شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"الأسماك باتت حكراً على الأغنياء فقط"... تداعيات الصيد الجائر في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الخميس 23 نوفمبر 202311:56 ص

تراجعت في السنوات الأخيرة الثروة السمكية والأحياء المائية بشكل عام في الجزائر، وانعكس هذا التراجع على أسعار الأسماك التي أصبحت من المواد الممنوعة على موائد الجزائريين بسبب غلاء أسعارها.

وفي محاولة منه لتأكيد التراجع الملحوظ للثروة السمكية، يقول لرصيف22 محمد وهو صاحب مسمكة في مدينة بومرداس الساحلية، إنه خلال الأعوام 2007 و2013 كان الصيادون يخرجون بين 200 و400 صندوق خشبي من سمك السردين خلال 3 ساعات فقط.

"أما اليوم فلا يتجاوز المردود 25 صندوقاً، وسعر الصندوق الواحد (نحو 25 كيلوغراماً) يراوح بين مليون ومليوني سنتيم، أي ما يعادل 100 دولار، وعليه أصبحت الأسماك حكراً على الأغنياء فقط"، يضيف.

وفي إشارة إلى مدى هذا التراجع والخسارة في ظل عدم وجود أرقام أو إحصائيات رسمية، يقول الصياد محمد إنه كان يصطاد في الماضي كيلوغرامات عدة من السمك، واليوم لا يصطاد أكثر من كيلوغرامين في أحسن الأحوال كل مرة، وعليه يعاني من أزمة معيشية خانقة.

كان محمد يصطاد كيلوغرامات عدة من السمك، واليوم لا يصطاد أكثر من كيلوغرامين في أحسن الأحوال.

وهناك العديد من العوامل، بحسب قوله، أثرت بشكل كبير على الثروة السمكية، أولها المتفجرات المستعملة من طرف شبكات مافيا الصيد والتي ساهمت بشكل كبير في فرار الأسماك من السواحل نحو الأعماق، وهو أمر أصبح خطراً على المساحات البحرية، فهي ستتسبب في نفوق الكائنات الحياة في غضون الـ 30 أو 40 سنة القادمة.

بواخر الصيد الجرارة

ويشير محمد إلى أن "هذه المتفجرات تشكل خطراً كبيراً على صحة الإنسان أيضاً، لأنها تتضمن مواد كيماوية خطيرة، فعندما تنفجر في أعماق البحار تنفق أعداد كبيرة من الأسماك وتطفو فوق سطح البحار، فيجمعها الصيادون ويبيعونها مباشرة إلى المستهلك".

ثاني العوامل هو بواخر الصيد الجرارة التي تستغل اعتدال حركة الملاحة نسبياً، وتخترق السواحل رغم أن نطاق وجودها هو أعالي وأعماق البحار التي يختلف فيها الصيد كثيراً عن الصيد في المياه السطحية القليلة العمق، ويقول محمد: "أخطر الأساليب المنتهجة من قبل هذه البواخر هو استعمال أجهزة جد متطورة مثل السونار (تقنية انتشار الصوت وتستخدم عادة في البحر لاكتشاف ما تحت الماء)، وأيضاً جهاز سوندور لكشف السمك تحت البحر، وهو ما يسمح لهم باصطياد كميات كبيرة من الأسماك دون الاكتراث بحجمها، أو إن كانت تحمل في أحشائها بيضاً".

وتبحر بواخر الصيد الجرارة عندما يسدل الليل خيوطه، أو تستغل فترة غياب دوريات الزوارق التابعة لقوات حرس السواحل، لا سيما في المسافة التي تبدأ من ميلين وتصل حتى تسعة أميال بحرية، من أجل استنزاف كل ما يجود به البحر غير آبهين بحجم الموارد البحرية.

"الأسماك باتت حكراً على الأغنياء فقط"... تداعيات الصيد الجائر في الجزائر

ويدقق محمد في هذه النقطة بشكل مستفيض. يقول محمد: "يصطاد أصحاب هذه البواخر كميات ضخمة من صغار الأسماك، لا يتجاوز حجمها 6 سم، وهي ممنوعة من التسويق حسب القوانين المؤطرة لقطاع الصيد البحري، والأخطر في هذا أن بعض البحارة يعيدون رمي السماك الميتة والأخرى التي يقل حجمها عن 6 سم في عرض البحر".

ويعد هذا العامل من أبرز العوامل التي ساهمت في تقلص المخزون السمكي طيلة العقدين الماضيين. وقد ساهم هذا في ارتفاع أسعار السمك بالجزائر، وتبلغ أحياناً أرقاماً قياسية ليست في متناول الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة.

انتهاك فترة الراحة البيولوجية

"اليوم ينتهك كثيرون فترة الراحة البيولوجية ومناطق الصيد المحمية، وتخترق بواخر الصيد الجرارة السواحل التي تلجأ إليها الأسماك للتكاثر، لا سيما السردين الذي ينتشر بكثرة في البحر الأبيض المتوسط"، هكذا يستهل الشاب يونس حديثه لرصيف22، وهو صاحب مسمكة في مدينة تنس غرب العاصمة الجزائرية، وهي تعرف بساحلها الصخري وتنوع الثروة السمكية، ويطلق عليها البعض "لؤلؤة البحر المتوسط".

هذه من المخاطر التي تهدد الثروة السمكية في الجزائر وفق المتحدث، يضاف إليها استعمال شباك الصيد الممنوعة دولياً، وتصريف النفايات في البحار وهو تلويث متعمد للبيئة البحرية. كل هذه العوامل أثرت سلبا على العائدات التي تعد مصدر دخل مهماً لكثير من الصيادين في الجزائر.

وحسب إحصائيات رسمية قدمها وزير الصيد البحري السابق سيد أحمد فروخي للإذاعة الحكومية، فإن الثروة السمكية في الجزائر تقدر بـ 350 ألف طن، ولكن لا يمكن أن تستغل كلها لأنها ستندثر في هذه الحالة، بل يجب استغلال الثلث وترك الثلثين من أجل التكاثر.

اليوم ينتهك كثيرون فترة الراحة البيولوجية ومناطق الصيد المحمية، وتخترق بواخر الصيد الجرارة السواحل التي تلجأ إليها الأسماك للتكاثر، لا سيما السردين الذي ينتشر بكثرة في البحر الأبيض المتوسط

ويشير يونس، وهو أحد العارفين بخبايا صيد الأسماك، إلى أن "بعض الصيادين والدخلاء على الصنعة يخالفون كل القوانين المنظمة لعملية الصيد، فيعمدون إلى اصطياد أسماك السردين خلال فترة التكاثر ما يتسبب في إتلاف بيوضها وتراجع تكاثرها".

وفي عام 2009، أصدرت وزارة الصيد البحري قراراً يقضي بمنع الصيادين من الصيد في المياه الإقليمية، وذلك على طول مسافة 6 أميال انطلاقاً من مختلف الشواطئ، حيث تتكاثر الأسماك خلال هذه الفترة وتلجأ إلى المناطق الساحلية لتجديد دورة الحياة.

خلل بين العرض والطلب

يقول عبد القادر بن قويدر صحراوي، نائب رئيس الشركة العربية المشتركة لمنتجي الأسماك، لرصيف22، "هناك خلل كبير بين العرض والطلب، وتقدر نسبة استجابة العرض للطلب بنحو 40 بالمائة حسب تقديري ودراستي للسوق المحلية للسمك في البلاد".

ويعود هذا إلى "التطور السكاني الذي رافقته زيادة في الطلب الداخلي على السمك، رغم أن مستويات الإنتاج ارتفعت بشكل كبير خلال العشرين سنة الماضية بين صيد بحري وتربية المائيات، ووفقاً لبعض الإحصائيات التي اطلعت عليها في عام 2000، بلغت كمية إنتاج الصيد البحري في البلاد 177,000 طن في العام وارتفعت إلى 318,000 طن عام 2022، لكن هذا ليس متناسقاً مع حجم تزايد الطلب".

"الأسماك باتت حكراً على الأغنياء فقط"... تداعيات الصيد الجائر في الجزائر

ويستطرد المتحدث: "الارتفاع في الإنتاج كان يرافقه الصيد الجائر واستخدام بعض الطرق غير القانونية، إلى جانب التلوث البيئي بسبب ارتفاع عدد سكان الساحل، مما أدى إلى انخفاض المخزون السمكي. يستلزم ذلك اتخاذ إجراءات وتدابير لحماية المخزون الطبيعي والحفاظ عليه في المستقبل، مقابل تجديد الأسطول البحري للصيد في الجزائر".

ولدى تطرقه للحديث عن وضع المخزون السمكي، يقول عبد القادر: "حملات التقييم التي أطلقها المركز الوطني للبحث العلمي والتقني في العلوم والتكنولوجيا البحرية في الجزائر عام 2012، تشير إلى انخفاض ملحوظ في المخزون السمكي الطبيعي، وبلغ المخزون الحالي للأنواع الهامة أقل بشكل كبير من مستوياتها الأساسية التي تعتبر مستدامة، وتشمل هذه الأنواع تلك التي تعيش في البحر المتوسط مثل السردين والأنشوجة والتونة والكنعد، وأنواع أخرى من الأسماك المهاجرة".

ويضيف: "تشير الدراسات إلى أن العوامل المسؤولة عن هذا التراجع تشمل الصيد الجائر في أوقات الراحة البيولوجية، إضافة إلى الضغوط البيئية مثل التلوث والتغيرات المناخية، والصيد الزائد، فالكثيرون يصطادون اليوم دون احترام حصص الصيد المسموح بها في الموسم الواحد".

الارتفاع في الإنتاج كان يرافقه الصيد الجائر واستخدام بعض الطرق غير القانونية، إلى جانب التلوث البيئي بسبب ارتفاع عدد سكان الساحل، مما أدى إلى انخفاض المخزون السمكي. يستلزم ذلك اتخاذ إجراءات وتدابير لحماية المخزون الطبيعي والحفاظ عليه في المستقبل

ما هو المطلوب للحد من هذه الممارسات؟

يجيب عبد القادر: "يجب تطبيق قوانين وأنظمة إدارة المصائد السمكية في المنطقة"، واقترح لهذا الغرض "ضرورة تحديد فترة الراحة والإعلان عنها بشكل واضح وجلي للصيادين المحليين والبحرية، بحيث يتوقف الصيد تماماً خلال هذه الفترة، ومقابل هذا يتم تحفيز الصيادين بمنح شهرية خلال هذه الفترة كي يضمنوا قوت عائلاتهم حتى لا يجبروا على خرق هذه القوانين".

أما بالنسبة للاعتماد على الديناميت للصيد، فيؤكد المتحدث على "ضرورة منع هذه الممارسة وتشديد العقوبات على المخالفين بشكل صارم، والمشرع الجزائري سنّ رزنامة من القوانين التي تحارب هذه الظاهرة. يجب تشجيع الصيد باستخدام أساليب مستدامة لتجنب التأثير على المخزون السمكي الطبيعي، ومكافحة التلوث البيئي من خلال تنظيم ورصد مصادر التلوث وتطبيق صارم لقوانين حماية البيئة، لا سيما ما يتعلق بالتفريغ المباشر في البحر لمياه الصرف الصحي وتفريغ المصانع المجاورة للبحر".

"الأسماك باتت حكراً على الأغنياء فقط"... تداعيات الصيد الجائر في الجزائر

ولتلبية الطلب المتزايد على البروتين الحيواني البحري وضمان توفيره بشكل مستمر للمواطنين، اقترح عبد القادر "تشجيع الاستثمار في زراعة الأحياء المائية، وتربية الأسماك تحت الظروف المحكومة بالتقنيات الحديثة لتوفير مصادر إضافية للبروتين الحيواني البحري، مع زيادة الوعي بين المستهلكين حول أهمية الاستدامة في الصيد البحري، وتشجيعهم على تناول الأسماك والبروتين الحيواني البحري بشكل مسؤول، فكثرة الطلب أيضاً تنتج تحفيزاً للمستثمرين للاستثمار في الإنتاج السمكي".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image