"أنا عطشان"، العبارة التي يتخيل بعضنا أنهم يسمعونها وهم يشاهدون صور أطفال غزة مطمورين تحت أنقاض بيوتهم بعد القصف، أو حين تعلن الأمم المتحدة عن اقتراب أزمة عظيمة لمياه الشرب والمياه النظيفة في القطاع.
العطش الغزي الوشيك سيتزامن مع موعد توقيع اتفاقية المياه بين الأردن وإسرائيل "الماء مقابل الكهرباء"، والتي يرفضها الأردنيون في الأيام العادية، فكيف بهذه الأيام والعطش يملأ غزة. والرفض لا يأتي فقط من الأحزاب وجماعات مقاومة التطبيع والنقابات، بل من الناس الذين لا تحركهم انتماءاتهم الحزبية ويحركهم شعورهم الإنساني تجاه غزة وما يحدث فيها، فكيف ستجبرهم حكومتهم على شرب مياه تم دفع ثمنها لإسرائيل بينما العطش يقتل غزة وأهلها؟
تعتيم حول الاتفاقية
اعتاد الأردنيون والأردنيات أن تُحجب عنهم المعلومات في السياقات الأردنية الإسرائيلية وفي كل مرة تطفو على السطح أخبار اتفاقية جديدة. حالياً وبسبب تأزم الوضع العاطفي الشعبي مع المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ارتفعت وتيرة حجب المعلومات والإفصاح الرسمي حول موعد وتفاصيل اتفاقية المياه المزمع إبرامها قريباً بين الأردن وإسرائيل مع دولة ثالثة هي الإمارات.
أزمة المياه الوشيكة في القطاع ستتزامن مع توقيع اتفاقية المياه الجديدة بين الأردن وإسرائيل بشعار "الماء مقابل الكهرباء"، وهي اتفاقيات يرفضها الأردنيون في الأيام العادية، فكيف بهذه الأيام والعطش يملأ غزة؟
حدث هذا الأمر سابقاً في العام 2016 لدى توقيع اتفاقية الغاز مع إسرائيل، حيث سبقها عامين من التهرب من كشف المعلومات عنها، أو حتى التحقق من إبرامها، على الرغم من الحملة الشعبية الواسعة "غاز العدو احتلال" التي شملت كل الأردن.
تسريبات بالصدفة
قبل عامين علم الأردنيون بالصدفة أن المملكة بصدد اتفاقية مياه جديدة مع إسرائيل، وذلك من خلال إعلان وزيرة الطاقة الإسرائيلية، كارين الحرار، بأن إسرائيل وقعت مذكرة تفاهم مع الأردن حول المياه.
وقالت الوزيرة حينها: "وقّعنا بروتوكولاً لزيادة كمية المياه التي نزوّد بها الأردن، وهذا إعلان لا لبس فيه بأننا نريد علاقات حسن جوار".
تلا ذلك تصريح لوزارة الخارجية الأردنية على منصة "إكس" جاء فيه: "خلال محادثات جرت بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ووزيرة خارجية إسرائيل تم الاتفاق على تزويد الأردن بـ50 مليون متر مكعب مشتراه، ورفع سقف صادرات الأردن إلى السوق الفلسطيني من 160 إلى 700 مليون دولار سنوياً".
كما تشمل الاتفاقية أن تشتري شركة القدس للكهرباء الطاقة من حقل الطاقة الشمسية الموجود في الأردن وهو مشروع ممول إماراتياً.
حصة المملكة من نهر الأردن
الأردن الرسمي يؤكد في كل مناسبة على حصول المملكة على كامل حصتها من المياه من نهر الأردن بموجب اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية الموقعة عام 1994، ومع هذا يتهم بعض الخبراء في قطاع المياه إسرائيل بـ"سرقة" المياه الأردنية من نهر الأردن، ومياه الآبار الجوفية من منطقة وادي عربة والغمر جنوبي المملكة".
تشمل الاتفاقية تزويد الأردن بـ50 مليون متر مكعب من الماء، ورفع سقف صادرات الأردن إلى السوق الفلسطيني من 160 إلى 700 مليون دولار سنوياً.
فهل تؤثر الأزمة الدبلوماسية الحالية بين الأردن وإسرائيل على الاتفاقية، أم سيتم تجميدها كما حدث مع مشروع "ناقل البحرين" بعد حذف البنك الدولي المشروع من قائمة المشاريع التي كان من المقرر تنفيذها، بسبب "عدم اتفاق الأطراف على معايير المشروع"، الأمر الذي سيضطر هذه الأطراف "الأردن، إسرائيل، والسلطة الفلسطينية" لجلب تمويل آخر في حال قرروا استئناف المشروع القادر على تزويد هذه الكيانات الثلاث بما يكفي حاجاتها كاملة من المياه العذبة والطاقة بالإضافة إلى التصدير.
"مش دافع"
"معلومات وتفاصيل الاتفاقية، فقط لدى أعضاء فرقتها" كان هذا رد وزير مياه أردني أسبق فضّل عدم الكشف عن اسمه رداً على سؤال رصيف22 حول تفاصيل اتفاقية المياه الجديدة مع إسرائيل.
وأضاف أن من ضمن أعضاء هذه "الفرقة" كما أسماها وزير المياه الحالي رائد أبو السعود، الذي يحجب بدوره أي معلومة تتعلق بالاتفاقية، وهو ما ثبت خلال اتصالات رصيف22 مع أكثر من مسؤول أردني برروا عدم التصريح حول تفاصيل الاتفاقية بأنهم لا يملكون أية معلومات حولها.
من جهته قال الناشط في حملة المقاطعة الإسرائيلية في الأردن "BDS" هشام البستاني في حديثه لرصيف22: "مثلنا مثلكم، نحن محرومون من الحصول على معلومات حول اتفاقية المياه، لكن وفق ما استطعنا الحصول عليه من رتوش، فإن الاتفاقية لم توقع بعد، وهي في طور النوايا، تماماً مثل ما حدث خلال فترة 2014-2016 عندما كان المسؤولون الأردنيون يصرحون حول اتفاقية الغاز مع الكيان بأنها في طور النوايا".
الإمارات شريك ثالث في الاتفاقية مع الأردن وإسرائيل، التي تنص على أن تشتري شركة القدس للكهرباء الطاقة من حقل الطاقة الشمسية الموجود في الأردن والممول إماراتياً
وأضاف: "مجرد وجود اتفاقية المياه في مربع النوايا، فهذا يعني بلا شك أنها تتجه إلى التوقيع، هذه جريمة ترتكب بحق ما يحدث اليوم مع غزة".
ويؤكد أن الأردن ليس بحاجة لتبادل الطاقة مع إسرائيل مقابل المياه، كونه قادر على بناء مشروع تحليته الخاص في محافظة العقبة، وهو مشروع كان قد وضع في السابق ومخططاته لا تزال موجودة. ويختم: "للأسف أي مشروع إستراتيجي كبير للأردن تدخل عليه إسرائيل رغماً عنا، الأمر الذي يخلق ارتباط عضوي مع كيان يمارس اليوم إبادة جماعية بحق أهلنا في غزة".
بعد بدء الحرب الأخيرة على غزة خرجت حملة جديدة في الأردن اسمها "مش دافع" تدعو لمقاطعة دفع فاتورتي الكهرباء والماء، احتجاجاً على اتفاقية الغاز بين الأردن وإسرائيل، ورفضاً لاتفاقية المياه المراد توقيعها، على اعتبار أن دفع هذه الفواتير يجعل الأردنيين "شركاء" فيما يحدث في غزة.
هل يحتاج الأردن لإسرائيل لتأمين موارده المائية؟
يرى المستشار الدولي في شؤون المياه والبيئة ومقرر عام أسبق برنامج الأمم المتحدة للبيئة سفيان التل بأن الحقائق تثبت بأن الأردن لا يحتاج بأن يوقع اتفاقية مياه مع إسرائيل.
يقول: "لا بد من التأكيد بأن المقولة التي يتم تداولها من الأجهزة الرسمية بأن الاردن بلد فقير في المياه مقولة غير صحيحة، بل وتقلب الحقائق، وأن لدى الأردن مصادر مياه أكثر من حاجته".
مياه الأمطار
بحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المياه فإن معدل سقوط الأمطار بعيد المدى للخمسين سنة الماضية على مساحة الأردن يساوي 8 مليارات متر مكعب سنوياً، وحاجة الأردن أقل من مليار كما يشرح التل.
ويضيف: "لو استطعنا السيطرة على هذه المياه ووضعنا خطط حصاد المياه وبناء السدود والحواجز والصحراء، سنتمكن من حجب ما يقارب مليار متر مكعب من المياه في السدود والحواجز المائية وفي التخزين الجوفي في باطن الأرض، علما أن المعدل العام للفرد حسب الأرقام المتداولة عالمياً هو حوالي 500 متر مكعب سنوياً، فلو قسمنا مليار متر مكعب أو أقل على عدد سكان الأردن لاستطعنا تأمين ما يقارب 800 متر مكعب من المياه للفرد الواحد في الاردن، وهذا يزيد عن المعدلات العالمية بكثير".
الأنهار
يقول التل: "لدينا ثلاثة أنهار هي الأردن، اليرموك، والزرقاء، وقد تنازل المسؤولون في الأردن عن مياه نهر الأردن لإسرائيل عندما حولته من شمال بحيرة طبريا عبر المنطقة المحتلة إلى النقب، ولم تسجل موقفاً دولياً للالتزام بالاتفاقيات الدولية للأنهار المشتركة".
أما بالنسبة لنهر اليرموك، فقد كان وما يزال من ضمن الحد الرسمي الدولي بين الأردن وسوريا، ولكن الأردن تنازل بموجب اتفاقية وادي عربة عن كامل المياه التي يجمعها سد الوحدة لإسرائيل، فنصت الاتفاقية على أن يعطى لإسرائيل من مياه السد 25 مليون متر مكعب سنوياً، والسد لم يجمع هذه الكمية أبداً، فمعدل ما يجمعه في حدود 10 مليون متر مكعب تعطى جميعها لإسرائيل والباقي تعتبره إسرائيل مديونية مائية لها على الأردن.
حسب خرائط ودراسات وزارة المياه الأردنية وسلطة المصادر الطبيعية يقع الأردن على 12 حوضاً مائياً، فيها من المياه الجوفية المتجددة ما يكفي لكل سكان الأردن
يضيف التل: "نهر الزرقاء كان على مدى التاريخ مصدر للشرب والزراعة، وقد تم تحويله إلى مجرى لمحطة الخربة السمراء، أي أنه تحول إلى مياه عادمة رغم كل التحذيرات التي قدمناها للحكومة الأردنية قبل اتخاذ هذا القرار".
المياه الجوفية
فيما يتعلق بالمياه الجوفية، يقول التل: "حسب خرائط ودراسات وزارة المياه الأردنية وسلطة المصادر الطبيعية يغطي الأردن بكامل مساحته من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب حوالي 12 حوضاً مائياً، هذه الأحواض فيها من المياه الجوفية المتجددة ما يكفي لكل سكان الأردن".
كما أن هناك شبكة من الأنفاق التاريخية رومانية ويونانية تمتد لمئات الكيلومترات تحت الأردن وتجري المياه فيها، وبعضها تم اكتشافه حديثاً.
ويرى أن إسرائيل تستخدم الماء والكهرباء كسلاح لمحاصرة الأردن، متسائلاً لماذا يتنازل الأردن عن كل هذه المصادر للمياه ثم يوقع اتفاقية لشراء مياه من محطة تحلية على البحر المتوسط؟.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.