مرّ أكثر من شهر على بداية عملية "طوفان الأقصى"، التي بدأت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وأعقبها ردّ إسرائيلي هو الأعنف في تاريخ إسرائيل من ناحية القصف الجوي، ثم عدوان برّي بدأ في السابع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، وخلّف أكثر من 10 آلاف قتيل إلى الآن، معظمهم من الأطفال والنساء.
تواصل إسرائيل عملياتها الإجرامية البرية والجوية ضد سكان القطاع، ما يجعل كثراً يفكرون في مستقبل غزة بعد انتهاء هذه الحرب: من يحكم القطاع؟ وما هي السيناريوهات المطروحة بالأساس؟ هذا كله يعود إلى سيناريو أهم، هو سيناريو فرضية القضاء على حركة حماس. فأي سيناريو سيكون باطلاً طالما بقيت الحركة سياسياً وعسكرياً، وهذا ما يجعلنا نبحث في السيناريوهات المستقبلية المطروحة، خاصةً وسط هذا المشهد الضبابي.
متى تنتهي الحرب؟
حتى الآن، لم يتحقق الهدف الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية من عملية "السيوف الحديدية"، كما يسمّيها الإعلام العبري، وهو إعادة الأسرى والمختطفين إلى إسرائيل، ولا يزال خيار وقف إطلاق النار محل مباحثات وضغوط من الجميع، سواء من المجتمع العربي أو الدولي، لكن إسرائيل وحماس لم تتوصلا إلى اتفاق برغم تعدد الوساطات بينهما، فكل طرف يضع شروطاً لا يراها الطرف الآخر مناسبةً. ونشرت "يديعوت أحرونوت"، أن ثمة مفاوضات من أجل إطلاق سراح بعض المختطفين لدى حركة حماس مقابل وقف إطلاق النار.
وعدّد المحلل الإسرائيلي، روي بن يشاي، في مقالة تحليلية نشرها في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، 5 أسباب تجعل تل أبيب ترفض وقف إطلاق النار، منها أن ذلك سيسمح للمقاومة بإعادة تجهيز نفسها لوجستياً للحصول على إمدادات تعينها على استكمال الحرب، مثل الحصول على كميات من الغذاء وعلى إمدادات للأنفاق. كذلك فإن وقف إطلاق النار سيسمح لهم بإعادة خطوط الاتصال التي تعطلت بين مجمّعاتهم المختلفة فوق سطح الأرض وتحته، والسبب الثالث، من الناحية العملياتية، هو أن وقف إطلاق النار سيسمح لحماس بإعادة تنظيم نفسها، والتسلّح مجدداً لمواصلة القتال، ورابعاً ستتمكن حماس أيضاً من إعادة تنظيم قواتها وتعزيز مواقعها المعزولة التي تضررت بسبب القصف الإسرائيلي.
كذلك فإن وقف إطلاق النار لبضعة أيام سيسمح لحماس بنقل الأسرى والمختطفين من مكان إلى آخر، وتالياً تشويش الصورة الاستخباراتية الإسرائيلية، وإحباط إمكانية إطلاق سراحهم من خلال عمليات موضعية.
عملية انتهاء الحرب الحالية مرهونة بفكرة التوصل إلى اتفاق، سواء أكان مرحلياً أو نهائياً، بين الأطراف المتنازعة، كما أن فكرة التوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء النزاع العسكري، بالطبع يعطي لحماس سيناريو الاستمرار، سواء سياسياً أو عسكرياً، وهو السيناريو الأول بعد انتهاء الحرب الحالية
بنبرة حاسم، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء السبت 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، رفضه أي مقترح لوقف إطلاق النار، إلا إذا عاد المختطفون والأسرى كلهم.
لذلك فإن عملية انتهاء الحرب الحالية مرهونة بفكرة التوصل إلى اتفاق، سواء أكان مرحلياً أو نهائياً، بين الأطراف المتنازعة، كما أن فكرة التوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء النزاع العسكري، بالطبع يعطي لحماس سيناريو الاستمرار، سواء سياسياً أو عسكرياً، وهو السيناريو الأول بعد انتهاء الحرب الحالية.
سيناريو استمرار حماس في الحكم
برغم كثرة السيناريوهات المطروحة حول مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، إلا أنها بُنيت كلها -كما سنوضح لاحقاً- على فكرة القضاء على حركة حماس بشكل تام، وتفكيكها سياسياً، ثم نزع سلاحها، ليتم القضاء عليها عسكرياً، ما يعني تجاهل هذه السيناريوهات لفكرة استمرار حركة حماس داخل قطاع غزة، وهو ما يعززه أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أيمن الرقب، في حديثه إلى رصيف22، بقوله: "الجميع يتحدث وكأنما الحرب قد وضعت أوزارها، وتالياً يضع تبريرات ما بعد احتلال إسرائيل لقطاع غزة بأن المقاومة قد تسقط. المقاومة قد تؤلم الاحتلال وتالياً ستجد إسرائيل نفسها مضطرةً إلى الدخول في مفاوضات مع المقاومة وحركة حماس، التي ستصبح جزءاً من الحل وليس بعيداً عنه، وعليه فإن بقاء الحركة في الحكم بعد الحرب يكون ضمن اتفاق سياسي، خاصةً أن عملية المفاوضات سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مع حماس، تُعدّ اعترافاً باستمرار سيطرة الحركة على القطاع، حتى بعد انتهاء الحرب".
وتطرح الدكتورة، اعتماد جمال، وهي مدرّسة مساعدة للّغة العبرية وآدابها في جامعة القاهرة، تساؤلاً في حديثها إلى رصيف22، حول معنى المفاوضات الجارية مع الحركة لإطلاق سراح المخطوفين، فتقول: "أنا أندهش من حديث البعض عن سيناريوهات ما بعد الحرب، وإقصاء حماس من المشهد، فهي تسيطر عليه منذ 17 عاماً، ودخلت في نحو خمس حروب مفتوحة مع إسرائيل، وهي بين الحين والآخر من تعيد القضية الفلسطينية إلى المشهد، كما هو الحال الآن، لذلك من الصعب الجزم بأن حماس ستختفي من المشهد المستقبلي لقطاع غزة، خاصةً في ظل رفض عربي ودولي لسيناريوهات غير منطقية".
يتمسك معظم سكان قطاع غزة المدنيين بعدم مغادرة أراضيهم، ورفض الدعاوى الكثيرة لذلك. ناقشت صحيفة "بلومبرغ"، الطرح المتعلق بعدم مغادرة الفلسطينيين قطاع غزة برغم ويلات الحرب، ونشرته صحيفة "واشنطن بوست"، وفيه يرى بوبي غوش، أن السبب في ذلك هو أن "أهل غزة يدركون تماماً أن القطاع هو المكان الوحيد الذي يمكنهم فيه التشبث بهويتهم كفلسطينيين. إنهم يخشون إذا غادروا هذه البقعة الأخيرة من وطنهم، أن لا يتمكنوا من العودة أو لا يُسمح لهم بذلك. أن تصبح لاجئاً مرتين هو مصير لن يرحّب به إلا القليل منهم".
وهذه النظرة المتعلقة بالبقاء في غزة، أكدها زعيم حركة حماس، إسماعيل هنية، بأنهم لن يغادروا قطاع غزة إلى أي مكان. وفي سياق متصل، أعلن القيادي في حركة حماس في لبنان أسامة حمدان، أنهم لن يقبلوا أي "وصاية" على قطاع غزة، ويرفضون أي خطط لعزل حماس.
وبرغم أن سيناريو بقاء حماس هو الأكثر واقعيةً، إلا أن ثمة سيناريوهات أخرى طُرحت في الآونة الأخيرة، وكلها تستند إلى القضاء على حماس، سواء سياسياً أو عسكرياً، فانطلقت التحليلات باللغات كافة حول سيناريوهات ما بعد حماس؛ فمثلاً مجلة "فورين أفيرز"، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، طرحت هذا السؤال: "ماذا بعد حماس؟"، وناقشت فيه سيناريوهات ما بعد القضاء على حماس، ونطرح في رصيف22 كافة السيناريوهات التي نوقشت ولا تزال مطروحةً وقيد النقاش.
سيناريو "غزة إلى السلطة الفلسطينية"
شهدت مدينة رام الله في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، لقاءً جمع بين وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أبدى فيه الأخير استعداده للمساعدة في إدارة قطاع غزة، ولكن بعد عزل حركة حماس. وجاء استعداد أبي مازن بعد توصية بلينكن بضرورة أن تلعب السلطة دوراً محورياً في مستقبل غزة، وقال عباس في كلمة ألقاها على هامش إحياء ذكرى وفاة الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، الجمعة 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري: "قطاع غزة هو جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، وسنتحمل مسؤولياتنا كاملةً في إطار حل سياسي شامل على كل من الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة".
إذاً من ضمن السيناريوهات، أن يكون قطاع غزة تحت حكم السلطة الفلسطينية بصفتها معترفاً بها دولياً، لكن هل هذا السيناريو مقبول بالنسبة إلى إسرائيل؟
برغم كثرة السيناريوهات المطروحة حول مستقبل قطاع غزة بعد الحرب، إلا أنها بُنيت كلها -كما سنوضح لاحقاً- على فكرة القضاء على حركة حماس بشكل تام، وتفكيكها سياسياً، ثم نزع سلاحها، ليتم القضاء عليها عسكرياً، ما يعني تجاهل هذه السيناريوهات لفكرة استمرار حركة حماس داخل قطاع غزة
على الرغم من أن سيناريو عودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة، يلقى قبولاً لدى كثيرين، لكن لنتنياهو رأياً آخر. ففي كلمته التي ألقاها مساء السبت 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، في أثناء المؤتمر الصحافي، برفقة وزير دفاعه، يوآف غالانت، أكد أنه لن يسمح بعودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة في اليوم التالي لإنهاء الحرب، خاصةً أنهم لم يدينوا ما حدث يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وقال بحسب "يديعوت أحرونوت": "لن تكون هناك سلطة مدنية تربّي أطفالها على كراهية إسرائيل، وقتل الإسرائيليين، والقضاء على دولة إسرائيل. لا يمكن أن تكون هناك سلطة تدفع لعائلات القتلة وفقاً لقوانينها"، وأضاف: " لا يمكن أن تكون هناك سلطة لم يُدِن رئيسها المذبحة بعد أكثر من 30 يوماً. هذا لا يمكن أن يكون هناك، يجب أن يكون هناك شيء آخر".
ووصف الوزير الإسرائيلي، جدعون ساعر، الخميس 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، سيناريو عودة السلطة لحكم القطاع، بأنه "سيناريو الحلم"، مشدداً على أن السلطة لن تستطيع بالأساس حكم القطاع أو السيطرة عليه، فهي لم تستطِع السيطرة في الضفة الغربية، وعدّ تصريحات أبي مازن بخصوص استعداده لحكم القطاع بأنه حلم.
وسمّى عيدو زيلكوفيتش، الخبير في السياسة الفلسطينية ورئيس برنامج دراسات الشرق الأوسط في الكلية الأكاديمية، عيمك يزرعيل، سيناريو عودة السلطة إلى القطاع بـ"السيناريو الهجين"، فعودة السلطة إلى القطاع ستكون بدعم من قوة عسكرية دولية تشارك فيها قوى حلف شمال الأطلسي تحت قيادة أمريكية، وتشرف على أعمالها وتمكّنها من العمل على تحقيق السلام، ومكافحة الإرهاب مع إنشاء ممر عمل للجيش الإسرائيلي. وأضاف، بحسب ما نشرته صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية، أن "السيناريو الأمثل من وجهة النظر الأمريكية يقضي بعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع".
وبالعودة إلى فعالية هذا السيناريو من عدمه، تكمن الصعوبات التي تواجهه في أن أبا مازن لا يتمتع بشعبية بالأساس في الضفة، لذا من الأحرى أن يكون الأمر أكثر صعوبةً في غزة التي ألفت حماس، فضلاً عن الأزمات والاتهامات للسلطة بعدم الديمقراطية. فآخر انتخابات جرت كانت في 2005، ومن وقتها يحكم أبو مازن، ما يقضي على فكرة قبوله في غزة كحاكم قد يؤسس لمستقبل سياسي ديمقراطي. واستبعد خبراء ومحللون فكرة عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع على دبابة إسرائيلية، والانتفاع من الحرب وتدمير القطاع.
ويقول نائب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني حسن خريشة: "لا أعتقد أن أحداً يقبل بأن يذهب في هذه الظروف لإدارة غزة، ولا يوجد فلسطينيّ، ولا يوجد عاقل، يقبل بأن يعود على دبابة أمريكية أو ميركافا إسرائيلية"، بحسب ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
سيناريو "إسرائيل تحكم القطاع"
مع دخول الحرب أسبوعها السادس، لم يتوقف إطلاق النار الإسرائيلي على القطاع، وأصبحت غزة ركاماً، وبرغم المطالبات الدولية والعربية والإقليمية للجانب الإسرائيلي بالتوقف عن قتل المدنيين والأطفال والنساء، إلا أن الجيش الإسرائيلي مستمر في العقاب الجماعي لكل سكان القطاع، بل ترفض الحكومة مقترحات وقف إطلاق النار، وتعدّ العملية حرباً أبديةً للقضاء على حماس، وهو ما أشار إليه نتنياهو في كلمته مساء السبت 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وأن هدف الحرب الحالية عودة المختطفين والأسرى. وحول السيطرة الإسرائيلية على القطاع، أو بالأحرى احتلاله، قال نتنياهو في كلمته: "ستكون غزة منزوعة السلاح، ولن يكون هناك تهديد من قطاع غزة لإسرائيل، ولضمان عدم وجود مثل هذا التهديد، سوف يستمر الجيش الإسرائيلي، طالما كان ذلك ضرورياً، في السيطرة على أمن قطاع غزة من أجل منع الإرهاب، وقد أثبتت مذبحة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بشكل قاطع، أنه حيثما لا توجد سيطرة أمنية إسرائيلية، فإن الإرهاب ينشأ، ويعود ويثبت، وفي النهاية يصدمنا، ولهذا السبب لن أوافق على التنازل عن السيطرة الأمنية تحت أي ظرف من الظروف".
من جملة السيناريوهات المطروحة لإدارة غزة بعد الحرب، وجود قوة متعددة الجنسيات تضمّ قوات أمريكيةً وربما عربيةً وأوروبيةً، أو وضع المنطقة تحت إشراف مؤقت للأمم المتحدة حيث يرى البعض أنه لا يجب أن تدير إسرائيل أو حماس القطاع بعد انتهاء الحرب
وفي لقاء نتنياهو، الجمعة 10 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، مع رؤساء البلديات المحلية، أكد أن إسرائيل هي من ستحكم قطاع غزة لتأمين المستوطنات الجنوبية. وقال للحاضرين: "لن ننسى من كان في غزة قبل حماس. الجيش الإسرائيلي لن يثق بأحد، الجيش الإسرائيلي وحده هو الذي سيسيطر على القطاع"، وأبلغهم بأنه سيتم نزع كامل للسلاح، وستكون هناك سيطرة إسرائيلية كاملة على القطاع.
وأصبحت فكرة احتلال قطاع غزة كثيرة التناول في الأروقة الإسرائيلية. يرى موشيه بورنيت، الباحث في القومية الإسرائيلية وتاريخ الصهيونية، ضرورة احتلال القطاع وإقامة الحكم الإسرائيلي هناك، ويقول: "لا مفر من السيطرة المدنية الإسرائيلية في غزة، والتي ستشمل السيطرة على نظام التعليم والمساجد، حتى لا يقولوا كلمةً واحدةً عن اليهود هناك"، وشطح بورنيت بخطته بأن الهدف النهائي هو تحويل سكان غزة إلى إسرائيليين، بحسب ما نشره موقع "توف نيوز" العبري.
وتؤكد تصريحات نتنياهو، يوم السبت 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، مزاعم الوثيقة الإسرائيلية المسرّبة، والتي نشرها موقع "سيحا مقوميت"، في 28 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وعدد صفحاتها 10 ورقات، حول توصية وزارة الاستخبارات الإسرائيلية باحتلال غزة، ثم العمل على التهجير والنقل القسري للفلسطينيين في القطاع إلى سيناء بشكل دائم، من خلال إنشاء مدن لهم في شمال سيناء المصرية، وعلى الأمد البعيد عدم السماح لهم بالعودة أو الاقتراب من الحدود الإسرائيلية مجدداً، وتطالب الوثيقة بتسخير جهود المجتمع الدولي وعلى رأسه واشنطن لتنفيذ الخطة، والقيام حملة مخصصة لسكان غزة لتحفيزهم على الموافقة على هذه الخطة، وعدّت الوثيقة أن النتيجة المرجوة من الحرب الحالية هي عملية التهجير.
وبرغم الأصوات الإسرائيلية الواضحة بضرورة احتلال غزة وحكمها، إلا أنّ مستشار الأمن القومي سابقاً يعكوف عميدرور، حذّر من هذه الخطوة في وقت سابق من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وأشار إلى أن إسرائيل عليها أن تراقب الوضع من الخارج، وعليها فقط أن تمنع تسلّح حماس، وأنه من الحماقة أن تحكم إسرائيل أكثر من مليوني شخص من سكان غزة.
سيناريو "الأقطاب المتعددة": هؤلاء سيحكمون؟
يبدو أن مستقبل غزة دفع الكثيرين لوضع تصورات متعددة، وأشار الكاتب كارل ماير، في "بلومبيرغ"، في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، إلى أن من جملة السيناريوهات المطروحة لإدارة غزة بعد الحرب، وجود قوة متعددة الجنسيات تضمّ قوات أمريكيةً وربما عربيةً وأوروبيةً، أو وضع المنطقة تحت إشراف مؤقت للأمم المتحدة، ويرى ماير أنه لا يجب أن تدير إسرائيل أو حماس القطاع بعد انتهاء الحرب.
يشير سيناريو الأقطاب المتعددة لحكم غزة بعد الحرب، إلى أقطاب هي "مصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والسلطة الفلسطينية".
ووضع مؤلف كتاب "ليبيا والاضطراب العالمي الدائم"، جيسون باك، في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، سيناريو مستقبلياً للقطاع تحدث فيه عن أنجع طريقة لحكم غزة، حيث يرى أن أفضل سيناريو هو أن يكون القطاع تحت حكم "قطر ومصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة"، وأسهب في ضرورة استغلال الحرب الحالية لإعادة تشكيل رقعة الشطرنج السياسية في الشرق الأوسط بشكل كامل، وشدد على أن سيناريو إدارة غزة بهذه الكيفية من شأنه أن يُضعف النفوذ الإقليمي الإيراني والروسي في المنطقة"، وهو ما يجب دعمه من الغرب وواشنطن.
ثم تحدث الكاتب عن الدور القطري في "تقويض حماس وتقليم أظافرها"، وعدّ الدوحة من أهم الدول التي تستطيع مخاطبة الجميع في هذا التوقيت، سواء حماس أو غيرها، لتحقيق هذه المعادلة، وقال باك: "ينبغي للدبلوماسية الأنغلو-أمريكية الناضجة، أن تركز على إنشاء حكومة مشتركة قطرية وإماراتية وسعودية ومصرية لإدارة الشؤون الخارجية والحدود والرعاية الصحية والبنية التحتية والتعليم في غزة بعد الحرب لمدة تتراوح بين خمس وعشر سنوات في أثناء إعادة البناء والإصلاح".
وعززت مجلة "فورين أفيرز"، من سيناريو الأقطاب المتعددة لحكم غزة بعد الحرب، وهي، أي الأقطاب، "مصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، والسلطة الفلسطينية". ويحتاج هذا السيناريو بحسب المجلة الأمريكية، إلى قرار من مجلس الأمن يأذن للدول الأعضاء بإدارة انتقالية للقطاع، وتكون الإدارة الانتقالية مدعومةً من الأمم المتحدة مثل الوضع في ليبيا. لكن هذا السيناريو بحسب المجلة قد يصطدم برفض صيني وروسي، وعرقلة قرار مجلس الأمن حينها، وكذلك قد ترفض الدول العربية هذا السيناريو لأنه يُعدّ احتلالاً في نظر مواطنيها.
وتحدثت الصحافية والكاتبة الإسرائيلية، نوعا شوسترمان دافير، عما أسمته "السيناريو الأرجح"، بحسب ما نشرته صحيفة "غلوبس"، وهو ما تتبناه واشنطن خلف الكواليس، بحضور دول عربية وغربية، ويقضي بإنشاء نظام إقليمي مؤقت بقيادة الولايات المتحدة، بمشاركة مصر والأردن وإسرائيل والمغرب والإمارات العربية المتحدة وربما السعودية، وبعدها بفترة يتم تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية، وشرحت الصحافية أدوار بعض الدول العربية، بقولها: "قد توفر مصر السيطرة الفعلية على الأراضي، وستوفر الإمارات العربية المتحدة غطاءً سياسياً، وسيوفر الأردن الاتصال والتنسيق مع السلطة الفلسطينية، بينما تلعب السعودية الدور الاقتصادي، وقد يتم إنشاء ميناء في غزة لاحقاً يخدم السكان". وبحسب دافير، أعربت بعض الدول بالفعل عن استعدادها لمثل هذا المخطط "لأنها تفهم التحدي ولا تريد بقاء حماس أو إسرائيل في القطاع".
سيناريو "مصر تحكم القطاع"
لا يمكن عند الحديث عن مستقبل قطاع غزة وسكانه، تجاهل الدور المصري، كمشهد رئيس في الصورة الحالية، فمصر تعدّ القضية الفلسطينية من أهم عناصر أمنها القومي، خاصةً لقرب قطاع غزة من شبه جزيرة سيناء، والتي خاضت مصر بسببها حرباً ضد إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 1973، وحررت أرضها من الاحتلال.
ازداد الحديث خلال الحرب الحالية عن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء من جانب، سواء من مسؤولين أو محللين، أو من تولّي مصر مسؤولية القطاع من جانب آخر، لذا فسردية مصر من الصعب تجاهلها في المشهد الضبابي الحالي.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن الجانب المصري رفض مقترحاً أمريكياً مفاده أن تتولى القاهرة إدارة الأمن في القطاع حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من السيطرة على غزة، وتحدثت القناة السابعة الإسرائيلية من خلال محللها السياسي، تساحي ليفي، عن السيناريو المصري، في مقالة بعنوان: "المعركة الدبلوماسية بين إسرائيل ومصر ستقرر مستقبل غزة"، تحدث فيه عن الامتيازات التي قد تحصل عليها مصر، حال قررت فتح معبر رفح بشكل دائم أمام الفلسطينيين واستقبالهم مقابل بعض الإغراءات الاقتصادية للجانب المصري.
وخلص الكاتب الإسرائيلي إلى أن الحل الأمثل هو تهجير أهل غزة إلى مصر، لأن أي حل آخر يعني مواجهةً مستقبليةً أخرى مع حماس، لأن إيران لن تختفي من المشهد، لذا فأنسب حل لأهل القطاع هو الهروب من غزة. وقال ليفي: "ويجب على إسرائيل استغلال الأزمة الاقتصادية الحادة في مصر وتقديم مساعدات مقابل استيعاب سكان غزة"، واستفاض ليفي في شرح الخطة الإسرائيلية لتهجير سكان غزة من أراضيهم وتصديرهم إلى الجانب المصري.
وبشكل عام رفضت مصر مراراً أي سيناريو يدفع إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم قسراً، وهو ما أعلنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أثناء لقائه مع المستشار الألماني أولاف شولتز، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث قال الرئيس السيسي: "فكرة تهجير الفلسطينيين من القطاع (غزة) إلى مصر، تعني حدوث أمر مماثل، وهو تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، وتالياً فكرة الدولة الفلسطينية التي نتحدث عنها غير قابلة للتنفيذ"، ورفض السيسي فكرة ترحيل أهل غزة إلى سيناء، لأن المقاومة وقتها ستنتقل من غزة إلى سيناء، وعليه سيكون من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، وهو ما سيشعل المنطقة في المستقبل، وقد يصل الأمر إلى حرب بين مصر وإسرائيل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 6 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...