شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
من الهدوء للـ

من الهدوء للـ"حرب" ثم التوازن… تحولات الخطاب المصري تجاه غزة في أسبوع

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقيقة

الأحد 22 أكتوبر 202302:59 م

انتهت قمة السلام التي دعت إليها مصر أمس، السبت 21 أكتوبر/ تشرين الأول، من دون التوصل إلى بيان ختامي، بعدما أصرت الدول الغربية المشاركة على أن تدين الدول العربية في البيان عملية "طوفان الأقصى" وحركة حماس، فيما رفضت الدول نفسها مطلب الدول العربية في أن ينص البيان الختامي على الوقف الفوري لإطلاق النار.

عوضاً عن ذلك، أصدرت مصر بياناً أعاد التذكير بمدرستها الدبلوماسية العريقة التي هجرها خطاب الدولة المصرية في أعقاب إطاحة الإخوان المسلمين.

الخطاب الرصين القوي نفسه الذي تبدى في البيان، ظهر في الكلمة التي ألقاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمام القمة، والتي اتفقت رسائلها مع البيان الرسمي المصري في تبيان الموقف الرسمي المصري تجاه الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة المُحاصر، ومن أبرز هذه الرسائل رفض قتل وترويع المدنيين، وإطباق الحصار عليهم من أجل تهجيرهم للبلدان المجاورة، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية. وخلال الكلمة حرص الرئيس على تكرار جملة تعبر عن رفض الدولة القاطع تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر.

هذه الرسائل كررها السيسي مراراً منذ المؤتمر الصحافي الذي جمعه بالمستشار الألماني أولاف شولز في القاهرة منتصف الأسبوع المنقضي. لكن المختلف هو الخطاب الذي تم به إيصال هذه الرسالة على مدار الأسبوع، إذ مر الخطاب المصري بتحولات واضحة انعكست في الكلمة المرتجلة للسيسي التي حاد عنها في قمة القاهرة للسلام، وفي خطاب نواب برلمانيين وإعلاميين محسوبين على الأجهزة التابعة للرئيس ومعبرين عنها سواء في البرامج التلفزيونية أو تحت قبة البرلمان. في هذا التقرير يراجع رصيف22 عناصر هذا الخطاب وأهم تحولاته وما تعنيه تلك التحولات.

هذه الرسائل كررها السيسي مراراً منذ المؤتمر الصحافي الذي جمعه بالمستشار الألماني أولاف شولز في القاهرة منتصف الأسبوع المنقضي. لكن المختلف هو الخطاب الذي تم به إيصال هذه الرسالة على مدار الأسبوع، إذ مر الخطاب المصري بتحولات واضحة

الموقف من التهجير

كرر السيسي في صيغ مختلفة رفض تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر، في إشارة للخطة الإسرائيلية التي صرح بها سياسيو دولة الاحتلال بشأن تهجير سكان قطاع غزة وتوطينهم في مصر.

فخلال حضوره حفل تخرج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية في 12 أكتوبر/تشرين الأول، قال السيسي إن مصر تستضيف قرابة 9 ملايين لاجئ وتتعامل معهم كضيوف، أما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فالأمر مختلف، لأنها "قضية القضايا… فاللاجئون في مصر جاءوا بسبب مشكلات أمنية في بلادهم، أما الشعب الفلسطيني لا بد أن يبقى صامداً ومتواجداً على أرضه، لأن خروجه يعني تصفية قضيته، ولا بد أن نكون منتبهين لهذا الأمر، مع بذل قصارى جهدنا للتخفيف عنه".

وعقب قصف إسرائيل المستشفى المعمداني بقطاع غزة، وجه السيسي كلمة خلال مؤتمر مشترك مع المستشار الألماني، أولاف شولتز، الأربعاء 18 أكتوبر/تشرين الأول، قال خلالها إن فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر، معناه حدوث أمر مماثل بتهجير فلسطيني الضفة الغربية إلى الأردن، ومن ثم تصبح فكرة إقامة الدولة الفلسطينية التي يدعو لها المجتمع الدولي غير قابلة للتنفيذ، لأن الأرض موجودة لكن الشعب غير موجود، كما أن نقل الفلسطينيين إلى سيناء يعني نقل المقاومة إلى مصر، التي تتحمل تبعات هذا الأمر، بحيث تتحول سيناء إلى قاعدة لانطلاق العمليات الإرهابية ضد إسرائيل، ويتلاشى السلام في إطار فكرة تصفية القضية الفلسطينية. واقترح الرئيس في كلمته المرتجلة التي أثارت الجدل نقلَ فلسطينيي القطاع إلى صحراء النقب التي استولت عليها إسرائيل لحين "إنهاء الهدف الإسرائيلي المعلن" في القطاع في إشارة إلى تصفية حركة حماس.

وأشار الرئيس خلال هذه الكلمة إلى الشعوب العربية الرافضة التطبيع مع إسرائيل، إذ قال إن مصر فيها 105 ملايين مواطن، والرأي العام العربي والمصري يتأثران ببعضهما بعضاً، وإذا استدعى الأمر سيطلب من الشعب المصري الخروج للتعبير عن رفض تهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية، وسيكون هناك الملايين في الشوارع.

قبل أسبوع واحد من هذه البيانات النارية، شهدت الساحة السياسية الرسمية والساحة الفنية في مصر هدوءاً وغياب أية ردود أفعال إلا من بيانات وزارة الخارجية المصرية وبيانات صادرة عن رئاسة الجمهورية حول "الأزمة" التي تشهدها الأراضي الفلسطينية

من الصمت إلى "إعلان الحرب"

في اليوم التالي بدأت أجهزة الدولة وخاصة حزب مستقبل وطن الذي يسيطر على الأغلبية البرلمانية في الحشد لمظاهرات عنوانها "نصرة غزة وتفويض الرئيس السيسي لاتخاذ ما يراه مناسباً لحماية الأمن القومي المصري وضمان عدم تصفية القضية الفلسطينية".

تحت قبة البرلمان دعا نواب الحزب نفسه ومستقلون محسوبون على أجهزة الدولة ومعبرون عنها، منهم النائب الإعلامي مصطفى بكري إلى تفويض الرئيس وخوض "حرب" للحفاظ على الأمن القومي المصري، فيما مزق أحد النواب ما قال إنه نص معاهدة كامب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل. وفي الليلة ذاتها بدأت تحركات جماعية من الفنانين لبثّ مقاطع فيديو تدعو للحرب ونصرة غزة والقضية الفلسطينية بعد أكثر من أسبوع من عملية طوفان الأقصى وبدء الاعتداءات على قطاع غزة.


قبل أسبوع واحد من هذه البيانات النارية، شهدت الساحة السياسية الرسمية والساحة الفنية في مصر هدوءاً وغياب أية ردود أفعال إلا من بيانات وزارة الخارجية المصرية وبيانات صادرة عن رئاسة الجمهورية حول "الأزمة" التي تشهدها الأراضي الفلسطينية.

أما في أعقاب كلمة الرئيس المصري في مؤتمره مع المستشار الألماني ودعوات التظاهر والتفويض المنظمة في اليوم التالي، شهدت الشوارع المصرية، يوم الجمعة 20 أكتوبر/تشرين الأول، تظاهرات نظمتها نقابات وجمعيات وطلاب، تندد بما يحدث في غزة، وترفض تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.

هذا الخطاب الرسمي للدولة المصرية الذي تراوح بين التهديد بإلغاء السلام تارة ومحاولة اجتذاب تعاطف دول العالم تارة أخرى، ثبت على موقفه تجاه ثلاثة أمور أساسية تتعلق بالقضية الفلسطينية، أولها رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، والثانية رفض أن تكون مصر جزءاً من محاولة تصفية القضية الفلسطينية بنقل الفلسطينيين إلى الجنوب في سيناء، والثالثة فك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب، بحسب نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، مختار غباشي، في تصريحاته لرصيف22.

موقف الدول العربية المتردد يضر بمصر

يقول غباشي في حديثه لرصيف22: "مصر دائماً تكون حاضرة في كل نزاعات المقاومة الفلسطينية مع إسرائيل، ولعبت دوراً كبيراً في مسألة التهدئة وما بعدها، لكن الأزمة الأخيرة خلقت واقعاً مختلفاً؛ فلم تستطع مصر إلى حد كبير أن تصل لما تصل إليه في كل الصراعات السابقة، وازدادت الضغوط عليها، لحد وصل لطرح فكرة تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء. كما أن ضرب كيان الاحتلال معبر رفح من الجانب الفلسطيني (تم قصف المعبر خمس مرات حتى توقيت نشر هذا التقرير)، وتشدد إسرائيل في دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، من شأنه زيادة الضغط على مصر التي يبدو أنها تقف بمفردها في ظل موقف عربي متردد وغير واضح".

وأضاف غباشي: "إن تردد الموقف العربي من شأنه إضعاف الموقف المصري والأردني اللذين يعتبران الأكثر ثباتاً حتى الآن، ومعهما دولة قطر التي تقوم بدور الوساطة. لكن غياب الغطاء العربي والإسلامي الذي بإمكانه الضغط من أجل فك الحصار يجعل الموقف المصري أضعف مما يجب أن يكون عليه".

ويرى الغباشي أن مصر "تعمل منفردة من أجل إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وعندما سمحت إسرائيل بدخول بعض الحافلات لم يكن من بينها الوقود اللازم لتشغيل الكهرباء واستمرار عمل المستشفيات"، لافتاً إلى أنه لا بد من وجود إرادة عربية وإسلامية مجتمعة إذا أردنا الوصول لحل".

وأكد أن الأمور الثلاثة سالفة الذكر، كانت جلية في جميع خطابات الرئيس المصري منذ اندلاع الأزمة، أما ما يتعلق بالحديث عن المفاوضات أو إقامة الدولة الفلسطينية، فذكرها في الخطاب المصري موجوداً لكنه ليس أساسياً في الوضع الراهن، "إذ يحتاج إلى وقت وجهد لا يتوافران حالياً".

وماذا عن خيار الحرب؟

في أعقاب خطاب الرئيس المصري شديد اللهجة الذي لوح خلاله بإمكانية دعوته لخروج المصريين في الشوارع للتنديد بفكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، عقد البرلمان المصري اجتماعاً طارئاً، الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول، لمنح تفويض للرئيس السيسي باتخاذ ما يراه لازماً من إجراءات لحماية الأمن القومي المصري.

وخلال هذا الاجتماع، قال مصطفى بكري، الصحافي والبرلماني المقرب من السلطة، إن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، داعياً إلى إسقاط الاتفاقات المصرية مع إسرائيل وعلى رأسها اتفاقية السلام "كامب ديفيد"، وتفويض الرئيس لحماية أمن مصر والأمة العربية. كما مزق النائب أحمد بلال البرلسي، نسخة من الاتفاقية تحت قبة البرلمان.

ودعت وسائل الإعلام المصرية الموالية للدولة، المصريين للخروج في احتجاجات لدعم فلسطين ورفض تهجيرهم، وتفويض الرئيس لاتخاذ الإجراءات اللازمة.

بدوره يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، إن قرار الحرب خطير للغاية، ولا تتخذه أي دولة من دول العالم إلا في وضع ليس فيه مفر من اتخاذه، مضيفاً لرصيف22: "من بين السيناريوهات المطروحة للحرب الفلسطينية الإسرائيلية، تدخل حزب الله وسوريا وإيران في الحرب. في هذه الحالة هل ستقف مصر صامتة؟ وماذا لو خرجت إسرائيل منتصرة من هذه الحرب؟ ستصير مصر خاضعة لها، وهو أمر مرفوض. وبالتالي هناك حسابات لا بد أن يعيها النظام جيداً، لكن بكل تأكيد خيار الحرب ليس سهلاً".


وعن دعوة الرئيس للمصريين للخروج وتفويضه، قال نافعة إن السيسي هنا يريد أن يحتمي بالشعب حتى يظهر أنه متوافق معه في قضية تخص حماية النظام، "فتهجير الفلسطينيين من أرضهم لا يهدد الأمن القومي المصري فقط، بل يهدد نظام الرئيس في الدرجة الأولى".

ويرى الكاتب الصحافي الناصري، عبد الحليم قنديل، إنه لا يجب الاندفاع لفكرة الحرب ضد إسرائيل الآن، فصحيح أن الوجود الإسرائيلي في ذاته خطر على الوجود المصري، لكن لا يبدو أن خيار الحرب مناسباً للوضع المصري حالياً، قائلاً: "ليس مطلوباً الآن أن نبادر لحرب لم تفرض علينا، إذ أنها سوف تفرض في السنوات المقبلة، أما الآن فعلينا المقاطعة والتخلي عما يسمى لغة السلام".

فيما يرى أستاذ التمويل والخبير الاقتصادي مدحت نافع، أن مصر تتبنى مبدأ وعقيدة الحرب من أجل الدفاع عن مقدراتها و مقدساتها وأراضيها، وليس البدء بالهجوم، فلم نعلن أبداً في العصر الحديث الحرب على أي دولة، قد نشتبك في معارك معينة لمصلحة قضية أكبر تستهدف الدفاع عن الأمن القومي واستقلال الوطن، و"بالتالي فإن طرح مسألة الحرب وهي لم تعلن ضدنا، من المؤكد أنها غير مطروحة في ذهنية قواتنا المسلحة، لكن من المؤكد أن أي مساس بأمننا القومي وحدودنا سيقابله تحرك من جانب الجيش".

وأضاف نافع لرصيف22 أن مسألة العروبة والدفاع عن أشقائنا العرب له مراحل كثيرة قبل الوصول لاستخدام القوة، ومن بين هذه المراحل -التي لم نمر بإحداها حتى الآن- قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، و"بالتالي فإن مسألة إعلان الحرب تمثل قفزة غير واقعية، أما استعداد الجيش لأي نوع من العدوان هو الأمر الطبيعي".

وعن الوضع الاقتصادي المصري الذي يعاني أزمات متتالية وديوناً متزايدة، وأثره المتبادل على الخطاب الدبلوماسي المصري، يقول نافع إن تأثير الحرب على اقتصاد أي دولة "مدمر"، ويواصل: "مفيش حرب تأثيرها جيد على الاقتصاد إلا الحروب الاستعمارية، حتى إن بعض هذه الحروب تستنزف ثروات الدول دون تحقيق مكاسب تذكر بسبب امتداداتها، وبالتالي فإن الحرب لن تكون مفيدة تحت أي ظرف ولأي طرف".

سياسيون: الموقف المصري تجاه أزمة غزة حتى الآن "غير كافٍ". صحيح أن هناك تطوراً في لغة الخطاب، لكن لم يحدث تطور في الفعل

"كامب ديفيد" ليست في خطر

وتعقيباً على ما قاله الرئيس السيسي بشأن ضرورة ألا يتم تبديد السلام الذي حرصت عليه مصر بإخلاص مع إسرائيل، بطرح فكرة غير قابلة للتنفيذ وهي تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، يقول الروائي المصري والباحث في علم الاجتماع السياسي، عمار علي حسن، إن تهجير الفلسطينيين قسراً إلى سيناء في ظل الرفض المصري لهذا المسار، ليس إلغاءً من طرف واحد لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل فقط، وإنما هو بمثابة إعلان حرب، وإعلان الحرب بالقطع ينهي اتفاقية السلام.

ويضيف حسن لرصيف22: "أما مجرد التلويح بالتهجير دون حدوثه مع إبقائه خياراً محتملاً في المستقبل، لا بد أنه يخلق لدى السلطات المصرية هواجس حيال استتباب الأمن في سيناء في ظل ما تفرضه اتفاقية السلام من تقسيمها إلى ثلاث مناطق، ومن ثم من حق مصر أن تناقش هذه المسألة، وهي: كيف تسيطر سيطرة كاملة على سيناء لمنع تهجير أو تسلل أو تهريب أو أي ورطة أمنية من الممكن أن تحدث فيها؟"، مشيراً إلى أن الاتفاقية نفسها تنص على مراجعتها كل ثلاثين عاماً، وهذه الأعوام انقضت في عام 2009، وربما تناقش مصر هذا الأمر مع الولايات المتحدة إذا أرادت أذ أن أمريكا كانت الضامن لهذا الاتفاق".

بينما يقول الكاتب عبد الحليم قنديل: "ما يسمى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فرضت ملاحقها الأمنية قيوداً على مصر، بعضها جرى تفكيكه؛ فعلى سبيل المثال، مناطق نزع السلاح الكلي أو الجزئي، الممتدة عبر النقطتين ب، ج، إلى عمق 150 كيلومتراً من الحدود التاريخية بين مصر وفلسطين المحتلة، تم تفكيك هذا القيد، بعدما عاد الجيش المصري في السنوات الأخيرة تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب إلى الحدود التاريخية بين مصر وفلسطين، وهذا في حد ذاته إنجاز".

وأضاف أن إزالة القيد عن حركة الجيش في سيناء يعيد السيادة عليها بعدما كان التحرير صورياً.

أما الشيء الثالث المتعلق باتفاقية السلام، والذي يفرض قيوداً على مصر، هو "وضع هذه الاتفاقية فوق الاتفاقيات الأخرى التي تشارك فيها مصر ومنها معاهدة الدفاع العربي المشترك". ويعقب قنديل: "المطلوب الآن، استثمار الظروف الجيدة، واستعادة مقاطعة الكيان الإسرائيلي، بما في ذلك طرد السفيرة الإسرائيلية من مصر وسحب السفير المصري، وقد حدث هذا من قبل".

ويرى قنديل أن الموقف المصري تجاه أزمة غزة حتى الآن "غير كافٍ"، فصحيح أن هناك تطوراً في لغة الخطاب، لكن لم يحدث تطور في الفعل.

هل تستضيف مصر الفلسطينيين؟

في حلقة أذاعها الصحافي المصري بلال فضل، عبر قناته على يوتيوب، استضاف خلالها الباحث المتخصص في شؤون سيناء والمدير التنفيذي لمؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، أحمد سالم، تحدث سالم عن ما وصفه بـ"ترتيبات تحدث في سيناء ربما تنتهي إلى تمرير فكرة استضافة بعض أهالي غزة بشكل مؤقت لحين انتهاء الحرب، في أماكن أهالي مدينة رفح المصرية التي تم تهجيرهم منها إبان الحرب على الإرهاب".

أثارت هذه الحلقة ردود أفعال غاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ذهب البعض لقول إن مصر سوف تستسلم في النهاية لفكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. لكن عمار علي حسن، يرفض في حديثه مع رصيف22 هذا الطرح ويقول: "المصريون بأعدادهم الهائلة، الذين فاضت بهم الشوارع، الجمعة الماضية، أحراراً غير موجهين، أرسلوا رسالة تقول إن الشعب لن يقبل أبدأ بإطلاق يد أي أحد في قبول أي ترتيبات أو اتخاذ قرارات من شأنها المساهمة في تصفية القضية الفلسطينية، وأنه سيقاوم لتبقى سيناء مصرية خالصة كاملة".

وأضاف، أنه إذا حضر الشعب صاحب الأرض والمال والسيادة والشرعية، فليس أمام السلطة سوى الامتثال: "الشعب المصري سيتصدى لأي تفاهمات سرية للسلطة أو ضغوط خارجية عليها من أجل توطين الفلسطينيين في سيناء".

كذلك وصف عبد الحليم قنديل ما يثار حول قبول مصر توطين الفلسطينيين بـ"الهبد"*، فتهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر أو أي منطقة أخرى معناه تفكيك الخطر الرئيسي لمواجهة إسرائيل: "دعم الشعب الفلسطيني في مقاومته على أرضه يتضمن مساعدته أن يبقى على أرضه التاريخية، وأي حديث عن محاربة الإرهاب في غزة لا محل له من الإعراب، فما يحدث في غزة مقاومة مشروعة لأي شعب يسعى لاسترداد أرضه التاريخية".

وأضاف: "مع الوعي بحجم الدماء والقهر والحصار وغيره من المآسي، فشعب فلسطين له تجربة تاريخية فريدة، وعرف بالممارسة أن خروج أي منهم من أرضه يعني عدم عودته إليها، لكن لا بد من تقديم أوجه الدعم كاستقبال الجرحى للعلاج، لكن المرفوض هو الإقامة الدائمة".

وتابع عبد الحليم قنديل قائلاً إن هذا الفكر يوجه لحل نهائي للقضية وهو- من وجهة نظره- إقامة دولة واحدة على كامل الأراضي الفلسطينية سواءً المحتلة في 1948 أو 1967، بأغلبية فلسطينية وأقلية إسرائيلية، قائلا: "وإن كان هذا الحل غير ممكن حالياً، لكن الممارسات الفعلية تقول إنه قابل للتحقق مستقبلاً، مقارنة بالحل المطروح حالياً بإقامة دولة فلسطينية على حدود 67، وهو الحل الذي بات لغواً سياسياً بعد استيطان إسرائيل المتوحش في الضفة الغربية وضمها القدس. فالتطور الجاري على الأرض الفلسطينية منذ 7 أكتوبر، بالتأكيد ليس نهاية إسرائيل، لكنه إذلال لها، وهذا التطور سوف يتكرر مستقبلاً".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image