انتهى حفل الزفاف أخيراً. حملت "عريسي" بين ذراعي ودخلنا غرفة النوم. كانت تبدو عليه أمارات القلق الشديد، لكنني هدّأت من روعه بقبلة فوق جبينه، وضعته على السرير ثم غادرت الحجرة وتركته يخلع ملابسه ويرتدي قميص "ليلة الدخلة".
عدت ووقفت أدقّ الباب مرات عدة. لم يردّ. قلت في نفسي: "معلش مكسوف. الخجل يعضّ قدميه". دفعت الباب بشدة ودخلت، وجدته جالساً بملابس الزفاف، تعتصر عيناه من شدة البكاء وجسده يرتعش. لم أفهم ما به. سألته: "هل هي الدورة الشهرية؟". لم يجب.
طلع مش ولد ولود
زاد قلقي، خاصة أنه لا يعطي أي تفسير مفهوم عن حالة البكاء العجيبة التي انكبت عليه في ليلة العمر التي طالما انتظرتها طوال حياتي. لقد هرمت من أجل هذه الليلة، ويحولها "ليلة نكد". لم أعد أحتمل. رفعت يدي وصفعته على وجهه حتى يتكلم. بدأ يحكي قصة غريبة، ملخّصها بأنه ليس "ولد ولود"، وقد فقد عذريته بسبب فتاة أخذت منه أعزّ ما يملك بعد أن وعدته بالزواج وخلت به.
شعرت أنني امرأة برأس "كرنب". لقد خدعني وأوهمني أن أحداً لم يمسّه قبلي. أخذت أصرخ بجملة: "هاقتلك واغسل عاري"، ثم استيقظت على صوت أبي يشعل البخور في الغرفة ويردّد التعاويذ لطرد الشياطين من المنزل.
يا إلهي، لم يكن ذلك حقيقياً، فأنا لم أتزوج بعد. لم يحن موعد حفل الزفاف بالأساس، لكن شيئاً ما همس في أذني بأن الكابوس الذي هتك عرض منامي ليس عابراً، وإنما هي رسالة تحذير هامّة. طلبت سعيد "خطيبي" على الهاتف، والتقيت به على مقهى بكورنيش النيل بالقرب من منزله. قلت له بصريح العبارة: "أريد التأكّد من عذريتك". شعر بالذهول، لكن أنا امرأة شرقية وأريد الزواج من شاب "ولد ولود، وليس خرج بيوت"، أكون أنا أول من يعانقه، وأول من يقبّله.
رفعت يدي وصفعته على وجهه حتى يتكلم. بدأ يحكي قصة غريبة، ملخّصها بأنه ليس "ولد ولود"، وقد فقد عذريته بسبب فتاة أخذت منه أعزّ ما يملك بعد أن وعدته بالزواج وخلت به
يبدو أن كلامي لم يعجبه. استشاط غضباً، ثم نظر لي نظرة مليئة بالعتاب والحزن، وقال بلغة جافّة وغاضبة: "أنتي اتجننتي. عوزاني أعمل كشف حمامة"، ثم تركني قبل أن أنهي حديثي وانصرف.
كشف العذرية هو الحل
ازدادت شكوكي حول انضباط أخلاقه، فهو لو كان "ولد ولود" بالفعل ما كان ليرفض وكنا ذهبنا معاً للطبيبة وأجريت له "كشف عذرية" واطمأن قلبي، ومادام سمح لي قبل ذلك أن ألمسه، بالتأكيد سمح لغيري، وهذا الرد العنيف يؤكد أنه مارس الرذيلة ويخاف أن ينكشف وينفضح أمره، أو أنه يخفي كارثة كما لو كان أحد ما سلب عذريته ويريد إلصاق الجريمة بي، فأنا لا استطيع نسيان ذلك اليوم الذي احتفلنا فيه بعيد ميلاده، وذهبنا بالسيارة إلى جبل المقطم بالقاهرة، وحاولت اختبار أخلاقه، فبدأت أفرد شعره برفق وهوت يدي إلى صدره. لم يرفض. نعم أحسّ بالحرج ومانع لكنه في النهاية سلم نفسه لي، وإن لم يحدث بيننا أي شيء حينها، إلا أن هذا الموقف جعل صورته تهتز في نظري، وأصبحت تدور في رأسي شكوك مستمرة حوله.
جلست أفكر في أمري، ورأيت تجمّعاً كبيراً من بعيد. ذهبت لأعرف ماذا جرى، وجدت شاباً رأسه مهشمة بحجر. ضربته أمه بعد أن ركضت خلفه في منتصف الشارع على مرمى ومسمع من الناس، الشاب كان ينزف والدماء تسيل منه، لكن الأم أرادت أن تنهي حياته بعد أن اكتشفت أنه على علاقة مع زميلته بالجامعة، وتقول الأم إن ابنها فقد عذريته... "والله عفارم عليها".
رجل بلا شرف
هذه القصة جعلتني أتردّد حول علاقتي بسعيد التي يجب أن تنتهي، لأن مسألة شرفه من عدمه، غير مريحة، ولست متأكدة من عذريته، لكن قدمت له شبكة بـ 1000 دولار أمريكي، ولو قرّرت إنهاء العلاقة من طرفي سوف يستحوذ عليها ولا أعرف ما الحل لأتخلص من العلاقة وفي نفس الوقت أحصل شبكتي. وبينما أفكّر بصوت عال، وجدت العمة سلطانة، صاحبة المقهى التي اعتدت الجلوس فيه، تحدّق فيّ وتنصت لما أقول بحرص. سألتها: "هل أنتِ هنا منذ وقت طويل يا عمة سلطانة؟"، قالت: "نعم، من ساعة ما فكّرتي تتخلصي من سعيد". سألتها: "هل صوتي كان مرتفعاً لدرجة وصل إليكِ؟"، قالت: "نعم"، ثم بدأت بتقديم الاقتراحات، كأن أستأجر فتاة تغتصبه، وعندها يمكنني أخذ شبكتي ومعي دليل قاطع أنه فاقد بكورته وشرفه وعذريته، وقد رشّحت لي امرأة تدعى "الشمامة"، تهوى اغتصاب الشباب البكارى.
قتلت شقيقها لترد شرف عائلتها
مسكينة سلطانة، تعيش هاربة ومتخفية في شخصية سلطانة التي ليست شخصيتها ولا اسمها، بل اسمها الحقيقي سعاد، حيث ترجع قصتها إلى يوم زفّة شقيقها، عندما اكتشفت أنه فاقد العذرية، رغم أنها أجرت له كشف عذرية والطبيبة قالت: "لازال بكراً، ولم تمس عذريته بأي سوء"، لكن النساء الكبيرات من عائلته في الجنوب لا يفهمن في الطب ولا يقتنعن به، يريدن رؤية دماء العذرية سائحة حتى يهللن ويطلقن الرصاصات في السماء احتفالاً بشرف الابن. الحقيقة، هذا حقهن، تلك هي عادات القبائل ويجب أن تثبت عذريته.
قلت له بصريح العبارة: "أريد التأكّد من عذريتك". شعر بالذهول، لكن أنا امرأة شرقية وأريد الزواج من شاب "ولد ولود، وليس خرج بيوت"، أكون أنا أول من يعانقه، وأول من يقبّله
بعد انصراف الطبيبة، خرجت شفيقة، إلى نسوة العائلة دون أن تحضر "الملايه" دليل شرف العريس، وقالت لنساء عائلته اللواتي يقفن في صفوف متساوية خلف غرفة النوم: "ابنكم طلع مش ولد ولود، خدوه. أنا عايزة فلوسي. هتعرّوني قدام القبايل وتجوزوني واحد شرفه مايل؟".
نعم، لقد خذل نسوة العائلة وأحرج وضعهن أمام نساء العائلات الأخريات اللواتي كن ينتظرن "وثيقة الشرف". الكلام أحرق كبد سلطانة، فسحبت سلاحها وضربت شقيقها حتى الموت، لتعيد للعائلة شرفها، وما فعلته كان عين العقل، هكذا تعيش بطلة باقي حياتها.
ذهبت إلى بيت سعيد، وبدون سابق إنذار، طلبت شبكتي. سألني أبوه عن السبب، ضربته وضربت سعيد نفسه، وشقيقاته اللواتي لا يعرفن الأدب ولم يحسنّ تهذيبه ولا تربيته، فلو أنهن كلفن أنفسهن جهداً لتأديبه ما سمح لنفسه أن يخرج معي ويركب سيارتي، ويتلقى مني القبلات كما لو كنت ألصق طبعات بريد. هذا الأمر كفيل أن أشك في عذريته. لا أحد يقول لي خافي على أشقائك الأولاد. إخوتي يعرفون الأدب حق المعرفة، ولا يخرجون من البيت، هم بالأساس لا يرون نور الشمس من شرفة المنزل حتى يخرجوا منه. أخيراً تخلصت من الكابوس الذي يؤرقني. سوف أذهب إلى الفلاحين في القرى، هناك اختار ولداً صغيراً بعمر 11 عاماً، أتزوجه وأربيه على يدي وأضمن أنه "ولد ولود".
الرجل بلا شرف مثل الصوم بلا صلاة، والزجاجة بلا عطر، والوردة دون رائحة. هل أعيد عليكم مثال الحلوى المكشوفة والحلوى المغطاة؟ الرجل الذي يرفض كشف العذرية، فهو بالتأكيد بلا عذرية. سلّم نفسه وباع جسده ولحمه رخيصاً. لا أحد يقولنّ لي إن هناك رجالاً يولدون بلا عذرية. خصوصاً ما يشيعه هذا الرجل الذي يسمّى السعداوي. تريدون الفاحشة تنتشر بين الرجال، وتفسدون المجتمع؟ ترغبون في جعل الرجال يسلمون أنفسهم للنساء والعياذ بالله، ثم تقولون إنهم ولدوا بلا عذرية أو بعذرية مطاطية؟ ألا تخافون من عقاب الله وغضبه عندما يحل عليكم بسبب أفعالكم؟
توضيح لا بد منه
هذا المقال لا يخفي طبيعته الساخرة التي تحاول استبدال المواقع بين النساء والرجال، لإظهار كمية الغبن والظلم اللذين يقعان على النساء بالعالمين، العربي والإسلامي، وأي رجل يجد فيه ما يسيء لمنظومته الدينية ومكانته الاجتماعية، ليضع نفسه مكان أي امرأة تخضع لكشوفات العذرية أو تدان بسبب تصريحها برغباتها الجنسية، وتوصم للأبد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون