شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
جزيرة يسكنها المهدي المنتظر وأخرى بنتْه الجنّ للنبي سليمان… الرحلات العجائبية في التراث العربي

جزيرة يسكنها المهدي المنتظر وأخرى بنتْه الجنّ للنبي سليمان… الرحلات العجائبية في التراث العربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب نحن والتاريخ

الأربعاء 22 نوفمبر 202312:00 ص


عرفت الثقافة العربية الإسلامية حضوراً مميزاً لكتب الجغرافيا والرحلات والأسفار. تبارى الرحالة العرب والمسلمون عبر القرون في زيارة الأقاليم البعيدة شرقاً وغرباً، ودونوا الكثير من التفاصيل المتعلقة بعادات الشعوب والقبائل التي زاروها وتعاملوا معها. كما أن بعض المصادر تحدثت عن بعض الرحلات العجائبية التي تميل إلى الطابع الخرافي-الأسطوري في الكثير من تفاصيلها، ويظهر فيها الأثر القوي الذي خلفته المعتقدات الدينية والمذهبية الشائعة في تلك العصور.

نلقي الضوء في هذا المقال على بعض الرحلات العجائبية التي حفظتها لنا المدونات التاريخية العربية. لنرى كيف احتفى أصحابها بتلك الرحلات، وكيف تفننوا في صياغتها وسردها على أفضل صورة.

رحلة تميم الداري إلى جزيرة الدجال

يؤمن المسلمون بالمسيح الدجال بصفته قائد معسكر الشرّ في أحداث نهاية العالم. تذكر الروايات الإسلامية أن الدجال سيخرج في آخر الزمان من منطقة مجهولة، وأنه سيفتن الناس في كل مكان حتى يُقتل على يد المسيح عيسى بن مريم.

قدمت بعض الروايات صورة عن المكان الذي يسكن فيه الدجال قبل خروجه. كانت الرواية المعروفة باسم "حديث الجساسة" أهم تلك الروايات على الإطلاق. وردت تلك الرواية في الكثير من المدونات الحديثية، ومن أهمها صحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري (المتوفى 261هـ).

تميل الرحلات العجائبية إلى الطابع الخرافي-الأسطوري في الكثير من تفاصيلها. ويظهر فيها الأثر القوي الذي خلفته المعتقدات الدينية والمذهبية الشائعة في تلك العصور

جاء في تلك الرواية أن النبي جمع المسلمين ذات يوم أثناء وجوده في المدينة المنورة، وقال لهم: "إني، والله! ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة. ولكن جمعتكم، لأن تميماً الداري، كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع وأسلم. وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال؛ حدثني أنه ركب في سفينة بحرية، مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام. فلعب بهم الموج شهراً في البحر. ثم أرفأوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس.".

تذكر الرواية أن تميم الداري ومن معه نزلوا إلى الجزيرة، وقابلوا دابة غريبة الشكل، فتحدثوا معها وعرفوا منها أنهم في الجزيرة التي يسكنها المسيح الدجال. بعد ذلك تحدثت الرواية عن تفاصيل الحوار الذي جرى بين هؤلاء الرجال والدجال المُقيد في السلاسل. تؤكد القصة أن الدجال سأل الرجال عن بعض المسائل وإذا كانت قد وقعت أم لم تقع بعد. واختُتمت الرواية بأن النبي ذكر للمسلمين المكان الذي تقع فيه تلك الجزيرة المجهولة، فقال لهم: "إنَّه -يقصد الدجال- في بَحْرِ الشَّأْمِ، أَوْ بَحْرِ اليَمَنِ، لا بَلْ مِن قِبَلِ المَشْرِقِ ما هُوَ، مِن قِبَلِ المَشْرِقِ ما هو مِن قِبَلِ المَشْرِقِ، ما هو وَأَوْمَأَ بيَدِهِ إلى المَشْرِقِ".

رحلة سلام الترجمان إلى سور ذي القرنين

أشارت سورة الكهف إلى بعض الأخبار عن قوم يأجوج ومأجوج. ورد الحديث عن الدور الذي قام به ذو القرنين لتخليص الناس من شرورهم، وكيف أنه بنى سداً منيعاً ليحجزهم عن الأمم المجاورة لهم. تحدث الإدريسي (المتوفى 559هـ) في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" عن رحلة سلام الترجمان إلى سد ذي القرنين في النصف الأول من القرن الثالث الهجري.

ذكر الإدريسي الظروفَ التي وقعت فيها تلك الرحلة، فقال إن الخليفة العباسي هارون الواثق بالله رأى في منامه ذات ليلة أن أقوام يأجوج ومأجوج تمكنوا من فتح السد، وأنهم يستعدون لاجتياح الأراضي القريبة منهم. استيقظ الواثق من نومه خائفاً مهموماً، وأمر بعدها بإيفاد بعثة مكونة من 60 رجلاً لتبحث عن مكان السد.

عيّن بعد ذلك سلام الترجمان الذي يتقن ثلاثين لغة كقائد لهذه البعثة. يذكر الإدريسي أن البعثة توغلت في بلاد الأتراك، حتى وجدت السد ووجدت عنده آلات صناعة الحديد التي استخدمها ذو القرنين. لقي سلام مجموعة من المسلمين المكلفين بحماية السد، والذين اعتادوا على قرع باب السد بشكل أسبوعي، حتى يعرف يأجوج ومأجوج أن هناك من يحرس الباب. يذكر الإدريسي أن سلاماً قضى عدة سنوات في تلك الرحلة العجيبة، وأنه رجع إلى الخليفة وأخبره بما رأى، بعدما فقد عدداً كبيراً من الرجال الذين خرجوا معه من العراق.

رحلة علي بن فاضل المازندراني إلى الجزيرة الخضراء

يؤمن الشيعة الإمامية الاثني عشرية بأن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري هو نفسه المهدي المنتظر الذي ذكرته البشارات النبوية. ويعتقدون أنه اختفى وغاب عن الأنظار منذ سنة 329هـ. كان السؤال حول المكان الذي يختفي فيه المهدي حاضراً في الذهنية الشيعية عبر القرون، وظهرت مجموعة من الردود والإجابات عليه.

تحدثت بعض الروايات الشيعية عن مكان يُعرف باسم الجزيرة الخضراء. وقيل إن المهدي عاش لفترة طويلة في هذا المكان قبل أن يرحل منه. وردت قصة الجزيرة الخضراء في الكثير من المصادر الشيعية المتأخرة، ومنها على سبيل المثال، كتاب "بحار الأنوار" لمحمد باقر المجلسي (المتوفى 1111هـ).

يحكي المجلسي أن علي بن فاضل المازندراني -وهو شيعي من أهل القرن السابع الهجري- كان يطلب العلم في العراق والشام، ثم سافر مع أستاذه إلى مصر، وفي الطريق تخلف عن استاذه لمرض أصابه، وأراد أن يلحق بأستاذه الذي رحل إلى الأندلس، فركب السفينة وأبحر لفترة حتى وصل إلى منطقة غير معروفة يسكنها الشيعة الإمامية وتسمى بجزر الرافضة.

تذكر الرواية أن علي بن فاضل عرف من أهل الجزيرة أن هناك جزيرة قريبة، يتوارث حكمها أبناء المهدي المنتظر، وتُعرف باسم الجزيرة الخضراء. تُستكمل القصة بأن علي بن فاضل سافر إلى الجزيرة الخضراء، وشاهد البحر العجيب الذي يحيط بها، والذي يمتلك القدرة على إغراق أي سفينة معادية للشيعة، كما قابل حاكم الجزيرة، وهو الحفيد الخامس للمهدي، ووصف كيفية اتصاله بجده من خلال الصلاة، فعندما كان يريد -أي الحاكم- أن يعرف إجابة على أي سؤال يعرض له، فإنه كان يصلي في مكان معين، وبعدها يجد جواب المهدي مكتوباً في ورقة!

رحلة موسى بن نصير إلى مدينة النحاس

أشار القرآن للمُلك العظيم الذي تمتع به النبي سليمان، وتحدثت الآيات القرآنية عن قدرته على تسخير الجن لإجبارهم على البناء والصناعة ونحت التماثيل. اهتم المؤرخون والإخباريون بتلك الإشارات ونسجوا حولها بعض الحكايات الأسطورية. كانت قصة مدينة النحاس واحدة من تلك الحكايات.

تحدث أبو حامد الغرناطي (المتوفى 565هـ) في كتابه "تحفة الألباب ونخبة الإعجاب" عن الرحلة العجيبة التي قام بها الوالي موسى بن نصير إلى مدينة النحاس بعد أن أتم فتح بلاد الأندلس.

تبدأ القصة بأن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أرسل إلى موسى بن نصير "إنه قد بلغني خبر مدينة النحاس التي بنتها الجن لسليمان بن داوود عليهما السلام، فاذهب إليها واكتب إلي بما تعاينه فيها من العجائب، وعجل إليّ بالجواب سريعاً إن شاء الله تعالى". استجاب موسى لأمر الخليفة فتحرك بجيشه إلى تلك المدينة العجيبة "وسار على غير طريق مسلوك مدة أربعين يوماً حتى أشرف على أرض واسعة كثيرة المياه والعيون والأشجار والوحوش والأطيار والحشائش والأزهار، وبدا لهم سور مدينة النحاس كأن أيدي المخلوقين لم تصنعها، فهالهم منظرها".

أراد موسى أن يدخل المدينة فأمر أحد قادة الجيش بأن يدور حول السور ليبحث عن الباب. رجع القائد في اليوم السابع وأخبر موسى بأنه لم يجد لها باباً. كما أنه لم ير أحداً من الآدميين حولها. يذكر الغرناطي أن المسلمين حفروا أسفل السور ليصنعوا نفقاً يتيح لهم الدخول للمدينة، ولكنهم كلما حفروا وجدوا قطعة من السور أمامهم.

تحدثت بعض الروايات الشيعية عن مكان يُعرف باسم الجزيرة الخضراء، وقيل إن المهدي عاش لفترة طويلة في هذا المكان قبل أن يرحل منه. وردت قصة الجزيرة الخضراء في الكثير من المصادر الشيعية المتأخرة 

فكر موسى عندها في بناء صرح عظيم الطول بجوار السور. وبالفعل بنى هو ورفاقه برجاً قارب الخمسمائة ذراع. وصعد أحد الرجال الشجعان إلى أعلى البرج ليرى ما حجبته الأسوار، "فلما علا وأشرف على المدينة ضحك وصفق بيديه، وألقى نفسه إلى داخل المدينة… فسمعوا -أي المسلمون- ضجة عظيمة وأصواتاً هائلة، ففزعوا واشتد خوفهم وتمادت تلك الأصوات ثلاثة أيام ولياليها ثم سكنت تلك الأصوات". نادى موسى ورفاقه كثيراً على الرجل ولكن لم يجيبهم أحد. فصعد رجل آخر وأعاد التجربة، ولكنه ألقى بنفسه داخل المدينة كما فعل صاحبه من قبل.

اهتدى موسى في النهاية إلى أن يربط حبلاً في وسط أحد الرجال، ولما صعد الرجل وألقى بنفسه داخل المدينة كسابقيه، شدّ الرجالُ الحبلَ فوجدوا أن الرجل انشطر إلى شطرين وأن الشطر الأسفل علق في الحبل، بينما بقي الشطر الأعلى داخل المدينة،  "حينئذ يئس الأمير موسى من أن يعلم شيئاً من خبر المدينة" وقال: ربما يكون في المدينة جن يأخذ كلَّ من طلع على المدينة".

تذكر الرواية أن موسى دار حول المدينة فرأى صورة رجل يمسك لوحاً من النحاس. كُتبت في هذا اللوح عباراتٍ تحذر من تجاوز تلك المنطقة لما هو أبعد. لمّا أمر موسى بعض عساكره بالتقدم، "وثب عليهم من تلك الأرض من بين الأشجار نمل عظام كالسّباع الضارية، فقطعوا أولئك الرجال وخيولهم…". توجه الرجالُ بعدها ناحية الشرق، فوجدوا بحيرة كبيرة، نزل الغواصون فيها وعثروا على الكثير من الصناديق المغلقة. لمّا فُتحت بعض الصناديق "خرج منه فارس من نار على فرس من نار في يده رمح من النار فطار في الهواء وهو ينادي يا نبي الله ألا أعود".

تنتهي القصة العجيبة بأن موسى أمر جنده بترك تلك الصناديق على حالها، وقال إن فيها الجن الذين حبسهم النبي سليمان. ثم رجع عائداً من حيث أتى وأخبر الخليفة بما جرى.

فات واضع تلك القصة أن عبد الملك بن مروان مات سنة 86هـ، بينما تمكن المسلمون من دخول الأندلس سنة 92هـ في أواخر فترة خلافة الوليد بن عبد الملك.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard