سليم المرهبي (41 سنةً)، وهو معلمٌ للّغة الإنكليزية في مدرسة جمال عبد الناصر في صنعاء، واحدٌ من بين مئات المعلمين الذين انخرطوا في إضراب عن العمل قبل بدء الموسم الدراسي الجديد، مطالبين بصرف رواتبهم المتوقفة منذ سنة 2016.
يقول لرصيف22، إنه يبيع المواد المنزلية في شارع الرقاص، في صنعاء، لإعالة أسرته، ويضطر إلى الذهاب إلى المدرسة والتدريس بين حين وآخر مجاناً، لأن انقطاعه الكامل يعني فقدانه وظيفته التي يأمل أن يتقاضى عنها راتباً لكي يواصلها بشغف كما كان يفعل في السابق.
كان من بين الأوائل الذين أعلنوا الإضراب الشامل، تنديداً بعدم دفع رواتبهم، نظراً إلى ما يعيشه المعلمون من ظروف صعبة: "نحن بغالبيتنا العظمى نعمل حالياً في مجالات أخرى غير التعليم لتأمين دخل للمعيشة"، يقول لرصيف22.
ويستدرك: "ما أريده، هو راتبي الشهري المسلوب مني منذ ثماني سنوات بسبب الصراع في البلاد، والتحجج بالعدوان من قبل سلطة صنعاء. سنستمر في الإضراب كوسيلة ضغط على أطراف النزاع والمجتمع الدولي".
وفي هذا الوقت، يعتقد البعض أن هذا الإضراب هو لتذكير المشاركين في جهود التسوية القائمة بين الحوثيين والسعوديين بوساطة عمانية، بملف توقّف رواتب الموظفين الحكوميين وانعكاسه على الوضع المعيشي بنحو عام.
سليم المرهبي، معلم في صنعاء، يُضرب عن العمل مطالباً برواتب تم توقيفها منذ 2016. بين بيع المواد المنزلية والتدريس مجاناً، يأمل سليم في الحصول على راتبه. الإضراب يُبرز تأثير الصراع على الموظفين، ويوضح الخلافات بين الحوثيين والحكومة بشأن الرواتب. #اليمن #إضراب_المعلمين
اتهمت جماعة الحوثي، خصومها، بإثارة الأمر في محاولة لإظهارها على أنها السبب في وقف الرواتب، لا سيما أن تقارير صحافيةً تحدثت عن عرقلة جهود التسوية بسبب ملف الرواتب، إذ ترفض الحكومة الشرعية، الجهة الأخرى في النزاع اليمني، تسليم الجماعة الرواتب لتوزّعها، خشية أن يُنفَق قسم منها على المقاتلين الحوثيين، وليس على الموظفين المدنيين.
أزمة الرواتب
يُعدّ بند تسليم رواتب الموظفين، من ضمن شروط الحوثيين في التفاوض مع السعودية بوساطة عمانية، والذي تجمّد منذ نيسان/ أبريل 2023، عقب زيارة وفد سعودي إلى صنعاء، ما جعل قادة الحوثيين يطلقون تهديدات متتاليةً خلال الفترة الماضية، من ضمنها التصعيد العسكري.
عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة الحوثيين، ذكر في خطاب ألقاه يوم 17 آب/ أغسطس 2023، أن "الشعب اليمني يعيش ظروفاً سيئةً، وبالغة الصعوبة، مقابل رخاء ورفاهية يعيشهما الشعب السعودي، وهذا أمر لن نقبل به على الإطلاق وستكون الأيام القادمة أكثر حزماً في التحرك العسكري ميدانياً".
وتابع: "لقد فسحنا المجال للوساطة بالقدر الكافي، وإذا لم تحصل تطورات إيجابية، فإن موقفنا سيكون حازماً وصارماً، ونحن خلال المدة الماضية طوّرنا قدراتنا العسكرية بكل ما نستطيع".
ووجّه تحذيراً إلى التحالف العسكري الذي تقوده السعودية: "إذا كنتم تريدون السلام، فطريق السلام واضحة، وليست هناك من جانبنا أي شروط تعجيزية"، مشيراً بذلك إلى اتهامات وُجّهت إليه بوضع شروط تعجيزية لإحلال السلام، منها حصول الجماعة على إيرادات المطارات والموانئ، ورواتب الموظفين في المناطق الخاضعة لسلطتها والمجدولة منذ العام 2016، وأن تقوم هي بتوزيعها، ما يعني أنها ستصرف رواتب لمقاتليها كذلك، وهو ما ترفضه الحكومة الشرعية.
المحلل السياسي اليمني أدونيس الدخيني، يذكر لرصيف22، أن الخشية كانت باديةً في خطاب زعيم الحوثيين، من حالة الغليان التي تعيشها المناطق التي تسيطر عليها جماعته، والتي قد تتطور فينكسر حاجز الخوف لدى المواطنين، "باعتبار أن تحطيم هذه الحواجز بداية النهاية لأي سلطة حاولت إشاعة البشاعة والخوف في نفوس الشارع للسيطرة عليه، وقتل معنوياته وشجاعته وإرادته"، على حد تعبيره.
الدخيني، لا يستبعد أن يلجأ الحوثيون مجدداً إلى خيار الحرب خلال الفترة القادمة، "لأنها الورقة الوحيدة التي بين يديه ويتقن اللعب بها جيداً".
رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، ردّ على تصريح زعيم الحوثيين في 21 آب/ أغسطس 2023، بقوله: "في آخر جولة من المفاوضات، وصلنا إلى حل سياسي في تسليم رواتب الموظفين، لكن الحوثيين وضعوا شروطاً تعجيزيةً واشتراطات بدفع رواتب جنودها العسكريين الذين يحاربون، وهذا اشتراط تعجيزي متعمّد يعثّر الجهود التي تُبذل للوصول إلى دفع رواتب الموظفين".
وكان مسؤولون في الحكومة الشرعية، قد أكدوا بأن لدى الحوثيين المقدرة المالية الكاملة لتسديد رواتب الموظفين، عبر جباية الرسوم من ميناء الحديدة والتي بلغت منذ نيسان/ أبريل 2022، أكثر من 3.5 مليارات دولار، تقاضوها من 157 سفينةً نفطيةً أفرغت حمولتها في الميناء.
يرى الخبير العسكري والإستراتيجي اليمني علي الذهب، أن الحوثي يصعّد في خطاباته منذ بدء الهدنة الأممية في نيسان/ أبريل 2022. ويتراوح هذا التصعيد بين الانخفاض والشدة بالتزامن مع متغيرات داخلية وخارجية.
ويقول لرصيف22: "لكنه تصعيد شكلي لإثارة الرأي العام، وهذا ما تبرهن في كل خطاباته السابقة وتهديداته بالتصعيد. لكن في الواقع لا يوجد أي تصعيد ملموس على الأرض، وما نراه من إثارة ليس سوى مراوغة للتهرب والتنصل من مسؤولياته في دفع رواتب الموظفين، وللضغط على الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي من أجل الرضوخ لمطالبه".
ويشكك علي الذهب، في مقدرة الحوثيين على تهديد السعودية في الوقت الراهن، لا سيما بعد التوافق الإيراني السعودي، برعاية صينية، الذي أعاد العلاقات الثنائية بين البلدين. "لهذا لا يستطيع الحوثي أن يظهر القوة التي يدّعيها، لأنه يستمد قوته من إيران، وهكذا نجحت السعودية في تحويل التهديدات الحوثية إلى ظاهرة صوتية وإعلامية فقط"، يضيف.
اختطافات تطال المضربين
مع الغضب الشعبي المتصاعد من قبل المعلمين، نفّذت جماعة الحوثي حملة اختطافات واسعةً طالت عدداً من المعلمين ومنفذي عملية الإضراب في صنعاء، وشملت الحملة اقتحام منزل رئيس نادي المعلمين في صنعاء، أبي زيد الكميم، في 8 تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، واقتادته إلى السجن تمهيداً لمحاكمته، وحتى اللحظة لم تفرج عنه على خلفية قيادته حملة الإضراب ضد جماعة الحوثي، ومطالبته بتسليم الرواتب كاملةً، بالإضافة إلى احتجاز مجموعة من التربويين، وتهديد قيادات تربوية ونقابية، بمن فيهم الأمين العام للنادي محسن الدار، واستدعاء الكثير منهم للتحقيق التعسفي، على خلفية مطالبتهم برواتبهم.
مع الغضب المتصاعد من المعلمين، نفّذت جماعة الحوثي حملة اختطافات طالت العديد منهم في صنعاء. شملت الأحداث اقتحام منزل رئيس نادي المعلمين واحتجازه. الأمور تتصاعد وهناك تهديدات بفصل المعلمين المضربين واستبدالهم بأفراد الجماعة. الضغوط تزداد بشأن الرواتب والحقوق. #حقوق_المعلمين #صنعاء
وهددت جماعة الحوثي المعلمين المضربين، بنقل المئات منهم وفصل المضربين عن العمل واستبدالهم بعناصرها، مع تلفيق تهم العمالة والخيانة لكل من يطالب بصرف الرواتب حسب ما قال إبراهيم جديب، رئيس نادي المعلمين في محافظة ريمة اليمنية، لرصيف22.
ويضيف جديب: "في الوقت الذي كنا ننتظر فيه حكومتنا (جماعة الحوثيين)، لإعادة النظر في موضوع انقطاع رواتبنا كتربويين ومعلمين لمدة تصل إلى أكثر من 8 سنوات، والعمل على صرفها بانتظام وإنهاء معاناتنا، نتفاجأ بخبر اعتقال رئيس النادي، وهذا مخيّب للآمال".
ويؤكد: "سوف تظلّ مسألة الإضراب مستمرةً، كوننا نطالب برواتبنا وحقوقنا القانونية والدستورية التي كفلتها كل القوانين والشرائع المحلية والإقليمية والدولية، وسوف نظل نطالب بها ما دمنا على قيد الحياة، وبوسائل سلمية وحضارية. وحتى إن تمادت يد القمع وتكميم الأفواه ووصلت إلى اختطاف جميع المعلمين، فلن نتراجع عن قرار الإضراب".
استهداف الموانئ؟
يرى البعض كذلك، أن استهداف الحوثيين للموانئ التي يصدَّر منها النفط اليمني، سبب رئيس لرفض الحكومة الشرعية شرط تسليمهم الرواتب لتوزيعها على الموظفين ضمن مناطق سلطتهم، إذ إن الجماعة شنّت في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، هجوماً صاروخياً على موانئ التصدير في محافظتَي شبوة وحضرموت اليمنيتين.
ووفقاً للخبير الاقتصادي وفيق صالح، فإن حضرموت من المحافظات الغنية بالنفط، والضبة أهم الموانئ فيها، وتعمل فيها شركات نفطية عديدة أهمها الشركة الحكومية (بترومسيلة)، وفي المحافظة أربع قطاعات نفطية تنتج نحو 50 ألف برميل يومياً.
ويقول لرصيف22، إن "الهجوم عليها كان هدفه إضعاف الحكومة اليمنية اقتصادياً، بحيث لا تكون قادرةً على تأمين احتياجات القطاعات الحكومية المالية الخاصة بالرواتب والخدمات، ويحدث لها ما يحدث للحوثيين في مناطق سيطرتهم".
جماعة الحوثي برّرت الهجوم على لسان أحد قياداتها، وهو محمد البختي، الذي قال إنه جاء كتحذير للسفن المكلفة لما وصفه بـ"سرقة نفط اليمن". وكان رد مجلس القيادة الرئاسي اليمني الشرعية، اتخاذ قرارات وصفها بـ"الحازمة لردع الاعتداءات، لأن استمرار هجمات جماعة الحوثي على المنشآت النفطية والاقتصادية تصعيد خطير سيفاقم الوضع الإنساني، وتهديد لإمدادات الطاقة وسلامة الملاحة والتجارة الدولية".
نتيجةً لذلك، توقف الهجوم لبعض الوقت، والتصدير من ميناء الضبة هو المصدر الرئيس الذي يرفد البنك المركزي اليمني بالسيولة المالية، لذا واجهت الحكومة اليمنية بالفعل أزمةً ماليةً خانقةً، عجزت بسببها عن دفع رواتب الموظفين تحت سيطرتها، ولم يكن أمامها سوى طلب دعم خارجي، فتكفلت السعودية بتقديم دعم لها بقيمة 1.2 مليار دولار، سدّت به عجزها المالي.
رئيس مركز الجهود للدراسات، د. عبد الستار الشميري، يقول لرصيف22: "لم يكن الأمر يحتاج حتى إلى هجوم على الموانئ، وتوقّف تصدير النفط، فالحرب في اليمن أدت إلى إفقار اليمنيين وتجويعهم، خاصةً في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية؛ لأن المناطق التي تحت سيطرة جماعة الحوثي أنصار الله، لديها التدفقات المالية من ميناء الحديدة".
هل يملك الحوثيون المال؟
ولكن، هل في وسع جماعة الحوثي تأمين رواتب الموظفين في مناطق سلطتها؟ سؤال يُطرح كثيراً في اليمن، ويجيب عنه الباحث والخبير بالشأن الاقتصادي اليمني فارس النجار، بقوله إن في وسع جماعة الحوثي تأمينها كاملةً، ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "وفقاً لكشوفات العام 2014، هناك ما يقرب من 250 ألف موظف في القطاع المدني في مناطق سلطة الحوثيين".
ويلفت إلى أن رواتب الموظفين في عموم الجمهورية اليمنية، تبلغ 716 ملياراً و400 مليون ريال يمني، أي ما يعادل ملياراً و800 مليون دولار أمريكي سنوياً، تدفع الحكومة الشرعية 63% منها في مناطق سيطرتها، وما تبقّى، أي الـ37%، يُفترض أن تسدَّد من مناطق الحوثيين. ويتابع: "هم قادرون على تأمينها مما يتحصلون عليه من جباية، إذ إن إيرادات الضرائب والجمارك فقط تصل إلى نحو مليار و800 مليون دولار سنوياً"، وفقاً لما يقوله الخبير.
هل تستطيع جماعة الحوثي تأمين رواتب الموظفين؟ فارس النجار، خبير الشأن الاقتصادي اليمني، يؤكد أنها قادرة على ذلك بالكامل، إذ تصل إيرادات الجمارك إلى 1،800 مليون دولار سنوياً. #اليمن
ويشير إلى أن الحوثيين لا يصدرون تقارير رسميةً بخصوص الإيرادات، ولذلك يتم حساب الإيرادات والضرائب عن طريق عدد السفن والبضائع والمواد الأخرى التي تدخل إلى مناطق سيطرتهم.
ويقدّر النجار، الأموال التي يحصل عليها الحوثيون من الاتصالات والزكاة، فضلاً عن الإيرادات والضرائب، بأربعة مليارات دولار سنوياً، غير أنها لا تسدد بها كما يُفترض، رواتب الموظفين.
ويوضح: "لدى الجماعة مشروع واضح، وهو بناء اقتصاد موازٍ خاص بها، بالإضافة إلى بناء قوتها الاقتصادية لتهديد الأمن والسلم المحليين"، ويستدلّ في ذلك وفقاً لما يقول، بأن الرواتب كانت في مقدمة بنود المفاوضات التي جرت مع الجماعة خلال السنوات المنصرمة، إلا أنها تعترض وتعلن عن عدم مقدرتها على دفعها كلياً. ويعتقد الخبير الاقتصادي، أن استمرار الحوثيين في رفض تسديد الرواتب سيدفع الشارع الذي هو تحت سيطرتهم، إلى الانتفاض.
ولا يبدو صادق القاسمي، وهو معلم مادة التاريخ في مدرسة عمر المختار في صنعاء، آبهاً بالجهة التي تملك السلطة، ما دام سيحصل هو وزملاؤه على ما يقول إنه استحقاقهم الطبيعي، أي الراتب، وعلى تلك الجهة التي تملك السلطة، الالتزام بسداده نظير ما يقومون به من عمل.
اضطر صادق، سنة 2018، أي بعد سنتين من توقف توزيع الرواتب، إلى نقل أسرته من صنعاء لتسكن في منطقة ريفية، للتقليل من تكاليف المعيشة الباهظة، ويقول لرصيف22: "أعمل في التدريس من الصباح حتى الظهيرة، برغم انقطاع راتبي. بعد ذلك أخرج للعمل بأجر يومي من العصر إلى الليل، حتى أوفر المتطلبات للمنزل".
ويعدّد الأعمال التي زاولها: "أعمال البناء الشاقة، المطاعم، والمحال التجارية". يصمت برهةً ثم يتابع: "أنا أفضل حالاً من بعض من الزملاء الذي أُجبروا للأسف على التسول لإطعام أفراد أسرهم". ثم يؤكد أن الأضراب لن يتوقف إلا بصرف الرواتب وبالكامل، وأنه سيتوسع ويتأجج في حال تم تجاهل مطالب المعلمين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.