شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لا دولة تعاملني كمواطن ولا وطن يدافع عني... دروس أولية من حرب غزّة

لا دولة تعاملني كمواطن ولا وطن يدافع عني... دروس أولية من حرب غزّة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والفئات المهمشة

الجمعة 17 نوفمبر 202310:38 ص

أكثر من شهر حتى الآن، والحرب الإسرائيلية على غزّة مستمرة، أما التهديدات فلا تتوقف، والقمم تُعقد وتنتهي إلى لا شيء، والطائرات الحاملة لمبعوثين "أهل الحل والعقد" لم تُبطل محركاتها منذ بدء الأزمة.

وسط هذا الضجيج، كانت الحقائق سخية لكل من يبحث عنها وسط ركام المباني ودماء الأطفال، ومن تشكك في ازدواجية بعض القوى الغربية، صار على يقين إنها تكيل بمكيالين، ولا يهمها سوى "الدم الذي يخصّها فقط"، ودون ذلك فكل الدماء مستباحة، حتى أصحاب نظرية أن بعض العرب خطر على فلسطين أكثر من الاحتلال نفسه، لم تبخل عليهم الحرب بتلك الحقيقة أيضاً.

بالنسبة لي، لم أبحث عن أي حقيقة، فآلة القتل كافية أن تُدمي القلوب، وصرخات اللاجئين لا تجعلك تنام مستريحاً أبداً، لكن موقفي هذا لم يمنع الحرب من أن تمنحني عدة حقائق، أولها، وللمفارقة، لا يتعلّق بفلسطين بل بمصر، فبمجرّد بدء المعارك توقف توريد الغاز الإسرائيلي إلى القاهرة، ونتج عن ذلك أن التيار الكهربائي صار يقطع ساعتين يومياً في بيتي وفي كل منطقة بمصر، حسب خطة لـ"تخفيف الأحمال".

الحقائق سخية لكل من يبحث عنها وسط ركام المباني ودماء الأطفال، ومن تشكك في ازدواجية بعض القوى الغربية، صار على يقين إنها تكيل بمكيالين، ولا يهمها سوى "الدم الذي يخصّها فقط"، ودون ذلك فكل الدماء مستباحة

بالطبع كان يمكن أن يكون هذا الحدث عادياً، بل ومقبولاً إذ اقتصر عليه فقط، لكنه كان قطعة البازل وبه اكتملت الصورة التي تجاهلتها عمداً، وأنني في دولة لا تعاملني كمواطن ولا تكترث بي أصلاً، فحين نشبت الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي، ارتفعت أسعار الطعام في مصر، خاصة الزيوت التي لا غنى عنها في كل بيت، والآن الكهرباء بسبب حرب غزّة ، ناهيك عن انخفاض العملة بسبب أي حدث، لدرجة دفعتنا إلى السخرية بالقول إنه لو تشاجر اثنان في حارة بالهند لارتفع الدولار في مصر.

وإذا كان هذا يحدث لظروف خارجية، رغم أن أحد وظائف الدولة الرئيسية حماية مواطنيها من أي طارئ خارجي، والحماية هنا تشمل تأمين حياتهم اليومية، أقول إن الداخل لم يكن أفضل حالاً، فأسعار السجائر ارتفعت إلى الضعف منذ عام بدون أي قرار رسمي، والمحال تبيعها ليلاً نهاراً ولم يقترب أحد منهم، وذلك انطبق على سلع أخرى، أعلن مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، أنها ستنخفض، مثل البصل والبيض والدجاج، ولم يحدث هذا كله، وتلك مجرد أمثلة لقائمة طويلة، والأسخف أنهم يعترفون بكل ذلك، فيضعون خطة لتخفيف أحمال الكهرباء ويشتكون من تلاعب التجار بسوق السجائر وكأنهم لا يملكون سلطة رقابتهم ومحاسبتهم.

والآن عزيزي القارئ/ة، ما هي مسؤولية الدولة أصلاً؟ ورغم بديهية السؤال المجاب عنه في كل لغات العالم، لكن قدرنا أن نعود إلى تلك البديهيات، ونقول إذا كانت الدولة غير قادرة على حمايتك من أي طارئ خارجي، وغير قادرة على حمايتك من جشع التجار وتوفير سلع ضرورية تلائم دخلك الشهري، ولا تمنحك حتى حق اختيار مسؤوليك، سواء رئيس أو نواب، والانتخابات الرئاسية المقبلة وما يحدث من الآن أكبر دليل على ذلك، فهل هذه دولة؟ وهل تعتبر نفسك مواطناً رغم أننا نؤدي واجباتنا لكننا لا نحصل على أي حقوق؟

كشفت لي حرب غزة الأمرّين، أنني لا أملك دولة توفّر لي الخدمات وتحترم إنسانيتي باعتباري مواطناً أملك تلك الدولة في الأساس وبحكم الدستور، وكشفت لي أنه ليس لي وطن قادر على أن يحرّك ساكناً حتى لو تقطعت أجزائي ظلماً

ولأن الحرب سخية في حقائقها المؤلمة، كانت الحقيقة الثانية ليست أقل مرارة من الأولى، وإذا كان نصيب البعض أن يحيا في دولة لا تعامله كمواطن، لكنه على الأقل يجد في وطنه تعويضاً عن ذلك بالدفاع عنه، أما نحن المغضوب علينا ليس لنا دولة أو وطن، فحين نشبت الحرب توقعت أن يحدث مثل المعتاد: سحب سفراء، تهديد بقطع علاقات تجارية وهلم جرّا من تلك الإجراءات التي كنا نصفها في الماضي بأنها فارغة، لكن هذا الفراغ نفسه لم يحدث، فرغم آلة القتل التي تدينها كافة القوانين الدولية، أعطت معظم الدول ظهرها لفلسطين، بعضهم اكتفى بدور الوسيط، وبعضهم انتظر "الإذن" من أجل التحرك، وبعض ثالث لم يكلف نفسه عناء إلغاء مهرجان ثقافي احتراماً لشعور الآخرين.

مخطئ من يظن أن ذلك يحدث مع الفلسطينيين لأنهم فلسطينيون، كمصري تخيّلت نفسي واقعاً في أزمة ما، ماذا سيفعل الوطن الذي تربطني به قومية دينية وعِرقية؟ بصراحة لن يفعل شيئاً، ستربطه مصالحه وطموحه وخسته ونذالته التي لن تدفعه للتحرك من أجل أطفال يموتون، فهل هناك ما هو أسوأ؟

كشفت لي حرب غزة الأمرّين، أنني لا أملك دولة توفّر لي الخدمات وتحترم إنسانيتي باعتباري مواطناً أملك تلك الدولة في الأساس وبحكم الدستور، وكشفت لي أنه ليس لي وطن قادر على أن يحرّك ساكناً حتى لو تقطعت أجزائي ظلماً، ربما تلك الحقائق موجودة من قبل، ربما كنت أتجاهلها عمداً حتى أتشبّث ببقايا دولة وأنقاض وطن، لكن دماء الأطفال لا تعرف التجاهل فدائماً هي الأوضح والأصدق.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard