شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الأخ الكبير يطاردني في مصر

الأخ الكبير يطاردني في مصر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الجمعة 1 ديسمبر 202307:43 م

يخبرني صديقي: "وصلت، هتلاقيني واقف تحت سيادة الريّس". نظرت حولي ولم أعلم أين يقف بالضبط، فسيادة الريّس في كل مكان، ما إن أستيقظ حتى أجده ينظر لي من خلال شباك الغرفة، أنزل من البيت فأجده مرة أخرى ينظر لي مودعاً، وما إن أتحرك حتى أجده على طول الطريق، لافتات الإعلانات تحمل صوره واحدة تلو الأخرى، حتى وأنا أكتب هذا المقال الآن، هناك صورة له تحدق بي.

لا أعلم. إنها توترني بعض الشيء، ولكن يبدو أنه واجب علي أن أعتاد على وجوده بجانبي، أما إن كنت تتساءل عن مصير صديقي، فلم نصل لبعضنا من يومها.

حين كتب جورج أورويل روايته الأشهر "1984"، كان يصف لنا الديستوبيا، بمكان مقيت يعيش فيه الناس على هيئة أرقام، مجبرين على نمط حياة واحد، لا مساحة للاختلاف، محرومين من أتفه متع الحياة كالسكر. مكان غير مسموح فيه بالتعبير عن الرأي، أي رأي، وبأي شكل، سواء كان مسموعاً أو مكتوباً، أو حتى مجرد التفكير في رأي، فأنت وكلامك وكتاباتك وإشاراتك، وحتى أفكارك، كلهم مراقبون، وكل من يحاول أن يفكر فقط، تكون نهايته السجن والاعتقال، وفي نهاية المطاف يتم محوه ومحو أثره من الحياة، ولكن كان من أهم مواصفات تلك الديستوبيا أن صور "الأخ الكبير" كانت منتشرة في كل مكان.

فحمداً لله أننا نتشابه معها في الصور المعلقة فقط وليس في صفات أخرى، لا سمح الله.

هذا الرجل الكادح لا يتنعّم بالرخاء والاستقرار المذكورين، ويوميته في العمل لا تسمح له بشراء كيلو سكر، أما أنا فلا أود أن أكمل الطريق معك أو مع أي أحد، لقد اعتدت الوحدة يا سيادة الريّس، على الأقل أضمن من السير مع شخص يجهل الطريق

وإن كنت من غير المؤمنين بالخيال، فالواقع يسعفنا: كانت دولة جوزيف ستالين خير دليل. هذا الرجل الذي ساهم في وضع تعريف للدكتاتورية، وله الفضل في تقديم صورة واضحة عن الديكتاتور الشامل المثالي، وحين نذكر دولة ستالين، نذكر تلك الدولة التي تزدحم شوارعها بصوره، فكان ستالين يمحو أي مَعْلَم ويستبدله بصورة له، حتى أنه هدم صلبان الكنائس ووضع صوره بدلاً منها، هل من المتوقع في الفترات القادمة أن تفرض علينا السيرة الذاتية للرئيس، وتصبح قراءتها واجبة كما كان يفعل ستالين؟

سيادة الريّس: أنا لا أواجه مشكلة مع ترشّحك لفترة جديدة، بل ولا أواجه مشكلة مع فوزك فيها كما هو متوقع، فنحن لا نعلم من هم المرشّحون أمامك، وحتى إن عرفناهم، فبالتأكيد هم ليسوا أكفاء، وهذا لا يؤرقنا، فنحن لم نعلم يوماً معنى انتخابات ومرشحين منذ أن وعينا على الدولة "الديمقراطية"، كما أنها مسؤولية لا نقوى عليها، فمن نحن لنكون جديرين بتقرير مصيرنا، فإن كل تلك المصطلحات والمفاهيم، من انتخابات، ومرشّحين، وصناديق اقتراع، وجولات انتخابية، وحتى الديمقراطية، هي من اختراع الغرب الكافر العلماني، الذي يسعى لزعزعة أمن واستقرار البلاد.

هكذا علّمنا إعلامك، ونحن لا نثق إلا في إعلام وطننا النابغ.

وبعد كل تلك التنازلات، هل لي بطلب يا سيادة الريّس؟ هل من الممكن الكفّ عن "تطليع ميتين أم الشعب"؟ هل ممكن مراعاة شعور الشعب، حتى من باب الشفقة أو الإحسان؟ فتلك العبارات "المستفزّة" التي تصحب الإعلانات لا يفرغ المار من قراءتها إلا وسب الدين ثم أكمل طريقه، فصدقني، هذا الرجل الكادح لا يتنعّم بالرخاء والاستقرار المذكورين، ويوميته في العمل لا تسمح له بشراء كيلو سكر، وهذا الشاب لا يرى المستقبل الباهر الموعود المذكور، أما أنا فلا أود أن أكمل الطريق معك أو مع أي أحد، لقد اعتدت الوحدة يا سيادة الريّس، على الأقل أضمن من السير مع شخص يجهل الطريق.

هل لي بطلب يا سيادة الريّس؟ هل من الممكن الكفّ عن "تطليع ميتين أم الشعب"؟ هل ممكن مراعاة شعور الشعب، حتى من باب الشفقة أو الإحسان؟

سيادة الريّس، الضرب في الميت حرام والله.

ومع كل هؤلاء الرعاة، من رجال الأعمال وأصحاب الشركات "المتطوعين" لترشيحك، فأنت لست بحاجة لنا -عامة الشعب الفقراء- فأنا لم أقابل إعلاناً واحداً إلا وكان به إهداء خاص، أو شكر مخصوص، أو دعم من القلب، لسيادتكم، فيبدو أن كل هؤلاء سعداء بتلك الفترة الرئاسية الجديدة، خصوصاً مع اقتراب موسم انتخابات مجلس الشعب، فحينها تتضاعف السعادة بالفترة الرئاسية الجديدة.

تخيل معي يا سيادة الريّس أن هناك عيوناً تراقبك في كل خطوة تنفذها، حتى في أشد لحظات حياتك خصوصية، و تصوّر أنهما نفس العينين بدون تنوّع.

تخيلت معي الموقف؟ موقف غير مريح أليس كذلك؟ فليس من الطبيعي أن تعيش كالمطارد، وإن الأمر لا يتعلق معك بشكل شخصي، فالأمر في المطلق، أنا لا أود أن أعيش والأخ الكبير يطاردني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard