شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
صحّتنا العقلية

صحّتنا العقلية "يا ضمير العالم، يا عزيزي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن وحرية التعبير

الجمعة 27 أكتوبر 202311:06 ص

"إيه رأيك في البقع الحمـرا/ يا ضمير العالم يا عزيزي/ دى لطفلة مصرية وسمرا/ كانت من أشـطر تلاميذى". صلاح جاهين، قصيدة "الدرس انتهى"، تعقيباً على قصف إسرائيل لمدرسة "بحر البقر" الابتدائية في 8 نيسان/ أبريل 1970، والذي أسفر عن مقتل 30 تلميذاً وإصابة 50 آخرين.

*****

في إحدى مدن الشمال، يطلب شرطي بريطاني من أحد مواطنيه إزالة "علم فلسطين" من على واجهة منزله. نحن لا نرى وجه المواطن في الفيديو لكننا نسمع صوته، لكنته بريطانية "أصيلة"، لو صحّ التعبير، لا يبدو منها أنه أحد "هؤلاء المهاجرين".

وبنفس ثقة هذا المواطن "الأصلي" فإنه يجادل الشرطي مدافعاً عن حقه في التضامن مع الشعب الفلسطيني، وقد تسرّب إلى صوته بعض انفعال، وربما اندهاش، من أن يطرق شرطي باب بيته لينازعه حقه في حرية التعبير. في احتجاجه، بدا المواطن منتمياً إلى عالم الشمال الديمقراطي، أما الشرطي، فقد بدا حديثه كأنما قد جاء من عالم "البرابرة"، حيث الحقّ للمجموع لا للفرد.

مشكلتنا مع "ضمير العالم"، لا تتوقف عند "الكيل بمكيالين" ومعاملتنا كـ "همج" أو "حيوانات بشرية" لا تستحق ما يستحقه "الإنسان الأول". وإنما حين رأينا كيف تستيقظ المكارثية حتى من دون حرب باردة، ويتم تجاهل معايير مهنية الإعلام، وفصل الصحافيين وغيرهم بسهولة قصّ الأظافر

"قد يساء فهمه، قد يسيء إلى مشاعر البعض": هكذا يقول الشرطي مشيراً إلى علم فلسطين. إنها حجج مألوفة للغاية للمستمع من الشرق الأوسط والدول الشمولية في العالم الثالث، عالم اتهامات ازدراء الأديان والإساءة إلى المشاعر القومية وزعزعة الاستقرار وإصابة الأمة بالوهن.

العالم المعاكس لمفاهيم "حرية التعبير مقدسة"، و"من دون حق الفرد تضيع حقوق المجموع"، وغيرها التي يستند – أو يفترض أن يستند – إليها العقد الاجتماعي، لا في العالم الغربي فحسب، بل يستند إليها كذلك المناضلون من أجل الحريات في العالم الشمولي، فإذا كان ممكناً أن يطرق شرطي "ديمقراطي" بابك لأنك ترفع علم فلسطين (ليس علم القاعدة أو داعش أو النازية)، فإن لشرطي العالم الشمولي، حيث تنتشر الأمية وتتكاثر تنظيمات التطرّف، بالتالي، "الحق" في أن يفعل ما هو أكثر بكثير من طرق الباب.

لا يوضح الفيديو كيف انتهى الموقف، لكنه ينتهي بالشرطي البريطاني يسأل صاحب المنزل: "إلى متى ستبقي العلم على واجهة منزلك؟". يقول المواطن: "للأبد!"، لكننا نعرف، بخبرتنا في العالم الشمولي، أن تهديد الشرطة له أثره، مهما اعترفت بحقوقك القوانين.

ليس من جديد القول إن متابعة القصف والقتل والدم على الشاشات، له تأثير سلبي، وحتى مدمّر، على الصحة العقلية والنفسية. في الواقع، إن هذا التأثير يهون مقارنة بالإبادة الجماعية التي يتعرّض لها الفلسطينيون اليوم في غزة، إلا أن مستوى الحرب (وهي الاسم الكودي لهذه الإبادة) هذه المرة، هو الأسوأ منذ انفتح العالم على بعضه عبر وسائل التواصل الاجتماعي. إنه مستوى الإبادة الذي ينتمي إلى أجواء غزو لبنان في 82 ونكسة 67، ولهذا فإنه إلى جوار الاكتئاب والأسى والإرهاق النفسي المصاحب لكل ذلك، ثمة مستوى آخر مهدّد للصحة العقلية، على غرار مشهد الشرطي البريطاني وعلم فلسطين في الفيديو بالأعلى، إنه ما عرّفناه دائماً على أنه "نفاق العالم" و"ازدواج المعايير"، ينكشف أمام أعيننا الآن عبر الإنترنت على مستوى لم نشهده بأنفسنا من قبل.

هل يمكن البحث عن حرية في عالم صار يفتقر إلى مرجعياتها، ويتنازل عن ما حققته في كفاحها الطويل؟ إنه سؤال يصعب الإجابة عليه في عالم يفقد عقله، فيأخذنا جميعاً إلى الهاوية

إنه نفاق العالم حتى مع نفسه، نفاق الحكومات الغربية حتى تجاه مواطنيها، وقيمها السياسية والإعلامية، وما يتعلّق منها بأشد ما نحن محرومون منه كحرية التعبير.

تعرّف الصحة العقلية بشكل عام على أنها القدرة على الانسجام مع الأفكار والمشاعر والمجتمع المحيط، والقدرة على فهم وتوقع الأنماط الاجتماعية، بحيث يستطيع الإنسان اتخاذ قرارته وممارسة حياته بأقل قدر من القلق والمفاجآت السلبية.

بهذا المعنى، فإن مشكلتنا هذه المرة مع "ضمير العالم"، لا تتوقف عند "الكيل بمكيالين" ومعاملتنا كـ همج أو متخلفين أو "حيوانات بشرية" لا تستحق ما يستحقه "الإنسان الأول". فهذا كله عهدناه ويمكن فهمه واستيعابه وتوقّعه والتصرف على أساسه، وإنما حين وضعنا الإنترنت في قلب ذلك العالم "الأول"، ورأينا كيف تستيقظ المكارثية حتى من دون حرب باردة، ويتم تجاهل معايير مهنية الإعلام، وفصل الصحافيين والرسامين والموظفين بسهولة قصّ الأظافر، وأن كل ذلك يتم على وقع حرب لا تدور حتى على أرض الغرب، فإن تلك درجة التناقض الأخطر، التي دفعت مثيلاتها في الماضي الكثيرين إلى الارتداد عن أفكارهم، وإلى اعتناق التطرّف، لائذين بـ "معسكرهم الأصلي"، ومقسّمين العالم إلى خير وشر، أو إلى "أهل نور" و"أهل ظلمة"، تماماً كما فعل نتنياهو في خطبته متحدثاً عن سفر أشعياء.

هل يمكن – إذن- البحث عن حرية في عالم صار يفتقر إلى مرجعياتها، ويتنازل عن ما حققته في كفاحها الطويل؟ إنه سؤال يصعب الإجابة عليه في عالم يفقد عقله، فيأخذنا جميعاً إلى الهاوية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard