كانت تبحث عن شكل الله.

هل يفزعك ذلك يا محمد؟ هل ستغضب من طفلة صغيرة عمرها ثماني سنوات لأنها تبحث بفضول عن شكل الله، بينما أنا أخبرتها كثيراً أنها يجب ألا تفكر في ذلك. صعب أن نقنع أطفال هذا الجيل بالشيء بمجرد نظرة تحذير أو أمر مباشر.

في المرة الأخيرة التي كنت أصلي معها، سألتني أسئلة لم أستطع الإجابة عنها. سأعرضها عليك الآن، ربما تفكر معي وتخبرني عن الصواب. سألتني: "لماذا يطلب منا الله أن نغطي شعرنا أثناء الصلاة. ألم يخلقه لنا؟". صمتت قليلاً، ثم سمعتها تكمل: "إذا كان لا يريد أن يراه لماذا خلقه؟ أيحب شعر الرجال ويكره شعر النساء؟".

إجابات هذه الأسئلة صعبة يا رسول الله كثيراً. أخبرني ماذا أقول لها؟ هل كان الأطفال في زمانك يسألون تلك الأسئلة؟

تقول ابنتي إنني لو سألتك كل تلك الأسئلة عندما أقابلك، ستغضب مني، ولكني أخبرتها أنك لن تفعل. هل ستغضب حقاً؟ ماذا ستفعل إذن لو قرأت عليك بعضاً من مقالاتي؟ هل ستنهرني، أم ستحرمني من شفاعتك؟ أعلم أنك لن تفعل. لن تفعل أبداً.

بسبب تلك المقالات لام علي الكثير من المعارف والأقارب. بسببها تلقيت بعض الرسائل المزعجة من أناس لم أقابلهم يوماً. طلب مني أصدقائي إعادة التفكير فيما أكتب. حذروني من غضب الله وغضبك. هل تعتقد أن ربك سيغضب علي، ألست أنت حبيبه؟ ألن تشرح له وتدافع عني؟ هو أعلم منك ومني بحال مجتمعنا. يعلم كم الركلات التي نتعرّض لها. هل أصبحت الكلمة حراماً أيضاً؟

أخبرني يا محمد، ألم تسأل ربك يوماً لماذا وضع لنا تلك النصوص القابلة للتأويل والتحوير من قبل الرجال؟ لماذا أعطى لهم قوامة وهو يعلم كيف سيفسرونها وفق هواهم؟ لماذا لم يجعلنا نحن أسياد قرارنا كما نريد الآن؟

"هل يصفق الله للرجل الذي يجبر زوجته على ارتداء الحجاب؟"، كان هذا آخر مقال كتبته وتعرّضت بسببه للتأنيب الشديد من البعض، ولا أعرف لماذا. لو قرأت عليك هذا المقال كلمة كلمة يا محمد، لن تجد فيه ما يعيب أو ما يسئ أبداً، ولكنها العادة التي يتبعها البعض في الرغبة في التسليم الساكن دون طرح أي فرضيات أو رؤى، أو التعبير حتى عن فكرة تتلاعب بعقولنا.

لا أظن أنك ستحرمني من شفاعتي بسبب مقالاتي المنفتحة أو أسئلتي التي لا تنتهي/ أو حتى صرخاتي إلى الله التي تضايق البعض. لا أعتقد أن هذا يزعجك أبداً. ربما تسمعني وتضحك أو تدعو لي، أو تطلب مني الاستزادة من القراءة والتعلم، ولكنك لن تصفع، ولن تتهمني بالخروج عن صحيح الدين وقواعده.

كان حلماً جميلاً أن أجلس معك وأحاورك. أتحسّس طريقي إلى عقلك وأتدبر كلماتك مجدداً. أن أحلم أنك ستبعث معي برسالة إلى نساء أمتك، لتوضح لهن بعض الأمور ربما يكون نصها:

"إلى نساء أمة محمد: لا تفزعن ولا تجزعن من كل ما تتعرّضن له. إن إلهكن يعلم كل شاردة وواردة، وسيرد إليكن حقوقكن كاملة عما قريب. سيجعل من كل من ظلمكن باسم الدين عبرة. أنتن النساء زينة هذا الكون وسر وجوده واستمراره".

علك تأتيني في الحلم يا رسول الله، ولكن بالله عليك لا تلومني على كتابة هذا المقال. اضحك لي فقط وأخبرني بما أريد أن أسمعه. ادعو لي. وادعو أن تترفّق الحياة بي وبكل أمتك، وأن نلتقي قريباً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فعلاً، ماذا تريد النساء في بلادٍ تموج بالنزاعات؟

"هل هذا وقت الحقوق، والأمّة العربية مشتعلة؟"

نحن في رصيف22، نُدرك أنّ حقوق المرأة، في عالمنا العربي تحديداً، لا تزال منقوصةً. وعليه، نسعى بكلّ ما أوتينا من عزمٍ وإيمان، إلى تكريس هذه الحقوق التي لا تتجزّأ، تحت أيّ ظرفٍ كان.

ونقوم بذلك يداً بيدٍ مع مختلف منظمات المجتمع المدني، لإعلاء الصوت النسوي من خلال حناجر وأقلام كاتباتنا الحريصات على إرساء العدالة التي تعلو ولا يُعلى عليها.

Website by WhiteBeard
Popup Image