"كما وصلنا إلى هذا الشعار -شعار سيارة الكاديلاك الخاصة برئيس وزراء إسرائيل وقتها- نستطيع أن نصل إلى رابين"؛ بهذه الكلمات كان تعليق إيتمار بن غفير، زعيم "القوة اليهودية" في الكنيست الإسرائيلي، والمرشح لترؤس وزارة الأمن الداخلي في حكومة رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو، على اتفاقية أوسلو، ولم يمر سوى شهر حتى تم إطلاق النار على إسحاق رابين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومات بعدها.
اليوم، يدخل بن غفير الذي خرج من رحم حركة "كاخ" المتطرفة والمصنفة إرهابيةً، والتي أسسها الحاخام المتطرف مائير كاهانا، وانضم إليها بن غفير في سن السادسة عشر، بحسب القناة السابعة الإسرائيلية، إلى الكنيست، زعيماً للصهيونية الدينية بعدما حصد 14 مقعداً نيابياً، كثالث الأحزاب الأكثر حصولاً على مقاعد نيابية، ما دعا صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى وصف وصول بن غفير إلى الكنيست بأنه "يوم أسود" في تاريخ إسرائيل.
من هو بن غفير؟
يُعدّ زعيم حزب القوة اليهودية، واحداً من أبرز العناصر المتطرفة داخل إسرائيل، واتُّهم في قضايا عدة متعلقة بالعنصرية، وعُرف منذ نعومة أظافره بآرائه المتشددة والعنصرية. ولشدة تأثره بالإرهابي مائير كاهانا، درس في مدرسة "الفكرة اليهودية" التي أسسها الأخير، وكان يناهض أي أفكار متعلقة بالسلام، لذلك كان يرى رابين خائناً، حتى بعد مقتله بسنوات. أسس بن غفير الذي يعمل في المحاماة برفقة آخرين مجموعة عمل باسم "لجنة الديمقراطية" من أجل الدفاع عن آغال عمير، الذي اغتال رابين.
يُعد زعيم حزب القوة اليهودية، واحداً من أبرز العناصر المتطرفة داخل إسرائيل، واتُّهم في قضايا عدة متعلقة بالعنصرية
كذلك، هاجم بن غفير أريئيل شارون، عند إعلان الأخير الانسحاب من قطاع غزة، وتم اعتقاله على خلفية التحريض ضد رئيس الوزراء حينها، وأظهر بن غفير شماتةً في إصابة شارون بجلطة دماغية بقوله: "نتمنى أن تكون هذه رسالة إلى كل من يريد المس بأرض إسرائيل".
مواقف زعيم حزب "القوة اليهودية" العدائية ضد العرب معلنة وغير خفية، وتجدر الإشارة إلى أنه لم يخفِ أنه يعلّق في منزله صورة الإرهابي باروخ غولدشتاين، الذي ارتكب مجزرة المسجد الإبراهيمي، وراح ضحيتها 29 مصلياً عام 1994، وأعلن صراحةً أنه لن يزيل الصورة، إذ كان يراه بطلاً أنقذ أرواح أصدقائه.
بدأ بن غفير رحلة وصوله إلى الكنيست، عندما ترشح للمرة الأولى في انتخابات عام 2013، على قائمة "عوتسماه يسرائيل"، لكنهم فشلوا في تجاوز نسبة الحسم حينها، وفي نيسان/ أبريل 2019، كان ترتيب بن غفير في "اتحاد أحزاب اليمين"، الرقم ثمانية، لكن الائتلاف لم يحصد 8 مقاعد، ولم يحظَ الرجل بمقعد داخل الكنيست، وكان إسرائيل في العام نفسه على موعد مع انتخابات جديدة في أيلول/ سبتمبر، ودخلها إيتمار بن غفير تحت لواء حزب "القوة اليهودية"، لكنه لم يتجاوز نسبة الحسم أيضاً.
أوّل ظهور لبن غفير كعضو في الكنيست، كان في انتخابات آذار/ مارس 2021، وكان أول خطاباته في داخله، في نيسان/ أبريل 2021، حين هتف أعضاء الكنيست العرب في أثناء كلمته بقولهم "عنصري"، وفي آب/ أغسطس من العام الحالي، وقّع حزبه اتفاقاً يخوض بمقتضاه انتخابات الكنيست الـ25 التي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، تحت لواء "الصهيونية الدينية"، واحتلت المرتبة الثالثة من ناحية الأصوات بـ14 مقعداً، والآن سيصبح بن غفير وزيراً للأمن الداخلي في حكومة نتنياهو المكلفة، وهو ما أكده نتنياهو نفسه، فيما يترقب العالم أجمع كيف ستكون أوضاع الضفة والحرم الإبراهيمي تحت قيادة الوزير المتطرف.
تحذيرات ومخاوف إسرائيلية
منذ إعلان نتائج انتخابات الكنيست الخامس والعشرين، يترقب الكثيرون داخل إسرائيل وخارجها ما ستؤول إليه الأوضاع، بسبب إعلان الاتفاق بين حزب الليكود بزعامة نتنياهو وحزب "عوتسماه يهوديت"، على تولي بن غفير وزارة الأمن الداخلي في الحكومة الجاري تشكيلها، لكن بصلاحيات موسعة، من ضمنها جعل المسؤولية وقيادة شرطة حرس الحدود في الضفة الغربية تحت قيادته، وهو ما عدّه وزير الدفاع الحالي، بيني غانتس في تصريحات متلفزة نشرها موقع "بيما"، "بداية تأسيس جيش خاص للوزير المتطرف وينذر باستخدام القوة ونشر الفوضى في الضفة الغربية ومن المحتمل أن يخلق صدامات أمنيةً".
نتنياهو باختياره بن غفير، فإنه اختار ‘العار’ الذي يفاقم الوضع الأمني، وهي خطوة ستضرّ بالجيش الإسرائيلي إذ سيتم تقسيم صلاحيات الجيش والجهات الأمنية، فماذا ستكون نتيجتها؟
وقال إن "نتنياهو اختار ‘العار’ الذي يفاقم الوضع الأمني"، كما هاجم غانتس في تصريحات نشرها موقع "سروجيم" هذه الخطوة "التي تضرّ بالجيش الإسرائيلي إذ سيتم تقسيم صلاحيات الجيش والجهات الأمنية، ما سيؤدي إلى تناقضات وتخبط على الأرض"، وحمّل نتنياهو مسؤولية ذلك، ويرى غانتس أن الصلاحيات الممنوحة لبن غفير تجعله رئيس الوزراء الحقيقي.
ورأى الكاتب الإسرائيلي يوسي فرتر، تولّي بن غفير حقيبة الأمن الداخلي، والتي من المقرر أن يتغير اسمها إلى "الأمن القومي"، بمثابة عبوة ناسفة يضعها نتنياهو في قبضة بن غفير، كذلك الأمر في ما يخص نقل صلاحيات سلطة "إنفاذ القانون" على الأراضي.
برأي فرتر، الحكومة القادمة لن تكون حكومة نتنياهو السادسة، بل حكومة يئير نتنياهو، في إشارة لا تخلو من السخرية، إلى نجل رئيس الوزراء المكلف، حيث التخبط في اتخاذ قرار مصيري مثل هذا ووضع صلاحيات أمنية في قبضة رجل وصفه الكاتب الإسرائيلي في مقالته المنشورة في صحيفة "هآرتس" بتاريخ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، بأنه شخص يحتاج إلى النضوج والمسؤولية، وبأنه يشكل خطراً على الأمن القومي، فيما وصف الكاتب نتنياهو نفسه بأنه بهذه الطريقة، يوحي كأنه شخص "فوضوي عديم المسؤولية".
تغيير الوضع الراهن
لطالما درج اليهود المتشددون على اقتحام الحرم الإبراهيمي والصلاة فيه، وإقامة شعائرهم أو طقوسهم، وإثارة الصخب والضجيج لمنع المسلمين من أداء الصلوات أو زيارة المكان المقدس، حتى بن غفير نفسه يقول في كلمة مصورة له نشرتها القناة الرسمية لحزبه منذ أسابيع في أثناء اقتحام الحرم الإبراهيمي: "جئت إلى الحرم القدسي لأوضح لحماس وللمنظمات الإرهابية أننا أصحاب الحرم القدسي في دولة إسرائيل".
بن غفير: جئت إلى الحرم القدسي لأوضح لحماس وللمنظمات الإرهابية أننا أصحاب الحرم القدسي في دولة إسرائيل
كذلك، قال في تصريحات نشرها موقع "بيما": "أتوقع من الشرطة أن تتصرف بيد ثقيلة، لقد دُهشت لرؤية العشرات في الحرم القدسي يتحركون في اتجاهي ويشتمون ويصرخون، وبالطبع لم أغمض عينيّ، وقلت لهم إن إسرائيل على قيد الحياة"، وأضاف: "دور الشرطة هو توقيف المشاغبين وطردهم من الحرم القدسي. ليس من الممكن أن تسمح الشرطة للمشاغبين بالتواجد هنا".
وفي سياق متصل، كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم"، أن حزب "عوتسماه يهوديت" أو باللغة العربية "القوة اليهودية"، يسعى إلى تعديل قانون العقوبات لمن يثير الفوضى أو يزعج الجنود، بالاعتقال لمدة 3 سنوات لأي شخص يرتكب جرائم، من وجهة نظر الحزب، ضد قوات الأمن الإسرائيلية.
إذاً، يُعدّ بن غفير من مؤيدي تغيير الوضع الراهن في الحرم الإبراهيمي، لذلك فتعيينه وزيراً للأمن الداخلي ونقل صلاحيات قوات حرس الحدود إليه، ينذران بوقوع اشتباكات وفوضى وقد يصل الأمر إلى حد الانتفاضة، إذا زادت المواجهات بين اليهود المتشددين بقيادة بن غفير الذي سيمنح أنصاره قوةً وضوءاً أخضر لاقتحام الحرم وارتكاب الجرائم بحماية الشرطة التي سيقودها، والفلسطينيين.
وسيكون المفتش العام للشرطة حينها، تحت إمرته وقيادته، وفي هذا السياق، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن المفتش العام الحالي يعقوب شبتاي، يسعى إلى عقد جلسة مصالحة مع بن غفير، خشية إقالته، وهو ما أثار حفيظة كثيرين منهم رئيس الوزراء الحالي، يائير لابيد، الذي تعجب من الصلاحيات المنتظر منحها لبن غفير على الشرطة، إذ يراه مداناً بدعم الإرهاب وهو ما دفع لابيد إلى انتقاد نتنياهو وذلك في المؤتمر السنوي حول الأمن القومي والديمقراطية، والذي يعقده معهد إسرائيل للديمقراطية، إذ يرى لابيد أن تلك التنازلات تأتي في "ضوء سعي نتنياهو إلى تقويض قضايا محاكمته وسن قوانين تمنع ذلك بل حتى اختيار القضاة الذين سينظرون في مسألة محاكمته".
قلق عربي وإسرائيلي
اهتمت الصحف العربية والفلسطينية بتعيين بن غفير وزيراً للأمن، ولم تخفِ وسائل الإعلام ولا الأوساط العربية المخاوف الكبيرة من هذا التعيين، إذ نشرت صحيفة "القدس العربي" افتتاحيةً جاء في عنوانها: "بن غفير: زعيم الإرهاب قائداً للأمن!"، تحدثت فيها عن عنصرية بن غفير وعدم أخلاقيته، واستشهدت بتهديد جندي من قوات الاحتلال لناشطين فلسطينيين، بقوله لهم: "بن غفير سيغير كل شيء".
بدأت التوقعات بإشعال المنطقة، والحرب على قطاع غزة ولبنان وربما مواجهة مع إيران، نتيجة وصول بن غفير الذي بنى جماهيريته على الكراهية والعنصرية، إلى الكنيست، فهل تصحّ هذه التوقعات؟
كما تناولت الصحيفة المخاوف الكبيرة من الصهيونية الدينية، وذكرت أن هذا التحالف سوف يقتل الآمال الفلسطينية بإقامة دولة، والأمر نفسه بالنسبة إلى صحيفة "رأي اليوم"، التي أفردت مقالةً عن توقعات بإشعال المنطقة، وعن بادرة حرب على قطاع غزة ولبنان وربما مواجهة مع إيران، وتناول المقال المخاوف بسبب بن غفير الذي بنى جماهيريته على كراهية العرب والعنصرية ضدهم، مشيرةً في الوقت نفسه إلى أن تولّي بن غفير قد يوحّد "جبهات المقاومة ضد الاحتلال".
المخاوف من الفوضى المنتظرة طالت الرئيس الإسرائيلي نفسه، يتسحاق هرتسوغ، ذا التوجهات اليسارية، إذ كان قائداً لحزب العمل في فترة من الفترات، واعترف بأن العالم كله يخاف من بن غفير، وليس العرب وحدهم، وذلك في تسريب صوتي تحدثت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية.
ولم يخفِ يهود الولايات المتحدة الأمريكية قلقهم من صعود بن غفير، إذ يرون أنه يشكل تهديداً مباشراً لشكل الديمقراطية الإسرائيلية، وأنه يمثّل خطراً على الفلسطينيين والإسرائيليين أنفسهم وكل من يعيش داخل إسرائيل، بحسب ما نشره موقع "سروجيم".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 21 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...