تتكرر حوادث مقتل المدنيين نتيجة غارات الجيش السوداني الجوية، التي تستهدف أحياءً في العاصمة الخرطوم، يتحصن فيها أفراد قوات الدعم السريع. آخر تلك الحوادث مقتل نحو 43 شخصاً، وإصابة العشرات، في قصف جوي على سوق قورو في منطقة مايو في جنوب الخرطوم، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
تتخذ قوات الدعم من منازل المواطنين داخل الأحياء السكنية مقارّ لها، منذ فقدانها معسكراتها التي استهدفها القصف الجوي والمدفعي في الأيام الأولى للحرب.
شهود عيان
يقول المواطن محمد سليمان، الذي يعيش في منطقة مربع 22، في منطقة دار السلام في مدينة أم درمان، إنّه في يوم السبت الموافق 8 تموز/ يوليو الماضي، عند الساعة 10 مساءً، لاحظ طائرة استطلاع تابعةً للجيش السوداني تحلق فوق المربعات السكنية رقم (22/26/27)، ثم بعد خمس دقائق جاءت طائرة حربية، وأطلقت خمسة صواريخ؛ سقط اثنان منها في مربع 22، وتسببا في تدمير منزلَين، وحصيلة القتلى بلغت 30 ضحيةً، منهم 11 شخصاً من أسرة واحدة. وأضاف أنّ الطائرة أطلقت صاروخاً على مكان لبيع اللحوم الجاهزة "الشوايات"، في منطقة العامرية المجاورة لمربع 22.
ويسيطر الدعم السريع على مناطق واسعة في مدينة أم درمان، التي سقط فيها العديد من المدنيين ضحايا نتيجة القصف الجوي من طيران الجيش، وكذلك القصف المدفعي المتبادل من الجيش والدعم السريع. ويعيش سكان منحدرون من قبيلة الرزيقات التي تُعدّ الحاضنة الاجتماعية للدعم السريع في منطقة دار السلام، وتحديداً مربعات (21/22/26)، ولهذا باتت منطقة عمليات عسكرية لطيران الجيش منذ بداية المعارك في 15 نيسان/ أبريل الماضي.
تتخذ قوات الدعم السريع من منازل المواطنين السودانيين داخل الأحياء السكنية مقارّ لها منذ فقدانها معسكراتها التي استهدفها القصف في الأيام الأولى للحرب، ونتيجةً لذلك تتكرر حوادث مقتل المدنيين جرّاء غارات الجيش السوداني الجوية
مواطن آخر، فضّل عدم الكشف عن اسمه، يتحدث إلى رصيف22، قائلاً إنّه شهد العديد من الغارات الجوية لسلاح الجو التابع للجيش السوداني. أول تلك الحوادث في شهر أيار/ مايو الماضي، في منطقة المويلح غرب مدينة أم درمان، وأسفرت عن مقتل 7 أشخاص من أسرة واحدة، بعد غارة جوية، دفعت العديد من السكان إلى الفرار خارج العاصمة. كما شهد المصدر حادث قصف سوق قندهار غرب أم درمان، الذي تسبب في مقتل ثلاثة مدنيين. وفي شهر تموز/ يوليو الماضي، شهد المصدر قصفاً جوياً على منطقة دار السلام، القريبة من مكان سكنه، أودى بحياة 31 شخصاً. وفي القصف الذي استهدف منطقة سوق المويلح، لقي 12 شخصاً حتفهم، ونفقت المئات من الماشية، بحسب المصدر، ونشرت وسائل الإعلام عن ذلك.
وتُعدّ منطقة دار السلام المدخل الرئيسي من غرب السودان نحو أم درمان، ومن ثم العاصمة الخرطوم، لقربها من طريق الصادرات أم درمان-بارا، الذي يربط بين الخرطوم ودارفور وكردفان، والذي بات مسرحاً للعمليات العسكرية، بعد إصدار الحكومة قراراً بإغلاقه أمام حركة المرور، واعتبار السيارات التي تستخدمه أهدافاً عسكريةً.
كما يتحدث مواطن ثالث إلى رصيف22، عن مشاهدته قصفاً مدفعياً للدعم السريع من منطقة بحري، استهدف منطقة الحتانة شمال أم درمان، وأصاب منازل المدنيين.
القصف العشوائي
ونتج عن عدم قدرة أي من الطرفين حسم القتال لصالحه، تكثيف القصف العشوائي المتبادل، ويستخدم الجيش بضراوة القصف المدفعي والغارات الجوية لترجيح كفة الحرب لصالحه.
يقول مواطنون لرصيف22، إنّ القصف الجوي ازدادت حدته في الآونة الأخيرة، وارتفعت معه حصيلة الضحايا المدنيين، مع محاولة الجيش التقدم واستعادة المناطق التي يسيطر عليها الدعم في العاصمة. وبحسب شهاداتهم اضطرت عشرات العائلات إلى الفرار من منطقة أمبدة غرب أم درمان، جراء القصف المدفعي المتبادَل بين الطرفين، إلى منطقة الثورة التابعة لمحلية كرري التي تضم قاعدة وادي سيدنا الجوية التي ينطلق منها الطيران الحربي. وتعيش منطقة الثورة استقراراً نسبياً، وفيها مستشفى "النو" الذي يُعدّ واحداً من المستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل في العاصمة الخرطوم.
تقول الطبيبة أمنية كفاح، عضوة مبادرة متطوعي مستشفى النو التعليمي، إنّ المستشفى يستقبل العشرات من القتلى والجرحى يومياً. وتخبر رصيف22، بأنّ 30 شخصاً توفوا في يوم واحد في شهر آب/ أغسطس الماضي، فضلاً عن عشرات المصابين الذين استقبلهم المستشفى، نتيجة القصف الجوي والمدفعي والاشتباكات بين الجيش والدعم. ولا تقتصر معاناة المستشفى على النقص الكبير في الأدوية والأدوات المطلوبة لغرف الطوارئ والعمليات الجراحية، والضغط على الفرق الطبية، فهناك خوف من سقوط القذائف في محيط المستشفى، بحسب الطبيبة.
"قصف المدنيين بواسطة طيران الجيش يُعدّ من جرائم الحرب، ومخالفةً لاتفاقيات جنيف لحماية المدنيين في أثناء الحروب، والقانون السوداني. وتواجد قوات الدعم السريع داخل المدن لا يبرر للجيش أن يقصف المدنيين"
وفي تصريح لرصيف22، يتّهم عضو المجلس الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، طيران الجيش بارتكاب مجازر في حق المدنيين. ويقول إنّ الطيران الحربي يستهدف تجمعات المواطنين في الأسواق والأماكن العامة، مطالباً بعدّ ذلك جرائم حرب، وفرض عقوبات على قادة الجيش، وفرض حظر طيران لحماية المدنيين.
من جانبه، يكذّب الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني العميد ركن نبيل عبد الله، ادعاءات الدعم السريع بقصف طيران الجيش للمواطنين. ويتّهم "إعلام ميليشيا الدعم السريع المتمردة باختلاق أكاذيب مضللة لتجريم الجيش". ويقول لرصيف22: "نوجه ضرباتنا إلى تجمعات الميليشيا المتمردة كأهداف عسكرية مشروعة، ولا نستهدف مواطنينا الأبرياء".
المسؤولية القانونية
يقول عضو اللجنة القانونية في تحالف قوى الحرية والتغيير، المحامي معز حضرة، إن قصف المدنيين بواسطة طيران الجيش يُعدّ من جرائم الحرب، ومخالفةً لاتفاقيات جنيف لحماية المدنيين في أثناء الحروب، والقانون السوداني. ويضيف لرصيف22، أنّ تواجد قوات الدعم السريع داخل المدن لا يبرر للجيش أن يقصف المدنيين. كذلك لا يجوز للدعم السريع أن يشنّ حرباً من داخل المدن.
بدوره، يتّهم الخبير العسكري العقيد ركن المهندس خالد محمد عبيد الله، قوات الدعم السريع بالعمل على إدانة الجيش السوداني واتهامه بضرب المدنيين، في الوقت الذي تقوم فيه بإطلاق "دانات" مدفعية في أثناء تحليق الطيران، من بين المناطق السكنية، مما يؤدي إلى وقوع إصابات بين المواطنين.
ويذكر الخبير العسكري لرصيف22، أنّ أهداف الطيران تُدرَس وتُراجَع من اتجاهات عدة باستخدام صور الأقمار الصناعية، والخرائط المحدثة ثم تُحدَد وفق أهمية قصوى، مؤجلة، أو غير مهمة. كما يلفت إلى أنّ الطيران العامل في المعركة حديث، ولا يُعتمد فيه على رؤية العين المجردة للطيار، بل وفق إحداثيات تُترجم إلى ضربة جوية، نسبة الخطأ فيها بسيطة جداً. لكنه لم ينفِ العقيد السوداني وجود عامل الخطأ لدى الطيار أو في عملية التوجيه، منوهاً بأنّها محدودة للغاية.
وذكرت منظمة أطباء بلا حدود في بيان أنّ "القتال في أم درمان بشكل خاص اشتد خلال الأسابيع الأخيرة، مع الغارات الجوية والمعارك بالأسلحة النارية والقصف، مما تسبب في ألم عظيم ومعاناة وموت، وتعرّض المئات من الرجال والنساء والأطفال للإصابة، فضلاً عن أن العنف المستمر يُصعّب وصول من هم في أمسّ الحاجة إلى الرعاية الصحية إلى المرافق المحدودة العاملة في المنطقة".
في السياق ذاته، قال مرصد النزاع في السودان الذي تدعمه الولايات المتحدة، إن التمركز في أحياء ومبانٍ يسكنها مدنيون يمثّل "انتهاكاً محتملاً لاتفاقيات جنيف". وأضاف أن القوات المسلحة "ستظل مطالبةً بضمان تقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين إلى الحد الأدنى بغض النظر إن كان الهدف قد أصبح هدفاً عسكرياً مشروعاً".
ومن بين الحوادث المسجلة لسقوط ضحايا في القصف الجوي، مقتل 17 شخصاً في قصف استهدف جنوب الخرطوم، ومقتل 9 أفراد في العاشر من تموز/ يوليو الماضي، في حي الشعبية في منطقة بحري، ومقتل 22 شخصاً في 8 تموز/ يوليو الماضي في قصف جوي على أم درمان. وإلى جانب ضحايا القصف الجوي، تشكل حوادث مقتل المدنيين نتيجة سقوط قذائف المدفعية وغيرها من القذائف على منازلهم السبب الأكبر لسقوط هذه الأعداد من الضحايا، وتمتلئ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بأخبار من مواطنين عن مقتل أقربائهم وأصدقائهم نتيجة سقوط قذائف عشوائية على منازلهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...