شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل يغيّر الاتفاق السعودي-الإيراني مسار القضية اليمنية؟

هل يغيّر الاتفاق السعودي-الإيراني مسار القضية اليمنية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 20 مارس 202303:53 م

اختلفت آراء اليمنيين، كما غيرهم، حول الاتفاق السعودي-الإيراني الذي تم برعاية الصين، والذي يقضي بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، من دون أن يظهر الكثير من التفاصيل حوله. اليمنيون بدأوا يتحدثون ويفكرون كيف سينعكس هذا التغيّر، على واقهم المأساوي في حرب دخلت عامها الثامن، بعد أن رأوا وقرأوا أن اللاعبَين الرئيسيَين في بلادهم، السعودية وإيران، على وشك أن يحلّوا مشكلاتهما.

أثّر الخلاف السعودي-الإيراني على مدى السنوات الماضية، على دول وأنظمة مختلفة، وكذا على كيانات سياسية وعسكرية وجماعات دينية، الأمر الذي أوجد ردود فعل مختلفةً تجاه ذلك الاتفاق الذي كان مفاجئاً بالنسبة لكثيرين، إلا أن واقع البلدين يبدو أنه فرض نفسه، لأسباب عدة، أهمها الاقتصاد، إذ تعيش إيران واقعاً متردياً زادته المظاهرات التي تُعبّر عن نقمة شعبية من النظام الحاكم تردّياً، فيما يبدو أن توجه السعودية الجديد، هو تصفير المشكلات والتركيز على تمكين اقتصادها وتنويعه من خارج "سوق النفط".

بدأ اليمنيون يتحدثون عن كيف سينعكس هذا التغيّر الإقليمي، على واقهم المأساوي في حرب دخلت عامها الثامن

دور "الخصمين"

يقول الباحث في الدراسات الإستراتيجية العسكرية والأمنية، علي الذهب، لرصيف22، إن "دور السعودية في اليمن، مبني على مصالح إستراتيجية-جيوسياسية في المناطق الخاضعة لسيطرة الشرعية، ولا أتصور أنها ستتخلى عن هذه المصالح، ولذلك هي تحاول أن تدفع بملف الحرب في اليمن إلى نهايات تتوافق مع مصالحها، وهذا بالطبع يتعارض مع الأجندات الداخلية للقوى المختلفة معها ويدفعها إلى استخدام العنف لوقف مثل هذه الأجندات".

وبرأيه، "الدور نفسه تمارسه إيران في اليمن، والتي أيضاً تبحث عن مصالحها، وهذا يدفع الطرف الآخر المتمثل في السعودية والتحالف إلى رفض مثل هذه الأهداف، وهذا يعني أن الدورين قائمان على المصالح الخاصة لتلك الدول".

هل هذا يعني أن الحل مُستبعد؟ يجيب الذهب: "حل هذه التباينات يكمن في وقف الحرب، ورفع هاتين الدولتين أيديهما عن دعم الأطراف المتحاربة، والعمل على حل المشكلة داخلياً، ودفع جميع الأطراف إلى الانخراط في العملية السياسية وإعادة إعمار اليمن. غير ذلك، سيؤدي إلى دورات عنف أخرى، وسنوات جديدة إضافية من الحرب".

من جهته، يعتقد الباحث السياسي السعودي عشق بن محمد بن سعيدان، أن التقارب سينعكس على الملف اليمني بطبيعة الحال، فمن وجهة نظره، النفوذ المباشر للنظام الإيراني على "ميليشيا الحوثيين"، سيدفعها للانخراط في سلام دائم وشامل مع القوى اليمنية الأخرى.

لكنه في الوقت نفسه، يقول إن "الحل السلمي يحتاج إلى معجزة، علماً أن الاتفاق السعودي-الإيراني كان خطوةً ذكيةً تُحسب للدبلوماسية السعودية للضغط على هذه الميليشيا من قبل مرجعيتها السياسية والروحية، أو على الأقل قطع الإمدادات عنها وتصدير السلاح إليها، مما سيعُجّل في انهيارها، ما يجعلنا متفائلين بأن هذا الاتفاق سيحدد مسارات الحرب والسلام في اليمن ويجعل خريطة الطريق لإنهاء الأزمة واضحةً وجليةً؛ فإما سلام دائم ومستدام ضمن آلية ومخرجات الحوار ومؤتمر الرياض، أو حسم عسكري".

وكانت السعودية قد دعت كل الأطراف اليمنية، بما فيها جماعة أنصار الله الحوثية، إلى مؤتمر حوار شامل من أجل وقف الحرب في شهر آذار/ مارس عام 2022، إلا أن الحوثيين تحفظوا عن الحضور، وموقع المشاورات الذي كان في العاصمة السعودية، كونها غير محايدة في الأزمة اليمنية.

وخلص المؤتمر حينها إلى تنازل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ونائبه الفريق الركن عن رئاسة البلاد، لمجلس رئاسي يتكون من سبعة أعضاء، إلى جانب رئيسه الدكتور رشاد محمد العليمي، مستشار رئيس الجمهورية السابق، بالإضافة إلى تشكيل هيئة للتشاور والمصالحة مكونة من 50 عضواً، مهمتها "جمع مختلف المكونات لدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي والعمل على توحيد وجمع القوى الوطنية في البلاد"، والعديد من المخرجات بحسب البيان الختامي للمؤتمر.

السلام والتعاون الاقتصادي

في منتصف شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، قالت وكالة "أسوشيتد برس"، إن السعودية وجماعة الحوثي، تواصلان المحادثات غير المباشرة التي تساهم فيها سلطنة عمان من أجل التوصل إلى تفاهمات واضحة حول الملف اليمني، وكانت السعودية استأنفت المحادثات مع الحوثيين في أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد انتهاء الهدنة من دون تجديد.

 الحل في اليمن يجب أن يكون حلاً يمنياً-يمنياً، من خلال حوار داخلي جاد، وألا يُقصى أحداً، ويجب أن يتم التعلم من التجارب السابقة في اليمن المتمثلة في الحروب والصراعات القبلية، فهل يحصل ذلك؟

وقال مسؤول في الأمم المتحدة للوكالة، شرط عدم الكشف عن اسمه، إنها "فرصة لإنهاء الحرب، إذا تفاوضوا بحسن نية وضمت المحادثات أطرافاً يمنيةً أخرى".

وذكر دبلوماسي سعودي للوكالة، أن بلاده طلبت من الصين وروسيا الضغط على إيران والحوثيين لتجنّب التصعيد. وقال الدبلوماسي إن إيران، التي أطلعت الحوثيين والعمانيين بانتظام على المحادثات، أيّدت حتى الآن الهدنة غير المعلنة.

يعتقد الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الإيرانية سعيد شاوردي، أن "إيران والسعودية قررتا فتح صفحة جديدة لبناء علاقات أساسها احترام حسن الجوار والتعاون البنّاء واعتماد آلية الحوار لحل أي خلافات يمكن أن تحدث بينهما مستقبلاً"، مشيراً في حديثه لرصيف22، إلى أن "اليمن تتأثر بعلاقات إيران والسعودية، وهناك من يعتقد أن هذا التأثير مباشر وهناك من يقول إنه غير مباشر".

ويضيف: "لو نظرنا إلى القطيعة التي حصلت بين إيران والسعودية بعد عام 2016 وحتى قبل إعلان الاتفاق الأخير بين البلدين، نرى بوضوح أنها أثّرت سلباً على اليمن ودول أخرى في المنطقة، وانطلاقاً من هذه القاعدة يمكن أن نتوقع أن عودة العلاقات بين طهران والرياض ستنعكس إيجاباً على اليمن خلال الفترة القادمة وستساعد على إنهاء الحرب وحلحلة الخلافات بين صنعاء والرياض".

برأيه، "حاولت السعودية توجيه الاتهام إلى إيران والقول إنها تزوّد حركة أنصار الله بالصواريخ، لكن لا أدلة لديها على هذه الاتهامات، وسرعان ما أدركت الرياض أن الإصرار على هذا الموقف لن يحقق لها الأمن، والحل هو الدخول في محادثات جادة وصريحة مع طهران، وهذا يُعدّ تطوراً إيجابياً وخطوةً في الاتجاه الصحيح".

ومن وجهة نظر شاوردي، الحل في اليمن يجب أن يكون حلاً يمنياً-يمنياً، من خلال حوار داخلي جاد، وألا يُقصى أو يُستثنى فيه أحداً، ويجب أن يتم التعلم من التجارب السابقة في اليمن المتمثلة في الحروب والصراعات القبلية.

وينطلق الباحث الإيراني من فكرة أن "أي اتفاق يمكن أن يوقَّع بين السعودية وأنصار الله سيكون بمثابة تكملة للاتفاق الذي أُنجز بين إيران والسعودية بوساطة صينية"، ليقول إنه "إذا ما ساد السلام بين إيران والسعودية وانتهت الحرب بين الرياض وصنعاء، ستبدأ مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي بين هذه الأطراف، وهذا ما سيعزز ركائز السلم والأمن بين طهران والرياض وصنعاء، إذ إن الصين تبحث عن مناطق آمنةً للاستثمار".

أعلنت البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة أن استئناف العلاقات مع الرياض "سيسرّع التوصل إلى وقف إطلاق النار في اليمن"

ويضيف: "إذا ما عمّ الهدوء والسلام في المنطقة، فإننا سنشهد مزيداً من الاستثمارات الصينية في كافة المجالات، وستكون الفرصة سانحةً لبكين لإعادة البناء في المناطق اليمنية التي تضررت بفعل الحرب خلال أكثر من 8 أعوام".

ماذا عن الحوثيين؟

قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، في مقابلة مع قناة "الخبر" الإيرانية، في 12 آذار/ مارس الجاري، إن "الاتفاق يخدم مصالح الشعبين الإيراني والسعودي، والأمن والتنمية المستدامة في المنطقة، وتحدث عن الملف اليمني قائلاً: "ستقرر الأطراف اليمنية بشأن مستقبل بلادها، لكن إيران دوماً تؤكد أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل هذه التحديات والنزاعات الإقليمية".

وكانت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، قد أعلنت في اليوم نفسه لتصريح عبد اللهيان، وفق ما أورده التلفزيون الإيراني، أن استئناف العلاقات السياسية مع الرياض "سيسرّع عملية التوصل إلى وقف إطلاق النار في اليمن، وإطلاق الحوارات اليمنية، وتشكيل حكومة يمنية شاملة في هذا البلد".

يقول رئيس وكالة الأنباء اليمنية سبأ في حكومة الحوثي، نصر الدين عامر: "لا خلاف على أن اليمن جزء من المنطقة يتأثر بها ويؤثر فيها، ولكن هذا لا يعني أن الملف اليمني سيُحلّ تبعاً للتفاهمات السعودية-الإيرانية، والاتفاق على إعادة العلاقات بينهما، والواقع يشهد على ذلك، والإيراني أيضاً يؤكد ذلك ويقولها مراراً؛ نحن لا نفاوض ولا نتحدث نيابةً عن اليمنيين ومن يريد الحل معهم، فصنعاء هي صاحبة القرار".

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: "القضية في اليمن هي قضية كبيرة ومظلومية تخص ما يقارب أربعين مليون إنسان تعرضوا لعدوان وحصار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية والإمارات وبقية تحالف العدوان، وليست أزمةً سياسيةً حتى يتم ربطها بتفاهمات سعودية-إيرانية وتبادل سفراء بينهما، ثم إن اليمن أصلاً كانت في وضع هدنة قبل أن يكون هناك اتفاق".

برأيه، "ما يساهم في الحل في اليمن هو أن توقف الولايات المتحدة الأمريكية الإعاقات المستمرة للسلام وأن تكون هناك جدية كافية وحقيقية لدى السعودية؛ هذا هو المدخل الوحيد وإذا لم يحصل، فالتصعيد قادم".

من جهته، يرى الصحافي المقرّب من جماعة أنصار الله حامد البخيتي، أن "الحصار المفروض على اليمن كان له تأثير كبير على الواقع الداخلي وعلى كافة مناحي الحياة في اليمن والنتائج الكارثية التي خلّفها الحصار تتحملها السعودية"، مشيراً إلى أن "مطالب حكومة صنعاء، فك الحصار عن الموانئ والمطارات وتعويض الضرر الذي خلّفه".

هل تستمر ساحة المناورة؟

في منتصف آذار/ مارس عام 2015، وبعد سيطرة جماعة أنصار الله الحوثية على العاصمة اليمنية صنعاء، نفّذت مناورات عسكريةً على الحدود البرية مع السعودية، وتحديداً في منطقة البقع، المحاذية لمدينة نجران السعودية، وقال المتحدث باسم الجماعة، محمد عبد السلام، آنذاك، لوكالة الصحافة الفرسية، إن "الآلاف من العسكريين التابعين لوحدات من الجيش شاركت بعد ظهر الخميس في مناورات عسكرية قرب الحدود مع السعودية استعداداً لأي تحديات قد تطرأ".

الاتفاق جاء بعد أن تأكدت السعودية من تخلي بعض حلفائها الخليجيين عنها، كما أن الحرب استنزفتها، فما الذي ستطلبه من الحوثيين وهل يقتصر على وقف التهديد الأمني؟ 

وتكتسب اليمن أهميةً في حسابات إيران والسعودية لموقعه ولقدرة أطرفه الفاعلة على التأثير في ما هو أبعد من الحدود اليمنية، وتُعدّ مناطق شمال اليمن، معقل جماعة أنصار الله الحوثيين، ومسقط رأس مؤسس الجماعة حسين بن بدر الدين الحوثي، وهي مناطق غنية بالنفط، بالإضافة إلى الأهمية الأمنية التي قد تهدد الأمن القومي للدولتين، والتواجد العسكري الحوثي فيها تعدّه الرياض تهديداً مباشراً لأمنها.

يقول الباحث والمحلل السياسي اليمني ياسين التميمي، لرصيف22، إن "هذا الاتفاق سيبقي اليمن ساحة مناورة سياسية وعسكرية بين البلدين، لأن إيران لن تفرّط في حليفها الحوثي الذي وضع يده على شمال اليمن، بكل ما يُمثله هذا الجزء الجغرافي من أهمية إستراتيجية وما يحوي من مخزون بشري".

ويضيف: "في تاريخ إيران، هناك ما يدل على أن هذا البلد غير حريص على استقرار المنطقة، فطموحاته لفرض النفوذ السياسي وإحياء الهويات الطائفية، واضحة للعيان. لكن من الممكن أن تساهم إيران في تأمين توافقات مرحلية تضمن استمرار خفض التصعيد ووقف طويل لإطلاق النار، وأن يكون ذلك من دون مقابل وليس على حساب النفوذ الراهن الذي حازته جماعة الحوثي التي سيطرت على جزء مهم من اليمن".

ويعبّر التميمي عن تخوف من أن "تأتي أي تسوية للحرب لصالح إيران وحلفائها، لأن السلام لا يمكن تأمينه من خلال تمكين تنظيمات إرهابية طائفية. ولهذا لا يمكن الحديث باطمئنان عن السلام في اليمن كنتيجة لعودة العلاقات بين طهران والرياض، لتعذّر الحصول على تنازلات من جانب إيران وحلفائها من دون ضغط عسكري كافٍ".

من جهته، يرى الكاتب السياسي صدام الحريبي، أن "الاتفاق جاء بعد أن تأكدت المملكة العربية السعودية من تخلي بعض حلفائها الخليجيين عنها، إذ أعلنت الإمارات سابقاً عن أنها لن تشارك في أي نشاط عدائي ضد إيران، ثم توالت المواقف الداعمة والمحايدة تجاه إيران من بعض دول الخليج في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ويبدو أن هذه المواقف أجبرت السعودية على مراجعة سياساتها".

ويشير إلى أن "الاتفاق سيكون لصالح الطرفين، خصوصاً إن استغلته السعودية وتخلّصت من القيود والضغوط الخارجية، وكذا من الاختراق الإماراتي الذي يجعل السعوديين يُقرّون مواقف هي ضدهم ولصالح خصومهم"، مضيفاً أنه "ليس أمام السعودية سوى الاستمرار في هذا الاتفاق، والعمل على تقوية مواقفها وتعديل سياساتها حتى تأمن مكر إيران، وحتى تستعيد عافيتها التي سلبتها إياها الحرب وتخلي بعض أقوى حلفائها عنها".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image