شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
غزة... الدولة الفلسطينية في إطار نظام شرق أوسطي

غزة... الدولة الفلسطينية في إطار نظام شرق أوسطي "جديد"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أخفقت قمة القاهرة للسلام، المنعقدة في 21 تشرين الأول/ أكتوبر، في إصدار بيان ختامي مشترك عنها. وتولى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إذاعة محضر بالمناقشات والخلافات التي شهدتها القمة. وتذرّع الرئيس المصري بتولّيه الدعوة إلى القمة، وترؤسه جلساتها، إلى عرض موقف الدولة المصرية، وما يشبه إجماع الدول العربية التي حضرت القمة (وغابت عنها الجزائر وتونس وسوريا وليبيا ولبنان والسودان...)، أولاً. فذكّر بأن الباعث على القمة كان "بناء توافق دولي عابر للثقافات والأجناس والأديان والمواقف السياسية ينبذ العنف والإرهاب وقتل النفس بغير حق، ويدعو إلى وقف الحرب". وعلى أن يتبع ذلك تهدئة ووقف إطلاق نار، فمباشرة مفاوضات، فعملية سلام تفضي إلى حل الدولتين.

ويترتب على الموقف الإنساني، والمفترض مشتركاً، هذا، بند "ضمان تدفق المساعدات" إلى قطاع غزة، وبند سياسي هو الحؤول دون "امتداد رقعة الصراع إلى مناطق أخرى" من الشرق الأوسط. ويخص السيسي مسألة تهجير الغزاويين إلى سيناء المصرية، وهو هدف إسرائيلي معلن ومضمر، بإدانة وتحذير شديدين وحازمين. وثنّى عليهما عبدالله الثاني، ملك الأردن، ومحمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، على وجه التخصيص.

وربط الخطباء العرب، ضمنًا بين المسائل الثلاث هذه. فتدفّق المساعدات ينبغي أن يضعف الحصار، ويقطع الطريق على النزوح خارج أرض غزة، ويلجم الداعي إلى الهرب من الجحيم الغزاوي. وتعلّق طهران، في تصريحات مسؤوليها على مراتبهم، اشتراكها، أي اشتراك وكلائها، في الحرب- وأولهم "مقاومة" حزبها في لبنان- على مصير معركة غزة في طورها الثاني: العملية البرية الإسرائيلية، المرتقبة والمعلقة، والوشيكة والمرجأة، والدامية في أحوالها كلها. وعلى هذا، ثمة علاقة سببية قوية بين الانخراط الإيراني، في صيغة "وحدة الساحات" (وليس غرفة العمليات المشتركة القائمة وحسب)، وبين لجم الأعمال العسكرية الإسرائيلية ونازعها إلى "محو حماس"، وما قد يجره من تهجير إلى الجنوب الغربي المصري والشرق الأردني والفوضى المشرقية العارمة.

ولم يحظ الموقف العربي، ببنديه الإنساني والسياسي، بتأييد الدول الغربية المشاركة (ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، إسبانيا، الاتحاد الأوروبي...). وتذرع الغربيون بالخلاف على مسألتين: إدانة "حماس" وعملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بالاسم والصفة (الإرهاب)، والنص على "حق (إسرائيل) في الدفاع عن النفس". وإقرار هذا "الحق" يستتبع الإحجام عن الدعوة إلى كبح العمل العسكري الإسرائيلي المزمع، والإغضاء، عما قد يؤول إليه، أو يؤول إليه حتماً في نظر معظم العرب المشاركين، من تهجير، وخلخلة عنيفة للأمن الوطني المصري والأمن الأردني، على أضعف تقدير وأضيقه.

فلسطين، لتعاستها، محور شرق أوسط هائم، يسعى في نظام سياسي وأمني يبحث عن صيغته المتماسكة، بينما يظن بعضهم أنه يبحث عن بطل 

ورد الرئيس المصري على التّحفُّظ والامتناع الغربيين، في كلمته، الافتتاحية والاستباقية، قبل بيانه. فقال إن مصر تدين "استهداف أو قتل أو ترويع المدنيين المسالمين". ولم يسمِّ طبعاً. ولم يلمح إلى "الطرفين"، على خلاف ما جاء في بيان مجلس الجامعة العربية الوزاري، الذي انعقد بعد ثلاثة أيام من الواقعة. وأردف، منكراً بشدة، "وقوف العالم متفرجاً على أزمة إنسانية كارثية يتعرض لها مليونان ونصف المليون فلسطيني في غزة (...) والهرولة والتنافس على سرعة إدانة قتل الأبرياء في مكان، و (التردُّد) غير المفهوم في إدانة نفس الفعل في مكان آخر (...) كما لو كانت حياة الإنسان الفلسطيني أقل أهمية من حياة باقي البشر". ويقصد السيسي أوكرانيا التي لم يُدِن العربدة الروسية فيها.

عتبة الحق

وقبل إخفاق قمة القاهرة للسلام، على رغم زعم المتحدث باسم الرئاسة أحمد فهمي أن مستوى التمثيل يعوّض الخلاف على البيان، أخفق مشروع قرار برازيلي في مجلس الأمن ندد بقتل "حماس" مدنيين إسرائيليين ومزدوجي الجنسية في عملية "طوفان الأقصى"، ونعت القتل بالإرهاب، ودعا إلى هدنة إنسانية. وحصل المشروع على 12 صوتاً من 15. وأبطله تصويت الولايات المتحدة، العضو الدائم (من 5 أعضاء)، ولم يعترض عليه المندوب الروسي، ولا اعترض المندوب الصيني. وبررت المندوبة الأمريكية تصويتها بإغفال القرار "الحق المشروع في الدفاع عن النفس". ويعني السكوت، في هذه الحال، تحفظاً عن العملية الإسرائيلية المزمعة، وربما رفضاً لها وإدانة يسبقان طرحها على المداولة في المجلس.

وقبل مشروع القرار البرازيلي، اقترح الاتحاد الروسي مشروع قرار يقتصر على التنديد بتعنيف المدنيين من كلا الطرفين، ولم يحظ بأكثر من خمسة أصوات، وقصّر عن التسعة التي يحتاج إليها إقراره، هذا إذا لم يبطله تصويت أحد الأعضاء الدائمين. فلم يبلغ عتبة "الحق في الدفاع عن النفس" التي أخفق المشروع البرازيلي في تخطيها. والإخفاق الكبير الذي تتصاغر دونه الإخفاقات الإجرائية هو إلغاء اللقاء الرباعي الذي كان مقدّراً أن يجمع إلى الرئيس الأمريكي الرؤساء الثلاثة العرب، الفلسطيني والأردني والمصري. فكان مستحيلاً عقد مداولة بين رؤساء عرب مركزيين يخشون "إلغاء الحلم الفلسطيني بدولة"، على قولهم مجمعين، ويروّعهم ما يعود به عليهم وعلى المشرق كله من اضطراب وفوضى تهجير فلسطيني مثلث، ولا تخرج هذه المداولة بكبح الحملة البرية الإسرائيلية، والتمهيد لإحياء المفاوضة على "الحلم"، في سبيل تحقيقه هذه المرة.

غزّة، العقدة

ويتضح، في مرآة الوقائع والحسابات هذه وغيرها قبلها ومثلها، مدى خطورة العقدة الغزاوية التي جلا هجوم "حماس"، عسرها وتشابكها. ومهّدت لتعسر "العقدة" وتشابكها غفلة عامة، فلسطينية (سياسة السلطة المتهافتة والمتواطئة ونكوصها عن تمثيل هوية الفلسطينيين)، وإسرائيلية (التمادي في القتل والتوسّع الاستيطاني وتجاهل الدولة)، وعربية (القبول بتعليق مسألة الكيان الفلسطيني الوطني)، ودولية (محاباة السياسة الإسرائيلية والعربية).

فامتحنت مقتلة "حماس" في مستوطنات حزام غزة وقراه الرابطة التي تشدّ عرب البلدان المجاورة إلى "إخوانهم" الفلسطينيين. وقد يحول اتصال هجوم "حماس"، ونتائجه الإنسانية قبل العسكرية والسياسية، بالرد الإسرائيلي المدمّر على أهالي غزة، دون اختبار أثر المقتلة، المدنية والعسكرية، وحدها، في هذه الرابطة.

والحق أن الجمع بين الأمرين، ومرحلتي الواقعة، ووجهيها الفلسطيني الحمساوي الأول والإسرائيلي الثاني، ودمج واحدهما في الآخر- (الجمع هذا) أرادته "حماس"، ومن خطط معها للعملية، عن سابق وإدراك وإصرار وتصميم. وأوقعت في شركه السياسة العربية "المشتركة"، ومعها السياسة الغربية "الجماعية"، على قول الرئيس الروسي وجهاز دعايته في الوطن وما وراء البحار.

فالعملية، من وجه، عمل عسكري وأمني، وعلى قول خالد مشعل، رئيس مكتب "حماس" السياسي سابقاً، عمل "دفاعي" موصوف، إذا أُدرج في إطار سعي الفلسطينيين في كيان سياسي يعرّفهم ويجمعهم ويحفظ هيئتهم، على ما يقرّ به ميثاق الأمم المتحدة إذ يبطل مفاعيل القوة في السياسة والجغرافيا. وهذا ما ليس في مستطاع الشعوب العربية، ولا أنظمة بلدانها ودولها، إلا التضامن معه، واحتضانه.

فإذا أضيف إليه، في الآن نفسه تقريباً، مباشرة القوات الإسرائيلية ردّاً أعمى و"محموماً"، على ما وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن وحذّر منه (بعد أن قارنه بالحربين الأمريكيتين على أفغانستان والعراق)، على الفلسطينيين كلهم وحال انتزاع "حماس" صدارتهم ورئاستهم وتمثيلهم- حمل هذا الشعوب العربية على احتضان "حماس" احتضاناً مزدوجاً: احتضان "البطولة" والإنجاز، واحتضان الضحية المكلومة والمظلومة. فبينما يهلّل شطر راجح، على الأغلب، من "الشعوب" والمنظمات السياسية المسلحة وبعض الدول للوجه الأول من العملية، لا يسع الشعوب والدول والمجتمعات إلا الإنكار الشديد والحاد لحمَّى الرد الإسرائيلي، وهول آثاره الإنسانية والسياسية.

الإبادة، والعصبية على السامية (اللاسامية) قبلها وبعدها، قرينة على "مرض" عضال فتك، وقد يفتك في البلدان والمجتمعات الغربية، ويحملها على الانقلاب على تاريخها الداخلي وإنجازاته المدنية وقيمه

وليس ثمة ما يحول بين الفئة أو الجماعة الأولى، جماعة المهللين، وبين الانضمام إلى الجماعة الثانية، المنكرين والمحتجين على الحصار والتدمير، والتهجير في خاتمة المطافين. وعلى هذا، يجمع التنديد والتحذير الإيرانيان، على لسان حسين أمير عبداللهيان ومرشده، استنكار الفظائع "الإنسانية" المشهودة، إلى إعلان التمسك بجهاز "حماس" العسكري والأمني، من غير فصل ولا حرج. وينيط، من غير تناقض شنَّ الوكالات "الإيرانية- العربية" حرباً على "الكيان المزيّف"، وما يترتب على هذه الحرب من توسيع الفظائع ومضاعفتها، بمبادرة هذا إلى ارتكاب فظيعة فظائعه في غزة، أي تدميره "حماس" والغزاويين معاً.

"مرض" المحرقة

وعلى نحو مختلف، يُضيِّق الفصل الأول من عملية "حماس" الخناق على عنف الغربيين، أوروبيين وأمريكيين. فهم لا يسعهم التخلّص أو التملّص من تصوير إسرائيل مجزرة المدنيين في صورة فصل أو ملحق بالمحرقة أو الإبادة اليهودية. ولا يرجع الأمر إلى التضامن الغربي، "الإمبريالي"، بين حواضر القوى الكبرى والمسيطرة سابقاً، وبين حليف محلي زرع في قلب المستعمرات المستقلة، هو "واقعة استعمارية"، على قول مكسيم رودنسون (1915- 2004) في إسرائيل عشية حرب 1967.

فالإبادة، والعصبية على السامية (اللاسامية) قبلها وبعدها، قرينة على "مرض" عضال فتك، وقد يفتك في البلدان والمجتمعات الغربية، ويحملها على الانقلاب على تاريخها الداخلي وإنجازاته المدنية وقيمه. وأول هذه القيم المساواة بين المواطنين، وهي وجه من وجوه فصل الدين عن الدولة، ومن فك العالم ("الدنيا") المدني والدنيوي من التدبير الأخروي الديني وأجهزته "الحبرية"، على قول علي شريعتي، الإيراني.

فالنازية أنكرت ركن "الأنوار" الذي تتحدّر الديموقراطية الليبرالية والدستورية والحقوق الإنسانية منه، أي وحدة الجنس البشري، بأقوامه وجماعاته وأفراده، وأجازت ترتيب البشر على مراتب. ونفت بعض الأقوام، اليهود طبعاً ومعهم السلافيون الأوروبيون والسود الأفريقيون والعرب إلى المرضى المزمنين والضعفاء، من "الجدارة" بالحياة والبقاء على قيدها، جماعات وأمماً. وترجمت الترتيب المعياري هذا أجهزة وأنظمة استئصال وإبادة ومجازر، أعملتها داخل ألمانيا وفي "دار" الفتوح القريبة والبعيدة.

وعندما خرج العالم من الحرب الكونية الثانية، وهي أولًا حرب أهلية أوروبية دامت ثلاثين عاماً (1914- 1944)، على قول شارل ديغول، كانت إدانة المذهب النازي، والمحرقة اليهودية ثمرته الخصوصية الفادحة، جزءاً من العقد السياسي الأوروبي والغربي الجديد، على ما ذهب إليه المؤرخ البريطاني توني جُو(د)ت في بعد الحرب (2005). وجرَّم القانون الدولي الإبادة، والجرائم في حق الإنسانية، في ضوء الانتهاك النازي.

ولم يقتصر "الاحتماء" بجريمة الإبادة من النقد، والطعن في سياسة الاحتلال، على الإسرائيليين. فروسيا السوفياتية، بعد الحرب الثانية، ثم البوتينية، تذرّعت بالمجازر النازية الفادحة إلى استدراج التعاطف الألماني معها، والارتهان لإنتاجها من الغاز "الرخيص"، والتردُّد في إدانة حروبها وسطوها على جورجيا والدونباس الأوكراني، وأوكرانيا كلها أخيراً وليس آخراً. وحمل هذا، أي الاحتماء بالجرائم الكبيرة، الكاتب الفلسطيني (- الأميركي) البارز، إدوارد سعيد (1937- 2003)، على وصف اليهود الإسرائيليين بـ "الضحايا"، ووصف الفلسطينيين بـ "ضحايا الضحايا".

ويقود الأمر، اليوم على الأخص، إلى نسبة "الذبح"، أو قتل المدنيين غير المحاربين، إلى "المجتمع الفلسطيني كله، في غزة وأراضي السلطة"، وذلك في إطار ربط عملية "حماس" بالمحرقة ربطاً متعسفاً. "فمنذ اليوم، الفلسطينيون كلهم نازيون جزاؤهم الموت"، على ما يلاحظ روغل ألفير، الكاتب والناقد الفني في هآرتس الإسرائيلية، ويخلص إلى تشخيص الخُلْف السياسي والتاريخي الناجم عن إلحاق 7 تشرين الأول/ أكتوبر بالمحرقة: "ليس ثمة بعد من هوية إسرائيلية خاصة، هناك يهود مثل الأغنام سيقوا إلى الذبح، ويتعهّد (أهلهم) بالثأر لهم، وكأن لم تنشأ دولة منذ 75 سنة، ولم تنقضِ هذه السنوات على الكارثة..."، وينبغي أن تسأل هي أولاً، مع "حماس" وربما قبلها عن الكارثة.

كبح الحرب يقتضي دولاً تتمتع بالمشروعية والكفاءة، وتفضي الحرب "الموسّعة"، حرب الجبهات الإيرانية "الجديدة"، إلى تدمير مقومات الدولة ولبننتها في بلدان الساحات

وحين تحاول مندوبة الولايات المتحدة، في مداولات مجلس الأمن التي تتناول صوغ قرار أممي في الحرب الدائرة (بعد فشل القرارين الروسي والبرازيلي)، حصر الحرب، وفصولها التالية، في مقدمتها الحمساوية، فهي تحذو حذو المنطق الإسرائيلي الذي يندّد به الناقد الفني. وهو ما فعلته أورسولا فان ديرلاين، رئيسة اللجنة الأوروبية، لمّا لم تقيّد الحق في الدفاع عن النفس بالقانون الدولي الإنساني، وبالأفق السياسي الذي ينبغي أن تفضي إليه معالجة أسباب هذا الفصل من الحروب (العربية-) الفلسطينية- الإسرائيلية.

شرق أوسط "جديد"؟

ويقوم صنوَ ونظيرَ فك مقتلة "حماس" في المدنيين من الإبادة أو المحرقة، "تحرير" القضية الفلسطينية، والدول العربية من ورائها، من سياسة أو أسطورة "تغيير المعادلات في العالم"، على قول النائب الإيراني حسين فدا مالكي، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى (في 24 الشهر الجاري). فالفك الأول يعيد الصراع على الوجود والكينونة إلى نطاق أو إطار الدول التي تحترب وتقتتل على، أو دون، أهداف ليس بينها "حل نهائي". فلا يقتضي الحل محو العدو، وتسويغ المحو هذا من طريق توحيد المقاتلين باسمه، حقاً أو زوراً، في الشعب (الفلسطيني) كله، وإصلائه حرباً وحصاراً لا يتستّران على إخراجه من أرضه التاريخية، وحلِّه أو إذابته في كيان آخر، على خلاف معايير قانون الحرب في الحق الطبيعي وفي الحق الدولي الوضعي.

يؤول تحرير قضية فلسطين من فكرتي "الغرب الجماعي" و"الجنوب العالمي"، البوتينيتين والروسيّتين، إلى ضبط الصراع والحروب المتفرّعة، والمترجّحة بين تعريب وبين فلسطنة، بالأبنية السياسية القائمة، وبمصالحها الوطنية، على رغم ضعف مشروعيّتها، وعموديّتها، وافتقارها إلى الانخراط والتبنّي الشعبيين.

ويؤول تحرير قضية فلسطين من فكرتي "الغرب الجماعي" و"الجنوب العالمي"، البوتينيتين والروسيّتين، إلى ضبط الصراع والحروب المتفرّعة، والمترجّحة بين تعريب وبين فلسطنة، بالأبنية السياسية القائمة، وبمصالحها الوطنية، على رغم ضعف مشروعيّتها، وعموديّتها، وافتقارها إلى الانخراط والتبنّي الشعبيين. وعلى رغم أن الشوروي الإيراني، حسين فدا مالكي، يشرط إقدام "إيران وقوى المقاومة" على "فتح جبهة جديدة في وجه إسرائيل" بمضي هذه على "عملياتها الوحشية"، فهو ينص على مواصفات الجبهة التي يراها معممو إيران وضباط حرسها وسياسيوها في مناماتهم وأحلامهم.

فهي لا تقتصر على الجبهة اللبنانية التي أعلن الوزير الإيراني، عبداللهيان، أن الأمريكيين والأوروبيين يطلبون في رسائلهم إلى طهران ألاّ يفتحها "حزب الله" من جنوب لبنان. فهي، على قول عضو لجنة الأمن القومي المأذون، "أوسع بكثير من جبهة 1973"، المصرية- السورية. ووُضعت سابقة "حرب أوكتوبر"، وهي كنيتها المصرية، في مقالات كثيرة على قدم المساواة مع "طوفان الأقصى" وجوابها الإسرائيلي "السيوف الحديدية"، اعتباراً ربما بما قد يكون في أفضل الأحوال، وإغفالاً لطبيعتي الحربين ولنتيجة الحرب العربية- الإسرائيلية الأخيرة، قبل خمسين سنة. ويتوقع النائب الإيراني البصير اشتراك "الدول الكبرى"، الإقليمية والدولية، روسيا والصين فيها، في قيادة إيران ("الأكثر تأثيراً في الجبهة الجديدة")، في سبيل "تغيير المعادلات" على ما مر.

وتعرب أهومة العظمة الإيرانية هذه، على شاكلة سابقتها الكوبية والغيفارية (نسبة إلى أرنستو "شي" غيفارا، 1928- 1967) وربما الصينية "الثقافية"، عن سياق واقعي جزئي. فالوكالات الخمينية المقاتلة في الأوطان العربية انغرست فعلاً في بعض هذه البلاد، وتربط بين حلقاتها فيديرالية، نواتها الحزب الحرسيّ في لبنان، تلم الأطراف وتتصدرها "تحت" القيادة الحرسية. وتوسيع حرب إسرائيل- "حماس"، إلى جبهة لبنان وحدها، رهن حسابات هذه القيادة وخططها، ورهن ارتداعها، بعد أن طوت الحكومة الأمنية الإسرائيلية خطتيها، الإيرانية واللبنانية. وتتولى القوة الأمريكية المرابطة الردع محلها.

وتنهض الوكالات الناشطة هذه على لبننة بلدانها، أي على إعمال أجهزة عصبية، عسكرية ومدنية، في أجسام دول ومجتمعات منهكة بالانقسامات والتفاوت وضعف هيئات التمثيل والإدارة والتدبير والتحكيم. وعلى هذا، فكبح الحرب يقتضي دولاً تتمتع بالمشروعية والكفاءة، وتفضي الحرب "الموسّعة"، حرب الجبهات الإيرانية "الجديدة"، إلى تدمير مقومات الدولة ولبننتها في بلدان الساحات.

ففلسطين، مرة أخرى لتعاستها، محور شرق أوسط هائم، يسعى في نظام سياسي وأمني يبحث عن صيغته المتماسكة، بينما يظن بعضهم أنه يبحث عن بطل.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard