شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"مشتاقة لأهلي شوق ما حسيته بعمري كله"... عن الغزّيين في الغربة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

الجمعة 3 نوفمبر 202303:26 م

 نحن مكَّبلون، لا نستطيع فعل أي شيء حتى الصمت يخنقنا...

لا لغة تصف ما نشعر به حيال كل ذلك، أن يموت كل شيء شكّلنا وقولبنا على ما نحن عليه الآن مرة واحدة ويُطلب منا أن نتقبّل تلك الخسارات ونحن في بلاد ليست لنا، ذلك بحد ذاته هلاك.

 تقول ربا عطا الله لاجئة فلسطينية تعيش في لندن: "يموت أهلنا من صواريخ الاحتلال، بينما نموت نحن من الغياب القسري لأصواتهم التي كنا نعتاش على وقودها كي نبدأ دورة أيامنا".

"يموت أهلنا من صواريخ الاحتلال، بينما نموت نحن من الغياب القسري لأصواتهم". ربا عطا الله، فلسطينية مقيمة في لندن

تضيف: "قبل انقطاع الاتصال، كنت أقول... لم يتبقّ لديّ سوى صديق واحد يحكي بلغة الثّبات، بعدما كان كل أصدقائي الذين درّبوني على الصبر سنوات طويلة يحملون ما تبقّى منه قبل هذه الإبادة، شعرتُ  هنا أنه اختبار للعدالة والإنسانية حيث يجب عليّ إرجاع مخزون الصبر الذي زودوني به من قبل، وكنت أفعل ذلك، أما الآن بعد انقطاع الاتصال وجميع وسائل التواصل، أتساءل كيف سيعبرون حبل النجاة دون صبر؟".

مشاعر العجز والصدمة 

معتز حسونة، 26 عاماً، لاجئ فلسطيني من غزة، يقيم في بلجيكا، فقد شقيقه أثناء هذه الحرب على القطاع. يقول لرصيف22: "أعيش منذ ثلاث سنوات في بلجيكا وهذه الحرب الثانية التي أعيشها بعيداً عن عائلتي، أنا هنا بمفردي بدون أهل أو أقارب، هذه الحرب بالطبع ليست مثل الحروب السابقة التي شهدتها سواء وأنا مع عائلتي أو بمفردي في الخارج، ما نشهده الآن يبدو أنه ليس مجرد حرب عادية، بل يبدو أنها عملية إبادة جماعية، فهي لا تستثني أحداً، هذه المرة الأولى التي أسمع صوت الخوف والعجز بوضوح في صوت أمي وإخوتي، للمرة الأولى أشعر بأن رائحة الموت حقاً قريبة منهم، قريبة للغاية، بعد أربعة أيام من هذه الحرب البشعة، تلقيت مكالمة من صديقي يخبرني بأن منزلنا تعرض للقصف وهناك أشخاص من عائلتي تحت الأنقاض، في تلك اللحظة، شعرت بالعجز والصدمة، شعرت كما لو أن صاعقة قوية هبطت من السماء وأصابتني، ولم أكن أعرف ماذا أفعل أو ماذا أقول!".

صرخت صرخة هي الأعلى في كل حياتي

ويضيف حسونة: "أصابني خوف وتوتر ورعشة في اليدين، إلى أن أخبرني صديق لي أنه تم قصف بيتي المكون من 6 طوابق وأفراد عائلتي بخير، لكن شقيقي لا يزال مفقوداً، بعض الأشخاص يقولون إنه قد يكون تحت الأنقاض، في حين يعتقد آخرون أنه قد تم نقله إلى المستشفى بسبب الفوضى والدخان، وبعد بحث استمر أربعة أيام في المستشفيات والمراكز الصحية والشوارع، جاءني اتصال من والدتي تقول لي: مبروك يا معتز أخوك شهيد! راح للي أحسن مني ومنك. وبعد ما سمعت صوت أمي شعرت أن الكوكب كله عالق في حنجرتي وصرخت صرخة يمكن أن تكون هي الأعلى في كل حياتي. دموع وبكاء لأن الأصعب من شعور الفقدان هو ألا تجد من يواسيك أو يهون عليك في هذه البلاد الغريبة... أصابني شعور بالعجز والشلل، هذه كانت أسوأ لحظة في حياتي وأسوأ من طريق الهجرة لأوروبا ومن النوم في الشوارع، البرد والجوع وأنا في طريق التهريب... كانت أصعب من أسبوع في البحر حتى أصل إلى بلجيكا... لحظة استشهاد أخي هي الأسوأ في حياتي".

 غزّتنا مدينة الحب والحرب

تقول مذيعة قناة الغد في القاهرة، مجد أبو سلامة: "كلّ صباح أصحو على عدميّة وجودنا، لا يحضرني اليوم لا أبي ولا أمّي رغم أنّهما أكثر من يتحمّس لرؤيتي على شاشة التلفاز، لا كهرباء لديهم ليشاهداني على قناة الغد، فالاحتلال الغاشم قطعها عنهما، لا يأتي أيّ صوتٍ منهما منذ 24 ساعة، بعد أن أدخلهما الكيان الإسرائيلي في عزلة تامة قاتمة، لم أتمكن من إخبارهما بأيّ وسيلة تواصل ممكنة أنّني سأقدم فيديو يتعلّق بغزّتنا، مدينة الحُب والحرب، وسأكون صوتهما غصباً عما يفعله الاحتلال وسأنشر مأساتهما، حرمت من أن أسمع صوت والداي، وحرموهما من رؤية ابنتهما ولو على شاشة".

"لا أعلم كم مرةً نكبرُ في الحروب وكم من عمرٍ يزداد عمري مع كل لحظة، ولا أعلم عدد الدعوات التي رفعتُها إلى السماء". داليا يونس، فلسطينية، مقيمة في قطر

أما عن الشابة الفلسطينية، داليا يونس، المقيمة في قطر، فتقول: "لا أعلم كم مرةً نكبرُ في الحروب وكم من عمرٍ يزداد عمري مع كل لحظة، ولا أعلم عدد الدعوات التي رفعتُها إلى السماء ليُسلّم الله كل الذين أحب وبلادي، لكنني أُؤمن بأننا نكبرُ في وقتٍ مبكرٍ جداً عن عمرنا، وأننا نعيش حسرتنا وحدنا،  نحن نتعامل مع غياب أهلنا، لا يوجد شعور أكثر ألماً من ذلك، أنا أدرك أنهم قلقون علينا، خاصة أنا وشقيقي خالد، لأننا خارج غزة، يحاولون بكل وسيلة ممكنة التواصل معنا لنطمئن عليهم، لكن هم أيضاً قليلوا الحيلة للأسف، وهذا يثبت لنا أن الأسوأ قادم، لأن الاحتلال الإسرائيلي لا يهمه، ولا يرى شيئاً سوى التوغل والتغول، وبالنسبة له مين غزة؟ وماذا يعني مليونين ونصف فلسطيني يتذوقون الموت كل ثانية، أشعر أن هذه الدنيا هي سجن كبير مفتوح".

تبادل وجع وخوف

وتتابع يونس حديثها لرصيف22: "في ظل هذه الظروف التي لا نستطيع فيها أن نتواصل مع أهلنا، اكتشفت أن هناك عائلات من الغزيين المغتربين المنتشرين في جميع أنحاء العالم يحاولون أن يتواصلوا مع بعضهم البعض، للتأكد من أحوال بعضهم ولمشاركة نفس الوجع والمعاناة، بمعنى آخر نحن نشعر بالانتماء لنفس التجربة لأننا نأتي من نفس المنطقة والوجع، فعلاً قد وجدت الكثيرين من هؤلاء الأشخاص، ولكن لم يكن لدي أي وسيلة للاتصال بهم، قاموا بإرسال بعض الرسائل لي للتأكد للاطمئنان من أني بخير، على الرغم من الألم الذي نشعر به، إلا أن هذا التضامن يشكل شعوراً حنوناً على قلوبنا". 

"بتمنى أكون موجود جنبهم ويصير عليا الي بصير عليهم

يردد هذه الكلمات الفلسطيني، رمزي سالم، الذي يقيم في بلجيكا: "أعيش حالياً أصعب أيام في حياتي، توتر وقلق وخوف ليس بالشكل الطبيعي، لأن عائلتي نجت بسلام بعد استهداف منزلنا الكائن في شمال غزة وانتقلوا إلى منزل أقاربنا الواقع في نفس الحي ومن الصعب عليهم مغادرة منطقة الشمال بسبب عدم وجود وسائل نقل ونقص وقود السيارات، امتلأت المدارس والمستشفيات بالنازحين في المنطقة الجنوبية، مما يجعل من الصعب العثور على مأوى، بالإضافة إلى ذلك، التنقل بين المناطق يمثل خطراً بسبب الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على السيارات أثناء التنقل من الشمال إلى الجنوب، لذلك يبدو الانتقال خياراً شبه مستحيل".

ويتابع سالم: "كان جيش الاحتلال الإسرائيلي دعا جميع سكان مدينة غزة والمناطق الشمالية في اليوم السادس خلال الحرب على القطاع، الى إخلاء منازلهم والتوجه جنوباً من أجل حماية أنفسهم والتواجد جنوب وادي غزة، بالرغم من استهداف السيارات التي تقل النازحين حيث استشهد 70 شخصاً وأصيب أكثر من 150 آخرين في لحظة واحدة". 

ويضيف: "منذ سبعة سنوات لم أر عائلتي وكان من المخطط لدي أن أسافر صيف السنة القادمة إلى غزة، وألتقي بجميع الأصدقاء والأحباب والجيران، لكنني لا أعرف ماذا تخبئ الأيام الآن، ولا أعرف هل من الممكن أن أعيش وألتقي مع عائلتي مرة أخرى أو لا، أتخيل اليوم غزة وقد أصبحت مدينة أشباح لشدة القصف والتدمير والخراب، وهذا الوضع لا يحتمل. أتمنى أن تنتهي هذه الأيام البشعة في أسرع وقت ممكن".

"مشتاقة لأهلي شوق ما حسيته بعمري كله"

"رجائي الأخير من العالم... هناك عشرات الآلاف من الغزيِّين حول العالم وأنا أحدهم، لتكون الإبادة مُجدية أكثر، افتحوا لنا المعبر، واسمحوا لنا أن ننزل لنُباد مع أهلنا..."  هذه كلمات تقولها المغتربة الفلسطينية مريم أيوب المقيمة في مصر، لرصيف22: "أشعر أن أهلي تم دفنهم أحياء بابا، ماما، أخواتي وجميع أفراد عائلتي، اليوم أعلن عزلتي عن هذا العالم البشع، أكره الناس جميعاً، الذين لا يفهمون ماذا يعني أن تشاهد أهلك يموتون أمام عينيك، تشاهدهم عبر شاشات كبيرة في نشرات الأخبار، تنتظر خبراً عنهم بالشريط العاجل وتبحث عنهم مثل المجنون من قناة لقناة أو على مواقع التواصل الاجتماعي، أنا مشتاقة لكل أهلي مشتاقة شوق ما حسيته بعمري كله". 

"رجائي الأخير من العالم... هناك عشرات الآلاف من الغزيِّين حول العالم وأنا أحدهم، لتكون الإبادة مُجدية أكثر، افتحوا لنا المعبر، واسمحوا لنا أن ننزل لنُباد مع أهلنا..." مريم أيوب، فلسطينية، مقيمة في مصر

مشاعر خوف، ترقب، قلق تعيشها اللاجئة الفلسطينية، روان المجدلاوي، وهي أم لطفل عمره أربعة أشهر في بلجيكا، تقول وهي تبكي:" منذ بداية الحرب على غزة وانشغالي بمتابعة الأخبار وانتظار مكالمة واحدة من أهلي، وأنا أنسى أن لدي طفل صغير بحاجة إلى تحضير رضعات له، أنا اليوم لا أفكر سوى بعائلتي التي لا تمتلك أي سبيل من سبل الحياة، دون كهرباء أو ماء أو طعام، أو حتى علاج، هذا الأمر كارثي ويزداد صعوبة يوماً بعد يوم، حياتنا هنا معدومة لأننا لا نستطيع أن نمارسها بالشكل الطبيعي، نفسياً وجسدياً الآلام تحيطنا خوفاً من فقدان أحبائنا، يمتلكنا شعور بالذنب والعجز لأننا بعيدون ولا نستطيع المساعدة... هذه الحرب نعتبرها حدثاً مدمراً ومأسوياً، ونتأمل أن تنتهي ليس بأقرب وقت وإنما اليوم".

عبارات من الشجب والحزن والعجز يرددها المغتربون الفلسطينيون في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خوفاً من أن يفقد أحدهم عائلته، أصدقاءه، جيرانه، وكل من يُحب... فمتى يتوقف هذا الكابوس؟

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard