شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
لماذا نكتب بأسماء مستعارة عن السلطة والجنس؟

لماذا نكتب بأسماء مستعارة عن السلطة والجنس؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الجمعة 24 نوفمبر 202311:50 ص

تحكي الكاتبة عائشة عبدالرحمن، (1913 ‑ 1998) في كتابها "على الجسر بين الحياة والموت" عن قريتها في دمياط، طفولتها وبيت جدّها المحاط بالأشجار الخضراء المرصوصة على ضفتي النيل. لوحات الطبيعة المرسومة بدقة هناك، كانت الملهم الأول لها عند اختيارها لقب "بنت الشاطئ"، ليكون الاسم المستعار الذي تكتب به قصصها القصيرة في مجلتي "البلاغ" و"كوكب الشرق" خوفاً من أبيها الذي رفض استكمال تعليمها، وخوفاً من إثارة حفيظة المجتمع الريفي الذي يكره أن تستقل المرأة، ولا يقبل ظهورها في الحيّز العام.

بالرغم من أن العصر الذي كتبت فيه بنت الشاطئ، وهي كانت أول امرأة تحاضر في الأزهر الشريف، لم يكن يحتوي انفراجاً ثقافياً واجتماعياً كما هو حاصل الآن، لكننا نفعل مثلها ونكتب بأسماء مستعارة. فلماذا نخفي هويتنا الحقيقة ونلجأ إلى أسماء مزيفة حتى نعطي لأقلامنا حفنة حرية؟ لماذا نكتب بأسماء مستعارة عن الجنس، أو حين ننتقد السلطة؟

السياف يقف خلف الباب، إن مددت يدك وأمسكت قلمك وكتبت كلمة واحدة لا ترضي رجال الدين، سوف يطير رأسك دون إنذار. رجال الدين في بلادنا مقدسون أكثر من الأديان أنفسها، وكأنهم أرباب على الأرض، ماذا يعني أن تقول قولك وتعبر عن رأيك؟ من أنت أساساً؟

السياف يقف خلف الباب، إن مددت يدك وأمسكت قلمك وكتبت كلمة واحدة لا ترضي رجال الدين، سوف يطير رأسك دون إنذار. رجال الدين في بلادنا مقدسون أكثر من الأديان أنفسها، وكأنهم أرباب على الأرض، ماذا يعني أن تقول قولك وتعبر عن رأيك؟ من أنت أساساً؟

اغتيال الحقيقة

أغضب كلام الدكتور فرج فودة، عن مصر المدنية والتخلّي عن أسلمة المجتمع، تجار الدين المتطرّفين، وحينما كان المصريون يجهزون بيوتهم وشوارعهم لاستقبال عيد الأضحى، وقف شابان من الجماعة الإسلامية على ناصية الشارع، وأطلقا عليه الرصاص، نقل إلى المستشفى ومات بعد 6 ساعات. دفع حياته كلها ثمن كلمة قالها، ثمن رأي لا يؤذي أحداً ولا يدعو لقتل أحد، وتريد منا أن نعلن أسماءنا حين نكتب؟

 ما يدعونا إلى التخفّي في أسماء ليست لنا هو اعتراضنا على أنظمة تسوقنا كالبهائم، وتحبس أنفاسنا عن إبداء الرأي فيها، أو مخالفة سياستها، وإذا تغاضت عنّا المخابرات كانت "طيور الظلام" لنا بالمرصاد، تجّار الدين الذين يحصون أنفاس الناس.

في بلادنا العربية تصادر الصحف وتحجب المواقع التي لا تسبح باسم الحاكم، إن سألت مواطناً في بلد عربي عن رأيه في حكومة بلده سيكون بين موقفين، إما أن يخاف ويرفض الحديث، وإما أن يدعو للحاكم بالعمر المديد، حتى الذين هاجروا وتركوا بلادهم إلى بلاد تكفل لهم حرية الرأي والتعبير، يمتنعون خوفاً على حياة أقاربهم.

بعد حرب أكتوبر 1973، اعترض الكاتب محمد حسنين هيكل، على طريقة تعامل السادات مع أمريكا، وكان يرى أن الرئيس يبالغ في تقدير أمريكا ويعطيها حجماً أكبر مما تستحق، ما ترتب عليه قرار رئاسي بنقل هيكل من عمله بالأهرام إلى مستشار للرئيس، لكنه رفض القرار، وكتب لصحيفة صنداي تايمز أنه عبر عن رأيه وهذا حق يكفله القانون له، بينما السادات استخدم سلطته كرئيس، وهذه السلطة ليس من شأنها أن تحدّد له أين يذهب بعد أن يترك عمله بالأهرام، لأن القرار يخصه وحده.

"ليس من حقه كصحفي أن يناقش القرار السياسي لأن هذا ليس دوره". وجّه السادات هذه العبارة لهيكل، لتبرير أنه رفض آراءه على تصرفات الرئاسة، وانتهت المناوشات الكلامية باعتقال هيكل في سبتمبر 1981، ضمن حملة اعتقالات شُنّت ضد المعارضين السياسيين، وفي نفس العام اغتيل السادات.

يقول الكاتب إبراهيم عيسى في كتابه "كتابي عن مبارك عصره ومصره": "الرئيس في الدستور المصري يملك صلاحيات لم تتوفر غالباً للفاروق عمر بن الخطاب، والسلطة في مصر لديها إحساس عات بالبقاء والخلود الذي لا يسمح لأحد بأن يقتنع بنظرية تداول السلطة". كان دائم الاحتجاج على ممارسات نظام مبارك السياسية، الأمر الذي أوقعه في عدة معارك مع النظام، بدأت بتوجيه تهمة السب والتطاول على رئيس الجمهورية، حينما كان رئيساً تحريراً لجريدة الدستور.

لن ترحمنا السلطة إن لم نسبح باسم الحاكم، ولن يرحمنا المجتمع إن خالفنا أعرافه وتقاليده، لكن الكلام يخنقنا، نريد الصراخ والتعبير عن أوجاعنا وآرائنا، فيصبح الاسم المستعار الوسيلة الوحيدة لنقول ما نريد، دون أن تغضب علينا السلطة أو يلعننا المجتمع.

حين نكتب عن الجنس

نستخدم الأسماء المستعارة حينما نكتب عن الجنس أو ميولنا الجنسية أو رغباتنا الجنسية، أو الكبت الجنسي في مجتمعاتنا. الحديث حول الجنس يصب غضب أمة لا إله إلا الله، الجنس الذي يمارسه الحيوان والنبات والإنسان محظور في كل الكتب، لكننا يمكن أن نجد كتاباً بنكهة دينية في الجنس، مثل كتاب "الوشاح في فوائد النكاح"، و"ثلاثة نصوص في الجنس"، للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي، إلى جانب كتب أخرى كلها حول الجنس، تحكي قصصاً سطحية ولا تتطرق للأمور العلمية الخاصة بالعملية الجنسية. الجنس ربما يكون هو العلم الوحيد الذي لا يدرس بشكل منفصل كعلم مستقل بذاته في كليات الطب، وإنما يدخل في ضمن علوم أخرى كأمراض الذكورة مثلاً، حتى خبراء الصحة الجنسية عددهم محدود.

أعترف أنني مارست التخفّي وكتبت مقالات لم أجرؤ على نشرها باسمي الصريح، لو قرأها المحامي المراهق لهدمت ثوابته هو شخصياً. مقالات لا يقبلها المجتمع ولا الدين ولا بائع السجائر على ناصية الشارع الذي أسكن فيه. مارست حريتي في الكتابة، لكنها حرية ناقصة جعلتني أشعر  بصغر حجمي، حتى لو  قصدت بالأساس حماية نفسي

ما يدعوك للقلق أن يظهر أشخاص يدّعون أنهم خبراء صحة جنسية ويربطون الدين بالجنس، حتى لا يغضب المجتمع منهم.

فرغم التحفّظ الشديد على آراء وتصريحات الدكتورة هبة قطب، المتخصصة في الصحة الجنسية، لما فيها من مغالطات علمية، إلا أن أحد المحامين حاول جاهداً تصيّد أي خطأ لها للزجّ بها في السجن، بعدما نشرت مقطع فيديو تقول فيها إن الرجل المصري يظهر مشاعره الجنسية في العلاقات غير الشرعية فقط، ما دعا محام لرفع دعوى قضائية ضدها يتهمها فيها بهدم ثوابت الأسرة المصرية، وإهانة الشعب المصري والمجتمع المصري بشكل عام، وهذا ما يدعونا للكتابة بأسماء مستعارة.

أعترف أنني مارست التخفّي وكتبت مقالات لم أجرؤ على نشرها باسمي الصريح، لو قرأها المحامي المراهق المذكور لهدمت ثوابته هو شخصياً، مقالات لا يقبلها المجتمع ولا الدين ولا بائع السجائر على ناصية الشارع الذي أسكن فيه. مارست حريتي في الكتابة، لكنها حرية ناقصة جعلتني أشعر  بصغر حجمي، حتى لو  قصدت بالأساس حماية نفسي.

ما يجبرنا على الكتابة بأسماء مستعارة أننا نخاف أحياناً من حرّاس الفضيلة الذين يرفضون الكتابة ويكرهون المثقفين ويقتلون المفكرين، نخاف أن تعتقل أقلامنا وتمنع من التنفس ومن الكتابة ويحجبون عنها نور الشمس، لكن إلام نظلّ خائفين من جلاد المجتمع وجلاد الدين وجلاد السلطة؟ لا نعلم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard