منذ الأيام الأولى لعملية "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة، صرحت كندا رسمياً عن دعمها لحق إسرائيل في دفاعها عن نفسها. حيث أعلن رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو، عن مساعدات مبدئية بقيمة 10 مليون دولار للاستجابة للكارثة الإنسانية في غزة، مع تحفظ على أي إدانة للحصار الإسرائيلي، ودون توضيح للطريقة التي من الممكن لتلك المساعدات أن تصل بها إلى القطاع في ظل الحصار المتواصل.
ومع الاجتياح البري الإسرائيلي المتوقع لغزة، وفق وسائل الإعلام الكندية والعالمية، يبقى السؤال حول مصير الكنديين العالقين في غزة مفتوحاً.
فبعد إيقاف الرحلات الجوية إلى تل أبيب، أعلنت الحكومة الكندية عن استخدام الطائرات العسكرية لإجلاء الكنديين العالقين في تل أبيب، وعن وصولها لاتفاق مع السلطات الفلسطينية والإسرائيلية والأردنية لتسهيل عبور الكنديين العالقين في الضفة الغربية.
لا يزال هناك أكثر من 200 شخص يحملون الجنسية الكندية، عالقون في غزة ومعرضون للقصف دون طريقة واضحة لإجلائهم.
ومع أن وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، قد صرحت سابقاً أن السلطات الإسرائيلية قد "سمحت" بخروج الكنديين من القطاع لكنها قالت أيضاً: "إن تأمين عبورهم أمر بحاجة للمزيد من العمل".
حتى الآن، لا يزال هناك أكثر من 200 شخص يحملون الجنسية الكندية عالقون في غزة ومعرضون للقصف دون طريقة واضحة لإجلائهم.
مظاهرات في المدن الكندية
داخلياً، اتسم موقف الحكومة ب"التحفظ الأمني" وأولوية المحافظة على الأمن والسلام العامين، ترافق ذلك مع عدة مظاهرات احتجاجية حاشدة، منها تلك التي تضامنت مع إسرائيل، أو التي تحتج على القصف الإسرائيلي للمدنيين في غزة.
خرجت مظاهرات داعمة للفلسطينيين في جميع المدن الكبرى، مثل مونتريال، وتورونتو، وفانكوفر، وكالغاري، دعت ترودو إلى إدانة حصار غزة والاجتياح البري المتوقع.
كذلك، سجلت في ويندزر القريبة من تورونتو حالة عنف واحدة ضد مظاهرة داعمة لغزة من قبل متظاهرين إسرائيليين، انتهت بإلقاء الشرطة القبض على ناشط إسرائيلي.
إضافة إلى ذلك، يستمر الناشطون في كندا بالدعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى المظاهرات الاحتجاجية أمام السفارات الأمريكية والإسرائيلية في الأيام القادمة.
عبّر الفلسطينيون الذين تحدث إليهم رصيف22 في تورونتو، عن مشاعر متشابهة من الإحباط بسبب الدعم شبه المطلق الذي أبدته الحكومة الكندية للحصار والقصف الإسرائيليين لغزة، مقابل السكوت الكامل عما يمثله هذا من جريمة حرب وفقاً للمعايير الدولية.
إذ يتساءل زياد (اسم مستعار)، الفلسطيني المقيم في كندا منذ خمسة أعوام، عن المعايير التي تقوم عليها السياسة الخارجية الكندية وقراراتها في التدخل الدولي: "كدافع ضرائب في كندا من حقي أن أتساءل كيف يفيدني هذا التدخل في شأن خارجي، وعلى ماذا يعتمد قرار الحكومة في التدخل في صراع ما وتجاهل صراع آخر".
طالبت منظمة Independent Jewish Voices في بيان لها بوقف فوري لإطلاق النار من كل الجهات، مشيرة إلى انتهاكات إسرائيل التاريخية لحقوق الإنسان والقمع الممنهج للفلسطينيين، الأمر الذي - بحسب المنظمة - دعمته كندا عبر سياساتها الدولية
تضيف سلاف (اسم مستعار)، التي عرفت عن نفسها بأنها فلسطينية عاشت هذا الصراع لثلاثة عقود وكل ما تريده هو أن يتوقف القتل: "الدفاع عن النفس أو الرد على هجمات حماس يختلف عن حصار المدنيين وقطع المياه والكهرباء والإمدادات الدوائية والغذائية عن مدينة يسكنها مليونا مدني، والذي يعتبر جريمة حرب بحسب القانون الدولي".
تؤيد بعض المنظمات الحقوقية في كندا، مثل منظمة Independent Jewish Voices، وجهة النظر ذاتها، وهي منظمة كندية يهودية تدعم "سلاماً عادلاً لإسرائيل وفلسطين قائماً على أسس المساواة وحقوق الإنسان". طالبت المنظمة في بيان لها بوقف فوري لإطلاق النار من كل الجهات، مشيرة إلى انتهاكات إسرائيل التاريخية لحقوق الإنسان والقمع الممنهج للفلسطينيين وحقهم في التعبير، الأمر الذي - بحسب المنظمة - دعمته كندا عبر سياساتها الدولية.
أصدرت المنظمة بعد ذلك، بياناً ثانياً أعادت فيه التأكيد على ضرورة الوقف الفوري لكل أشكال العنف، عبر رسالة وجهتها مباشرة إلى رئيس الوزراء جاستن ترودو.
بين "المقاومة" و"الإرهاب"
رغم موقف الحكومة الكندية الرسمي المؤيد للهجوم الإسرائيلي، فقد أبدت عدة مؤسسات ومنظمات وسياسيين تأييدهم للـ"مقاومة" و"حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم"، الأمر الذي أثار احتجاج الداعمين لإسرائيل، والذين رأوا في هذا دعماً مباشراً لحماس، "المنظمة الإرهابية" وفق القانون الكندي.
على سبيل المثال، تعرض فريد هان، رئيس الاتحاد الكندي للموظفين الحكوميين في ولاية أونتاريو (CUPE)، أحد أقوى الاتحادات النقابية الكندية والذي يمثل أكثر من ثلاثمئة ألف عامل وموظف حكومي، لانتقادات شديدة بسبب التغريدات التي نشرها على موقع X داعماً فيها "المقاومة"، أو ما وصفه وزير العمل الكندي سيمس أوريغان في تعليق لاحق ب "تمجيد العنف"، داعياً العمال الكنديين إلى:"الوقوف ضد إرهاب حماس تجاه المدنيين الإسرائيليين".
تعرض أحد فروع الاتحاد الكندي للموظفين الحكوميين، إلى انتقادات بسبب نشر تغريدة أعيد فيها نشر فيديو اقتحام الجرافات للسياج العازل مع تعليق يقول:"فلسطين تنتفض. عاشت المقاومة". حذف المنشور لاحقاً، وتبعه يدين "التعاطف مع العنف"
في حادثة مشابهة، تعرض أحد فروع الاتحاد الكندي للموظفين الحكوميين في جامعة ماكماستر، إلى انتقادات شديدة بسبب نشر تغريدة أعيد فيها مشاركة فيديو اقتحام الجرافات للسياج العازل مع تعليق يقول:"فلسطين تنتفض. عاشت المقاومة". حذف المنشور لاحقاً بعد سيل من الاحتجاجات، وتبعه بيان من الجامعة يدين "التعاطف مع العنف".
يذكر أن الاتحاد ذاته نشر بياناً لاحقاً شرح فيه الحادثة وأعاد التأكيد على أن: "إسرائيل دولة عنصرية تحتل أراضٍ فلسطينية". وذلك استناداً إلى القرارات الدولية.
تقول سلاف عن تلك الحادثة: "عندما ننتقد الممارسات الاستعمارية للسلطات الإسرائيلية وقمعها وجرائمها ضد المدنيين الفلسطينيين، فنحن لا نريد بذلك أن نبرر قتل المدنيين الإسرائيليين. لكن الدعاية الإسرائيلية تستفيد من الخلط بين المفهومين للتغطية على استخدامها للعنف".
تقول بيسان (اسم مستعار)، وهي ناشطة فلسطينية في مجال حقوق الإنسان: "لا يمكننا إنكار التاريخ الاستعماري لكندا، والانتهاكات التي حدثت تجاه السكان الأصليين. وقد اتخذت الحكومات الكندية المتعاقبة في العقود الأخيرة عدة خطوات باتجاه تصحيح هذا"، في إشارة إلى تقرير الحقيقة والمصالحة الكندي، وجهودها بغية تخطي الماضي الاستعماري في كندا - بحسب الرواية الرسمية.
وتضيف: "تمتلك كندا سمعة دولية في دعم حقوق الإنسان، لكن السكوت عن حصار وقصف الجيش الإسرائيلي للمدنيين في غزة لا يتفق مع هذا، كل ما نطالب به الآن هو شفافية أكثر في المواقف".
دعا ترودو في تصريحه الأخير مجدداً إلى حل الدولتين الذي سيجلب السلام إلى المنطقة ويحقق حسب قوله: "دولة فلسطينية آمنة ومزدهرة"، وتجاهل الحصار والقصف الإسرائيليين المستمرين رغم تجاوز القانون الدولي وارتكاب جرائم حرب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 22 ساعةtester.whitebeard@gmail.com
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 4 أيامجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...