أمور كثيرة طرحتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منها مصير الممر الهندي-الأوروبي-الشرق أوسطي، الذي وصفه نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون فاينر، بأنه يتماشى مع مساعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، "لخفض درجة الحرارة"، و"تهدئة الصراعات في المنطقة، مع زيادة الاتصال".
تم الإعلان عن الممر، في اجتماع قادة مجموعة العشرين المنعقدة أخيراً في العاصمة الهندية نيودلهي، ووقّع قادة كل من الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، على مذكرة التفاهم الخاصة به، في التاسع من أيلول/ سبتمبر الماضي، على أن يجتمعوا بعد ستين يوماً من ذلك التاريخ، لوضع الأسس العملية للمشروع.
"بالنسبة للولايات المتحدة، يمكن أن يكون المشروع بمثابة مواجهة لنفوذ بكين المتزايد في المنطقة، في وقت يعمل فيه شركاء واشنطن العرب التقليديون على تعميق العلاقات مع الصين والهند والقوى الآسيوية الأخرى"، وفقاً لصحيفة فايننشال تايمز، وبمنزلة ردّ أمريكي على مشروع "الحزام والطريق"، المنظور إليه غربياً، كمشروع جيو-سياسي بغطاء اقتصادي-تنموي، لمد الصين لنفوذها عبر آسيا وإفريقيا وأوروبا.
في المقابل، يهدف المشروع الأمريكي إلى "دمج إسرائيل في المنطقة العربية، وتعزيز موقع الهند في مواجهة الصين، وتثبيت منطقة الشرق الأوسط منطقة نفوذ أمريكية في مقابل محاولات الصين اختراقها"، حسب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
الحرب الإسرائيلية على غزة، وبرغم تأثيرها المشترك، لناحية التحديات الأمنية على مسار المشروعين، إلا أنها أضاءت بشدة على التحدي الأمني للمشروع الأمريكي، والمقترح كبديل عن التحديات الأمنية والعسكرية لممرات "الحزام والطريق"، والتي تعمل واشنطن على تعزيزها في بعض المناطق، في إطار منافستها الجيو-سياسية مع الصين.
الحرب الإسرائيلية على غزة، وبرغم تأثيرها المشترك، لناحية التحديات الأمنية على مسار المشروعين، إلا أنها أضاءت بشدة على التحدي الأمني للمشروع الأمريكي، والمقترح كبديل عن التحديات الأمنية والعسكرية لممرات "الحزام والطريق"، والتي تعمل واشنطن على تعزيزها في بعض المناطق، في إطار منافستها الجيو-سياسية مع الصين
وأثار الانسحاب الأمريكي المفاجئ والسريع من أفغانستان، التكهنات حول الرغبة الأمريكية في إفشال شراكة الصين مع الدول المجاورة، وتخريب كامل مبادرة "الحزام والطريق"، نظراً إلى أهمية أفغانستان في المبادرة الصينية، كونها الطريق الأقصر بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، وبين الصين والشرق الأوسط، بالإضافة إلى إستراتيجية واشنطن في دعم انفصال الإيغوريين في منطقة شين جيانغ، لتقسيمها، حسب الجزيرة نت، مع دعمها استقلال مقاطعة "بلوشستان"، جنوب غرب باكستان، والتي يقع فيها ميناء جوادر، درة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، ومبادرة "الحزام والطريق"، كونه يقلص رحلة استيراد مواد الطاقة من 12،000 كلم عبر البحر إلى أقل من 3،000 كلم عبر البرّ، وفقاً لمجموعة QNB.
وكانت الحرب الروسية على أوكرانيا قد عطّلت أحد المسارات الستة للمشروع الصيني، وهو الجسر البرّي الأوراسي، الذي يمتد من غرب الصين إلى روسيا الغربية. ويخطّ الممر الأوسط مساره في منطقة محفوفة بالتوترات والنزاعات الإقليمية، كصراع أرمينيا وأذربيجان حول ناغورني كاراباخ.
أشواك في دروب "الحزام والطريق"
أجرت القوات البحرية الصينية والباكستانية مؤخراً، ولأول مرة، دوريةً بحريةً مشتركةً في شمال بحر العرب، في إجراء عملي من البلدين لحماية الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. وحسب الخبير العسكري الصيني، سونغ تشونغ بينغ، فإن "بحر العرب مهم لكل من الصين وباكستان من حيث نقل البضائع والطاقة (...)، لذلك من المهم للبلدين حماية هذا الممر البحري من التهديدات الأمنية"، مرجّحاً روتينية الدوريات البحرية المشتركة مستقبلاً.
ووفقاً لرئيس المعهد الآسيوي لبحوث الحضارة والتنمية في إسلام آباد، شاكيل راماي، فإنه "منذ إنشاء فكرة الممر وتوقيع الاتفاق بين باكستان والصين، لم يلقَ ذلك ترحيباً لدى الولايات المتحدة والغرب، ونقلوا ذلك لباكستان على أعلى مستوى". ويعّدد راماي، الضغوط على باكستان، من إدراجها على القائمة الرمادية للدول الداعمة للإرهاب وغسيل الأموال، وصولاً إلى ضغوط صندوق النقد الدولي، واشترط الأخير مراجعة اتفاقيات الطاقة مع الصين ضمن الممر الاقتصادي المشترك بين البلدين، ما يثير الشكوك حول سعي هذه المؤسسة المالية الدولية إلى عرقلة الممر بمكوناته كلها.
وبرغم التحديات التي تعترض "الحزام والطريق"، يبقى المشروع أجدر من الممر "الهندي-الأوربي-الشرق أوسطي"، والذي لا يتعدى كونه مجرد إبداء حسن نوايا، فيما الأول مشروع إستراتيجي كامل ومبادرة شاملة تربط بين قارات عدة، ومشروع للنقل البري والسككي والبحري، حسب الباحث في التاريخ والعلاقات الدولية، والمتخصص في الشؤون الروسية والأوراسية، أحمد دهشان، الذي يشير إلى أنه "مشروع لديه بدائل، فللنقل إلى أوروبا، لديه مسار الصين-كازاخستان-روسيا-بيلاروسيا، ومنها إلى أوروبا، وهناك طريق مباشر من الصين إلى روسيا عبر سيبيريا إلى بيلاروسيا فأوروبا، وهناك 'الممر الأوسط'، الصين-كازاخستان-أذربيجان-جورجيا-تركيا، وصولاً إلى بريطانيا. وعندما تعطل الطريق إلى أوروبا عبر روسيا-بيلاروسيا، توجهت بكين إلى 'الممر الأوسط' عبر كازاخستان وجنوب القوقاز".
وبعد إشارته إلى سبق "الحزام والطريق"، الذي تم إعلانه عام 2013، يضيف دهشان في حديثه إلى رصيف22، أن "الحزام والطريق مشروع تتبناه الدولة الصينية بنفسها، وقد رسمت سيناريوهات قادرةً على تشبيك المصالح مع كل الأطراف. وتالياً المشروع مركزي تقوم به الحكومة الصينية من ناحية التخطيط والتمويل وإدارة العلاقات مع الشركاء، وتنفق عليه الأموال، وتقوم ببناء بنيته التحتية، مع مرونتها لناحية منح بعض الفوائد للدول التي يمر عبرها المشروع".
الصراعات الداخلية والدولية من تحديات المبادرة الصينية، ومنها الصراعات الحدودية بين طاجكستان وقيرغيزستان، أو العنف الإثني في إقليم "أوش" في الأخيرة. كما أن "الممر الاقتصادي الباكستاني-الصيني"، الهادف إلى تقليل اعتماد الصين على مضيق ملقا (ممر مائي بين شبه جزيرة ماليزيا وجزيرة سومطرة الأندونيسية، يمر عبره ما يزيد عن 60 في المئة من واردات الطاقة الصينية)، يمر من شمال باكستان قبل وصوله إلى إقليم شينغيانغ الصيني، ومنطقة شمال باكستان تقع تحت تهديد حركة طالبان، المنتشرة في مخيمات اللاجئين الأفغان، ما قد يغريها باستهدافه ما لم يجرِ تأمينه جيداً، بالإضافة إلى مروره بالشق الباكستاني من إقليم كشمير المتنازع عليه مع الهند، ما يثير حفيظة الأخيرة، حسب شهدي المنصور في ورقته البحثية "مشروع الحزام والطريق: كيف تربط الصين اقتصادها بالعالم الخارجي؟".
أكّدت الحرب الحالية على غزة، أنه من دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية لا يمكن التعويل على هذا المشروع، ولن يكون مصدراً موثوقاً، خصوصاً بافتراضه سبيلاً لنقل الطاقة والبضائع إلى أوروبا، وسيكون اعتماد الأخيرة عليه كبيراً، ولن يكون بمقدورها التعويل على طريق قابل للانفجار في أي لحظة
... وفي درب الممر "الهندي-الأوروبي-الشرق أوسطي" (IMEC)
يواجه IMEC، تحديات وعقبات حرجةً، أهمها التنقل في الجغرافيا السياسية المعقدة لمنطقة تضم دولاً متنوعةً ذات ديناميكيات ومصالح سياسية مختلفة وتوترات سابقة، حسب الأكاديمي محمد الدوح، في موقع "جيوبوليتكال مونيتور"، ما يعيق التعاون وتطوير الربط السلس بين البلدان المعنية. فمناطق عبور الممر متخمة بصراعات ومنافسات مختلفة، كالنزاع الهندي-الباكستاني، والتنافس السعودي-الإيراني، والصراعات المستمرة في سوريا واليمن، وتهديد الميليشيات الإيرانية في سوريا ولبنان لإسرائيل، وجميعها تعيق التعاون وتنفيذ مشاريع الربط الإقليمي.
كما أن التنوع الصارخ للنظم السياسية للبلدان المشاركة في المشروع قد يشكل تحدياً، نظراً إلى وجود أيديولوجيات وقيم سياسية مختلفة، وتفاوت بين أصحاب المصلحة، ما قد يعيق التنفيذ الفعال. بالإضافة إلى أن المنافسات التجارية الحالية الساعية إلى ممارسة النفوذ في مناطق الممر موجودة فعلاً، وتمثل مخاطر جيو-سياسيةً للدول المشاركة، فالمصالح المتضاربة للقوى التجارية قد تؤدي إلى صراعات على السلطة ومقاومة محتملة في أثناء التنفيذ الفعلي للمشروع.
تعدد الأطراف، نقطة ضعف للمشروع. فتعدد الأطراف في المشاريع، يُحدث تضارب مصالح بين هذه الأطراف، برغم تلاقيها في بداية المشروع، حسب دهشان، الذي يشير إلى "فقدان واشنطن إستراتيجيةً ثابتةً، لا تتغير بتغير الإدارات. فالولايات المتحدة باتت شبيهةً بدول العالم الثالث، تتغير سياساتها بشكل حاد في بعض الأحيان بتغير رئيسها". ويتساءل دهشان، في الوقت ذاته، حول قدرة واشنطن على إدارة التناقضات والعلاقات التحالفية مع الأطراف المتعددة حالياً، والتي لم تعد بنفس درجة الضعف الماضي، فقد أصبحت أقوى ولديها تطلعات، وأصبح العالم لديها أوسع من أمريكا.
كما أن للمشروع ممراً واحداً يربط الهند ببعض بلدان الشرق الأوسط ضمن طريقه إلى أوروبا، ويصطدم بمصالح قوى إقليمية عدة لا يمكن استثناؤها. فالمشروع يصطدم بالمصالح الإيرانية والتركية، وهنا يُشير دهشان إلى تصريح وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بأن أي ممر يربط آسيا بمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا، لن يُكتب له النجاح دون المرور بتركيا؛ "بالإضافة إلى أن المشروع يربط الأردن بإسرائيل، وكلتا الدولتين في حالة من التوتر الشديد والمواجهة ربما، في ظل رغبة حكومة نتنياهو والحكومات الإسرائيلية في تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين".
وأكّدت الحرب الحالية على غزة، أنه من دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية لا يمكن التعويل على هذا المشروع، ولن يكون مصدراً موثوقاً، خصوصاً بافتراضه سبيلاً لنقل الطاقة والبضائع إلى أوروبا، وسيكون اعتماد الأخيرة عليه كبيراً، ولن يكون بمقدورها التعويل على طريق قابل للانفجار في أي لحظة.
يقول الدهشان: "خلافاً للحزام والطريق، لم يقدّم المشروع الأمريكي بدائل أو مغريات لدول المشروع والدول المتضررة منه. فالمشروع ليس أكثر من رسالة أمريكية للصين قبل التفاوض معها، بأن لديها قدرةً على صنع بدائل لإيذائها وإيلامها. وبدورها، ترغب دول الخليج، لا سيما السعودية، بموافقتها على المشروع، في إرسال إشارة إلى إسرائيل، بأن هناك فوائد كثيرةً محتملةً في حال تحقيق صفقة تطبيع العلاقات السعودية-الإسرائيلية". ويشير إلى المصالح الخليجية القوية مع الصين، وهي مصالح واقعية وليست رهناً بالمستقبل، كما هو حال الممر الهندي-الأوربي-الشرق أوسطي.
تعمد واشنطن إلى قطع الطريق على أي محاولات إيرانية للتقارب مع الهند، وإبعاد الأخيرة عن الاستثمار في ميناء تشابهار الإيراني، المحور الرئيسي لممر "شمال-جنوب"، الواصل بين الهند وأوروبا عبر إيران. ويمثل ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا، قضاءً عملياً على الطموح الإيراني بالتحول إلى نقطة عبور رئيسة على خط التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا
الهند في مقابل الصين... معادلة مختلّة
تعمد واشنطن إلى قطع الطريق على أي محاولات إيرانية للتقارب مع الهند، وإبعاد الأخيرة عن الاستثمار في ميناء تشابهار الإيراني، المحور الرئيسي لممر "شمال-جنوب"، الواصل بين الهند وأوروبا عبر إيران. ويمثل ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا، قضاءً عملياً على الطموح الإيراني بالتحول إلى نقطة عبور رئيسة على خط التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا، حسب المركز العربي للأبحاث.
ووفقاً لدهشان، المقارنة بعيدة بين الهند والصين، فالهند لديها تناقضات داخلية كبيرة، وهي بلد تقليدي جداً، لم يتحرر من العبودية والطبقية والطائفية، ومليء بالطوائف المتناحرة، وتحكمه حكومة قومية يمينية متطرفة لديها مواقف متطرف تجاه كل الأديان عدا الهندوسية، وفق نظرتها الخاصة لها، ونسبة الفقر فيه عالية جداً، وهو منقسم إلى حد كبير، وبنيته التحتية مهترئة للغاية ولا تقارَن في أي حال من الأحوال بالبنية التحتية الصينية، ومعرض لحوادث أمنية كثيرة، في ظل صراعه الحاد مع باكستان. بالإضافة إلى تصاعد صراعاته الداخلية يوماً بعد يوم نتيجة نمو القومية الدينية الهندوسية المتطرفة، القريبة جداً من الفاشية.
وحسب "حيوبوليتكال مونيتور"، فإن موقع إيران الجغرافي على مفترق طرق، وقربها من مضيق هرمز، الطريق الأساسي بين الهند والإمارات في المشروع الأمريكي، يمنحانها نفوذاً كبيراً وتهديداً واضحاً لـIMEC، ما يعيق سلاسة عمله. كما أن دعم إيران للمنظمات الإرهابية في المنطقة يثير قلقاً دولياً، حيث تشكل أنشطة هذه التنظيمات المسلحة بأسلحة متطورة، تهديداً لسلامة الممر وأمنه. وبالنظر إلى ميل إيران نحو الحرب غير المتكافئة، هناك تهديد حقيقي بوقوع هجمات إرهابية تستهدف البنية التحتية الحيوية على طول مسار الممر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومينالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت