شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
حجة التناقض الغربي لركل مؤخرتي بالعربي

حجة التناقض الغربي لركل مؤخرتي بالعربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والحريات العامة

الخميس 26 أكتوبر 202301:09 م

جرت العادة بأنه كلما حدث أمر جلل في ملف حقوق الإنسان في أي مكان بالعالم، يرمقني صديقي، المؤيد للسلطة في مصر، بنظرة شماتة، نظرة تعني أنني قد أخفقت حين صدّقت بأن حقوق الإنسان مطلب حقيقي يُمكنني الكتابة عنه، أو أن ركل مؤخرتي في بلادي لا يختلف كثيراً عن ما يحدث خارج البلاد، لذا فعلي تقبّل تكميم الأفواه وكبت الحريات بلا شكوى، وسواء أكان الحدث عنصرياً، كمقتل جورج فلويد في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، أو أكبر من ذلك، مثلما يحدث في غزة الآن من انتهاكات إنسانية بصمت وتأييد غربي، فالنظرة واحدة، حتى أنني بدأت بالإيمان بأنه إن "تعثّرت بغلة في العراق لركلت الحكومة مؤخرتي في القاهرة"، وكأن الحقوق الإنسانية ليست مطلباً عادلاً بحد ذاته لا يرتبط بما يجري في بعض أنحاء العالم من انتهاكات وتناقضات، لكنها منتج غربي يجب أن نقاطعه هو الآخر، ضمن الحملة التي أُطلقها البعض لمقاطعة منتجات الغرب بسبب أحداث غزة.

أستطيع أن أختصر ما يود مؤيدو بعض الأنظمة العربية قوله في الآتي: "إذا كان يحق للغرب ركل مؤخرات غيرهم، لم تبخل على أبناء وطنك أن يركلوا مؤخرتك أيضاً؟".

بدأت بالإيمان بأنه إن "تعثّرت بغلة في العراق لركلت الحكومة مؤخرتي في القاهرة"، وكأن الحقوق الإنسانية ليست مطلباً عادلاً بحد ذاته لا يرتبط بما يجري في بعض أنحاء العالم من انتهاكات وتناقضات

هل يؤمن حكامنا بحقوق الإنسان؟

لو نظر صديقي المؤيّد لطريقة تعامل الحكومة التي يؤيدها - ظالمة أو مظلومة- لوجد أنها تستخدم حقوقه، وحقوقي، كورقة مساومة عندما تريد، فرجال الدولة لا يعارضون حق الإنسان في الفكر والتعبير والتظاهر ومنافستهم على مقاعدهم بشكل مباشر، إنما يتخذون طرقاً ملتوية لعدم السماح بوصول تلك الحقوق لمستحقيها، دون اعترافهم صراحة بأنهم يكرهون ذلك الملف، كالتهديد بصعود التيار المتطرّف أو الفوضى مثلاً.

ومن ناحية أخرى نفس الرجال يستخدمون ذلك الملف في حل مشاكل تواجههم في إدارتهم للبلاد، يحدث ذلك اقتصادياً عن طريق طلب بعض المساعدات المادية التي تهدف للارتقاء بحقوق المواطن، في المجالات التعليمية والصحية والغذائية والبنية التحتية، على سبيل المثال لا الحصر، ويتكرّر الأمر سياسياً عن طريق التلاعب بملف سجناء الرأي، بين العفو عنهم والقبض عليهم، لصالح مكاسب سياسية دولية.

وأيضاً تجد أن حكام أمتنا يصيحون طلباً لحقوق الإنسان عند تعرض بلادنا للخطر الغربي جزئياً، حسب موقف الحاكم من القضية المثارة، فإذا كانت مصالحه في التغاضي عن حقوق الإنسان سيتغاضى، والعكس صحيح. ألم يحدث ذلك في العراق واليمن وسوريا؟ ألا يحدث ذلك الآن؟ ألا تتعجّب حين تستمع إلى كلمة لرئيس عربي يهاجم الغرب متهماً إياهم بعدم احترام حقوق الإنسان، فيما يجري هو في ذات الوقت حملة اعتقالات سياسية تستهدف معارضيه؟ ذلك يعني أن الملف ليس بدون قيمة بالنسبة لمن ينتهكونه أنفسهم، لكنهم وضعوا قيمته في مصالحهم الخاصة فقط، دون أدنى اعتبار لمصالح المواطنين.

ما المصلحة الحقيقية؟

لنتجاوز الجدل حول تناقض الغرب في تطبيق حقوق الإنسان، وننظر إلى الواقع الذي يخبرنا بأن من يملك قوة استخدام وتعطيل الحقوق الإنسانية هي الأنظمة التي سطرت تاريخاً جيداً مع حقوق مواطنيها في المقام الأول. لماذا؟ هناك عدة افتراضات للإجابة عن هذا السؤال، منها مثلاً أن جودة الحياة بشقيها، الجسدي والمعنوي، أتحدّث هنا عن قواعد وقوانين احترام الإنسان جسداً وفكراً التي امتلكها المواطن الغربي مقارنة بنظيره العربي مثلاً، مكّنت دولته من استغلال أقصى الطاقات البشرية في شتى مناحي الحياة، سياسة واقتصاداً وعلماً، وبعد عصور من إعدام المفكرين والنقاد والمختلفين عن السائد هناك، تبعها انقلابات لا حصر لها، استهدفت، بشكل مباشر وغير مباشر، حرية الفكر والتعبير، تولى هؤلاء المفكرون عقل دولهم، واستطاعوا بكفائتهم أن يذهبوا بأوطانهم بعيداً، ولنسأل هنا: كم من مفكر يقبع في سجوننا، وكم من عقل في بلادنا تبلّد بسبب الصمت خوفاً من انتقاد مسؤول حكومي ما، أو كُبِّل بظروف معيشية صعبة جعلته يصارع من أجل البقاء في رتبة الإنسان أصلاً؟ إجابة سريعة: انظروا لمفكرينا وعلمائنا الذين نجحوا ما إن وطئت أقدامهم بلاد الغرب، تعرفون أن المشكلة لم تكن في عقولهم لكن في أوضاع بلادهم.

كذلك فالحريات تعني في مضمونها حق النقد، والنقد هو الطريق الوحيد لتصحيح المسارات الخاطئة، أليس كذلك؟ فماذا عن وطن بلا نقد يُسمع فيه؟ نجد مسارات خاطئة تمتد وتتشعب لمسارات تصحيح خاطئة هي الأخرى غالباً، اقترحها نفس الأشخاص الذين وضعوا المسارات أولاً، لأن الصوت الواحد هو صوتهم بطبيعة الحال، فلا بد أن يتم كل شيء، بما فيه تصحيح الخطأ، عن طريقهم وحدهم.

أما عن الفزاعات المختلقة التي يلقي بها حكامنا في وجوهنا كي نتراجع عن طلب حقوقنا وفقاً للقيم الإنسانية المتعارف عليها، فهي تحمل بداخلها تناقضها، ففي مصر مثلاً الفزاعة الشهيرة التي يطلقها المؤيدون والحكام معاً تحذّرنا من مصير العراق وسوريا كلما سُمِع صوت لمعارضة ما، تلك الفزاعة هي دليل دامغ على أن ما يخرّب الأوطان هو الصوت الواحد لا صوت حقوق الإنسان والحريات، إلا إذا كان ما نال من سوريا كان نتيجة لمناداة بشار الأسد بتداول السلطة تحقيقاً للديمقراطية، وما أغرق العراق كان العقلية المدنية لصدام حسين، وغياب الجيش عن المشهد تماماً في كلا البلدين والعياذ بالله.

لا يجد من يتندرون على ملف حقوق الحريات وحقوق الإنسان الحرج في تداول نماذج فاشلة لأنظمة قريبة منهم عجّلت بفوضى بلادها، رغم أن التشابه بين تلك الأنظمة والنظام الذي يدافعون عنه يكاد يبلغ التطابق، فيما لا يربط بينه وبين نماذج الدول التي حققت تقدماً في ذات الملفات أي رابط تقريباً.

فالحريات تعني في مضمونها حق النقد، والنقد هو الطريق الوحيد لتصحيح المسارات الخاطئة، أليس كذلك؟ فماذا عن وطن بلا نقد يُسمع فيه؟

امتلك حقك تمتلك قوتك

الحقيقة أنه لولا القيم الإنسانية التي حارب ويحارب من أجل تطبيقها رُسلها، لظلّت الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً في انقسام حاد وحروب أهلية مطولة، وبالتأكيد لم تكن لتبني دولة قوية، اتفقنا أو اختلفنا على استخدامها لتلك القوة فيما بعد، وحتى الفئات التي قد تجد أن الحديث عن مصيرها أمر تافه لا يحدّد مصائر البلاد، كالأقليات الدينية والعرقية والجنسية وغيرهم، فتاريخ العلوم وحده يضجّ بهؤلاء الذين لولا امتلاكهم لحقوق المواطنة وتكافؤ الفرص، لفوّتت بلادهم على نفسها إنجازات ضخمة، منهم من ساهم في فك شفرات النازية قبيل الحرب العالمية الثانية، ومنهم من توصّل لاختراع في مجال الدواء، ومنهم من عزّزت فكرته حظوظ بلده في سباق تكنولوجي أو تجاري ما، ونظراؤهم في بلادنا بين مختبيء أو مهدّد أو معتقل، أو لا يشعر بأنه يجب أن يفعل الكثير من أجل وطنه الذي يحطم إنسانيته. ومن يلومه على ذلك؟

لذا، فيا عزيزي، حقوقي الإنسانية لا علاقة لها بشرير ما في بلد آخر قرّر مناقضتها مع أُناس آخرين، ويا عزيزي، إذا كان هذا الشرير الذي تحدثني عنه يناقض حقوق الإنسان في خارج أرضه ويرتعد خوفاً من مخالفتها داخل أرضه، وخاصة مع مواطنيه الأصليين، ألا يعني ذلك أنه يُدرك قوة سلاح القيم الإنسانية في تعظيم قدراته، لذلك يستأثر به لأهله ويحبسه عن عدوه وقت الخلاف؟ لمَ إذن تجد من المنطق والمصلحة والوطنية أن نتخلى في بلادنا عن هذا السلاح ونقبل ركل مؤخراتنا وتكميم أفواهنا؟ يا عزيزي، إذا صدقنا جدلاً نظريتك بأن كل السياسيين أشرار، فعلى الأقل اطلب أن يكون الشرير خاصتك واعياً بما يكفي كي يحترم حقوقك ليبني وطناً قوياً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image