شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
العوالم العجائبية والأجساد الفانتازية في

العوالم العجائبية والأجساد الفانتازية في "الوجه الآخر للظل"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

يتابع الروائي رشيد الضعيف، في روايته "الوجه الآخر للظل"، ما قال إنه مشروع الكتابة الأدبية بغاية تكريس أسلوب الحكاية الشعبية، الفانتازيا، والأسطورة في الرواية العربية المعاصرة. يقول: "الأسطورة تقي من الصقيع". هكذا تجمع الرواية بين عناصر الحكاية الشعبية، وبين عناصر الأدب العجائبي، سواءً من ابتكار الزمان والمكان الفانتازيين، أو ابتكار حكاية الملك والملكة والمُلك، وكذلك ابتكار كائنات عجائبية وأحداث فوق واقعية.

الزمكان الفانتازي: الجغرافيا والزمن الحكائي

يكتب الباحث جمال شحيد في كتابه "الرواية؛ مقدمات قصيرة"، عن الزمان في الرواية الفانتازية: "صحيح أن الراوي ينطلق في تعامله مع الزمن، من حدث يقع في فترة معيّنة، إلا أن هذه الفترة هي همزة وصل بين الشخوص وبيننا نحن القرّاء. وحتى لو أُخرجنا من حدود الزمن التاريخي، نتصور ذلك الزمن ونتمثله، ولو كان متخيلاً، وهو كذلك في معظم الأحيان. لا شك أن العلاقة غائمة بين الزمكان الأسطوري، كما يقول باختين، وبين الزمكان المتخيل/ والزمكان الواقعي الذي تنطلق منه الشخصيات. ولكنها تخلق انزياحاً في الزمكان الواقعي وتفتح آفاقاً جديدةً تعجّ بأزمنة متخيلة مستقاة من الماضي والمستقبل وأمكنة جديدة لم تعرفها الجغرافيا التقليدية، فتثري رؤية الشخوص وتفتح أذهانهم على متخيل غريب. وما قلناه عن الزمن في الرواية الفانتازية ينطبق على المكان أيضاً، فيخرج عن حدود الجغرافيا وينفتح على أمكنة متخيلة".

تجمع رواية "الوجه الآخر للظل" بين عناصر الحكاية الشعبية، وبين عناصر الأدب العجائبي، سواء من ابتكار الزمان والمكان الفانتازيين، أو ابتكار حكاية الملك والملكة والمُلك، وكذلك ابتكار كائنات عجائبية وأحداث فوق واقعية

تبدأ رواية "الوجه الآخر للظل"، بفقرة مستقلة تصف الزمان والمكان الفانتازي الذي تقع فيه أحداث الحكاية، وهي منطقة سهوب وجسور كانت قائمةً بين آسيا وإفريقيا، والتي أصبحت الآن البحر الأحمر: "لم يفصل البحر الأحمر قارة إفريقيا عن شبه الجزيرة العربية وقارة آسيا إلا مؤخراً. قبل ذلك، طوال آلاف السنين، كان هناك جسر من جذوع الأشجار العظيمة، فوق مجرى ماء ينشف في الصيف. وقد جرت في تلك الأقاليم، أحداث منها الغريب الغريب، ومنها القريب القريب".

وتتكاثر الأماكن الفانتازية في متن الرواية، وأبرزها تلك الغابة العجائبية التي ظهرت في الجغرافيا الحكائية لتختبئ فيها الملكة مع وليدها. إنها غابة عجائبية بقدرتها على النمو والامتداد في المساحات، وُلدت من العدم فولّدت الرعب في نفوس البشر: "نبتت غابة في خلال أشهر في مكان لا نبع فيه ولا نهر، وقد نمت حتى علت أشجارها على قامة الإنسان، وبات يرتاح في ظلها القارس على حصانه. وقد دُهش برؤيتها العابرون الذين يعرفون المكان ونواحيه، وتساءلوا خائفين مضطربين عما جرى، وعمن زرع هذه الغابة التامة المكتملة، وخافوا من الدخول إليها، فتفادوها في أسفارهم، واعتمدوا أن يمروا بعيداً منها وألا يقتربوا حتى من أطرافها".

غلاف رواية "الوجة الآخر للظل"

وتنتهي الرواية مع تغيّر أيضاً يحدث في المكان الجغرافي، فالصفحة-الفقرة الأخيرة من الرواية تربط بين موت الملكة وتوقف الأرض عن الدوران: "توقفت الأرض عن الدوران عندما أغمضت الملكة عينيها الإغماضة الأخيرة، وتوقف قلبها عن النبض، فخرج لذلك كل شيء عن طوره، وثار كل شيء على طبعه".

يقول بطل رواية "الظل فوق إنسموث"، لهوارد فيليب لوفكرافت (1936): "ذات ليلة، انتابني حلم مروع، التقيت جدتي في قاع البحر، فقالت لي إنها لم تمت قط. غطست في عالم خارق أُعدّ لها مسبقاً ولا تستطيع أن تبارحه. فقالت لي: لن أموت أبداً، سأعيش سرمداً مع أولئك الذين كانوا قبل أن تطأ أرجل البشر الأرض".

وكذلك تبدأ الحبكة الحكائية في رواية "الوجه الآخر للظل"، بعنصر الأحلام السردي. يرى الملك الشاب حلماً: "رأى الملك الشاب العازب في الحلم، ليلة بويع بخلافة والده، كأنه تزوج، وأن زوجته، تختبئ عاريةً عرياً بحتاً، على غصن في شجرة كثيفة الأوراق، وأنه يناديها فلا تجيبه، ويطلب منها النزول عن الشجرة فلا تستجيب". وكالعادة، فإن الحلم يحمل نبوءةً عن مستقبل الملك والمملكة والعرش: "إن المرأة العارية التي ناديتها بأن تنزل من الشجرة، إشارة إلى أن المرأة التي سترغب فيها وتتزوجها، سيزني بها رجل، وستلد ولداً ذكراً ليس من صلبك، ينقلب عليك ما أن يبلغ، ويرثك بالغصب في الملك".

شخصيات الحكاية الشعبية والكائنات الخرافية

الشخصيات الأساسية في الحكاية الشعبية نجدها في رواية "الوجه الآخر للظل": الملك، الملكة، الابن، الجن، الأفعى وغيرهم من الكائنات العجائبية.

يقول الروائي، في لقاء صحافي، إنه جعل من شخصية الملك شخصيةً حاميةً للمُلك، للسلطة الذكورية، وتقوم بدورها في المحافظة على القيم السائدة والتقاليد. الملك يُخضع زوجته للرقابة، ويقتل أخته لأنها أحبّت رجلاً لم يرضَ عنه، ويقتل بعض النساء اللواتي لم ينجبن له أو اللواتي أنجبن له.

يتابع الروائي رشيد الضعيف، في روايته "الوجه الآخر للظل"، ما قال إنه مشروع الكتابة الأدبية بغاية تكريس أسلوب الحكاية الشعبية، الفانتازيا، والأسطورة في الرواية العربية المعاصرة.

ويبيّن الروائي أنه يستند في شخصية الملك إلى إرث الأدب العربي. أما شخصية الملكة فتحمل مضامين التمرد، النسوية، فترفض وصاية الملك، وترفض حلق شعرها، وترفض الركوع والطاعة، وتسعى إلى تحقيق خياراتها المصيرية.

ويقول الروائي: "الملكة هي المرأة المضطهدة، ولكن العليمة والخارقة القدرات ومربية الأبطال، هي وحي من الألوهة".

يكتب جمال شحيد عن العلاقة بين الشخصية وبين الزمكان في الرواية الفانتازية: "تبعد الرواية الفانتازية الشخصيات عن الزمن التاريخي والمكان الجغرافي المحدد علمياً على الكرة الأرضية، وإلا لما كانت فانتازيةً. ثمة مؤشرات للزمان والمكان، وثمة إطلالة على أزمنة عائمة وأمكنة موهومة، تخلق خلخلةً لدى الشخوص لأنها أخرجتهم من زمان ومكان معروفين وزجّتهم في أجواء سديمية ضبابية وأسطورية".

الجنس والجسد الفانتازي والكائنات الخرافية

تقوم الرواية العجائبية على مجموعة من الأحداث فوق الواقعية، ومن أبرزها: الجنس من خلال التواصل بين جسد الملكة والطبيعة، فبعد أن يخاطب صوت علوي الملكة: "قال لها الصوت، ستداعب وجهك نسمة عند اكتمال الربيع، وستلدين بيسر وفرح، ويكون زرع من غير بذور".

ويتم تلقيح جسد الملكة بالجنين الجديد عبر ندفة ثلج من طرف غيمة: "ومنذ أن بدأ هذا النداء يطرق أذن الملكة، ينتابها قلق منع عنها النوم، فتخرج إلى حديقة القصر ذات مساء وتتمدد على العشب الطريّ الناعم، وبينما هي تتأمل، تجتازها السحب الصيفية العابرة ثم فجأةً تنحدر ندفة من طرف غيمة، وأحست الأميرة بالماء يسيل في دمها. ثم نهضت ممتلئةً بما فيها بفرح ينبعث من أعماقها لم تعرفه من قبل، لكنها خافت، شغل بالها هذا الفيض من الفرح الذي ملأ كيانها".

وتتعلق مجموعة من الأحداث فوق الطبيعية في الرواية بجسد الملكة، القادر على الاتحاد مع جسد الابن "عديا": "وبعد أن وضعت ابنها، تناولته وحضنته، وضمته إلى صدرها، حتى ظن من رآها من الطير والحيوان أنهما واحد لا اثنان".

يكتشف في الرواية، الابن عديا، العلاقة العجائبية التي توحّد بين جسده وجسد والدته المجهولة بالنسبة إليه، فالنظرة المتبدلة بين الأعين تنقل الخبرات والذاكرة، وآثار التعذيب على جسد الأم تظهر على جسد الابن

وكذلك يمتلك جسد الملكة قدرات خارقةً حاميةً من العري والتعذيب، ويمتلك جمالاً يرعب الكائنات الخرافية والتي منها الأفعى المتلصصة المتكلمة: "حين رأت الأفعى بعض جسد الملكة عارياً، قبل الولادة، هالها هذا السمار، هالها هذا الصفاء، رأت جسداً مطلقاً لا ينقصه من الجسد شيئاً ولا يُزاد عليه شيء. جمال الجسد يُغري الأفعى عادةً، وكماله يطلق رغباتها، لكن هذا الجسد التام المطلق يرعبها".

رشيد الضعيف

تبتكر الرواية أيضاً مجموعةً من الأعضاء الجسدية الفانتازية، ومنها تنطلق مجموعة من المشاعر الإنسانية الفانتازية، فيكتشف الابن عديا تلك العلاقة العجائبية التي توحّد بين جسده وجسد والدته المجهولة بالنسبة إليه، فالنظرة المتبدلة بين الأعين تنقل الخبرات والذاكرة، وآثار التعذيب على جسد الأم تظهر على جسد الابن: "وأخبر عديا بأنه حين نظر في عينيها رأى فيهما كل شيء، رأى النار كامنةً، ورأى ما خلف الأيام، ورأى الوجه الآخر للظل. وأخبره بأن آثار الضرب الذي تتعرض له تظهر على جسده هو بالذات، وتؤلمه كما لو أنها تصيبه مباشرةً، وكشف له عن جسمه، وأراه آثار التعذيب الذي تتعرض له الوالدة، والبادية عليه بوضوح".

وحين يتم تعذيب الملكة فإن الاكتشاف العجائبي لمزايا جسدها يدلّ على حمايتها التامة من العري، فيأتي في فقرة "تعذيب الملكة": "لكن متعتهم تحولت إلى دهشة عندما وجدوا عليها، فجأةً، لباساً يستر جسدها، كما اعتادت أن تستر جسدها وأن تلبَس، بحيث لا يبان منها سوى ما يجب أن يبان، كأنهم لم ينزعوا عنها شيئاً".

وتبتكر الرواية بالإضافة إلى الجنس، الجسد، والشخصيات الفانتازية، عدداً من العوالم الفانتازية التي تشكل الفضاء المكاني والمنطق السردي في بعض أقسام الرواية التي يحمل أحدها عنوان "الجنة المختلفة": "هناك مدن تنتقل من مكان إلى آخر، ببنيانها وناسها، وشجرها وأنهارها وحيوانها، وهي تنتقل هاربةً من سحابة غاضبة، أو تهرب بعد أن يُنبئها منبئ بأن خطراً داهماً يتهددها، زلزالاً مدمراً، أو طيوراً عظيمة". وهناك العوالم العجائبية الأدبية المتعلقة بالجن: "تموت الجن، لكنها تتكرر، إذ عندما يكثر العمل ويقلّ عددهم، يحيون الجن الميت ويعود حياً نشيطاً كأنه ما زال منبهاً من قيلولته".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image