شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
لماذا تصمت أحزاب مصرية عن دعم الحقوق الفلسطينية؟

لماذا تصمت أحزاب مصرية عن دعم الحقوق الفلسطينية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والتنوّع

الاثنين 16 أكتوبر 202304:18 م

فيما بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية "طوفان الأقصى"، وقف عشرات الصحافيين والنشطاء المصريين يوم الثلاثاء 10 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، على سُلّم نقابة الصحافيين في أول وقفة احتجاجية منذ العام 2016، وحرقوا العلم الإسرائيلي هاتفين "آسفين يا فلسطين إحنا كمان متحاصرين". 

لم يمض سوى يومين على هذه المظاهرة المحدودة، قبل أن يتجمع آلاف المصريين في ساحة الأزهر والميادين الكبرى لمحافظات البحيرة والإسكندرية والدقهلية وغيرها ليهتفوا لنصرة غزة، فيما لم تصدر بيانات تذكر عن القوى والأحزاب السياسية التي انبنت هوية بعضها على أفكار القومية العربية التي تحتل القضية الفلسطينية القلب منها. 

وبينما خالفت قوات الأمن المصرية التوقعات ولم تلجأ إلى فض أي من المظاهرات الرافضة للعدوان والمؤيدة للحق الفلسطيني بالقوة، يأتي الصمت بين القوى السياسية انعكاساً للوضع السياسي القائم في مصر فيما تخيم ظلال أزمة اقتصادية واجتماعية مرشحة للتفاقُم، ويُخشى أن تؤثر سلباً في استقلال القرار المصري فيما يتصل بدعم الحقوق الفلسطينية. وقد نظمت النقابات المهنية التي سُميت تاريخياً "نقابات الرأي" وخاصة نقابتا المحامين والصحفيين المصريين اليوم الإثنين، وقفات تضامنية للتأكيد على تضامن الشعب المصري مع الحق الفلسطيني، ولم تتعرض وقفاتهم حتى لحظة نشر هذا التقرير إلى أية تضييق أمني.

لم يمض سوى يومين على مظاهرة محدودة أمام نقابة الصحفيين، قبل أن يتجمع آلاف المصريين في ساحة الأزهر والميادين الكبرى لبعض المحافظات ليهتفوا لنصرة غزة، فيما لم تصدر تحركات تذكر عن القوى والأحزاب السياسية التي انبنت هوية بعضها على أفكار القومية العربية التي تحتل القضية الفلسطينية القلب منها

رصيف22 تحدث إلى ممثلين عن قوى سياسية مختلفة في مصر للتعرف على أسباب تراجع خطابها السياسي في دعم القضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق على الساحة السياسية المصرية، على الرغم من قوة الخطاب الشعبي الداعم لفلسطين وأبنائها. 

يقول أحد مؤسسي "اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية" التي تأسست خلال الانتفاضة الثانية في العام 2001 - تحفّظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية- إن قضية فلسطين "لم تكن فقط هي القضية الأساسية التي اتفقت عليها كافة القوى السياسية بكافة تنوعاتها؛ بل كانت البداية لكل تحركات الشعب المصري الاحتجاجية منذ عام 2000 وما قبله".

ويلفت القيادي المحسوب على صفوف اليسار المصري إلى أن "الانتفاضة الثانية في العام 2000 شهدت نزول آلاف المواطنين المصريين في عهد مبارك للشارع، وترديدهم هتافات لأول مرة ضد كامب ديفيد وتصدير الغاز لإسرائيل واتفاقية الكويز ومثلت مع مظاهرات الاحتجاج على اجتياح العراق في 2003، نواة تشكل حركة الاحتجاج المصرية "كفاية" التي لعبت الدور الأهم في استقطاب الشباب نحو السياسية ليقودوا حركة إطاحة مبارك لاحقاً في 2011". 

اللجان الشعبية… الصوت الغائب

يلفت الناشط من أجل الحقوق الفلسطينية إلى أن عام 2005، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، شهد حالة من الحراك الذي فتح الباب أمام اللجان الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني وقوافل دعم بشرية محملة بالأغذية والأدوية وحملات التبرع بالدم التي أشعرت المصريين بقيمتهم وقدرتهم على التغيير. 

ويعتبر الناشط نفسه أن الأوضاع السياسية في مصر "أسوأ من 2010"، وأن أثر ما يسميه "تجريف الحياة السياسية عبر اعتقال آلاف النشطاء من جانب، والتشتت والاختلاف وأحزاب المعارضة الكرتونية من جانب آخر، كل تلك الأمور تسببت في محدودية حركة التضامن مع فلسطين هذه المرة". 

على الرغم من أن معبر رفح غير خاضع للسلطات الإسرائيلية، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي داوم على قصف المعبر من الجانب الفلسطيني منذ بدء العدوان ليمنع محاولات نقل الجرحى إلى مصر وعبور المساعدات من الجانب المصري إلى فلسطين المحتلة

محمد حسين عضو اتحاد النقابات المستقلة، أحد الكيانات التي كان لها دور مهم في جمع التبرعات الموجهة للإغاثة الإنسانية الموجهة غزة، يرى أن "مصر تمر بمرحلة في غاية الدقة في الفترة الراهنة، حيث الانتخابات الرئاسية وحالة الغضب التي تتنامى بصورة يومية بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وحالة القمع وعصا العقاب المرفوعة لكل من قرر أن يعارض أو يختلف في الرأي، وهو ما تسبب في حالة خوف لدى ملايين المصريين".

لكنه يعتقد أن تلك الحالة لن تستمر كما ظهر في مبادرة الجمعيات والمواطنين لترتيب جهود الإغاثة هذه المرة حتى في ظل صمت وعزلة الجهات التي تولّت ترتيب هذه الجهود تاريخياً، الى محاولات إحياء اللجنة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني، وبداية وجود تحركات بسيطة في النقابات المهنية "الصحفيين والمحامين" ومجموعات من الشباب الذين قرروا الاحتجاج ودعم الحقوق الفلسطينية بطرق مختلفة عن السابق "والتي من شأنها أن تضمن قدراً ولو قليل من الحماية والأمان وعدم التعرض للبطش" بحسب رأيه.

 وبدأت مصر صباح اليوم الإثنين السماح لقوافل الإغاثة المتوجهة إلى فلسطين بالمرور من الجانب المصري لمعبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة المحاصر فيما لا تزال قوات الاحتلال الإسرائيلية تمنع مرور تلك المساعدات، على الرغم من موافقتها في وقت سابق. 

وقال وزير الخارجية المصرية سامح شكري خلال مؤتمر صحافي جمعه ونظيره التركي هاكان فيدان إن إسرائيل لم تسمح بعد بمرور المساعدات الإنسانية إلى القطاع. 

يأتي ذلك على الرغم من أن معبر رفح غير خاضع للسلطات الإسرائيلية وإنما للسلطة الفلسطينية إسماً، وتمارس السيادة عليه الحكومة القائمة في قطاع غزة المنتمية إلى حركة حماس، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي داوم على قصف المعبر من الجانب الفلسطيني منذ بدء العدوان ليمنع محاولات نقل الجرحى إلى مصر وعبور المساعدات من الجانب المصري إلى غزة.

القيادي الناصري أحمد الصعيدي حمّل جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية خفوت صوت المعارضة المصرية في نصرة القضية الفلسطينية، وقال أن فترة حكم الإخوان أجهضت جزءاً من التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية

اتهام الوضع الاقتصادي

تقول مديحة صبحي العضوة في لجنة الإغاثة التي تأسست أثناء الاعتداء الإسرائيلي على غزة في العام 2014، إن "الوضع الاقتصادي في مصر سيىء لأغلب المواطنين أكثر من قبل، وهو ما يصعب من إمكانية إسهامهم المعتاد في إغاثة غزة".

في المقابل، يشير الإحصاء الذي نشره موقع الشرق بلومبرج نقلاً عن السلطات المصرية، إلى أن المصريين حتى الآن - على الرغم من الأوضاع الاقتصادية- هم الأعلى إسهاماً في جمع المواد الإغاثية المتوجهة إلى قطاع غزة، إذ تمكنت الجمعيات الأهلية المصرية من جمع 2000 طن من المساعدات الغذائية والطبية المتجهة إلى القطاع، تليها تركيا التي ساهمت بـ68 طناً من المساعدات المتجهة إلى القطاع. 

...واتهام الإخوان المسلمين 

 أحمد الصعيدي، أمين تنظيم الحزب العربي الناصري وعضو المكتب السياسي فيه، يحمّل جماعة الإخوان المسلمين مسؤولية خفوت صوت المعارضة المصرية في نصرة القضية الفلسطينية، ويقول لرصيف22: "فترة حكم الإخوان أجهضت جزءاً من التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية، بسبب الأطروحات التي كان يتبناها الرئيس محمد مرسي في التنازل عن سيناء*، وعلاقتهم بحماس وما إلى ذلك من أمور، تسببت في حالة من التشكك لدى الشعب المصري في دعم القضية الفلسطينية. هذا على جانب؛ على الجانب الآخر الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها الغالبية العظمى من الشعب المصري وفي القلب منه الأحزاب السياسية، التي عانت مر المعاناة خلال الفترة الماضية من هجمات واعتقالات وتهديدات كانت ذات أثر في خفوت صوتها". 

ويلفت الصعيدي إلى أن للتحرك الوحيد الذي شهد حضور الآلاف في المسجد الأزهر الجمعة الماضية "أغلبه لم يكن من المصريين، بل كانت هناك جنسيات أخرى تأخذ القضية الفلسطينية على محمل ديني بالدرجة الأولى، إضافة إلى دقة المرحلة التي تمر بها مصر من انتخابات رئاسية وأوضاع اقتصادية فرغت الأحزاب من مضمونها، والجماهير اختفت من حولها بسبب آلة إعلامية تعمل طول الليل والنهار على ترهيب الناس من أن يكون حل القضية الفلسطينية على حساب المصريين، وهو السيناريو الذي أخاف الشارع من النزول والتضامن".

ويتساءل الصعيدي: "المساكن التي قامت ببنائها الدولة في سيناء؟ لمن هي؟ وهل سيكون هنالك حل القضية على حساب سيناء والشعب المصري الذي لم يعد يحتمل أي ضغوط اقتصادية؟ كل تلك العوامل جعلت الأحزاب السياسية تتحسس خطواتها قبل إعلان الدعم". 


عبدالعزيز الحسيني القيادي بحزب الكرامة، وهو حزب ينتمي أيضاً للتيار القومي الناصري، يقول لرصيف22 إن "هناك أسباب عديدة لمحدودية الحركة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أهمها هو التضييق الأمني الذي تمارسه السلطات في مصر، والذي يفوق ما كان يحدث في عهد مبارك"، لافتاً إلى أن "النتيجة الطبيعبة لهذا التضييق الذي تتم ممارسته؛ هي محدودية الحركة من الأساس لأن الجميع يعلم أن النزول للشارع خطر كبير. يضاف إلى ذلك الانتخابات الرئاسية والانتهاكات التي شهدتها عملية جمع التوكيلات والتي بالرغم من أهميتها للجميع إلا أن الكل يعرف نهايتها".

 ويرى أنه على الرغم من أن القضية الفلسطينية كانت دوماً في مقدمة اهتمامات تياره السياسي؛ إلا أن ما يعتبره "القمع والمنع والبلطجة؛ أصابوا الجميع بالقلق والخوف. وبالتالي انحسرت الحركة في مجموعات تحركات فردية لا ترقي لمستوي الجرائم التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني".

محمد أمين، عضو المكتب التنفيذي لحزب المحافظين، وهو من أقوى الأحزاب المعارضة خطاباً في مصر خلال الأسابيع الأخيرة؛  يقول لرصيف22 إن "هناك مجهود وتحركات بشكل مختلف هذه المرة لأسباب متعددة، منها انغلاق المجال في مصر بصفة عامة، وهو ما دفع الأحزاب لاتخاذ طرق أخرى للدعم، مثل مؤتمرات التضامن ومحاولة التأثير على الرأي العام العالمي والدعم والمساعدة اللوجيستية سواء بالترجمة أو غبرها من الأدوات التي من شأنها دعم القضية الفلسطينية". لافتاً إلى أن مصر كانت "تشهد انغلاقاً تاماً في المجال العام، ساهم في تجريف الحركات الداعمة عن طريق التظاهر والاحتجاج، وهو ما يحاول شباب مستقلين التغلب عليه باستخدام آليات جديدة في الدعم". 

أما حزب التجمع، المعبر تاريخياً عن التيار الشيوعي في مصر، فيعترف أمين التثقيف فيه محمد فرج أمين، بـ"محدودية حركة التضامن ضد العدوان الإسرائيلي على غزة" وإن أكد على "تصاعد المشاعر الوطنية والقومية الداعمة للقضية الفلسطينية والمعادية للحرب الصهيونية على غزة بعد عمليات المقاومة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وقد ظهرت هذه المشاعر سياسياً في عقد عدة مؤتمرات سياسية جماهيرية للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مقرات عدة أحزاب بينها التجمع والناصري وأحزاب أخرى، كذلك عبرت هذه المشاعر الوطنية التضامنية الشعبية عن نفسها في كل من الجامع الأزهر ومسجد الحسين بعد صلاة الجمعة الماضية في صحن المسجد وأمامهما، لكن مع ذلك تظل الحركة الشعبية والسياسية محدودة في مصر بالمقارنة بالحشد التضامني الكبير في السنوات السابقة".

يواصل امين التثقيف في التجمع: "المعنى الأول الذي أود قوله إن مشاعر التضامن الشعبية والسياسية موجودة ومتصاعدة لكن حركتها ليست متصاعدة، والسبب الأساسي أمني والثاني شعبي؛ أمني بمعنى أن القوانين وعلى رأسها قانون التظاهر مانعة للتعبير الحركي للأحزاب والجماهير الشعبية الغاضبة والراغبة في التضامن، أما السبب الشعبي فهو ذو شقين، الأول هو انشغال الجماهير بصعوبة الأحوال المعيشية في ظل التضخم وارتفاع الأسعار والأزمة الاقتصادية، أما الثاني فيمكن تسميته بنوع من الحذر الشعبي الذي يمثل قيداً شعبياً داخلياً، خوفاً من ركوب الحركة الشعبية التضامنية من أي فصيل خاصة في ظل التحضير لمعركة انتخابات رئاسية، المشاعر موجودة ومتصاعدة لكن حركة التعبير عنها أقل".

-------------------------

(*)- لا يوجد تصريحات أو وثائق تدعم ما تداولته وسائل إعلام وأشار إليه الصعيدي من صدور دعوة معلنة أو في الغرف المغلقة عن الرئيس الأسبق محمد مرسي، تفيد بقبول تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard