شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مواقف دول عربية وإقليمية من الحرب على غزة... الخلفيات والمصالح

مواقف دول عربية وإقليمية من الحرب على غزة... الخلفيات والمصالح

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

يواصل الجيش الإسرائيلي مجازره بحق المئات من المدنيين في غزة، في إطار حربه الشاملة على القطاع بعد عملية "طوفان الأقصى"، في الوقت الذي فشلت فيه الجهود العربية والإقليمية في وقف الهمجية الإسرائيلية، المؤيَّدة بدعم غربي لا محدود، وأغربها اعتبار البيت الأبيض أن وقف إطلاق النار في غزة سيفيد "حماس" فقط.

وبالإضافة إلى فشل قمة السلام التي عُقدت مؤخراً في القاهرة، في إصدار بيان مشترك، نتيجة تباين مواقف الدول الغربية عن مواقف الدول العربية، فشلت الأخيرة أيضاً مع الدول الإسلامية في اتخاذ موقف موحد نتيجة تشابك مأساة غزة مع مواقف بعض الدول من حركة "حماس"، أو نتيجة مصالح وطنية آنية، أدّت إلى تقدّم مواقف وتراجع أخرى.

إذ طالب وزير الخارجية المصري سامح شكري، بتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني الأعزل، والوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة دون قيد أو شرط. ورأى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن قصف المدارس والمساجد والكنائس على رؤوس المدنيين، ليس دفاعاً عن النفس. فيما اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في اتصال هاتفي مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، أن صمت الدول الغربية يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة.

مواقف متقدمة برغم قصورها

أخبر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن عمليات إسرائيل العسكرية قد تجاوزت حدود "الحق في الدفاع عن النفس"، وتحولّت إلى عقاب جماعي. ورفض البيان الرئاسي الخاص بقمة القاهرة للسلام، أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية، وأفاد بأن القاهرة لن تقبل أبداً بدعاوى تصفية القضية الفلسطينية على حساب أي دولة في المنطقة، ولن تتهاون لحظةً في الحفاظ على سيادتها وأمنها القومي.

لا يمكن وصف موقف مصر بالمتقدم مقارنةً بحجمها، ودورها الرئيسي سابقاً في الصراع العربي-الإسرائيلي، حسب مدير وحدة الدراسات في مركز أبعاد للدراسات والبحوث، محمد سالم. مع ذلك، "يعارض الموقف المصري بقوة تهجير الفلسطينيين، نتيجة اعتبارات تتعلق بالأمن القومي المصري، مع عدّه مقدمةً لتصفية القضية الفلسطينية. ويتطابق ذلك مع الأردن"

فالقلق المصري حيال هذه الكارثة الإنسانية يأتي من أن إسرائيل قد تجبر اللاجئين الفلسطينيين على الانتقال إلى مصر، ما سيسبب عدم استقرار سياسي داخلي، ويجعل الرئيس المصري يسير على حبل مشدود خلال موازنة ذلك مع عرض نفسه كوسيط موثوق به لوقف التصعيد عالمياً، حسب تعبير ميدل إيست آي.

وعلى أثر مجزرة مشفى المعمداني، التي راح نتيجتها مئات الضحايا، ألغت العاصمة الأردنية عمان، القمة الرباعية التي كان مقرراً لها استضافة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. فاستضافة بايدن في أعقاب المجزرة من شأنه أن يكون كارثياً بالنسبة للأردن، نتيجة اتخاذ واشنطن أقوى موقف وسط الانحياز العالمي إلى إسرائيل في أعقاب هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري. لذا كان يتوجب على الأردن التوفيق بين الغضب الداخلي والإحباط من تصرفات إسرائيل ضد جيرانه الفلسطينيين، مع الحفاظ على علاقته مع الولايات المتحدة واتفاق السلام الذي دام ما يقرب من ثلاثين عاماً مع إسرائيل.

لا يمكن وصف موقف مصر بالمتقدم مقارنةً بحجمها، ودورها الرئيسي سابقاً في الصراع العربي-الإسرائيلي، حسب مدير وحدة الدراسات في مركز أبعاد للدراسات والبحوث، محمد سالم. مع ذلك، "يعارض الموقف المصري بقوة تهجير الفلسطينيين، نتيجة اعتبارات تتعلق بالأمن القومي المصري، مع عدّه مقدمةً لتصفية القضية الفلسطينية. ويتطابق ذلك مع الأردن. إلا أن الموقف المصري، باستثناء معارضة التهجير إلى مصر، لا يبدو متقدماً، فالسيسي نفسه عرض بشكل واضح على الإسرائيليين تهجير الفلسطينيين إلى النقب بدلاً من سيناء. وهو أمر مثير للسخرية المريرة من الواقع العربي، إلى جانب انتظار مصر سماح إسرائيل بإدخال المساعدات عبر معبر يخضع للسيادة المصرية"، حسب سالم.

شهدت حرب عام 2014 على غزة، "تواطؤاً" مصرياً للقضاء على حماس نتيجةً لعاملين حسب ميدل إيست آي، أولهما، التحالف الوثيق الذي نشأ بين مصر وإسرائيل بعد "انقلاب" 2013، إذ سمحت القاهرة لسلاح الجو الإسرائيلي بشن ضربات سرّية ضد أهداف "إرهابية" مزعومة في سيناء، وتدخّل إسرائيل نيابةً عن مصر لدى الولايات المتحدة لإلغاء حظر المساعدات العسكرية. وثانيهما، وهو ما يحتاج إلى دراسة أعمق، حسب الموقع، ويتمثل في مهاجمة السيسي لكل قضية تبناها الثوار خلال ثورة 2011.

غير أن عدوان إسرائيل على غزة عام 2021، قلب الموقف المصري، وأدى إلى تحرك مصري مختلف ومتطور عن تدخلاتها السابقة، ولقاءات كثيفة ومبكرة، فور اندلاع المواجهات بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين في القدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، وقبل بدء العدوان على غزة، حسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس والباحث في الصراع العربي الإسرائيلي، أيمن الرقب، وإلى عودة مصر إلى دورها الطبيعي والريادي في المنطقة، باعتبارها القوة الإقليمية الكبرى والقوية، ولكون غزة ملاصقةً لحدودها، وملفاً يتعلق بأمن مصر القومي.

يشير الباحث في الشؤون الإفريقية والعلاقات الدولية، يسري عبيد، في حديثه لرصيف22، إلى أن "تصدّر الأردن ومصر للمواقف العربية تجاه الحرب على غزة، جاء نتيجة للحديث عن تهجير الفلسطينيين وصفقة القرن القاضية بتصفية القضية الفلسطينية على حسابهما، بنقل فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن وفلسطينيي غزة إلى مصر. وتالياً الأردن ومصر هما المتأثرتان بشكل كبير بما يجري، بالإضافة إلى عنايتهما بالقضية الفلسطينية. وعليه، موقفا مصر والأردن حساسان للغاية، وستتوقف عليهما جميع التطورات في الأراضي الفلسطينية خلال الفترة المقبلة".

وفي مؤتمر صحافي مشترك في نيويورك مع وزراء خارجية السعودية ومصر والسلطة الفلسطينية والأمين العام لجامعة الدول العربية، قال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي: "جئنا لنقول في موقف واحد إننا نطالب بالوقف الفوري لهذه الحرب التي لن تنتج إلا المزيد من الدمار والمآسي، ولن تؤدي إلى سلام، ولن تضمن أمن إسرائيل ولا أمن فلسطين، بل تهدد بالخطر أمن المنطقة برمتها". وأكد الصفدي على أن "حياة الفلسطينيين ليست أقل قيمةً من حياة الإسرائيليين"، مشيراً إلى أن "هذا الدعم لحرب إسرائيل يولّد انطباعاً خطيراً في منطقتنا وبين شعوبنا، بأن هذه الحرب بين الغرب وبين العرب والإسلام. وهذا خطر ينبغي أن نتجنّبه جميعاً لأن في ذلك كارثةً للجميع".

مراوحة في الموقف

"فزعت" الإمارات من احتجاز حماس مواطنين إسرائيليين كرهائن، و"أدانت" البحرين عمليات الاختطاف، فيما حمّلت قطر إسرائيل المسؤولية قائلةً إنها "وحدها المسؤولة عن التصعيد الحالي".

برغم ميلها التقليدي إلى إظهار التضامن مع التطلعات الوطنية الفلسطينية، تُظهر الدول الخليجية، باستثناء قطر، موقفاً عدائياً تجاه "حماس"، حسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، كون الحركة جزءاً من جماعة "الإخوان المسلمين"، المحرمة في كل من السعودية والإمارات، وتزيد علاقتها بإيران المخاوف تجاهها

فبرغم ميلها التقليدي إلى إظهار التضامن مع التطلعات الوطنية الفلسطينية، تُظهر الدول الخليجية، باستثناء قطر، موقفاً عدائياً تجاه "حماس"، حسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، كون الحركة جزءاً من جماعة "الإخوان المسلمين"، المحرمة في كل من السعودية والإمارات، وتزيد علاقتها بإيران المخاوف تجاهها.

مع ذلك، شددت وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي في الإمارات، ريم الهاشمي، خلال انعقاد مجلس الأمن الدولي، على ضرورة "خفض التصعيد واستعادة الهدوء في أقرب وقت، والسماح بإيصال المساعدات إلى قطاع غزة وإنهاء الحصار الجائر الذي طال أمده للحد من الأزمة الإنسانية"، معلنةً رفض الإمارات لأوامر إسرائيل لأكثر من مليون شخص في شمال غزة بالإخلاء، فـ"جرائم حماس لا تبرر سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية تجاه قطاع غزة".

وتحذر الهاشمي من "انزلاق المنطقة إلى حرب إقليمية ستؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه، بل قد تمتد نيران الحرب لتزعزع الاستقرار حول العالم".

كما أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال اتصال تلقاه من الرئيس الأمريكي، "على ضرورة العمل بشكل فوري لبحث سبل وقف العمليات العسكرية التي راح ضحيتها الأبرياء، ورفض استهداف المدنيين بأي شكل أو استهداف البنى التحتية والمصالح الحيوية التي تمس حياتهم اليومية أو التهجير القسري". وشدد على "ضرورة التهدئة ووقف التصعيد وعدم انفلات الأوضاع بما يؤثر على أمن المنطقة واستقرارها، وضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني ورفع الحصار عن غزة والحفاظ على الخدمات الأساسية والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية والطبية".

كذلك، علّقت الرياض محادثات التطبيع مع إسرائيل على خلفية الحرب على غزة، مؤكدةً في أول رد فعل لها على هجوم "حماس"، أنه جاء "نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته".

لكن عموماً، المواقف العربية حتى الآن لا ترقى إلى المأمول منها، ولعل ذلك مرده إلى تطرف الموقف الإسرائيلي والمواقف الغربية الداعمة بقوة وبشدة لإسرائيل، حسب إفادة سالم لرصيف22. ويقول: "المواقف الخليجية ضعيفة، وباستثناء الحديث السعودي عن تجميد عمليات التطبيع مع إسرائيل، بقية دول الخليج، باستثناء قطر، صامتة".

وينوه بـ"الموقف القطري المتقدم قياساً بحجم الإمارة، وبالجهد الإعلامي الكبير، عبر قناتَي الجزيرة والجزيرة إنكليزي، ولا سيما دور الأخيرة في إيصال صوت الفلسطينيين للناطقين بالإنكليزية، في ظل الاصطفاف الإعلامي الغربي إلى جوار إسرائيل"، مشيراً إلى ضرورة تحرك الدول العربية، عبر الجامعة العربية، بشكل جماعي، وممارسة الضغط بأوراق النفط أو غيرها من أوراق الضغط التي تمتلكها، كالتهديد بإلغاء اتفاقيات التطبيع الموقعة مع بعض تلك الدول.

كونها وسيطاً رئيسياً يتولى جهود الإفراج عن الرهائن الذين احتجزتهم "حماس"، خلال عملية "طوفان الأقصى"، تتموضع قطر في دائرة الضوء الدولي، نتيجة تحقيقها توازناً دقيقاً حافظت خلاله على علاقة مع "حماس" المصنّفة "إرهابيةً" لدى الغرب، وعلى علاقاتها الأمنية الوثيقة مع الولايات المتحدة، التي أشادت إدارتها بالجهود القطرية في العمل على تحرير الرهائن، فـ"قطر شريك قديم لنا يستجيب لطلبنا، لأنني أعتقد أنهم يعتقدون أنه يجب إطلاق سراح المدنيين الأبرياء"، حسب المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر.

وأصدر وزراء خارجية 9 دول عربية، من بينها الدول الخليجية الست، بياناً أدانوا فيه ورفضوا استهداف المدنيين و"كافة أعمال العنف والإرهاب" والتهجير القسري ضدهم، مؤكدين على "أن غياب الحل السياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أدى إلى تكرار أعمال العنف والمعاناة للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي وشعوب المنطقة". وشددوا خلاله على "أهمية قيام المجتمع الدولي، لا سيما مجلس الأمن، بتحمل مسؤولياته من أجل السعي إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وبذل جهود سريعة وحقيقية وجماعية لحل الصراع وإنفاذ حل الدولتين على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة ومتواصلة الأراضي وقابلة للحياة على خطوط ما قبل الرابع من حزيران/ يونيو لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".

تطور الموقف التركي تطوراً نسبياً على وقع المجازر الإسرائيلية وجرائم الحرب وعدم الإنصات أبداً لأي مناشدات لوقف إطلاق نار لإدخال المساعدات، إذ ألغى الرئيس التركي زيارته إلى إسرائيل، وقال أمام كتلة حزبه البرلمانية إن حماس "جماعة تحرير تقاتل للدفاع عن أراضيها وشعبها"

موقف متراجع عن المعهود

استخدمت أنقرة خلال الحدث الغزاوي الأخير لهجةً وُصفت بـ"المحايدة"، فلم توجه خلالها أصابع الاتهام إلى أي من أطراف الصراع، مكتفيةً بإدانة الخسائر في أرواح المدنيين والتأكيد على الاتصال مع جميع الأطراف المعنية للمساعدة في إنهاء النزاع. وإلى جانب مطالبة إسرائيل بوقف قصفها للأراضي الفلسطينية، طالب أردوغان الفلسطينيين "بوقف تحرشاتهم ضد التجمعات السكنية المدنية في إسرائيل"، مطلقاً تعليقات وُصفت بأنها تساوي بين حماس وإسرائيل، كقوله: "انطلاقاً من مبدأ لا خاسر في سلام عادل، ندعو كافة الأطراف الفاعلة إلى تحمّل مسؤوليتها لإحلال السلام".

رئيس المكتب السياسي السابق لـ"حماس"، خالد مشعل، ألمح إلى توقّع دعم أقوى من أنقرة للحركة، بقوله: "لدي احترام كبير لتركيا. يجب على تركيا القول لإسرائيل أن تتوقف". أيضاً، أشار مصدر فلسطيني في أنقرة إلى "أن الجماعات الفلسطينية، بما في ذلك حماس، غير راضية عن موقف تركيا. وينظرون إلى بياناتها على أنها غير كافية. حتى أنهم لم يستدعوا السفير الإسرائيلي إلى وزارة الخارجية".

الدكتور سعيد الحاج، وهو باحث فلسطيني في الشأن التركي يقيم في تركيا، يرد التراجع في الموقف التركي واتخاذها موقفاً حيادياً إلى حد كبير، إلى ثلاثة أسباب، يسردها خلال حديثه إلى رصيف22، أولها السياق العام الذي دفع السياسة الخارجية التركية للتغير بشكل جذري والذهاب إلى المصالحات وتطوير العلاقات وتحسينها مع عدد من الأطراف الإقليمية، التي دخلت معها في حالة خصام خلال العقد الماضي. وكأن تركيا طوت صفحة العقد الماضي، عقد الثورات العربية وما تلاها، ورأت أنها لا تريد أن تتصدر الدفاع عن المواقف والقضايا المختلفة، بما فيها قضية القدس، وتريد أن تكون على قدم المساواة مع الدول الأخرى، بحيث لا تتعرض هي للضغوط أو للآثار السلبية الأكبر.

وثانيهما، تعويل أنقرة على ملف شرق المتوسط وغازه، إذ تريد تركيا أن تتعاون مع إسرائيل، وأن تكون بوابة تصدير "الغاز الإسرائيلي" إلى أوروبا والعالم. وأما السبب الثالث، حسب الحاج، فهو الحرص التركي الواضح جداً مؤخراً على علاقات طيبة مع الولايات المتحدة الأمريكية. لذا، لا تريد أنقرة أزمات مع واشنطن، فاقتصادها لم يعد يتحمل أزمات وهزات جديدةً، لا سيما وهي على أبواب انتخابات محلية في آذار/ مارس المقبل، من جهة. ومن جهة ثانية لحرصها على صفقة طائرات f-16 وبعض الملفات الخلافية الأخرى مع واشنطن.

استعادة النفوذ الذي فقدته تركيا أمام منافسيها الإقليميين، خاصةً اليونان ومصر، في حوض المتوسط تحديداً، أحد الدوافع التركية لإعادة العلاقة مع إسرائيل. إلا أن ذلك لا يعني تخلّي أنقرة عن أهداف مثل إعادة رسم الحدود البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط، ومراجعة الاتفاقيات الدولية المُبرمة مع حكومة التوافق الليبية.

وفي المقابل، لا يبدو أن إسرائيل مستعدة للتضحية بحلفائها الجدد في المنطقة مقابل تحسين العلاقات مع تركيا، حسب معهد واشنطن. وقد أدى وقف الدعم الأمريكي لمشروع خط أنابيب الغاز شرق المتوسط "إيست ميد"، المراد منه نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر اليونان وقبرص اليونانية، إلى توفير فرصة جيو-اقتصادية لأنقرة، التي رأت ضرورةً في تقييمها بالتقارب مع تل أبيب التي تدرك صعوبة مد خط الغاز دون حل مشكلة قبرص. وبعد أن شهدت العلاقات بينهما تراجعاً وركوداً إثر استهداف تل أبيب سفينة مرمرة عام 2010، وبرغم محاولة الطرفين إعادة العلاقة إلى طبيعتها عام 2013، إلا أن الحرب على غزة عام 2014 وقفت حائلاً دون ذلك. كما لم تقابل أنقرة الخطوة الإسرائيلية بتعيين سفير لها في أنقرة عام 2015، بل قامت بطرده عام 2018، احتجاجاً على الاستخدام المفرط للقوة الإسرائيلية تجاه احتجاجات غزة. وقابلتها تل أبيب آنذاك بطرد القنصل التركي لديها.

ونفت الرئاسة التركية في منشور على موقع إكس، طلب أنقرة من قادة حماس مغادرة تركيا، وحسب مصدر فلسطيني في إسطنبول على اطلاع على الشؤون الداخلية لـ"حماس": "هناك تشويه. صحيح أن معظم مسؤولي حماس ذهبوا إلى قطر. لكنهم لم يُطردوا من تركيا. كان هدفهم من المغادرة، المشاركة في مفاوضات الرهائن في قطر واجتماعات حماس".

"أن الجماعات الفلسطينية، بما في ذلك حماس، غير راضية عن موقف تركيا. وينظرون إلى بياناتها على أنها غير كافية. حتى أنهم لم يستدعوا السفير الإسرائيلي إلى وزارة الخارجية".

وكانت أنقرة قد سحبت سفيرها لدى تل أبيب وأعلنت السفير الإسرائيلي لديها شخصاً غير مرغوب فيه، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2018، وحينها وصف أردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالـ"إرهابي". وقبلها نعت دولة إسرائيل عام 2014، بـ"الإرهاب" بقوله: "يلعن الإسرائيليون هتلر ويشتمونه ليلاً ونهاراً بسبب الهولوكوست، ولكن اليوم، نجد أن دولة إسرائيل الإرهابية قد تجاوزت فظائع هتلر من خلال عملياتها في غزة".

أنقرة تتحدث عن الحرب على غزة وكأنها تتحدث عن حرب روسيا وأوكرانيا، وتقول إنها حيادية وتريد الوساطة بين الطرفين، وتدعو للسلام بشكل لا يتناسب أبداً مع حجم الكارثة وحجم الإجرام الإسرائيلي في غزة، حسب الحاج، الذي يعتقد بأن "تطور الموقف التركي مع امتداد زمن العدوان الاسرائيلي كمّي لا نوعي". ويشير إلى "قلة تصريحات الرئيس التركي خلال العدوان الأخير على غزة، تاركاً الساحة إلى حد كبير، في ما يتعلق بالجهد الدبلوماسي أو التصريحات، لوزير خارجيته حقان فيدان. وهو ما يمكن تفسيره بأنه تغيّر في الموقف التركي وليس مصادفةً أو عشوائياً، بل هو جوهري وأساسي، ومبني على قناعة لدى صانع القرار التركي بأن هناك ضرورةً لتغير أو لتبدل المواقف التركية المعهودة في الحروب السابقة على غزة".

وكما توقع الحاج، تطور الموقف التركي تطوراً نسبياً على وقع المجازر الإسرائيلية وجرائم الحرب وعدم الإنصات أبداً لأي مناشدات لوقف إطلاق نار لإدخال المساعدات، إذ ألغى الرئيس التركي زيارته إلى إسرائيل، بالقول أمام كتلة حزبه البرلمانية: "مرة واحدة فقط في حياتي صافحت هذا الرجل المدعو نتنياهو، كانت لدينا خطط للذهاب إلى إسرائيل. تم إلغاؤها"، واصفاً "حماس" بأنها "جماعة تحرير تقاتل للدفاع عن أراضيها وشعبها".

كما حذر فيدان إسرائيل من مغبة الغزو البرّي، وأن "على إسرائيل أن تعود عن هذا الخطأ فوراً"، مشيراً إلى أن "عمليةً بريةً ضد غزة ستتحول إلى مذبحة كاملة"، وأن "منطقتنا تقف حرفياً عند نقطة تحول".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard