شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
طبول الحرب العرقية تدقّ في السودان... ما الذي يحدث في دارفور؟

طبول الحرب العرقية تدقّ في السودان... ما الذي يحدث في دارفور؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

السبت 22 يوليو 202310:45 ص

من قلب مدينة مليط، دعا حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، مؤخراً، مواطنيه إلى حمل السلاح وحماية أنفسهم وممتلكاتهم، وهي الدعوة التي أتت بعد إعلان 7 قبائل من دارفور تأييدها لقوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني.

التطورات الأخيرة، سواء بإعلان بعض القبائل انحيازهم إلى قوات "دقلو" أو بدعوة مناوي مواطنيه إلى حمل السلاح، أثارت مخاوف الكثيرين من تكرار سيناريو 2003، عندما قررت حركتا "تحرير السودان" و"العدل والمساواة" محاربة الحكومة السودانية على خلفية اتهامها باضطهاد سكان دارفور من غير العرب، لتردّ الحكومة بهجمات تطهير عرقي وإبادة، أفضت إلى اتهام الرئيس البشير من قبل "المحكمة الجنائية الدولية" بارتكاب جرائم حرب في دارفور.

تركيبة إقليم دارفور

لاستيعاب الوضع السياسي في إقليم دارفور، وتأثير التحالفات الجديدة فيه على مسار الحرب الدائرة في السودان اليوم، يجب أولاً فهم تركيبة الإقليم بتعقيداتها العرقية واللغوية التي تصل إلى 139 لهجةً محليةً.

يتكون إقليم دارفور (والذي تزيد مساحته عن مساحة فرنسا)، من خمسة أقسام مختلفة:

1- براري تتخللها وديان ومساحات صحراوية شاسعة، تسكنها قبائل رعاة الإبل والغنم، مثل "الزغاوة" و"البديات" وإن كانت الزراعة حاضرةً في الجنوب على يد قبائل "التنجر".

2- هضبة "جبل مرة"، وتتخللها مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، وتقطنها قبيلة "الفور" التي تنتمي إليها الأسرة المالكة.

3- تلال "القوز" الرملية التي تسقط فيها أمطار معتدلة تسمح بقيام الزراعة، وتسكنها قبائل "الميمة" وقسم من البرتي والتنجر.

4- غرب دارفور ويُعدّ سلة غذاء الإقليم بأسره وأكثر مناطقه سكاناً، ويحترف أهله تربية الأبقار والزراعة، وتسكنه قبائل "المساليت" و"القمر" و"المرارية".

5- جنوب دارفور المتميز بسهوله الطينية الواسعة وأعشاب السافانا الغنية، ويسكنه رعاة البقر من القبائل العربية مثل الرزيقات والتعايشة والهبانية.

كيف يدار دارفور إدارياً؟

تتشكل الإدارة الأهلية في الإقليم من تسلسل هرمي يختلف من قبيلة إلى أخرى، فيبدأ عند القبائل العربية بالشيخ يليه العمدة ثم الناظر.

أما القبائل غير العربية، فيبدأ التسلسل الهرمي فيها بالشيخ، ويليه العمدة ثم "الشرتاي" ويُعرف عند بعض القبائل بالـ"فرشة" الذي يرأس مجموعةً من العمداء.

وإذا كبرت القبيلة عددياً يُطلق على زعيمها لقب "الملك". وحتى الآن يوجد في دارفور ثلاثة ملوك، هم ملك الميزوب في "الملحة"، وملك البرتي في "مليط"، وملك التنجر في "كتم".

كيف بدأت العداوة بين العرب والأفارقة في السودان؟ وإلى أين يقود ذلك الصراع البلاد؟

تحالف العرب والدعم السريع في دارفور

الوضع على الأرض في دارفور حتى الآن يعتريه التناحر والتقاسم بين الفريقين، ففي الوقت الذي يسيطر فيه الجيش على "الفاشر"، تسيطر ميليشيات الدعم السريع على مدينة "زالنجي" و"غرب دارفور"، أما "نيالا" فهي مقسمة بين الطرفين.

نالت دارفور حظها السيئ من الحرب الحالية، حينما قررت قوات الدعم السريع إبادة المساليت (مجموعة قبائل تعود أصولها إلى منطقة وسط إفريقيا)، وطردهم إلى تشاد.

بهذا استهل رئيس حركة العدل والمساواة منصور أرباب، حديثه إلى رصيف22، مضيفاً أنه في الأساس لا توجد حرب بين العرب والمساليت وما جرى في الجنينة من أحداث عنف نجم عنها سقوط 4،500 قتيل، لم يكن سوى امتداد للحرب في الخرطوم.

أما المتحدث باسم رابطة أبناء قبيلة المساليت، يونس أحمد، فيروي لرصيف22، مأساة التطهير العرقي ضد قبيلته، قائلاً: "حرقت قوات الدعم السريع أهلنا أحياء داخل الخيم في مراكز الإيواء، فضلاً عن حرقهم المستشفيات، بعد أن نهبوا المؤسسات الحكومية وخرّبوها".

وقد استعان حميدتي في مجزرته تلك بالعرب الرُحّل في الجنينة، ليجد أبناء قبيلة المساليت أنفسهم وجهاً لوجه أمام تلك الميليشيات وحدهم، بعد أن ارتكز الجيش داخل مقارّه، من دون أن يمد القبيلة بالسلاح على حد قول يونس. من جانبه، كشف نائب رئيس التحالف السوداني حذيفة البلول، لرصيف22، أن قواته تحارب إلى جانب قوات الجيش، وتتصدى للدعم السريع وحلفائه في الجنينة.

بيانات مؤيدة لميليشيات الدعم السريع

وفي الوقت الذي أعلنت فيه 7 قبائل انضمامها إلى ميليشيات الدعم السريع، والذي تزامن مع دعوة حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، مواطنيه إلى حمل السلاح والدفاع عن أنفسهم، يقول القيادي في الحزب الشيوعي كمال كرار، لرصيف22، إن تلك البيانات الصادرة باسم القبائل لا تعدو عن كونها رغبات ذاتيةً لأفراد في دارفور، لأن الزمان تخطى فكرة شيخ القبيلة الذي يسير الجميع خلفه كالقطيع، ويضيف كرار أن مشكلة طرفَي القتال أنهما يفتقدان قاعدةً شعبيةً في دارفور، ويحاولان الحشد لأنفسهم عبر تلك البيانات.

لكن المتحدث باسم "الحرية والتغيير"، شهاب إبراهيم، يختلف تماماً مع هذا الطرح، ويقول لرصيف22، إنه يخشى أن يفضي الوضع المستند على حزازيات تاريخية بين القبائل العربية والإفريقية، بسبب ما فعلته القبائل العربية في مدينة الجنينة، إلى حرب أهلية مدمرة.

خريطة الحركات المسلحة

في إقليم دارفور حركات مسلحة كثيرة، لكن الحركتَين الأقوى هناك هما حركتا "الجبهة الثورية" و"جيش تحرير السودان".

وفي حين وقّعت "الجبهة الثورية" ومن والتها من الحركات المسلحة على اتفاق جوبا عام 2020، رفض "جيش تحرير السودان" جبهة عبد الواحد التوقيع.

توقيع "الجبهة الثورية" على اتفاق جوبا كان مقدمةً للنأي بنفسها عن الانخراط في الحرب، إذ اكتفت بلعب دور الوساطة بين الطرفين، خشية أن يتحوّل تورطها في القتال إلى حرب شاملة، وهو ما يراه البعض براغماتيةً لا حياداً، حيث يقفون موقف المشاهد ليروا الفائز، ويقفون معه لضمان نصيبهم من السلطة.

 لماذا أعلنت 7 قبائل انضمامها إلى ميليشيات الدعم السريع، بالتزامن مع دعوة حاكم دارفور مواطنيه إلى حمل السلاح؟

سجل الانتهاكات

"المأساة أصعب من أن توصف"؛ بتلك الكلمات أوضحت عضوة هيئة محامي دارفور، رحاب الشريف، ما يحدث في دارفور، مبينةً أن المعلومات الدقيقة غابت، نظراً إلى قطع الإنترنت المتكرر في مدنه بعد استهداف شبكات الاتصالات، وفرار معظم القاطنين في الأماكن الساخنة ومعظم المعلومات يدلي بها نازحون فروا من أماكن القتال. وأكدت الشريف لرصيف22، أن الفاشر تحت نيران قوات الدعم السريع، وقد أجبرت الاشتباكات الكثير من السكان على النزوح، وتكمن المشكلة الأكبر في ضواحي المدينة، حيث تصبّ ميليشيات الدعم السريع عليها غضبها عند تقهقرها، مثل كتم والطويلة اللتين أخليتا من السكان الذين ذهبوا إلى المعسكرات، وتستقر الأمور في مليط والطينة.

وروت الشريف فظائع ارتُكبت في الجنينة، في مذابح عرقية، حيث قتلت قوات الدعم السريع الكثير من الناشطين والشخصيات الشهيرة في المدينة، بدايةً من أسرة الوالي، وتصفية 5 محامين أعضاء في هيئة محامي دارفور، وحرق منزل عضوة قوة يونيميس والنائبة السابقة في مجلس النواب السوداني صفاء العاجب، بجانب عدد من الجرائم البشعة مثل حرق المحامي محمد كوة، و8 من أفراد أسرته، وحرق 50 شاباً من عرقية المساليت ودفنهم في حفرة واحدة.

معسكرات النزوح

الأوضاع في معسكرات النزوح (التي لجأ إليها ما يقارب 70 إلى 80 ألف شخص من سكان غرب دارفور بعد استباحة بيوتهم) مزرية جداً على حد تعبير رئيس تجمع منظمات المجتمع المدني السودانية عادل عبد الباقي، الذي فسّر لرصيف22، أسباب بؤس الأوضاع في تلك المعسكرات قائلاً: "إن منظمات الأمم المتحدة لم تقدّم لهم سوى مساعدات رمزية لا تتناسب مطلقاً مع حجم اللاجئين واحتياجاتهم".

بين تهجير وإفقار، وحروب وقتل وتطهير عرقي، وخوف من المستقبل على الإقليم والوطن، يقف أهالي دارفور اليوم على مشارف جحيم ذاقوا ويلاته، ويخشون الخوض في أتونه مرةً أخرى.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image