75 عاماً على عمر النكبة الفلسطينية... سنوات من الأمل واليأس والحلم بعودة الأرض، لم تخفت روح المقاومة ولم تنطفئ جزوة المحاولة من أجل حرية فلسطين واستقلالها. و75 عاماً أيضاً على ظهور أول فيلم سينمائي يتمحور حول القضية الفلسطينية، وهو فيلم "فتاة من فلسطين" عام 1948. الذي كان بداية تناول السينما العربية للقضية، حيث تشعبت رؤى الصنّاع لترصد آفاق الصراع العربي الإسرائيلي داخل فلسطين، فقد سارت السينما العربية بشكل مواز مع تطور الأحداث، فوثقت المجازر والانتفاضة وتناولت ما يقدمه الفدائيون من أجل بلادهم وعبرت عن معاناة الشعب الفلسطيني في وطنه.
السينما تتعقب التأثيرات النفسيّة
يربط فيلم "فتاة من فلسطين" الذي أخرجه وقام ببطولته محمود ذو الفقار، بين القصة العاطفية وحركة المقاومة، من خلال طيّار مصري تسقط طائرته في قرية فلسطينية، فيتعرف على فتاة تعتني به وينضم لاحقاً إلى رجال المقاومة.
فيلم "فتاة من فلسطين" كان بداية تناول السينما العربية للقضية، حيث تشعبت رؤى الصنّاع لترصد آفاق الصراع العربي الإسرائيلي داخل فلسطين، فقد سارت السينما العربية بشكل مواز مع تطور الأحداث، فوثقت المجازر والانتفاضة
بعد هذا الفيلم ظهر العديد من الأفلام في مصر، وسوريا، ولبنان، وتونس، والجزائر، والمغرب، وتم تناول القضية الفلسطينية من أبعاد مختلفة، وتعقبت الأفلام مسيرة الأبطال من الفدائيين والمناضلين، وتوقفت بعض الأفلام عند التأثيرات النفسية التي يعانيها أبناء الشعب الفلسطيني نتيجة للاحتلال الإسرائيلي، وأبرزت الأفلام العربية أحوال اللاجئين في المخيمات وسجلت الغارات التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين العزل.
نكبة 48 أوجدت ما يسمى بسينما المقاومة
مثلت الأفلام المصرية الشرارة الأولى لهذا الاتجاه السينمائي من خلال أفلام "أرض الأبطال" 1948 و"الله معنا" 1955 و"أرض السلام" 1957، فقد مثلّت بداية جادة لتيار سينمائي أوجدته النكبة، وينتمي إلى ما يمكن أن يسمى بسينما المقاومة على غرار أدب المقاومة في الشعر والرواية والقصة القصيرة.
تمحورت هذه الأفلام حول محاربة العدو والارتباط بالقصة العاطفية من خلال علاقة رومانسية بين رجل/محارب، وشخصية المرأة التي تناضل وتداوي الجراح وهو بعد رمزي يشير إلى فلسطين كما في فيلمي "فتاة من فلسطين"، و"أرض الأبطال"، والتركيز على الفساد، فساد الأسلحة والفساد المستشري بين المسؤولين في فيلم "الله معنا"، وحياة النضال التي يعيشها الفدائيون كما في "أرض السلام".
استمرت الأفلام المصرية المعنية بقضية فلسطين حتى أوائل الألفية الجديدة، فجاءت أفلام مثل "ناجي العلي"، و"أصحاب ولا بزنس"، و"باب الشمس"، و"ولاد العم" معبرة إلى حد ما عن معاناة وفدائية الفلسطينيين والمعاناة التي يعيشونها.
أفلام سورية عن فلسطين
منذ أواخر الستينيات انطلقت السينما السورية تعبّر عن معاناة الفلسطينيين في الأرض المحتلة وما يواجهونه من جبروت الاحتلال، فتم إنتاج بعض الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة لعدد من المخرجين، مثل فيلم "عملية الساعة السادسة" من إخراج سيف الدين شوكت، وفيلم "ثلاث عمليات داخل فلسطين" للمخرج الفلسطيني محمد كيالي، و"إكليل الشوك" لنبيل المالح، وهو فيلم روائي قصير يتناول أحد مخيمات الفلسطينيين في سوريا.
هناك أيضاً فيلمان قصيران هما "الزيارة" لقيس الزبيدي" و"اليد" لقاسم حول، عن معاناة الفلسطسنيين من وجهة نظر لمخرجَين عراقيَين يعملان في إطار السينما السورية.
أثر كنفاني على السينما المعنية بفلسطين
جاءت الثلاثية الفيلمية "رجال تحت الشمس" (1970) عن رواية بنفس الاسم للكاتب والسياسي للفلسطيني غسان كنفاني، عملاً مميزاً استطاع أن يعبر عن الثورة الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين، وقد شارك في إخراجها محمد شاهين، ومروان المؤذن، ونبيل المالح.
يعتبر الكاتب والسياسي الفلسطيني غسّان كنفاني صاحب تأثير خاص على السينما السورية المعنية بالقضية الفلسطينية، فقد تم اقتباس روايته "ما تبقى لكم" في فيلم "السكين" للمخرج خالد حمادة وذلك في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وجاءت أحداث الفيلم ملتزمة بالسياق الروائي وموظفاً لخيوطه الدرامية داخل الفيلم.
ويعدّ فيلم "المخدوعون" للمخرج المصري توفيق صالح والمأخوذ عن الرواية نفسها، أحد أهم أفلام السينما العربية التي تناولت مأساة الفلسطينيين، فالفيلم يدور حول فلسطينيين يسعون إلى تحقيق أحلامهم بحياة أفضل، فيقومون بالاختباء داخل صهريج المياه ويلقوا حتفهم داخل الصهريج في صحراء الكويت.
حياة المخيمات محور رئيسي
تنوعت الرؤى الإخراجية للسينما السورية تجاه القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، فتمحور فيلم "الاتجاه المعاكس" (1975)، للمخرج مروان حداد حول هزيمة 1967، وأثرها النفسي على الشباب، ويقدم فيلم "الأبطال يولدون مرتين" (1977) للمخرج صلاح دهني طبيعة الحياة داخل المخيمات. وهناك العديد من الأفلام التي ترتبط بالشأن الفلسطيني مثل فيلم "الليل" (1992) لمحمد ملص.
هناك من الباحثين من يقول أن السينما العربية اقتصرت بإنتاجها السينمائي بصدد القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني على ما قدمته السينما المصرية والسينما السورية، بينما الحقيقة أن هناك الكثير من الأفلام العربية في لبنان وتونس والمغرب والجزائر استطاعت أن تساهم في خلخلة هذه النظرة إزاء الإنتاج السينمائي العربي الداعم لفلسطين، على نحو ما نرى:
فلسطين في السينما اللبنانية
تنوعت الأفلام اللبنانية عن القضية الفلسطينية بين الأفلام الروائية الطويلة والأفلام القصيرة والتسجيلية. وترجع بداية الحضور الفلسطيني في السينما اللبنانية إلى عام 1967؛ حيث أخرج كريستيان غازي فيلم "فدائيون"، وأخرج لغاري غارابتيان "كلنا فدائيون" عام (1969).
وقد عنَتْ السينما اللبنانية بالقضية الفلسطينية مع العديد من المخرجين اللبنانيين أمثال المخرج أنطوان ريمي في فيلم "فداك يا فلسطين" (1970)، وكريستيان غازي في فيلم "مئة وجه ليوم واحد" (1972)، ويتناول حلم الطبقة الكادحة في تحرير فلسطين من خلال سعي حقيقي لعاملين فلسطينيين ينتظمان في صفوف الثورة الفلسطينية، على عكس آخرين من الشرائح الاجتماعية التي تمتلك المال وتعيش حياة مترفة. وجاء فيلم برهان علوية "كفر قاسم" عام 1974 صرخة قوية في وجه العالم حيث تمحورت الأحداث حول المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال ضد أهالي قرية كفر قاسم عام 1956.
مساهمات جادة للمخرجين اللبنانيين
قدم المخرجون اللبنانيون هاني سرور، ومحمد سويد، وجان شمعون وغيرهم، مجموعة من الأفلام وفق رؤى إخراجية متنوعة تناولت النضال الفلسطيني وأحوال المثقفين وتبدلات مواقفهم، وقد تضمنت بعض الأفلام مشاهد وثائقية عن ما يلقاه الفلسطينيون في حياتهم اليومية داخل الأرض المحتلة، مثل فيلم "دوار شاتيلا" للمخرج ماهر أبو سمرا، ويتناول أحوال الفلسطينيين داخل المخيم، من خلال الاقتراب أكثر من وجوه الناس لرصد معاناتهم والأوضاع التي يعيشونها داخل المخيمات اللبنانية. كما قدم رضا ميسر وهو مخرج سوري مقيم في لبنان فيلم "الفلسطيني الثائر" (1969) وفيلم "الجنوبي الثائر" (1984).
جاءت الأفلام الوثائقية في السينما اللبنانية من أجل الحفاظ على هوية فلسطين وجذورها التاريخية، وعبرت عن ذلك أفلام مثل: فيلم لأن الجذور لن تموت" للمخرجة نبيهة لطفي 1977 وتضمن مجموعة لقاءات وحوارات وذكريات عن المجزرة اللا إنسانية في مخيم تل الزعتر، واستلهم المخرج هادي زكاك في فيلمه "ألف ليلة ويا ليالي" (1999)، حكايات "ألف ليلة وليلة" في تناوله للقضية الفلسطينية، أما فيلم "لاجئون مدى الحياة" للمخرج نفسه، فيلقي الضوء على الأوضاع التي تعيشها ثلاث عائلات فلسطينية من اللاجئين في لبنان، وحلمهم بالعودة إلى فلسطين.
هذا إلى جانب أفلام "تحية" و"9 آب" لطلال خوري، و"قريب... بعيد" لإيليان الراهب، و"ما هتفت لغيرها" للكاتب اللبناني محمد سويد وهو فيلم توثيقي تسجيلي روائي يغتمد على الحقائق وليس الخيال.
فلسطين في السينما العراقية
لم تغبْ قضية فلسطين عن المخرجين العراقيين، فقد برزت معاناة الفلسطينيين لدى العديد من المخرجين مثل سمير نمر الذي كانت إقامته في بيروت وقدم العديد من الأفلام الوثائقية خاصة في سبعينيات القرن الماضي عن جبروت الاحتلال وصمود الشعب الفلسطيني ومن هذه الأفلام "ليلة فلسطينيّة"، و"كفر شوبا"، و"حرب الأيام الأربعة"، و"الإرهاب الصهيوني" الذي تناول فيه الغارات الإسرائيلية على المخيمات الفلسطينية.
هناك من الباحثين من يقول أن السينما العربية اقتصرت بإنتاجها السينمائي بصدد القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني على ما قدمته السينما المصرية والسينما السورية، بينما الحقيقة أن هناك الكثير من الأفلام العربية في لبنان وتونس والمغرب والجزائر استطاعت أن تساهم في خلخلة هذه النظرة
أما داخل العراق فقد عنتْ أفلام روائية قصيرة بقضية فلسطين خاصة في حقبة السبعينيات، مثل "زهرة البرقوق" للمخرج ياسين البكري و"الشتاء المر" لمحمد شكري جميل، و"كعك على الرصيف" لعماد بهجت، و"الارجوحة" لنوفل فرحات، و"الحقل" لصبيح عبد الكريم، و"انتفاضة" لمحمد منير فنري، و"عربة البرتقال الحزين" لعامر عبد القادر.
ارتكزت بعض الأفلام الوثائقية في العراق على القضية الفلسطينية لتكشف عن جبروت الاحتلال ومسيرة نضال الشعب الفلسطيني ومآسي الحياة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون، وبدا ذلك في الستينيات في أفلام "البرتقال الحزين" لكوركيس يوسف، و"مأساة شعب" لكمال عاكف. وفي السبعينيات جاءت أفلام "إنصات عبري" لطارق عبد الكريم، و"الصمت" لطارق عبد الكريم، و"فاشية جديدة" لمحمد منير فتري، و"حقوق الانسان لمن؟" لمنذر جميل، وغيرها معبرة عن حقيقة الأوضاع في الأرض المحتلة.
السينما المغاربية وتنويعات على القضية
لم تتخلف السينما في بلاد المغرب العربي عن تناول قضية فلسطين، وعمدت كثير من الأفلام في تونس والجزائر والمغرب إلى تمحورها حول القضية، مثل فيلم "سنعود" (1972) للمخرج محمد سليم رياض الذي يعدّ من أوائل الأفلام الجزائرية التي تناولت القضية الفلسطينية، ويدور حول شاب يقرر تنفيذ عملية فدائية نتيجة لجبروت الاحتلال الإسرائيلي.
في المغرب حضرت القضية الفلسطينية في العديد من الأفلام الوثائقية مثل "القدس باب المغاربة" (2010)، للمغربي عبد الله المصباحي الذي يمزج بين الوثائقي والتخييلي، و"أرضي" (2011) لنبيل عيّوش الذي يتّخذ من السيرة الذاتية وسيلةً للقبض على مأساوية الوضع في فلسطين، من خلال حوار عن بعد بين مسنين فلسطينيين يعيشون في أحد المخيمات اللبنانية. ويحاول الفيلم الروائي "من أجل القضية" (2019) للمخرج المغربي حسن بنجلون التطرّق إلى قضية فلسطين من خلال المعالجة الكوميدية للأحداث، وخاصة مسألة الحدود.
أما المخرج التونسي رضا الباهي فقد عمل في فيلمه "السنونو لا تحلق فوق القدس" (1994)، على عرض وجهة نظر مختلفة للصراع، تعتمد على عدم إقصاء الآخر، وذلك من خلال شخصية صحافي يزور القدس في فترة يجرى فيها الاستعداد لتوقيع اتفاقية سلام، لكنه يصدم بواقع مختلف عن كل توقعاته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...