شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الحرب الإسرائيلية على جسد الفلسطيني… الإذلال كسلاح يرافق كل عدوان

الحرب الإسرائيلية على جسد الفلسطيني… الإذلال كسلاح يرافق كل عدوان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 17 نوفمبر 202301:09 م
Read in English:

The Israeli war on the Palestinian body

تشن إسرائيل حرباً هي الأعنف على قطاع غزة المحاصر، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت. تخطى عدد ضحاياها 12 ألف قتيل و30 ألف جريح في غضون 40 يوماً. وارتكبت خلالها اعتداءات فجّة ترقى إلى جرائم حرب - وفق تقديرات حقوقية دولية متطابقة - بحق المستشفيات والمدارس والمنشآت المدنية والأممية. ولم تسلم الضفة الغربية المحتلة من ألوان الاعتداء والقتل والتنكيل.

في موازاة ذلك، تمضي إسرائيل قدماً في حربها على "الجسد الفلسطيني"، والتي بدأت حتّى قبل نكبة عام 1948،  بأشكال مروعة من الإذلال وانتهاك الخصوصية والكرامة والاعتداء وإن بلغت ذروتها هذه المرة.

ويشكل التوسّع في ممارسات تُعد من قبيل الإساءات والاعتداءات الجنسية كالتعرية والتفتيش المسيء، والإجبار على تقبيل العلم الإسرائيلي أو الوقوف للنشيد الوطني الإسرائيلي، وتصوير هذه الانتهاكات و/ أو السماح بنشرها على نطاق واسع، سابقة خطيرة بحسب مصادر حقوقية. 

تعرية وتعذيب يرتكز على "المناطق الحساسة"

خلال الأيام الأخيرة، تحدث عدد من النازحين/ات الفلسطينيين/ات من شمال قطاع غزة إلى جنوبها عن تكرار مشاهدات مثل تجريد الشباب أو الرجال من ملابسهم بشكل كامل وتركهم لساعات طويلة عراة أمام بقية النازحين/ات، كأحد أساليب الإذلال والتعذيب.

كما بُثت عبر الإنترنت مقاطع مصورة لما يبدو لتعذيب عمال فلسطينيين وهم عراة تماماً وركلهم في مؤخراتهم أو أعضائهم الجنسية داخل إسرائيل. ولاحقاً، عقب الإفراج عن نحو عامل من غزة، تحدث البعض منهم عن أنماط مماثلة من التعذيب والإبقاء عُراة تماماً لأيام متتالية وإطلاق الكلاب البوليسية عليهم، والتعذيب بالكهرباء وإطفاء السجائر في أجسادهم، و"كله يركز على المناطق الحساسة". 

وراجت بالتزامن عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي تقارير صحافية مشاهد لنقل معتقلين وأسرى فلسطينيين، على ما يبدو، وهم عراة تماماً. علاوة على ضربهم والسخرية منهم وتصويرهم.

وقال المرصد المتوسطي لحقوق الإنسان إنه "وثّق عمليات تعذيب وسوء معاملة لمعتقلين فلسطينيين في الضفة، بما يشمل تعرضهم للضرب المبرح وتصويرهم عراة بالكامل ومعصوبي الأعين ومقيدي الأيدي، وإجبارهم على القيام بأعمال ضد إرادتهم تحت التهديد بالتعذيب أو العنف وتوثيق ذلك بمقاطع فيديو".

وفي تقريرها الصادر 8 تشرين الثاني/ نوفمبر، قالت منظمة العفو الدولية إن لديها "شهادات وأدلة مقاطع فيديو" على "حالات مروعة من التعذيب والمعاملة المهينة للمعتقلين الفلسطينيين على أيدي القوات الإسرائيلية، بما في ذلك الضرب المبرح والإذلال المتعمد للفلسطينيين المحتجزين في ظروف بالغة القسوة" في ما اعتبرته المنظمة "استعراضاً علنياً تقشعر له الأبدان".

لم تقتصر هذه الانتهاكات الجسدية والجنسية المذلة على الرجال الفلسطينيين فقط. قالت "العفو الدولية" إنها تحدثت إلى امرأتين فلسطينيتين احتُجزتا تعسفياً 14 ساعة في مركز للشرطة في القدس الشرقية المحتلة، مبرزةً أنهما "تعرضتا للإذلال والتفتيش بعد تجريدهما من ملابسهما والسخرية منهما، وطُلب منهما شتم حماس. وقد أُطلق سراحهما فيما بعد بدون توجيه تُهم بحقهما". 

"لقد أرادوا إرسال رسالتين: الأولى، أن اليهود أصيبوا بالجنون بعد هجوم حماس، والثانية، أننا نحن العرب يجب ألا نجرؤ على العبث معهم"... إسرائيل تمضي قدماً في حربها على "الجسد الفلسطيني"، والتي بدأت حتّى قبل نكبة عام 1948،  بأشكال مروعة من الإذلال وانتهاك الخصوصية والكرامة والاعتداء وإن بلغت ذروتها هذه المرة

وتداولت مواقع صحافية فلسطينية مقطع فيديو قالت إنه لعملية تفتيش جسدي لطالبة قاصر من قبل الجيش الإسرائيلي في مخيم شعفاط، يرقى إلى اعتباره تحرش جنسي صريح ومهين.

كذلك، وثقت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في تحقيق لها جملة من الانتهاكات الجسدية والجنسية بحق ثلاثة مواطنين فلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة على أيدي جنود إحدى وحدات الجيش الإسرائيلي ومستوطنين إسرائيليين، بما في ذلك تعريتهم تماماً وتصويرهم عُراة، والتبوّل على اثنين منهم، وإطفاء السجائر في أجسادهم، ومحاولة اقتلاع أظافرهم، ومحاولة اغتصاب أحدهم شرجياً. وأبرزت أن التعذيب استمر يوماً كاملاً، ونُقل الثلاثة إلى مستشفى في رام الله عقب إطلاق سراحهم. 

نقلت الصحيفة عن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "نظراً لقوة الاتهامات، فُتح تحقيق في الحادث، وأُقيل قائد الوحدة". وذكر أحد الضحايا الفلسطينيين الثلاثة، ويُدعى أبو حسن، للصحيفة، أنه تعرض لكل أشكال التعذيب التي عُرف عنها في سجن أبو غريب لكن من قبل الجيش الإسرائيلي لا الأمريكي.

وأوضح أن سبب الاعتداء عليه بشكل خاص، بما في ذلك محاولة الاعتداء الجنسي، هو أنه معروف بين المستوطنين كناشط يساعد الرعاة الفلسطينيين ضد إرهاب المستوطنين. قال: "لقد أرادوا إرسال رسالتين: الأولى، أن اليهود أصيبوا بالجنون بعد هجوم حماس، والثانية، أننا نحن العرب يجب ألا نجرؤ على العبث معهم".

ويبقى الأسرى والأسيرات في السجون الفلسطينية الحلقة الأضعف في حلقة التعذيب والإذلال الإسرائيلي. أكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، مراراً وتكراراً، أنه علاوة على التجويع والتعطيش وقطع الكهرباء والحرمان من التريض والكانتين وتكسير الأطراف والحرمان من العلاج، يتعرض الأسرى "للتحقير والإهانات، وتوجيه العبارات النابية إليهم، كما يتعرضون للشبح وتكبيل أيديهم إلى الخلف، وشد القيود، والتفتيش العاري المهين".

وقال الفلسطيني حسن عبادي، محامي الأسيرة الكاتبة لمى خاطر، إنها أخبرته أنها تعرضت لتهديد بالاغتصاب الجماعي خلال التحقيق معها في معسكر كريات أربع. كتب في شهادته عبر حسابه في فيسبوك: "هدّدها الضابط: ‘معي 20 جندي، بدنا نغتصبك مثل ما جماعتك اغتصبوا بناتنا‘، وأضاف: ‘بدّي أعتقل أولادك وأحرقهم‘، هدّد كل الوقت قائلاً: أنتم أسرى حرب وبطلعلنا نعمل فيكم شو بدنا".

أضاف عبادي أن لمى وغيرها من الأسيرات يتعرضن إلى "تفتيش عارٍ" بانتظام، علاوة على انتهاكات فجّة أخرى من بينها التجويع وتناول مياه مع كلور وقطع الكهرباء والمياه لساعات طويلة، وسحب الملابس والطعام منهن.

أسباب العنف غير المسبوق والمستشري

مما لا شك فيه أن إسرائيل ربما تحاول "الثأر" من المفاجأة القاسية التي مُنيت بها في "طوفان الأقصى" من خلال "انتصارات" وهمية على أجساد الفلسطينيين/ات، وهو ما تسبب على الأرجح في الارتفاع غير المسبوق في الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين هذه المرة، والتركيز على الإساءة الجنسية على نحو خاص لما لها من آثار مريرة.

في الأثناء، تعتبر "هآرتس" أن الانتهاكات المتزايدة بحق الفلسطينيين من قبل جنود ومستوطنين إسرائيليين من بعد "طوفان الأقصى" مردها عدة عوامل أولها: "الحرب، ولأن معظم قوات الجيش النظامية قد تم نقلها إلى جنوب إسرائيل، وبالتالي معظم القوة العسكرية المتمركزة في الضفة الغربية هي الآن احتياطيات، والتي تضم عدداً كبيراً من المستوطنين".

العامل الثاني الذي تشير إليه الصحيفة هو التوسّع في تسليح المستوطنين المتطرفين، نزولاً عند رغبة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير. و"بموجب توجيهات جيش الدفاع الإسرائيلي، فإن العديد من المستوطنين مؤهلون لحمل السلاح، وهناك تاريخ واسع وموثق من ارتكاب المستوطنين أعمال عنف أو أعمال غير قانونية أخرى أثناء تسلحهم ببنادق الجيش الإسرائيلي". تضيف الصحيفة الإسرائيلية أن "ثقافة التهديد والعنف ضد مجتمعات الرعاة الفلسطينيين في الضفة الغربية" تحوّلت إلى "تسونامي" مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة.

وأشارت "هآرتس" إلى انتحال عدد متزايد من المستوطنين ملابس جنود في الجيش، وارتكاب انتهاكات واسعة بحق فلسطينيين في ظل "الخط غير الواضح بالفعل بين المستوطنين والجنود الذي أصبح أكثر ضبابية" بحيث بات التمييز بين الجندي والمستوطن يمثّل "صعوبة بالغة".

مما لا شك فيه أن إسرائيل ربما تحاول "الثأر" من المفاجأة القاسية التي مُنيت بها في "طوفان الأقصى" من خلال "انتصارات" وهمية على أجساد الفلسطينيين/ات، وهو ما تسبب على الأرجح في الارتفاع غير المسبوق في الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين هذه المرة، والتركيز على الإساءة الجنسية على نحو خاص لما لها من آثار مريرة. مزيد من الأسباب في تقريرنا

الجسد الفلسطيني كجوهر للصراع

إلى ذلك، يبقى مؤكداً أن الاعتداءات على أجساد الفلسطينيين هي دأب إسرائيلي وممارسة راسخة بل وهناك محاولات متعددة لمأسستها والتطبيع معها. على سبيل المثال لا الحصر، أصدرت جماعات "جباية الثمن" الاستيطانية، في آب/ أغسطس عام 2013، دليلاً إرشادياً لتعليم الصغار "كيفية انتهاك جسد الفلسطيني وخصوصيته"، حسب ما أفادت به القناة العاشرة الإسرائيلية آنذاك. اعتبرت هذه الجماعات المتطرفة انتهاك الجسد الفلسطيني ثمناً لمعارضة المواطنين العرب التوسع في إقامة المستوطنات غير القانونية والعلاقات الغرامية بين شباب عرب ويهوديات.

الاعتداءات على أجساد الفلسطينيين هي دأب إسرائيلي وممارسة راسخة بل وهناك محاولات متعددة لمأسستها والتطبيع معها.

الدليل الوارد في 32 صفحة، لم يقتصر على التحريض على الكراهية والانتقام من المواطنين الفلسطينيين العرب فقط، وإنما أيضاً حوى توثيقاً لكل الأفعال الإجرامية لـ"جباية الثمن" خلال أربع سنوات. وزع الدليل على جميع الشباب والمراهقين في المستوطنات الإسرائيلية.

لفهم أوضح لأهداف الحركة الصهيونية ومن بعدها إسرائيل من استهداف الجسد الفردي الفلسطيني، يمكن العودة إلى الباحث الفلسطيني إسماعيل ناشف، والذي اعتبر في دراسته المعنونة: "في اللا/تحوّل في الممارسة والخطاب: إشكاليّة الثقافيّ الفلسطينيّ"، أن جوهر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو "جسد الأرض/ الجسد الجمعيّ/ الجسد الفرديّ" كـ"ثلاثية مقدسة" سعت بريطانيا والحركة الصهيونية منذ عقود للسيطرة عليها لضمان "الوطن القومي" المزعوم لليهود على أرض فلسطين، مؤكداً أن هذا المسعى ما تزال إسرائيل تنتهجه حتى اليوم "وإن بتحويرات مختلفة".

يشرح ناشف في دراسته: "كانت 1948 لحظة فقدان جسد الأرض وما تلاها من فقدان للجسد الجمعيّ وتشرُّد ذلك الفرديّ في أصقاع شتّى، وهي لحظة كثّفت ما سبقها من العلاقات إلى درجة أنّها أصبحت لحظة مؤسِّسة لما جاء بعدها من أحداث". كما يلفت إلى أنه بينما كان "جسد الأرض كان البؤرة الأساسية لغاية 1948، نرى أنّ الجسد الجمعيّ أصبح الحلبة الأساسيّة (للصراع) في الفترة التي تلتها وتأسّس في 1967، على الجانب الفلسطينيّ منه على الأقلّ، من خلال صعود التنظيمات الفلسطينيّة كتعبير عن هذا الجسد الجمعيّ وإرادته السياسيّة".

وهو يستطرد: "الانزياح الذي تتوّج في أوسلو حوّل الجسد الفرديّ من موقعه الثانويّ إلى موقع البؤرة الأساسيّة، وما زلنا نعيش تجلّيات هذا التحوّل لغاية الآن. هذه العمليّات الأساسيّة التي كوّنت فضاء الصراع وإحداثيّاته المختلفة هي الخلفيّة التي نشأ في ظلها الاستشهاديّ الفلسطينيّ، وهي موضوعيّة إلى حدّ ما في علاقاتها مع إرادته الفرديّة كفاعل في التاريخ الذي يكوّنه".

وبينما قد يستغرب البعض أن يكون الجسد، سواءً الجمعي أو الفردي للفلسطينيين، جوهراً للصراع، يوضح ناشف: "ليس من قبيل المصادفة أن يتحوّل الجسد، الفرديّ والجمعيّ، إلى حلبة الصراع المباشرة في فلسطين، القائمة منها والمشرّدة، كلّما احتدّ الصراع في نمطيّته المتكرّرة. فالمحور الأساسيّ للصراع الاستعماريّ، وكذلك الوطنيّ المشتقّ منه، هو إرادة الجسد الجمعيّ المعبَّر عنها بالإرادة السياسيّة العامّة. ويزداد هذا المحور أهمّـيّة في الاستعمار الاستيطانيّ المبنيّ أساساً على محو الجمعيّ القائم، وإعادة تشكيل الفضاء المحلّـيّ بما يلائم ماكينة استخلاص فائض الإنتاج المادّيّ والرمزيّ للمستعمِر".

باحثون ومحللون كُثر اتفقوا على هذا الطرح. من بينهم عالم الاجتماع والأنثروبولوجيا بلال عوض سلامة الذي يؤكد في دراسته المعنونة: "العمليات الاستشهادية الفلسطينية… تطور الجسد كأداة مقاومة": "مَثّل الجسد الفلسطيني أيديولوجيا متدحرجة في مراحل الصراع الفلسطيني، صُنع من الأجساد أدوات مقاومة وقتالية يُستدعى نوعها حسب السياق وما يمليه الشرط التاريخي، باعتبارها ثلاثية المقدس المشتبكة ‘جسد الأرض/ المجتمع/ الفرد‘ فحين يتآكل أو يتراجع أحدهما يتقدّم الشهيد ليشكل حاضنة/رافعة، ومدافعاً عن فكرة الوجود الذي تجسده ‘ثلاثية المقدس‘".

كذلك، يقول سلامة في كتابه "في معنى الأرض… استعادة الذات الفلسطينية": "إن الفلسطيني ووجوده على أرضه ونموه الطبيعي يشكلون معضلة أمنية ومشكلة ديموغرافية كما شهدتها محتشدات 1948… فالأرض هي الهدف أولاً، والسكان ثانياً، ففي حال فشل المستعمرين في المحو الفعلي والثقافي أو حتى الرمزي من خلال سياسة الإقصاء الاجتماعي والسياسي والتهجير، يلجأون إلى سياسات الاحتواء والصهر والتفتيت، والتي قد تكون ‘أشد فاعلية للتخلص من الأصلاني بدل الإبادة‘ لأنه من خلال هذه السياسات سيعاد صوغهم ‘مجرد ذوات بيولوجية لا سياسية‘ والتصدي للوجود الفلسطيني ومقاومته ضمن حالة تضمن العزلة في محتشداتهم". 

يقول أيضاً إنه "لم تحصل هندسة المكان والسيطرة على الجغرافيا الفلسطينية بمعزل عن السيطرة على الفلسطيني وعلى الزمن لديه، فالسيطرة على الأرض سياسة موجهة أيضاً إلى صوغ الوعي للفلسطيني المرتبط بالمكان والهوية وهندسته، وبالمنظومة الثقافية والقيمية للفلسطيني كمحاولة لمحوه حتّى ثقافياً، أثرت بالضرورة في الوعي الذاتي للمحتشدات ولهويتها المكانية لا الوطنية نتيجة التفتيت الجغرافي ومصفوفة الحواجز، وإحاطتها بجملة من الإقصاءات وتحديد من يحق له الدخول أو الانتقال منها وإليها، كجزء من آليات السيطرة على أجساد الفلسطينيين وإحكام السيطرة عليها".

"مَثّل الجسد الفلسطيني أيديولوجيا متدحرجة في مراحل الصراع الفلسطيني، صُنع من الأجساد أدوات مقاومة وقتالية يُستدعى نوعها حسب السياق وما يمليه الشرط التاريخي، باعتبارها ثلاثية المقدس المشتبكة ‘جسد الأرض/ المجتمع/ الفرد‘ فحين يتآكل أو يتراجع أحدهما يتقدّم الشهيد ليشكل حاضنة/رافعة، ومدافعاً عن فكرة الوجود الذي تجسده ‘ثلاثية المقدس‘"

يتابع سلامة: "حتّى الزمن الفلسطيني سُيطر عليه وضُبط. فهدر الوقت للفلسطيني، وهو سياسة قديمة - جديدة، استخدم في التقويض على الفلسطيني وحصره في المحتشدات، وهدر وقته وتبديده، وما أدى دوراً حاسماً في ذلك هو المنظومة الأمنية من خلال الحواجز العسكرية بعد انتفاضة عام 2000، ومصفوفة الإغلاق والامتهان لكرامة الفلسطيني التي اختبرها بشكل يومي. استهدف الجسد الفلسطيني بهدف تفكيكه على الصعيدين الشخصي والجمعي لتطويعه وعدم سيطرته على زمانه، فصوغ مفهوم جديد لذاته، تُمتَهن فيه كرامته وتُهدَر، هو لضرب مفهومه لذاته والاعتداد بها تفكيكه. ولدت هذه السياسة التشرب الاجتماعي للمنظومة الأمنية لبعضهم، لكنها كانت عاملاً محرضاً للبعض أيضاً، لاستعادة ذاته المهدورة لآخرين".

التعذيب المرئي له أهدافه أيضاً

برأي سلامة، لا يختلف "استخدام الترهيب عند الحواجز والقتل الذي ازداد في هبة 2015" عن "استهداف المناضلين والمقاومين الفلسطينيين في السجون أو عند الحواجز وإن كانت بشكل أقسى وأعنف"، مشدداً أنها جميعاً أساليب "تهدف إلى الغاية نفسها وهي ضرب مفهوم الذات المقاومة لدى الفلسطيني وتفكيكه، لمنعه من المقاومة والتمرد". 

"التعذيب والقتل المرئي في السياق الفلسطيني… سياسة تستهدف المحو الثقافي للبنية التحتية للمقاومة والنضال والتضامن، وقتل روح الجماعة والبنية التحتية للصمود، حتى يتقوقع الفلسطيني على ذاته، فيقوده ذلك إلى التدمير الذاتي والانشغال باليومي المعيش".

ويردف: "فما أنواع التعذيب من تعرية الأسرى ونزع الأظافر والإجلاس على فوهات قوارير زجاج، وإفلات الكلاب البوليسية عليهم، كسياسات انتهجت في سبعينيات القرن الماضي ضد الفلسطيني… والتجديد المتكرر في الاعتقالات الإدارية للمناضلين، أو حتى التصفية الجسدية لمقاومين ميدانياً أو في التحقيق، ما هي إلا سياسة تهدف إلى محو المقاومة والتمرد لدى الفلسطيني"، مضيفاً "فكان العزل التام عن مجتمعه ومكانه وزمانه والعبث بحواسه من أجل التحكم فيه وإعادة صوغه وتطويعه، أو تطويع البيئة الاجتماعية المحيطة به في أقل تقدير".

يذهب سلامة أبعد من ذلك بالتلميح إلى حرص إسرائيل على "تعميم مشاهد القتل والتعذيب والإعلان عنها" بهدف "تدمير القاعدة الوجودية للإنسان بصيغة الجمع، الذي ما زال على قيد الحياة" أي إرهاب بقية الفلسطينيين. كما يؤكد أن "التعذيب والقتل المرئي في السياق الفلسطيني… سياسة تستهدف المحو الثقافي للبنية التحتية للمقاومة والنضال والتضامن، وقتل روح الجماعة والبنية التحتية للصمود، حتى يتقوقع الفلسطيني على ذاته، فيقوده ذلك إلى التدمير الذاتي والانشغال باليومي المعيش".

الجدير بالذكر أن العديد من الشهادات عن التعذيب خلال الأيام الماضية أكدت على هوس الجنود والمستوطنين بتصوير الضحايا تحت التعذيب وبشكل خاص وهم عُراة أو في أوضاع مهينة. وقد نُشر العديد منها عبر الإنترنت على نطاق واسع وبتباهٍ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image