شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
إسرائيل تستهدف الغزّيين اللاجئين في مقارّ الأمم المتحدة... من سيحاسبها؟

إسرائيل تستهدف الغزّيين اللاجئين في مقارّ الأمم المتحدة... من سيحاسبها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

لا تكفّ إسرائيل عن إحراج المجتمع الدولي، والضرب بعرض الحائط كل الأعراف الدولية والمواثيق، خلال عدوانها المتواصل على قطاع غزة. فإلى جانب استهداف المدنيين، بلغت نسبة الأطفال والنساء ضحايا العدوان 70%، من مجموع الضحايا. ولم يردع إسرائيل علم الأمم المتحدة الذي يرفرف فوق مقارّ المؤسسات والمنظمات الدولية ومراكز إيواء النازحين التابعة لها، ولم يحُل دون استخدامها بعضها كنقاطٍ عسكرية لجيشها.

الأحد الماضي، قتلت إسرائيل عدداً كبيراً من النازحين ممن لجأوا إلى مقر الأمم المتحدة الإنمائيUNDP غرب القطاع، هرباً من حمم الاشتباكات الجارية بين مقاتلي "المقاومة الفلسطينية"، والقوات البرية الإسرائيلية المتوغلة غرب قطاع غزة، على امتداد شارع مشفى الشفاء، وحاصرتهم بالدبابات والآليات العسكرية والقنّاصة.

وبحسب شهادة من تواجدوا داخل المقرّ، فإن النازحين لجأوا إلى مقرّ الـUNDP، في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، تحت زخات الرصاص والقذائف العشوائية التي كانت تنفجر فوق رؤوسهم، ويقدّر عددهم بما بين 3 و4 آلاف نازح، كانوا يعانون من ظروف قاسية كانعدام الماء والغذاء، وجميعهم من مخيم الشاطئ.

تقول هبة محمد، إحدى الناجيات من قصف المقر: "تعرضنا لاستهداف مباشر في مقر تواجدنا، في الطابق الثالث تحديداً، ما أودى بحياة أكثر من 5 أشخاص وما يقارب 15 جريحاً، ولم نتمكن من إسعاف المصابين، فالدبابات حاصرتنا وقناصة جنود الاحتلال يتمركزون في المباني المجاورة للمقر، ويستهدفون كل من يتحرك في تلك النقطة، لذا قمنا بدفنهم في مكان تواجدنا". 

وخلال قصف مكان نزوحهم في مقر الـUNDP، حاول المحاصَرون التواصل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لإنقاذهم وإجلائهم من المكان، لكنهم قالوا لهم حرفياً، كما ينقل النازحون: "نحن غير مسؤولين عنكم في مكان تواجدكم".

برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أكد في بيانٍ له، سقوط "عدد كبير" من الضحايا جراء قصف طال مقرّاً له في غزة، لجأ إليه فلسطينيون هرباً من الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وأن "المأساة المستمرة المتمثلة في مقتل وإصابة المدنيين الرازحين تحت النزاع أمر غير مقبول ويجب أن يتوقف".

وأشار البيان إلى أن "المقرّ أُخلي من موظفي الأمم المتحدة في الأسبوع الأول من الحرب التي اندلعت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قبل أن يُفتح لاستقبال النازحين". وأضاف: "يجب احترام وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية وحرمة مرافق الأمم المتحدة في جميع الأوقات".

"تعرضنا لاستهداف مباشر في مقر تواجدنا، في الطابق الثالث تحديداً، ما أودى بحياة أكثر من 5 أشخاص وما يقارب 15 جريحاً، ولم نتمكن من إسعاف المصابين، فالدبابات حاصرتنا وقناصة جنود الاحتلال يتمركزون في المباني"

وفي انتهاكٍ آخر، أظهرت صور تضمّ مجموعةً من المدنيين مكبّلي اليدين ومعصوبي العينين، في إحدى المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، وتقف أمامهم دبابات إسرائيلية وجنود إسرائيليون، مع رفع الأعلام الإسرائيلية على مرافق المدرسة.

"ضربوا أخي المصاب بالصرع"

يروي محمد نظام زيارة، الطبيب الفلسطيني المقيم في تركيا، كيف تمكّن من التعرف على أفراد عائلته من بين المختطفين في هذه المدرسة، التي تقع في مخيم الشاطئ، بعدما فقد الاتصال بهم قبل أيام.

يقول: "قبل يومين، دمّر الجيش الإسرائيلي منزل عائلتي، في منطقة النصر بالمتفجرات واعتقل الأب نظام زيارة (63 عاماً)، وأبناءه حسن (33 عاماً)، وعبد الرحمن (31 عاماً)، وإسلام (30 عاماً)، وطارق (26 عاماً) ويوسف (24 عاماً)، وبعد التعذيب تم نقلهم إلى مدرسة تابعة للأونروا في المنطقة حيث تم عصب عيونهم وتقييد أيديهم"، ويذكر أن أحد الإخوة الذي أصيب بنوبة صرع، تعرّض للضرب المبرح.

ويضيف: "والأطفال وأفراد الأسرة من النساء الذين كانوا متواجدين في البيت، بعد الاعتداء عليهم، أخرجوهم منه واستخدموهم كدروع بشرية لحماية الدبابات، وتمّ إجبارهم على المشي على الأقدام أمام الدبابات والتوجه جنوباً، وحتى اللحظة لا نعرف مصيرهم"، مناشداً الجهات الدولية والحقوقية مساعدته للكشف عن مصير أفراد عائلته.

لم يكن ذلك الانتهاك، هو الانتهاك الوحيد لحرمة مؤسسات الأونروا، ومراكز الإيواء التابعة لها، إذ تمركزت الدبابات العسكرية في عمقها، وقد اعتاد النازحون الغزّيون على هذه المجازر التي تُرتكب بحقهم، فذاكرة الجرائم الإسرائيلية بحق هذه المراكز طويلة، وتحمل أسماءً لا تبارح أذهان الفلسطينيين.

واحدة من تلك المجازر المتكررة، مدرسة الفاخورة، أكبر مركز إيوائي تابع للأونروا، وتتعمد إسرائيل، على مدار حروبها على غزة، قصفها وقتل العشرات من النازحين فيها؛ ففي 2009، قصفها الجيش الإسرائيلي ما أدى إلى مقتل أكثر من 40 نازحاً، وفي 2014 عاد وقصفها وقتل فيها أكثر من 10 نازحين.

ويعود اليوم تجدد القصف الإسرائيلي للمدرسة التي تضم آلاف النازحين، وتتسبب في قتل العشرات منهم، وأظهرت آثار القصف داخل أحد الصفوف التي اتخذ منها النازحون مأوى ومسكناً لهم، حيث غطّت بقع الدماء أرضية المكان، واختلطت بقطع من الخبز تمكن أحدهم من الحصول عليها، ولكنه لم يتمكن من تذوقها.

"كلهم جثث وأشلاء"؛ يقول شاهد عيان، فقد 4 أشخاص من عائلته خلال قصف مدرسة الفاخورة، قبل أيام قليلة. ويصف الوضع داخل مدرسة الإيواء بأنه صعب للغاية. يقول: "جئنا لطلب الأمان لكنه غير موجود، لا يوجد شيء في هذا المكان سوى المدنيين، لا مقاومة ولا مقاتلو حماس، لماذا يتم قصفنا؟ هنا الغالبية أطفال ونساء".

وسبّب الاستهداف المروّع والمتواصل على مقار وكالة الغوث، أضراراً في 63 منشأةً للأونروا، التي حذرت من كارثة إنسانية وشيكة ما لم تُفتح ممرات إنسانية لإيصال المساعدات، من بينها 10 مبانٍ أصيبت بشكل مباشر. علماً أن ما لا يقل عن 70 في المئة من المرافق التي تعرضت للقصف تقع في المناطق الوسطى والجنوبية الواقعة جنوب وادي غزة، أي ضمن "المناطق الآمنة" المزعومة التي طلبت إسرائيل من سكان غزة التوجه إليها.

وفق الوكالة، فإن عدد القتلى في الأونروا هو الأعلى في تاريخ الأمم المتحدة، وهو مستمر في الازدياد. و"كان هؤلاء الزملاء من بين 13،000 موظف في الأونروا يعملون في غزة، كثر منهم قُتلوا مع عائلاتهم. لقد كانوا معلّمين ومديري مدارس وعاملين صحيين، بمن فيهم طبيب أمراض نسائية، ومهندسين وموظفي دعم وطبيب نفساني".

يقول فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في فلسطين، في بيان: "هذا أمر مشين، ويُظهر مرةً أخرى استهتاراً صارخاً بحياة المدنيين. لم يعد هناك مكان آمن في غزة، ولا حتى منشآت الأونروا". ويضيف أن "مدارس قد تعرضت للقصف على الرغم من قيام الأونروا بتوفير إحداثيات منشآتها لجميع 'الأطراف المعنية' كل يوم، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي".

برأي الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني نهاد أبو غوش، فإن "إسرائيل تبعث برسالة للجميع، مفادها أن آلة الحرب الإسرائيلية تستهدف كل المرافق والمؤسسات بما في ذلك الدولية منها والمستشفيات ودور العبادة، لا استثناء ولا حصانة لأي مؤسسة.

"الأطفال وأفراد الأسرة من النساء الذين كانوا متواجدين في البيت، بعد الاعتداء عليهم، أخرجوهم منه واستخدموهم كدروع بشرية لحماية الدبابات، وتمّ إجبارهم على المشي على الأقدام أمام الدبابات والتوجه جنوباً"

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "كذلك ثمة قناعة لدى حكومة الاحتلال، بأنها في منأى عن العقاب مهما فعلت، لذا فإن مقار الأمم المتحدة على مدى حروب إسرائيل على غزة مستهدفة بما في ذلك مقار الأونروا ومدارسها ومراكزها الصحية والخدمية. مقابل ذلك فإن الأمم المتحدة تتصرف بحيادية مطلقة هذه المرة بين المجرم والضحية".

خرق صارخ للقانون الدولي

تعيد الأوضاع المأساوية الحالية في غزة، تاريخاً طويلاً من الانتهاكات الإسرائيلية إلى الواجهة، في انتظار العدالة لضحاياها من الأرواح المنكوبة، حيث تبقى البيوت المدمرة والشوارع المنهكة ومراكز الإيواء، شاهداً على تلك اللحظات القاسية التي لم تُطوَ بعد.

يقول أستاذ القانون الدولي ورئيس اتحاد المحامين العرب في باريس، مجيد بودن، إن "الأراضي الفلسطينية ليست تابعةً لإسرائيل، لكن هي تحت احتلالها، وتالياً هناك مسؤولية إسرائيلية، إذ تجب عليها حماية هذه الأراضي وسكانها، والحماية تعني أن تمتنع عن الاعتداء عليهم خاصةً المدنيين منهم، وحمايتهم واجب في القانون الدولي، وإن لم تطبّق ذلك فيُعدّ الأمر خرقاً للقانون الدولي".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "وقع خرق للقانون حين فرضت إسرائيل حصاراً على القطاع، ومنعت عنه الإمدادات من الطعام والشراب والأدوية، وعرقلت سبل وصول الغزيين إلى المشافي وكل المرافق اليومية، وإلى جانب عدّه خرقاً للقانون الدولي، هو أيضاً خرق لقانون الحرب، وكذلك استهداف البنى التحتية من طرق ومساكن وغير ذلك".

ويبيّن أن "المنظمات الدولية والإنسانية، وفقاً للأعراف والمواثيق الدولية، لا يمكن المساس بها، لأنها تحت وصاية الدولة المحتلة وضمانتها، وتالياً لا يجوز قصف هذه المنشآت أو العاملين فيها أو إيقاف أعمالهم، إلى جانب إقصاء المدنيين وإخراجهم من بيوتهم بالقوة وترحيلهم أو اعتقالهم أو إخفائهم قسرياً، وهذا مخالف للقانون الذي يعدّ كل ترحيل قسري قائمٍ على الإكراه والإجبار، انتهاكاً".

ويشير أستاذ القانون الدولي، إلى أن "محاكم الجنائيات الدولية تعاقب مرتكبي كل هذه الجرائم والانتهاكات، فهناك سلسلة من الأشخاص تحت طائلة المحاسبة بدايةً من الذي أعطى القرار والذي نفّذه، ولا يمكن للّذي نفّذ أن يتحجج بأنه لم يصنع القرار، ولا يمكن للّذي قرر أن يقول أنا لم أنفّذ. كلاهما تحت تهمة ارتكاب فعل إجرامي مسترسل في القانون الدولي".

"وعليه، إنّ تحوّل هذه المراكز والمدارس التابعة لجهة دولية، إلى معسكرات وثكنات للجيش، لاعتقال المدنيين، جريمة وخرق لا يمكن تبريرهما، فالقانون الدولي لا يعترف بالنية بل يحاسب على الفعل فقط، ويحاسب كل من استهدف المدنيين العُزّل مهما كانت النوايا، ولا يصنّف من قُتل منهم على أنهم من الضحايا الجانبيين، فلا يعترف القانون بهذا المسمّى أصلاً. الضحية ضحية والقتل قتل"، يختم بودن.

من يحاسب إسرائيل؟

يشير رئيس اتحاد المحامين العرب في باريس، إلى أن المحكمة الجنائية الدولية من الممكن أن تتتبّع كل شخص أو جهة تقوم بتلك الانتهاكات، وتالياً الواجبات الحقوقية والقانونية تُطبَّق، وكما تُطبَّق في أوكرانيا تُطبَّق بغزة. القانون ينظر إلى الناس على أنهم سواسية، مهما كانت جنسيتهم وعرقهم وانتماءاتهم، وهنا تتمثل قوة القانون، وإن لم يقع احترام القانون فهذا لا يعني أن مبادئ القانون تُضرب بعرض الحائط".

"فلسطين لها الحق في ملاحقة جرائم إسرائيل أمام محاكم الجنائيات الدولية، لأنها عضو في هذه المحكمة، ومهما طال الزمن أو قصر تجب المثابرة على التقاضي، وأياً كانت الصعوبات ستأتي النتيجة" 

ويوضح أن "الحق لا يضيع في القوانين والمواثيق الدولية، لأن ليس هناك تقادم مع الوقت، كذلك تتوافر فيها كل الإمكانات الواردة على المدى العادي لاستكمال التحقيقات، وهذا يأخذ وقتاً، لكن ثمة إمكانية للّجوء إلى المحاكم الدولية لطلب قرارات فورية للحماية".

"في القانون لا يمكن لطرف أن يتحصل على حقه دون المطالبة به، وفلسطين عضو في محكمة الجنائيات الدولية، وحتى لو كانت إسرائيل رافضةً للعضوية فإن الاختصاص ثابت في المحكمة الدولية في نظامها الأساسي. فلسطين لها الحق في ملاحقة جرائم إسرائيل أمام محاكم الجنائيات الدولية، لأنها عضو في هذه المحكمة، ومهما طال الزمن أو قصر تجب المثابرة على التقاضي، وأياً كانت الصعوبات ستأتي النتيجة"، وفقاً لحديث أستاذ القانون مجيد بودن.

منذ أكثر من شهر، يشنّ الجيش الإسرائيلي حرباً مدمرةً على غزة، قتل فيها أكثر من 11 ألف فلسطيني، منهم 4 آلاف و800 طفل و2،550 سيدةً، وأصاب أكثر من 29 ألفاً آخرين، فيما يواجه أكثر من 1.5 ملايين نازح مصيراً من المآسي القاتمة، وفق مصادر فلسطينية رسمية.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

الإعلام بوق السلطة

تهدف وسائل الإعلام المُحتَكرة من قبل الأحزاب السّياسيّة والميليشيات إلى مصادرة الإرادة الشعبيّة، والتعتيم على الحقوق، والاعتداء على الحريات، ونشر الفتنة وبثّ خطاب الكراهيّة.

حتى لا يكون اللاجئون/ ات، وأصحاب الهمم، والأقليات الدينية، ومجتمع الميم-عين وغيرهم/ نّ من مهمّشي المجتمع كبش فداء، ساهم/ ي معنا في إنتاج صحافةٍ أكثر استقلاليةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image