من العريش، عاودت الشاحنات التي تحمل مواد الإغاثة الطبية والغذائية والمعيشية إلى قطاع غزة المحاصر، تحركها نحو معبر رفح الحدودي، المنفذ الوحيد بين مصر والقطاع الذي يتعرض لعدوان مستمر منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تشنه القوات الإسرائيلية عقب عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها حماس على إسرائيل.
أمس، الاثنين 16 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تجدد انتظار الشاحنات قرب المعبر، بعدما سحبت الحكومة الإسرائيلية موافقتها على دخول المساعات بشكل مفاجئ، وقام جيش الاحتلال بقصف معبر رفح على بعد سنتيمترات قليلة من جدار أمني شيدته السلطات المصرية. وهو القصف الرابع للمعبر خلال أيام معدودة، رغبة في منع مصر من إدخال أي بعدما سحبت الحكومة الإسرائيلية موافقتها على دخول المساعدات بشكل مفاجئ، وقام الجيش الإسرائيلي بقصف معبر رفح على بعد سنتيمترات قليلة من جدار أمني شيدته السلطات المصرية.
وهو القصف الرابع للمعبر خلال أيام معدودة، رغبة في منع مصر من إدخال أي مساعدات إلى القطاع المحاصر وإجبارها على استقبال نصف سكان قطاع غزة كمرحلة أولى لإخلاء القطاع من سكانه والاستيلاء على أراضيه في ممارسات تشبه النكبة الفلسطينية الأولى قبل العام 1948، كما أكد عدد من المسؤولين المصريين وسياسيون إسرائيليون ودبلوماسيون غربيون أيضاً تحدثت إليهم فاينانشال تايمز.
نشطت الجمعيات الأهلية المستقلة وذات الصبغة الحكومية كالهلال الأحمر المصري ومؤسسة حياة كريمة التابعة لرئاسة الجمهورية المصرية مباشرة في جمع التبرعات وتجهيز المساعدات الغذائية والطبية والصحية التي يحتاجها سكان قطاع غزة
رصيف22 تتبع رحلة جمع ومحاولة توصيل المواد الإغاثية على الأراضي المصرية، إذ نشطت الجمعيات الأهلية المستقلة وذات الصبغة الحكومية كالهلال الأحمر المصري ومؤسسة حياة كريمة التابعة لرئاسة الجمهورية المصرية مباشرة في جمع التبرعات وتجهيز المساعدات الغذائية والطبية والصحية التي يحتاجها سكان قطاع غزة، والذي بلغت آلة القتل الإسرائيلية فيه ما يقرب من 3000 ضحية للقصف المكثف بأسلحة مجرمة دولياً، ويبلغ عدد الأطفال نحو ثلث عدد الضحايا.
القافلة الإغاثية المنتظر عبورها إلى قطاع غزة المحاصر، نظمها "التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي"، وتضم القافلة قرابة 106 قاطرات محملة بكميات ضخمة من المساعدات الإنسانية لأهالي غزة تتضمن ألف طن من المواد الغذائية واللحوم و40 ألف بطانية بجانب ما يزيد عن 46 ألف قطعة ملابس و290 ألف علبة من الأدوية والمستلزمات الطبية والصحية (فوط صحية للنساء وحفاضات للأطفال وكبار السن والمقعدين).
ومنذ مساء السبت الماضي، ينتظر مئات المتطوعين بمدينة العريش شمال سيناء فتح المعبر لتسليم المساعدات، حيث سمح لهم بالوصول إلى معبر رفح الحدودي فجر اليوم وسط تأمينات أمنية مشددة، ليتسلل لقلوبهم بعض الأمل في الوصول إلى غزة رغم التهديدات الإسرائيلية الصريحة بالاعتداء على قوافل المساعدات.
رصيف22 تحدث مع 3 من متطوعي القوافل يشاركون لأول مرة في قافلة تتجه إلى خارج الحدود المصرية، للتعرف على كواليس رحلتهم الصعبة ولحظات التقاط الأنفاس.
التطلع إلى غزة
قبل 7 أعوام انضم المهندس الزراعي إبراهيم عبد الحميد لمؤسسة صناع الحياة. خلال تلك السنوات، شارك في العديد من القوافل من داخل مصر إلى المناطق الأكثر احتياجاً، إلى أن تولى منصب عضو مجلس إدارة متطوعي المؤسسة، لكن رحلة قافلة المساعدات إلى غزة تختلف عن غيرها بالنسبة إليه.
كانت عينا إبراهيم تترددان بين الشاشات التي تنقل مشاهد القصف والقتل المستمرة ضد أبناء غزة، وبين متابعة سير العمل لإعداد القوافل، تمر عيناه على الأخبار ويتصاعد داخله ثلاثة رفاق لم يظن أن يجمعهم جوار: "القلق والغضب والحماس".
يعتبر إبراهيم في حديثه لرصيف22، أن الوقت كان التحدى الأكبر أمامه وزملائه لتجهيز قافلة خلال 48 ساعة فقط: "المتطوعون بمختلف محافظات الجمهورية بدأوا على الفور في جمع تبرعات المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والأدوية والكسوة والبطاطين وتعبئتها، فضلاً عن تنظيم حملات ميدانية للتبرع بالدم من أجل غزة بالتعاون مع بنك الدم المصري، عقب ذلك تحركت قافلتنا المكونة من 25 متطوعاً لنصل لبوابة مدينة الإسماعيلية ومنها تحركت قوافل كافة مؤسسات المجتمع المدني المشاركة لنصل لمدينة العريش بشمال سيناء مساء يوم السبت الماضي، ومنذ ذلك الحين حتى فجر اليوم ونحن ننتظر شارة التحرك لمعبر رفح الحدودي".
كان إبراهيم ورفاقه ضمن الواصلين فجر اليوم الثلاثاء إلى معبر رفح ولا يزال ورفاقه في انتظار فرصة العبور إلى الجانب الآخر حيث يرى فلسطين للمرة الأولى.
الأيام التي قضاها إبراهيم ورفاقه في الانتظار وسط أنباء عن تهديد الجيش الإسرائيلي بقصفه وقصف زملائه حال دون عبورهم إلى الجانب الفلسطيني، لم تثر داخله الخوف على حياته: "ليس الخوف، بل الغضب والملل هو ما أشعر به". يعد إبراهيم الساعات التي تمر على سكان قطاع غزة المحاصر بلا دواء أو طعام أو مياه ويتطلع إلى شاحنات المساعدات المعبأة التي تنتظر دورها في تخفيف الألم والجوع عن سكان غزة، ويجتاحه الغضب من "الجبروت الإسرائيلي"، لكنه ينتبه لمسؤوليته عن المتطوعين: "طوال الأيام الماضية كان لا بد أن نحرص على كسر ملل المتطوعين وقطع ساعات الانتظار والقلق الطويلة بالتواصل هاتفياً مع زملائنا المتواجدين ميدانياً بمختلف المحافظات المصرية للإعداد للقافلة الثانية لغزة، وإعادة ترتيب المساعدات وتغليفها بشكل محكم يتحمل فترات الانتظار الطويلة، بمساعدة المتطوعين البالغ تعدادهم 150 متطوع من أبناء العريش الذين كانوا في استقبالنا، وكذلك التواصل مع ذوينا ومساعدة زملائنا في المؤسسات الأخرى".
الصمود
وقعت الأحداث الدامية في فلسطين وأسرة إبراهيم كانت في زيارة لمحافظة كفر الشيخ، أبلغهم بسفره ومشاركته في قافلة إغاثية لغزة، لم تخش عائلته على سلامته، بل فرحوا كثيراً بابنهم وتمنوا عودته سالماً وأداء الأمانة لأصحابها.
يحرص إبراهيم على التواصل مع عائلته بين الحين والآخر وطمأنتهم عليه، وينقل لنا مكالمة أجراها مع أهله كان ملخصها: "الأمور مطمئنة في العريش إلى حد كبير والقوافل مؤمنة على أعلى مستوى".
وعن التيسيرات المقدمة لهم من السلطات المصرية يقول إبراهيم: "الطريق ممهد ومؤمن منذ انطلاقتنا وصولاً للعريش بسيناء، والأجهزة المعنية في مصر سهلت لنا كافة الأمور". وبرغم التعنت والتهديدات الإسرائيلية لم يفقد إبراهيم وزملاؤه الأمل في دخول غزة مردداً "لن نغادر مواقعنا قبل تسليم المساعدات لأهالينا مهما طال الوقت"، مشيراً لقيام السلطات المصرية ببذل أقصى جهودها لفتح معبر رفح على الجانب الفلسطيني لعبور القافلة.
حلم منذ الطفولة
منذ أن كان طفلاً لم يتخط العشر سنوات، حرص المهندس يوسف سيد (23 عاماً) على التطوع في جمعية رسالة الخيرية لمساعدة المحتاجين، على مدار 13 عاماً، شارك في العديد من القوافل والأعمال الخيرية داخل الحدود المصرية إلا أنه لم يشارك من قبل في قافلة إغاثية متجهة لمساعدة الأشقاء في فلسطين.
يتولى يوسف إدارة القوافل في نطاق محافظتي القاهرة والجيزة بجمعية رسالة، يقول لرصيف22: "بدأت وزملائي البالغ عددهم نحو 500 متطوع الإعداد للقافلة وتجهيزها منذ الخميس، خلال يومين فقط استطعنا تجهيز 5 كونتينرات للمواد الغذائية، والبطاطين، ولأول مرة نجهز نصف طن أكفاناً مع ما أكدته وزارة الصحة الفلسطينية عن نقص مستلزمات أكفان شهداء القصف، وأضفنا للقافلة 2.5 طن مياه معبأة لنساعد في التخفيف من العطش في غزة".
تبلغ حمولة القافلة 40 طناً من المساعدات الغذائية ومستلزمات التدفئة والمياه، لكنه يتمنى أن يتمكن من توصيل المزيد بعد توصيل تلك القافلة: "كان باستطاعتنا جمع المزيد من التبرعات خاصة وأننا وجدنا مساهمة لم نتخيلها من المتبرعين، لكننا اضطررنا للتوقف للتحرك بأقصى سرعة لنصل السبت الماضي مدينة العريش، كنا ننتظر التحرك نحو غزة منذ أيام وأتمنى أن يكون وصولنا إلى معبر رفح فجر اليوم الثلاثاء هو فترة الانتظار الأخيرة والقصيرة قبل الدخول إلى غزة".
لم يستطع يوسف النوم خلال الأيام الماضية بينما ينتظر هو وزملاؤه دخول غزة التي يعدها "المدينة الأقرب" إلى قلبه منذ طفولته "لتسليم المساعدات يداً بيد لأهلنا".
خوف وترقب
قابلت أسرة يوسف خبر مشاركة ابنها في قافلة غزة بتخوف شديد، خاصة عندما علموا بخبر تهديدات القصف الإسرائيلية لقوافل الإغاثة وأن الأوضاع بفلسطين غير مطمئنة: "قالوا لي مابلاش أنت يا حبيبي شوف حد ثاني يسافر مكانك. أنت أول مرة تسافر منطقة حدودية وإحنا خايفين عليك’، لكنني طمأنتهم بأن الأمور مطمئنة وهناك تشديدات أمنية من قبل القوات الأمنية المصرية المرافقة لنا لتأميننا، وعليه تبدل خوفهم وشجعوني على المشاركة وأداء دوري كمتطوع تجاه أهلنا في غزة، وأتواصل معهم بصفة مستمرة".
يحرص يوسف وزملاؤه خلال فترات الانتظار الطويلة على متابعة الأحداث في فلسطين عبر المواقع الإخبارية والسوشال ميديا لمعرفة تطورات الأحداث أولاً بأول، قبل ساعات من تحركهم إلى رفح مساء الإثنين 16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وردت لهم تعليمات من السلطات المصرية بوجود تغييرات في قواعد تغليف المساعدات ليتم تحميلها على "طبالي خشبية"، فقضوا الليل يعيدون تغليف المساعدات بشكل يضمن عدم فساد المواد الغذائية والطبية المحملة بها القوافل، يقول يوسف: "كثير من المؤسسات المشاركة لم تكن على دراية بشروط عبور الشاحنات عبر معبر رفح، وقمنا بمساعدة بعضنا البعض في إعادة التغليف".
يشير يوسف لدعم السلطات المصرية "بصورة غير مسبوقة"، على حد قوله، بداية من التأمين وتسهيل العبور من الإسماعيلية لسيناء وصولاً لتوفير الكراكات اللازمة لشحن المساعدات وإعادة ترتيبها وتحميلها.
احتمالية عدم العودة
لم يخش يوسف وزملاؤه قذائف قوات الاحتلال على الجانب الفلسطيني: "لم تهتز فينا شعرة، ولو عملوا أكثر من كده مكملين لحد ما نسلم المساعدات لأهلنا يداً بيد. لا نطمئن أن نسلم القوافل في المعبر وقوات الاحتلال يضربونها أو يستولون عليها ولا تصل لأهلنا، جميع من تطوعوا أعدوا أنفسهم لاحتمالية عدم العودة مجدداً وإطلاق قذائف علينا من قبل قوات الاحتلال، مفيش مشكلة عندنا نحن لسنا أقل من أبطالنا في فلسطين".
لكن الانتظار أقسى وطأة من التهديدات الإسرائيلية، فمن بين القافلة التي خرج معها يوسف وبين ظهرانيها 65 متطوعاً وصلوا إلى رفح يوم السبت قبل أن يعودوا للعريش بعد قصف المعبر على الجانب الفلسطيني ثلاث مرات في يوم واحد من قبل القوات الإسرائيلية. عاد معظم المتطوعين بعد التلويح الإسرائيلي بمنع دخول المساعدات تماماً إلى بيوتهم في القاهرة والجيزة، فيما صمد يوسف مع اثنين آخرين من زملائه ليضمنوا وصول قافلة صناع الحياة إلى غزة، مهما كانت التهديدات.
مثلهم في ذلك مثل عبد الرحمن محمد عبد الرحيم، 37 عاماً، الذي يواصل عمله التطوعي الذي بدأه قبل 20 عاماً. وهو يشغل منصب مدير محفظة الاحتياجات الأساسية ودعم شغل العيش بمؤسسة صناع الحياة في مصر. يقول لرصيف22 إن يقينه هو وغيره من المتطوعين بعملهم وأهمية وصول التبرعات لغزة كان سبيلهم الوحيد في مواصلة رحلتهم نحو فلسطين.
ينتظر مئات المتطوعين بمدينة العريش شمال سيناء فتح المعبر لتسليم المساعدات، حيث سمح لهم بالوصول لمعبر رفح الحدودي فجر اليوم وسط تأمينات أمنية مشددة، ليتسلل لقلوبهم بعض الأمل في الوصول إلى غزة
ويكمل: "على مدار ثلاثة أيام ظللنا ننتظر في العريش شارة البدء للتحرك لمعبر رفح الحدودي. لدينا أمل كبير في دخول غزة مهما طالت المدة ولم نيأس أبداً، ونحرص على توثيق لحظاتنا بالصور والفيديو وطمأنة ذوينا بين الحين والآخر، شجعنا على ذلك التشجيع والمؤازرة من كل المحيطين بنا سواء كانوا زملاء عمل تطوعي من نفس المؤسسة والمؤسسات الأخرى والجهات المعنية في الدولة، والمتبرعون أنفسهم كانوا أحرص منا على تلبية نداء التبرع ومساعدة أهالينا في فلسطين خلال ساعات معدودة هي مدة الحشد وجمع التبرعات وتجهيز القافلة".
ويضيف عبد الرحيم: "كل مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني جمعت التبرعات بناءً على التنويع والتخصص، فمن يعمل في مجال المساعدات والمستلزمات الطبية جاء بكل ما يخص الرعاية الصحية، بينما من يعمل في الغذاء شارك بالكراتين الغذائية والمعلبات الجافة".
مستلزمات الرعاية الصحية للنساء والأطفال أولوية
بحسب عبد الرحمن شاركت صناع الحياة بـ"الكراتين الغذائية والمعلبات الجافة والمستلزمات الطبية الخاصة بالرعاية الصحية للفتيات والأطفال الرضع كالبامبرز وخلافه وقد شاركنا بنحو 100 طن مساعدات". ويضيف: "الحالة العامة كانت دافعنا الرئيسي في الاستمرار والمشاركة كمؤسسة في القوافل المتجهة لغزة، كما أن التكافل بين جميع المؤسسات خلق حالة رائعة شجعتنا كمتطوعين ومتبرعين على مواصلة الرحلة".
وعن تعامل السلطات المصرية معهم قال "تعامل منضبط ورائع. طوال الطريق تتم متابعتنا من قبل السلطات المصرية، فضلاً عن توفير قوات تأمين للقائمين على القوافل وتوفير أماكن مبيت آمنة لمن لم يجد مكاناً يبيت فيه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com