1 – نادي الحشاشين
"Club des Hashischins"، أو "نادي الحشاشين"، هو عبارة عن مجموعة من أشهر المثقفين والكتّاب الفرنسيين، الذين كانوا يجتمعون مرةً واحدةً في الأسبوع في مقهى، للوصول إلى مستويات جديدة من الوعي بتعاطيهم الحشيش.
ازدادت شعبية الحشيش في أوروبا مع بداية القرن التاسع عشر. وفي عصر الرومانسيين، انتشر استخدامه الترفيهي على نطاق واسع بين الأوساط العلمية والأدبية، وكان "الجيش الشرقي"، الذي تكوّن من 151 عالماً وفناناً فرنسياً، قد جلب إلى فرنسا كميات كبيرةً من الحشيش من مصر في أثناء غزوها من قِبل نابليون بونابرت.
في عام 1798، غزا الجيش الفرنسي بقيادة نابليون بونابرت، مصر وسوريا، اللتين كانتا تحت رعاية الدولة العثمانية آنذاك، بهدف الدفاع عن المصالح التجارية الفرنسية، وإطلاق مشاريع علمية في هذه المنطقة، ولتقديم المساعدة العسكرية للسلطان الميسوري تيبو، الذي كان يسعى إلى طرد بريطانيا من شبه القارة الهندية.
كان "نادي الحشاشين"، أو "نادي أكَلة الحشيش"، اسماً يُطلَق على مجموعة من الأدباء والمثقفين والفنانين الفرنسيين الذين كانوا يحوّلون الحشيش إلى عجين ويأكلونه. من بين أبرز أعضائه يمكن ذكر: فكتور هوغو، وتيوفيل غوتييه، وشارل بودلير
وبعد الانتصارات الأولية، انتهت هذه الحملة بهزيمة نابليون وانسحاب فرنسا من المنطقة عام 1801. لكن غنيمة هذه الحرب كانت جلب الحشيش إلى أوروبا، خاصةً إلى فرنسا. كما أدى غزو فرنسا للجزائر بين عامَي 1830 و1847 إلى زيادة استهلاك هذه المادة المخدرة بين الفرنسيين، إذ كان الحشيش موجوداً بكثرة في الجزائر، وكان الفرنسيون يأخذون معهم كميات كبيرةً منه خلال رحلاتهم إلى خارج بلدهم وعودتهم إليه.
واحتل الجيش الفرنسي الجزائر بين عامي 1830 و1962، وكان السبب الرئيسي لهذه الحرب، هو الصراع الدبلوماسي بين فرنسا والجزائر منذ عام 1827، إذ أدت إهانة الحاكم الجزائري للسفير الفرنسي إلى نشوب حرب بين البلدين.
كان "نادي الحشاشين" أو "نادي أكَلة الحشيش"، اسماً يُطلَق على مجموعة من الأدباء والمثقفين والفنانين الفرنسيين، الذين كانوا يحوّلون الحشيش إلى عجين ويأكلونه. نشط هذا النادي في الفترة بين عامي 1844 و1849، ومن بين أبرز أعضائه يمكن ذكر: فكتور هوغو، وتيوفيل غوتييه، وشارل بودلير، وجيرار دي نرفال، وأوجين ديلاكروا، وبول فرلان، وآرثر رامبو، وألكسندر دوماس. وكانوا يُعدّون جميعهم عمالقة الفن والأدب الفرنسيين في القرن التاسع عشر.
كانت تُعقد الاجتماعات الشهرية لنادي الحشاشين، في فندق دي لوزان (Hôtel de Lauzun)، والذي كان يُسمّى آنذاك فندق بيمودان (Hôtel Pimodan)، في جزيرة سانت لويس، الواقعة بقلب باريس. وتُعدّ اليوم هذه الجزيرة من أجمل الأماكن السياحية في فرنسا، على الرغم من أنه لم يعد من الممكن العثور على المشاهير الفرنسيين المتعاطين للحشيش.
2 - ألكسندر دوماس وسندباد والحشاشون
ألكسندر دوماس "الأب" (1802-1870)، روائي وكاتب مسرحي فرنسي لُقّب بـ"سلطان باريس"، بسبب رواياته المغامرة. ولا يزال دوماس يُعدّ واحداً من أشهر المؤلفين وأكثرهم قراءةً على نطاق واسع في فرنسا. كما تُعدّ رواياته مثل "الفرسان الثلاثة"، و"الكونت دي مونت كريستو"، من الأعمال الخالدة في الأدب العالمي.
وقصة رواية "الكونت دي مونت كريستو"، تروي مغامرة شاب يُدعى فرانز ديبينا، يسافر إلى جزيرة مونت كريستو المهجورة، حيث يلتقي بالصدفة بمجموعة من المهربين الذين يقودونه معصوب العينين إلى كهف سرّي، حيث يعيش زعيمهم المعروف باسم "سندباد البحار".
يرحب سندباد بحرارة بالشاب ديبينا، ويقدّم له وجبةً فخمةً، وبعد ذلك يعطيه وعاءً صغيراً مليئاً بالمعجون الأخضر ليأكله. يتساءل ديبينا عن نوعية هذه المادة الخضراء التي لها طعم حار، فيحكي له سندباد البحار قصة حسن الصباح وأتباعه الحشاشين، الذين كانوا يتعاطون هذه المادة الخضراء، ويظنون أنهم يدخلون الجنة بتناولها.
ومن هذه القصة يمكننا فهم سبب اهتمام "نادي الحشاشين"، بتناول الحشيش؛ إذ كان المثقفون الرومانسيون الفرنسيون في القرن التاسع عشر، مهتمين للغاية باكتشاف الشرق، ويريدون الوصول إلى الجنة الاصطناعية نفسها التي وصل إليها حسن الصباح، أو ربما أرادوا استخدام قوتهم الفكرية، كما كان حسن الصباح يستخدم قوته السياسية من خلال تعاطي الحشيش وفق ظنّهم.
لكن هل القصة التي يرويها السندباد، في رواية دوماس، متجذرة في الواقع؟ أو بمعنى آخر، هل أتباع حسن الصباح في إيران وسوريا كانوا يدخنون الحشيش فعلاً؟ كلمة الحشاشين (Assassin) تُترجم بـ"القتلة" في اللغة الإنكليزية، نظراً إلى سلسلة الاغتيالات التي طالت كبار السلاجقة على يد الحشاشين الذين كانوا أتباعاً لحسن الصبّاح. اتُّهمت هذه الفرقة بتعاطي الحشيش من قبل أهل السُنّة في إيران آنذاك، برغم أنه لم تكن هناك أدلة تثبت هذا الادعاء.
والصبّاح، الذي نشأ في أسرة شيعية اثني عشرية، ترك في شبابه مذهب أسرته واعتنق المذهب الإسماعيلي، وبعد ذلك انضم إلى الفاطميين في أثناء رحلته إلى مصر، ومن ثم عاد إلى إيران في العشرين من عمره، ليكون إمام الفاطميين فيها ويعزز مبادئ المذهب الإسماعيلي وأفكاره التحررية. وفي عام 1090، اختار مدينة "ألَموت" الإيرانية مركزاً لنشاطه السياسي ليقود الإسماعيليين في إيران من هناك.
وفي ذلك الوقت، كان المستنصر بالله الفاطمي (1029-1094)، هو الخليفة، وثامن خلفاء الفاطميين في مصر. تزايدت الصراعات على الخلافة بعد وفاته في عام 1094 في القاهرة، حيث دعم نزار، الابن الأكبر للخليفة، حسن الصباح، لكنه -أي نزار- قُتل على يد أخيه الأصغر.
مع ذلك، روّج حسن الصباح للمذهب النزاري، وأصبح زعيمه في آسيا الوسطى وإيران والعراق والشام، وقطع علاقاته مع الخلفاء الفاطميين تماماً، فيما اتخذ النزاريون من أتباع الطائفة الإسماعيلية من نزار إماماً لهم، بعد الخلاف بينه وبين المستعلي بالله على خلافة أبيهما، ولهذا السبب أصبحوا يُعرفون بالنزاريين.
الشجاعة الفريدة من نوعها التي تمتع بها أتباع حسن الصباح، وكذلك طرائق الاتصال المعقدة بين قلاعهم البعيدة عن بعضها، وأسلوب اغتيالاتهم الشهيرة في جميع أنحاء الأراضي الإسلامية، أدت إلى تكوين أساطير غريبة عنهم.
وكان ماركو بولو (1324-1254)، من الأوائل الذين نشروا أسطورة الحشاشين في الغرب، وذلك قبل قرون من ألكسندر دوماس. يروي الرحالة الشهير في رحلته: "بأمر من زعيم الحشاشين، أعطوا المخدرات لمجموعة من الشباب حتى أُغمي عليهم، ثم نقلوهم إلى مكان جميل للغاية، وكان هذا المكان عبارةً عن حديقة تجري فيها أنهار من اللبن والعسل، وتتواجد فيها فتيات جميلات، حيث بقي هؤلاء الشباب لعدة أيام في هذه الجنة المزيفة، وبعد ذلك تم تخديرهم مرةً أخرى، ونقلهم إلى قائد المجموعة. في هذا الوقت سألهم القائد: أين كنتم؟ فأجابوا جميعهم: ’في الجنة!’، فحضر هنا زعيم الحشاشين شيخ الجبل حسن الصبّاح، وقال لهم: إنكم دخلتم الجنّة بإرادتي، وإذا أردتم الذهاب إلى هناك مرةً أخرى، عليكم أن تفعلوا ما آمركم به. ولذلك كان الشباب على استعداد للتضحية بحياتهم من أجل زعيمهم، ومن أجل دخول الجنة مرةً أخرى".
3 - تيوفيل غوتييه وشارل بودلير والمعجون الأخضر
تيوفيل غوتييه، الذي كتب لأول مرة في عام 1846 عن نادي الحشيش وعلاقته بحسن الصّبّاح في رسالة بعنوان "نادي الحشاشين" ( Le Club des Hachichin)، يوضح كيفية حضوره لأول مرة في النادي: "في إحدى أمسيات شهر كانون الأول/ ديسمبر، وبعد دعوة مبهمة، مكتوبة بعبارات غامضة، مفهومة للمعارف وغير مفهومة للآخرين، وصلتُ أخيراً إلى حيّ بعيد. كان هذا الحي أشبه بواحة منعزلة في وسط باريس، محاطةً بفرعي من النهر، كأن النهر يغمر الواحة بذراعيه، ويريد أن يدافع عنها ضد تعديات الحضارة... النادي الغريب الذي كنت عضواً فيه كان قد عقد مؤخراً اجتماعاته الشهرية هناك، في منزل قديم في جزيرة سانت لويس، في فندق بوميدان الذي بنته لوزان، وكنت أول من شارك فيه".
وبحسب وصف غوتييه، استخدم أعضاء النادي عجينةً خضراء مصنوعةً من مزيج من "الحشيش" و"الزيت" و"العسل" و"الفستق".
تيوفيل غوتييه، هو شاعر وكاتب فرنسي، وُلد في 31 آب/أغسطس 1811، في مدينة تارب الفرنسية، وانتقل مع عائلته إلى باريس وهو في الثالثة من عمره. نَشر غوتييه أول أعماله وهو في التاسعة عشرة من عمره، ومن ثم سافر إلى إيطاليا والجزائر والشرق الأدنى.
كتب العديد من المؤلفات والرحلات، واشتهر في نهاية المطاف خاصةً بين المثقفين الفرنسيين، وكان من المؤيدين لفكرة الفن، وأن الفنان لا ينبغي أن يعمل وفق أي مبادئ اجتماعية أو أخلاقية سوى فنّه. توفي غوتييه في 23 تشرين الأول/أكتوبر 1872، عن عمر يناهز 61 عاماً، لكنه قبل نهاية حياته، رفض الحضور في جلسات الحشيش تلك.
كان المثقفون الرومانسيون الفرنسيون في القرن التاسع عشر، مهتمين للغاية باكتشاف الشرق، ويريدون الوصول إلى الجنة الاصطناعية نفسها التي وصل إليها حسن الصباح، أو ربما أرادوا استخدام قوتهم الفكرية، كما كان حسن الصباح يستخدم قوته السياسية من خلال تعاطي الحشيش، وفق ظنّهم
في النهاية توقف غوتييه والشاعر الفرنسي الكبير شارل بودلير، عن حضور اجتماعات نادي الحشيش. يكتب غوتييه: "بعد المرات العديدة من أكل الحشيش وتعاطيه، توقفنا عن استخدام هذا المخدر نهائياً، ليس لأنه يؤذينا جسدياً، بل لأن الكاتب الحقيقي لا يحلم إلا بالطبيعة، فهو يحتاج إلى نفسه، ويجب ألا تتأثر أفكاره بأي عامل آخر".
من هو شارل بودلير (1821-1867)؟ وهل كان من متعاطي الحشيش في النادي؟ يمكن تسميته بأعظم شاعر فرنسي معاصر، على الرغم من أن الكثيرين يعدّونه أعظم شاعر فرنسي على الإطلاق، حيث كانت أعماله بداية تحول كبير في الأدب الفرنسي، ويمكن القول إن كل الشعراء الفرنسيين بعده اتبعوه في الكتابة. بعد أربعين سنةً من وفاته، لُقّب بودلير بأعظم شاعر فرنسي. كتب بودلير في أثناء عضويته في نادي الحشيش، عن تجاربه مع هذا المخدّر في كتاب "جنّات اصطناعية" (Les Paradis Artificiels)، الذي نُشر لأول مرة عام 1860.
وُلد تشارلز بودلير، في باريس وتأثر فنياً بوالده. كان أفضل أصدقاء والده من الفنانين البارزين. اعتاد شارل على زيارة المتاحف وصالات العرض، لكنه فقد والده وهو في السادسة من عمره، ومنذ ذلك الحين بدأت علاقته مع والدته تتوتر، وقد لعبت دوراً مهماً في قصائده.
بعد عام من وفاة والده، تزوجت والدته من ضابط في الجيش الفرنسي، ما أحزن شارل كثيراً، حيث أُجبر في سن الحادية عشرة، على أن ينتقل مع عائلته إلى مدينة ليون، وفي تلك البرهة حصل بودلير على ميراث والده، لكنه أفنى هذا الميراث ببذخ غير مفرط.
أصيب تشارلز بشلل دماغي بعد سقوطه على رصيف كنيسة في بلجيكا في آذار/مارس 1866، حيث أدخلته والدته إلى أحد مستشفيات باريس، فمكث فيه حتى توفي أخيراً في 30 آب/ أغسطس 1867، عن عمر يناهز 46 عاماً. دُفن في مقبرة مونبارناس في باريس، وهي المقبرة التي يرقد فيها العديد من المثقفين/ات والفنانين/ات من فرنسا وبريطانيا وأمريكا، مثل جان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، وسوزان سونتاغ، وأوسكار وايلد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...