شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
تعريب أسماء الأماكن الأمازيغية في المغرب... تطور تاريخي أم نسيان مبرمج؟

تعريب أسماء الأماكن الأمازيغية في المغرب... تطور تاريخي أم نسيان مبرمج؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الاثنين 6 نوفمبر 202301:26 م


تحظى اللغة الأمازيغية بحضور هام وجليّ ضمن تسميات المجال الجغرافي المغربي، فمدن وقرى ومجالات مغربية عديدة تمتح تسمياتها من الاصطلاحات والمعاجم الأمازيغية المحلية.

غير أنه ومع عوامل الزمن، فقدت نسبة كبيرة منها أصلها اللغوي، إذ طالها "التشويه والتحريف"، خصوصاً خلال الفترة الكولونيالية وبداية بناء الدولة المغربية الحديثة غداة الاستقلال.

وشهدت تسميات مجالات جغرافية مغربية تطورات مختلفة، بعضها حدث فيها تطور في تركيبة المنطوق، والبعض الآخر جرى فيها تعريب الاسم كلياً. أما في مناسبات أخرى، فأزيل الاسم الأصلي وعوّض باسم آخر، عادة ما لا يكون من صميم ثقافة المجال الجغرافي ولا من لسان أهله، خاصة في المناطق الناطقة بالأمازيغية والمحافظة على ثقافتها.

ويُرجع عدد من المهتمين بالطوبونيميا (علم أسماء الأماكن والمستوطنات البشرية) المغربية والثقافة الأمازيغية هذه التحولات إلى عوامل تاريخية إنسانية ترتبط أساساً بالتبادل الثقافي والهجرات السكانية وتداخل الألسنة فيما بينها، وكذلك إلى جانب عوامل بشرية لها علاقة بتدخل الدولة وسياستها في تدبير المجال الترابي وتوثيق أسماء المناطق والمجالات الجغرافية.

صيرورتان وراء التطور

تُعد الطوبونيميا حجر الزاوية في معرفة تاريخ الأوطان والأمصار والتعرف على التاريخ الاجتماعي للمجتمعات، فهي بذلك مرآة لمشهدها الثقافي واللغوي، إذ تساهم في الكشف عن تفاعلات الإنسان مع المجال الذي استقر فيه وساهم في بناء هويته الخاصة.

ولعل مراجعة خريطة المملكة المغربية بصرياً كفيلة بإبراز التأثير المباشر للغة والثقافة الأمازيغيتين في تسمية المناطق الجغرافية، في القرى والحواضر، في الجبال والسهول كذلك، مع استحضار التطورات التي شهدتها.

 في هذا الصدد، يقول هشام حسون، الباحث في الثقافة الأمازيغية إن "المجال المغربي يتضمن معطيات هامة جداً فيما يتعلق بأسماء الأماكن والمناطق، ويتميز كذلك بطغيان التسميات ذات الأصل الأمازيغي، غير أن هذه التّسميات في تطور مستمرّ مع مرور الزمن تبعاً للتطورات التاريخية والاجتماعية والسياسية".

يضيف حسون في حديثه إلى رصيف22 أن "الكلام عن تحولات المجال الطوبُّونيمي ممكن من خلال صيرورتين ظاهرتين؛ الأولى قصدية والثانية غير قصدية"، إذ يوضح أن الصيرورة القصدية ترتبط أساساً بـ"السياسة اللغوية للدولة في تدبير المجالات الجغرافية من خلال الأسماء، فهي سياسة تخفي الحقيقة السوسيولوجية والتاريخية لتلك المناطق وتفقدها تلك المعاني والدلالات الثقافية والقيمية التي راكمتها عبر العصور".

نجد على سبيل المثال أن منطقة "إيحاحان" تُكتب "حاحا"، كما أن "إكسيمن" و"إصنهاجن" تكتب على التوالي "كسيمة" و"صنهاجة"

ووفق المتحدث فإن "درجة تعريب وتغيير أسماء الأماكن اشتدّت أكثر في فترة الاستعمار وعلى عهد الدولة الحديثة بعد 1956 (تاريخ الاستقلال) إذ اندثرت الأسماء الأمازيغية وتغلغلت تسميات دخيلة في مخيال ولغة المجال؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر، حُولَ اسم مدينة أَيْتْ ملال إلى بني ملال، ثم مدينة أَبْركانْ إلى بْركانْ، ونفس الشيء حدث مع الأحياء كحي بُو وَارْكَانْ بمدينة أكادير الذي غُير اسمه إلى لِيرَاكْ، على سبيل المثال".

أما الصيرورة غير القصدية حسب الباحث عينه، فتتمثل أساسا في ظواهر "التقليص والاختصار إلى جانب التغير الصوتي على مستوى نطق الأسماء المكانية، كما هو الحال لاسم مدينة أَصِيلَا الذي اشتُق من اسم أَزِيلَا. نضيف إلى هذه الظواهر جملة الأخطاء التي تقع في تدوين الأعلام من الميدان ونقلها من منظومة حرفية إلى أخرى، إذ اعتمدت هذه العملية أساساً على الأبجديتين العربية والفرنسية".

التوثيق الإداري... صلب الأزمة؟

يكفي أن نبحث في التاريخ القريب للمغرب لنجد أن مدنا مغربية عديدة شهدت تغييرات جوهرية في أسمائها. فقد كانت مدينة الدار البيضاء سابقا تحمل اسم "أَنْفَا" وهو مصطلح أمازيغي يحمل دلالات المرتفع والعلو. مدينة الرباط هي الأخرى شُيّدت في منطقة جغرافية كانت تسمى "تامسنا"، أما تطوان المدينة الشمالية التي نعرفها اليوم، فقد اشتُق اسمها من المصطلح الأمازيغي "تيطاوين" الذي يحيل على العيون الباصرة، في حين أن مدينة الشاون تمتح اسمها من "أشاون" الذي يعني القرون بالأمازيغية. وعلى المنوال عينه، جاءت تسمية المدينة الحمراء مراكش من التسمية السابقة "أَمُورْ نْ وَاكُوشْ"، والتي تعني أَرْضُ اللهِ.  

من محاولات تغيير الأسماء الأمازيغية للمدن التي أثارت جدلاً في سابق الأوقات، تلك المحاولة التي شهدتها مدينة تيزنيت الواقعة في الجنوب المغربي؛ ففي سنة 1982، صدر مقترح لعامل إقليم المدينة آنذاك يوصي بتغيير اسمها إلى "الحسنيّة"، نسبة إلى الحسن الأول (سلطان مغربي سابق).  

وسبق أن حكى ابراهيم اللحياني، رئيس مجلس المدينة آنذاك، عن هذه العملية في لقاءات إعلامية، قائلاً إن المشروع لاقى وقتها رفضاً شعبياً مطلقاً، إذ رأت فيه الساكنة "عدم احترام لها وللمدينة وتاريخها الطويل كذلك".

ارتباط الأعْلَام الجغرافية المغربية بالأمازيغية منذ فجر التاريخ تدل عليه الأبحاث الأركيولوجية والأنثروبولوجية السابقة، قبل أن تطالها موجة من التحريف فيما بعد

كذلك، ينتقد عدد من المهتمين بالثقافة الأمازيغية، خصوصاً في شقها المتعلق  بعلم دراسة أسماء الأماكن، ركون الإدارة نحو "تعريب" أسماء القبائل والمناطق الأمازيغية، حيث نجد على سبيل المثال أن منطقة "إيحاحان" تُكتب "حاحا"، كما أن "إكسيمن" و"إصنهاجن" تكتب على التوالي "كسيمة" و"صنهاجة"... ففي الغالب يتم حذف النون في آخر الكلمة وتعويضها بتاء مربوطة، في حين يتم حذف الألف في بدايتها، وهو ما يحيل على نطق جديد مغاير للنطق الأصلي للمنطقة أو المدينة.

من جهته يرى إسماعيل أفلاح، الباحث المتخصص في اللغة الأمازيغية، في حديثه إلى رصيف22 أنه "لا يجب النظر إلى التسميات الجغرافية في الأساس على أنها مجرد ألفاظ مجردة من المعنى والقصد، للأسف هذا هو الشائع، في حين أنها في الأصل تعكس تصور ونظرته إلى مجاله الجغرافي، وهو ما يجعلها تختزن حمولة ثقافية وتاريخية".

وفيما يخص تطورات الطوبونيميا الأمازيغية، يشير أفلاح إلى "ضرورة بقاء الاسم كما أُبدع في الوهلة الأولى وبأي لغة أُبدع به، فالتلاعب بالاسم عن طريق تبديله جزئياً أو تغييره كليا هو بمثابة تزوير وتحريف حقائق تاريخية وثقافية"، معتبراً الأمر "ضرباً في هوية الأرض بمميزاتها وخصوصياتها المتفردة".

طوبونيميا في مواجهة سياسة 

حظي موضوع تراجع الحضور الأمازيغي على مستوى الطوبونيميا المغربية بتناول لا بأس به على المستوى الأكاديمي من قبل باحثين في التاريخ والشأن الأمازيغي، إذ يُجمع هؤلاء على أن الموضوع هو نتاج لمقاربة تبنتها السلطات الاستعمارية الفرنسية والإسبانية، قبل أن تليها سياسة إدارية في فترة بناء الدولة المغربية، فضلاً عن آثار التطورات التاريخية والسوسيومجالية.

من موقعه، يذهب لحسن أمقران وهو أستاذ مختص في اللغة الأمازيغية، ضمن مقال له بعنوان "الأماكنية المغربية وتهديدات الاستيلاب" إلى القول بأن "ارتباط الأعْلَام الجغرافية المغربية بالأمازيغية منذ فجر التاريخ تدل عليه الأبحاث الأركيولوجية والأنثروبولوجية السابقة، قبل أن تطالها موجة من التحريف فيما بعد".

ويشير أمقران إلى أنه "تم نسب أسماء أماكن إلى أولياء وأفراد مدفونين فيها، كسيدي بنور ومولاي بوسلهام وسيدي حرازم وسيدي يحيى"، متابعاً "أما أماكن وحواضر أخرى فتم نقل تسمياتها إلى تسميات تبركية أو تكريمية، ومن ذلك: الراشيدية والمحمدية والمهدية والوليدية واليوسفية...". 

وحسب ما ذكره الكاتب ذاته، فإن هذه الصيرورة "بدأت مع الاستعمارين الفرنسي والإسباني اللذين حاولا تحطيم كل البنى الثقافية والسياسية والاجتماعية للمجتمع المغربي، ممارسة منهما للعنف الرمزي بالاعتماد على آليات ناعمة من هذا القبيل، لتسير في الاتجاه عينه الإدارة المغربية في إطار بناء الدولة الحديثة لما بعد الاستقلال".

"تزوير للتاريخ وسياسة تعريب"؟

بدوره يعتبر لحسن باكريم، الإعلامي والباحث في الثقافة الامازيغية، بأن هذه العملية التي تهم الأسماء الأماكن والمجالات الجغرافية "لا يمكن أن نسميها تطوراً بل تحريفاً وتزويراً للتاريخ، إذ اتخذت أشكالاً معقدة أحياناً، بحيث ترتبط بالقصد والجهل وغياب الوعي وعدم الاهتمام بالبحث العلمي من جهة، وترتبط بأمور إدارية وسياسية من جهة ثانية".

ويشرح باكريم في حديثه إلى رصيف22  بأن "ما يقع في هذا المجال نتيجة أساسية لعدم الاهتمام ومحاولة إعادة الأسماء إلى أصولها الأمازيغية في التطور العمراني الذي عرفه المغرب خاصة بعد سياسة التعريب المتبعة منذ بداية الاستقلال"، رابطاً بذلك الموضوع بـ" الإقصاء والتهميش اللّذين عرفهما المكوّن الأمازيغي مند قرون في المغرب وكرّستهما الاختيارات السياسية والثقافية وحتى الدينية (العروبة والإسلام) للمغاربة في مواجهة في سياق تاريخي معين، ولم يتم استدراك الأمر بعد الاستقلال".

الحركة الأمازيغية ومنذ ظهورها في ستينيات القرن الماضي عملت على التنبيه إلى الحفاظ على الموروث الثقافي الأمازيغي، بما في ذلك ما هو متعلق بمجال الطوبونيميا

وإلى ذلك، يضيف محدثنا مشيراً إلى أن "الحركة الأمازيغية ومنذ ظهورها في ستينيات القرن الماضي عملت على التنبيه إلى الحفاظ على الموروث الثقافي الأمازيغي، بما في ذلك ما هو متعلق بمجال الطوبونيميا. فتتمة للدينامية التي شهدتها الأمازيغية لغة وثقافة، خصوصاً بعد خطاب أجدير 2001، تم تأسيس مدينتين جديدتين سنة 2004 تحملان أسماء أمازيغية، ويتعلق الأمر بمدينة تامسنا ضواحي الرباط، وتامنصورت ضواحي مراكش".   

وشهدت مدينة أكادير عاصمة جهة سوس ماسة الواقعة في الجنوب المغربي في صيف 2018 نقاشاً حادا ًبعدما صادق المجلس البلدي للمدينة وقتها على قرار تسمية حوالي 43 زقاقاً وشارعاً بأسماء أماكن وشخصيات مشرقية، ورأت فعاليات مدنية في تلك الخطوة آنذاك "مساساً بالخصوصية الثقافية للمدينة التي تنهل من الثقافة الأمازيغية التي تعد من مكونات الهوية المغربية".

وحيال هذا الإجراء الذي صادق عليه وقتها مجلس المدينة الذي كان يقوده حزب العدالة والتنمية، دخلت منظمة "الجامعة الصيفية لأكادير" باعتبارها جمعية عريقة في الدفاع عن الثقافة الأمازيغية النقاش، مستنكرةً ما وصفته "بالرغبة الأكيدة في التعريب الكلي لهوية المدينة"، ومشيرة إلى أن الصواب هو "اعتماد أسماء مستوحاة من المحيط الثقافي والعمق التاريخي للمدينة، مع الانفتاح العقلاني على الثقافات العالمية". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

تنوّع منطقتنا مُدهش

لا ريب في أنّ التعددية الدينية والإثنية والجغرافية في منطقتنا العربية، والغرائب التي تكتنفها، قد أضفت عليها رومانسيةً مغريةً، مع ما يصاحبها من موجات "الاستشراق" والافتتان الغربي.

للأسف، قد سلبنا التطرف الديني والشقاق الأهلي رويداً رويداً، هذه الميزة، وأمسى تعدّدنا نقمةً. لكنّنا في رصيف22، نأمل أن نكون منبراً لكلّ المختلفين/ ات والخارجين/ ات عن القواعد السائدة.

Website by WhiteBeard
Popup Image