تتسارع الأحداث في إقليم دارفور غرب السودان، بعد التقدم الكبير لقوات الدعم السريع وسيطرتها على ثلاث ولايات من أصل خمس يتشكل منها الإقليم، الذي عانى من الحرب العرقية التي اندلعت في العام 2003، وخلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، والملايين من النازحين.
تمدد الدعم السريع
في مطلع هذا الشهر، سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دافور، بعد انسحاب الجيش إثر وساطة قبلية. قبلها بأيام، سيطرت على مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، ثم مدينة زالنجي حاضرة ولاية وسط دارفور. يبقى أمام الدعم السريع أن تجتاح مدينة الفاشر، حاضرة ولاية شمال دافور، لتعلن السيطرة الكاملة على إقليم دارفور، كون ولاية شرق دارفور وحاضرتها مدينة الضعين، شبه مضمونة، فهي تمثّل الحاضنة الاجتماعية الأساسية للدعم السريع.
تسيطر قوات الدعم السريع على مساحة خمسمئة ألف كلم مربّع من دارفور، يسكنها أكثر من تسعة ملايين شخص، ويُمارَس فيها على المنحدرين من أصول إفريقية تطهير عرقي وتهجير قسري، ليصل عدد اللاجئين في السودان إلى سبعة ملايين.
يتخوّف سكان مدينة الفاشر من عرقية "الزغاوة"، ذات الأصول الإفريقية، من سيطرة الدعم السريع على المدينة، وارتكاب انتهاكات تقترب من التطهير العرقي، كما حدث في حق قبائل المساليت ذات الأصول الإفريقية في مدينة الجنينة، بعد استيلاء الدعم السريع عليها. وبرغم أنّ الحرب في دارفور انتهت رسمياً منذ أعوام، بعد توقيع اتفاقيات وقف إطلاق نار متعددة منذ العام 2007، وصولاً إلى اتفاق سلام جوبا في 2020، بين الحركات المسلحة المتمردة والحكومة السودانية، عدا فصائل صغيرة هامشية، إلا أنّ الحرب العرقية لم تنتهِ، وتوسعت منذ ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2019، خصوصاً في مدينة الجنينة.
مقابل ذلك، ظلت الحركات المسلحة التي تنتمي اجتماعياً إلى القبائل ذات الأصول الإفريقية على الحياد في الحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع، وشكلت قوات مشتركةً لتأمين المدن وإيصال المساعدات. لكن ذلك الحياد انتهى بإعلان عدد من قادة تلك الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا، عن دخول الحرب إلى جانب الجيش السوداني وضد الدعم السريع، في مؤتمر صحافي بتاريخ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري.
جاء في بيان نشرته صفحة حركة جيش تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، ما يلي: "في ظل تهديد وحدة السودان، وهجوم الميليشيا المتكرر على المدن والقرى والاعتداء على المواطنين العزل وقتلهم وسحلهم، وفي ظل التهديد الماثل الآن على القوافل الإنسانية والتجارية بمحاولة قطع طرق الإمداد للمدن والأقاليم، كل هذه التطورات تجعلنا في حلّ من أي حياد، ونعلن مشاركتنا في العمليات العسكرية في كل الجبهات بلا أدنى تردد".
لكن إعلان الحرب هذا لم يلقَ استجابةً من جميع الحركات، ولم يظهر في المؤتمر الصحافي وقت إعلانه سوى رمزين، هما حاكم إقليم دارفور وقائد الفصيل الأبرز في حركة جيش تحرير السودان، ووزير المالية وزعيم حركة العدل والمساواة، الذي ينازعه الزعامة، سليمان صندل، وأعلن الأخير عن رفضه إعلان الحرب.
إعلان الحرب
يقول المتحدث باسم حركة العدل والمساواة، جناح جبريل إبراهيم، لرصيف22، إن موقف التخلي عن الحياد جاء متأخراً؛ لأنهم كانوا وسطاء على أمل ألا يكون المدنيون وممتلكاتهم أهدافاً، لكن لم يسلموا من جرائم القتل على الهوية والعرق، خاصةً في ولاية غرب دارفور. ويضيف إبراهيم أنّ "هذه التصرفات حتّمت علينا وفق مسؤوليتنا السياسية والأخلاقية، أن نعلن هذا الموقف، وكنا قد أكدنا في اليوم الأول أن لا حياد في ظل استهداف المدنيين. لكن أمام استهداف المدنيين ووحدة السودان لم يكن بد من إعلان الحرب".
ويفيد إبراهيم، بأنّ إعلان الحرب ليس متعلقاً بمدينة الفاشر فقط، بل بكل التراب السوداني، مؤكداً أنّ أي منطقة في السودان تتعرض للتهديد سيدافعون عنها وفق الإمكانات المتاحة، ومشيراً إلى أنّ المستوى القيادي العسكري في حركات الكفاح المسلح تعهّد بخوض المعركة دفاعاً عن مدينة الفاشر، إذا تعرضت لهجوم من قوات الدعم السريع.
بسؤاله حول إعلان قادة سياسيين في حركات الكفاح المسلح رفض إعلان الحرب، يجيب بأنّ الواقع في الميدان يخالف مواقف هؤلاء، مضيفاً: "نحن لا نريد أن نخوض في شؤون حركات أخرى، لكن الأيام ستكشف ما نقول". ويؤكد على أنّ "دارفور عانت الكثير ولا يمكن أن تعود الإبادة مرةً أخرى".
تضمن تقرير صادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بيانات عن ضحايا الصراع الأهلي في دارفور منذ اندلاع الحرب في 15 نيسان/ أبريل الماضي، وبلغت الحصيلة 4،000 مدني قتيل، وإصابة 8،400 آخرين، حتى شهر آب/ أغسطس الماضي. وتعتقد المفوضية أنهم بغالبيتهم قد تم استهدافهم بشكل رئيسي بسبب انتمائهم العرقي، لا سيما في غرب دارفور. وتُتهم قبائل عربية متحالفة مع الدعم السريع بالمسؤولية عن الانتهاكات التي تطال السكان ذوي الأصول الإفريقية، بينما نفى الدعم السريع عن نفسه المسؤولية، وتعهد بمحاسبة المتفلتين.
قابل رصيف22، حسب الله آدم الذي لجأ إلى مدينة أدري التشادية، بعد أن قامت قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المساندة لها، بقتل العديد من أقرانه من شباب المساليت، ودَفْن البعض منهم أحياء داخل مقابر جماعية.
في شهادته لرصيف22، يقول حسب الله آدم، إنه فرّ من محلية أردمتا في ولاية غرب دارفور، إلى مدينة أدري التشادية، بعد أن قامت قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المساندة لها بقتل العديد من أقرانه من شباب المساليت، ودَفْن البعض منهم أحياء داخل مقابر جماعية، واصفاً ما حدث بأنّه "تطهير عرقي وإبادة جماعية ضد المساليت".
يقول آدم إنّ الدعم السريع انتقم من المدنيين العُزّل الذين لا علاقة لهم بالحرب، وانتشرت عناصرها في الأحياء السكنية وراحوا يقتلون المواطنين وينهبون المنازل، متهماً قيادات الدعم بالإشراف على عمليات قتل ممنهجة تستهدف السكان ذوي الأصول الإفريقية الذين هم السكان الأصليون للمنطقة بحسب قوله.
إرهاصات الحرب العرقية
يقول سلطان عموم دار مساليت في غرب دارفور، سعد بحر الدين، إن قوات الدعم السريع تريد القضاء على قبيلة المساليت، ويصف الجرائم التي حدثت في مدينة الجنينة بأنّها غير إنسانية. وفي حديثه إلى رصيف22، يطالب المجتمع الدولي بالتدخل لإيقاف الانتهاكات التي تحدث في دارفور ومدينة الجنينة على وجه الخصوص.
بدوره، يؤكد الناشط الحقوقي عبد الباسط الحاج، أن قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها تمارس القتل والتهجير على أساس اللون والعرق في دارفور، منذ عشرين عاماً. ويضيف لرصيف22، أنّ ما يحدث "جرائم ترقى في مجملها إلى جرائم إبادة جماعية وتهجير قسري".
المحلل السياسي المختص في شؤون دارفور محمد تورشين، يستبعد أن تُبعث الحرب العرقية في دارفور من جديد في الوقت الحالي، موضحاً أن تجدد الحرب الأهلية مرتبط بتمدد الدعم السريع ومحاولتها الانفراد بالسلطة والإدارة، وهذه الجزئية مرتبطة بالسيطرة على مدينة الفاشر. ويرى تورشين أنّ إرهاصات الحرب العرقية لم تصل بعد إلى نقطة اللا عودة؛ لأنّ الاشتباكات بين أبناء الرزيقات العرب، والمساليت ذوي الأصول الإفريقية، ليست جديدةً.
كما يتوقع تورشين أنّ يؤدي تمدد الدعم السريع إلى وسط دارفور وغربها، إلى انخراط مجموعات مساندة لمصطفى طمبور، في القتال في صفّ الجيش السوداني، وعدد من أبناء الفور في قوات المجلس الانتقالي بقيادة عبد الرحمن نمر، وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور، لتدخل الحرب ضد الدعم السريع. ويتخوف من حرب طويلة الأمد بين الإثنيات العربية والإفريقية من الفور والمساليت، حال تدخل طرف ثالث يوفر الدعم والسلاح للقبائل الإفريقية، لتأخذ قرار مواجهة الدعم السريع صاحب الإمكانات العسكرية والمالية والتنظيمية الكبيرة.
من جانبه، يقول الخبير العسكري علي ميرغني، إن حركات الكفاح المسلح لا تملك قوات وقدرات كافيةً لمواجهة الدعم السريع إلا في إقليم دارفور، وتحديداً إسناد قوات الجيش الموجودة في مدينة الفاشر. ويرى ميرغني، أنّ معركة الفاشر ستحدد مصير دارفور؛ فإذا نجح الجيش والحركات الدارفورية في الاحتفاظ بالمدينة، وصدّ هجوم الدعم السريع المرتقب، سيوفر ذلك قاعدةً متقدمةً للجيش للتحرك لاستعادة مدن نيالا وزالنجي والجنينة، بعد تطهير الخرطوم وجيوب في غرب الجزيرة وشمال النيل الأبيض.
لكن وجود اصطفاف بين الجيش والحركات الدارفورية، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، بحسب الخبير العسكري علي ميرغني، وهي انضمام قبائل الرزيقات العربية إلى الدعم السريع في مدينة الضعين، فضلاً عن المخاطر التي قد تنتج عن تسليح الجيش لقبائل في دارفور لمواجهة الدعم السريع، في فترة ما بعد الحرب.
يقول المتخصص في شؤون دارفور، محمد تورشين، إنّ الدعم السريع سيحاول في المدن التي سيطر عليها أن يقدّم صورةً مخالفةً للصورة الذهنية السائدة في أذهان المواطنين عنه، والمرتبطة بالجرائم والفظائع التي ارتكبها الدعم السريع من قبل، إبان حقبة ميليشيا الجنجويد. ويضيف أنّ الدعم سيبذل جهوداً كبيرةً لتغيير تلك الصورة، وتقديم نموذج في الإدارة يجعل الكثير من أبناء دارفور من غير المنتمين إليه، يقفون معه ويساندونه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 20 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع