خيبة أمل وصدمة تسودان الوسط الثقافي العربي في ألمانيا من حملة الإلغاء التي بدأتها مؤسسات ألمانية ثقافية حيال كل ما يمت للفلسطينيين بصلة بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، الذي قد يصبح تاريخاً لخسارة مشروع التنوع والشمول الذي لطالما تفاخرت به هذه المؤسسات وروجت له، وخسارة الكثير من الثقة، وانتصار الانقسام، ربما إلى حين.
تعيش ألمانيا منذ السابع من أكتوبر أجواء "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، مُحيت فيها الفوارق والتنوع بين خطاب الساسة والمثقفين-ات والصحافيين-ات، نسي فيها الناشطون-ات في المجال العام، كلمة "لكن"، التي يستهلكونها أكثر من الخبز يومياً في نقاشاتهم حول الصغيرة والكبيرة، وبات يعتبر كل من يقول "نعم ولكن"، بمعنى نعم ارتكبت حماس أعمالاً إرهابية لكن ينبغي النظر إلى ما يحدث في غزة أو تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مقللاً من شأن هذه الجرائم وداعماً للإرهاب، ومحاولاً عكس دور الضحية والجلاد وفق تعبير المستشار الألماني، أولاف شولتز، نفسه.
الصحافية السويسرية، مونيكا بوليغر، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، كتبت في صحيفة (ديرشبيغل) الألمانية، أنها عندما تتابع النقاش في ألمانيا، يتملكها شعور بأن هناك مساحة أقل للتعاطف مع الضحايا الفلسطينيين، مقارنة حتى بالتعاطف معهم في دائرة أصدقائها من اليهود والإسرائيليين: "لدي شعور بأن هناك منافسة في ألمانيا حول من هو أكثر تضامناً مع إسرائيل، وكأنه ليس هناك فرق بين ضحايا جرائم حماس والحكومة الإسرائيلية، التي تتحمل أيضاً مسؤولية هذه الكارثة والصراع الذي يتفجر أكثر وأكثر".
المنافسة على التضامن غير المشروط مع إسرائيل، وضعت المسؤولين في المؤسسات الثقافية الألمانية في حالة ذعر وارتباك غير مسبوقين حيال كتاب وكاتبات كانوا حتى وقت قريب يفخرون بالنشر لهم
هذه المنافسة على التضامن غير المشروط مع إسرائيل، وضعت المسؤولين في المؤسسات الثقافية الألمانية في حالة ارتباك تجاه تعاملهم مع كتاب وكاتبات كانوا حتى وقت قريب يفخرون باستضافتهم، و النشر لهم. فعندما يصبح مجرد رفع العلم الفلسطيني إشكالياً لن يريد أحدهم أن يُضبط "متسللاً"، في بلد بات مهووساً بثقافة الإلغاء.
الرياح تغير مجراها فجأة، وحتى تهدأ العاصفة، يجد المسؤولون كما يبدو في استضافة مثقف فلسطيني أو من قد يتعاطف معه ربما، قراراً قد يدفعون ثمنه منصبهم، وهم يتذكرون جيداً مصير مديرة معرض (دوكومنتا) التي فقدت منصبها بعد استضافة أعمال تجمع فناً إندونيسياً، اُتهمت بكونها تتضمن رسوماً معادية للسامية. كان هذا في وقت لم تكن فيها طبول الحرب تدق.
موجة إلغاء للصوت الثقافي الفلسطيني
هذا التغير المفاجئ في الأجواء تجسد بشكل واضح في إلغاء بيت الشعر في برلين حدث إطلاق أنطولوجيا "زحف القارات، أوروبا العربية" للشاعر غياث المدهون، الذي تحدث قبل أسابيع فقط في متحف الهجرة في برلين عن الفن والمنفى.
المدهون قال عن الإلغاء: "جاء بعد عامين من العمل الشاق، مع 34 شاعراً عربياً يعيشون في أوروبا، و8 مترجمين من العربية للألمانية، والكثير من المعاناة والأوقات الصعبة في التعامل مع الرقابة وحذف الكثير من القصائد ومحو العديد من الشعراء من المختارات بسبب فلسطين حتى ولو أنكروا ذلك للمفارقة"، لافتاً إلى أنه كان قد هرب من سوريا في العام 2008 بسبب الرقابة.
من الصعب الحديث عن حملة ممنهجة ضد مثقفين فلسطينيين، بل ربما أكثر عن موجة تعكس خوفاً حيال التعامل مع كل ما هو فلسطيني، وما قد يتبعها من خسارة المنصب ووصمة تقديم منصة لخطاب معاد للسامية
مع ذلك، من الصعب الحديث هنا عن حملة ممنهجة ومنسقة ضد مثقفين-ات فلسطينيين-ات، بل ربما أكثر عن موجة تعكس ضعف ثقة وخوف حيال التعامل مع كل ما هو فلسطيني، وما قد يتبعها من خسارة المنصب أو الدعم المالي للمؤسسة، ووصمة تقديم منصة لخطاب معاد للسامية. هي شهادة عدم كفاءة بحق المسؤولين في الحقل الثقافي الألماني، الذي سيصعب على الجمهور القادم من المنطقة العربية تصديق حديثهم عن حرية الفن والكلمة.
توقيت تنظيم معرض فرانفكورت للكتاب وإرسال الدعوات سلفاً، وضع القائمين عليه ومديره يورغن بوس، في موقف محرج. حاولوا ما وسعهم إعادة ضبطه كما يتطلب الخطاب العام في البلاد، لكن دون جدوى.
احتجاج عالمي على إلغاء تكريم "شبلي"
سبق انطلاقة نسخة هذا العام، ضجة أحدثها إلغاء حفل تكريم الكاتبة عدنية شبلي بجائزة "ليبراتور برايز"، عن روايتها "تفصيل ثانوي". تحكي الرواية قصة اغتصاب وقتل جنود إسرائيليين لفتاة بدوية في العام 1949، والبحث عن خلفياتها بعد عقود، وكان قد أشيد بالرواية سلفاً في الأعوام الماضية، ووصلت للقائمة الطويلة لجائزة بوكر الدولية.
بعد جدل في وسائل الإعلام الألمانية حول ما إذا كانت الرواية "معادية للسامية"، رأي اختلفت معه صحيفة، فرانفكورتر ألغماينه، على سبيل المثال فيما اتفقت معه صحيفة "تاتز" اليسارية، حاولت إدارة المعرض التنصل من مسؤوليتها عن الإلغاء، ونسبت القرار إلى مؤسسة "ليتبروم". في الوقت نفسه، تعهد مدير المعرض بوس بجعل الأصوات اليهودية والإسرائيلية ظاهرة أكثر في المعرض. هكذا أضيفت على عجل ندوة بعنوان "في قلق على إسرائيل" لبرنامج المعرض.
وحاولت إدارة المعرض في البداية اظهار تأجيل الحفل، على أنه جرى بالاتفاق مع الكاتبة شبلي، وهو أمر نفته في تصريح لاحق. وأقرت إدارة المعرض لاحقاً بأن التأجيل لم يأت بالاتفاق مع شبلي.
ما لا يُذكر كثيراً علناً هو أن مدير معرض فرانكفورت للكتاب، يورغن بوس، هو رئيس مجلس إدارة ليبتروم، التي ألغت الاحتفال. لذا يتمتع مثل هكذا نفي لإلغاء المعرض للحفل بالقليل من المصداقية. صحيفة، فرانكفورتر ألغماينه، قالت إنه من المشكوك فيه حدوث هكذا نقاش عام حول منح الجائزة دون الهجوم الإرهابي على إسرائيل، مشيرة إلى أن المطالب بإلغاء الحفل يذكرها بالمطالبة باستغناء معمم لكل فن مصدره روسيا بعد بدء الحرب ضد أوكرانيا.
هذا الإلغاء تبعه حملة استنكار دولية ضد المعرض، تمثلت في توقيع مئات الشخصيات، من بينهم حاصلون على جائزة نوبل للأدب، كعبد الرزاق قرنح، وأولغا توكارتشوك، والفيلسوفة جوديث بتلر، على رسالة احتجاجية مفتوحة، يرون فيها أنه يقع على عاتق معرض دولي للكتاب كمعرض فرانكفورت مسؤولية توفير مساحة للكتاب الفلسطينيين يشاركون فيها أفكارهم ومشاعرهم حول دور الأدب في أوقات مريعة كهذه، لا أن يقوم باسكاتهم.
عندما طلبت صحيفة نيويورك تايمز من شبلي تعليقاً، ردت بأنها غير قادرة على التعليق بالنظر إلى ما يجري في فلسطين- إسرائيل. وكانت قد قالت في تصريح سابق للصحيفة أنه كان من المثير للقلق محاولة الشعبوية وضع قبضتها على الأدب، الذي لا يمكن أن يكون في قبضة مجموعة.
انسحابات غاضبة
وأعلنت دور نشر من الشرق الأوسط وآسيا، وكتاب وكاتبات عن انسحابهم من نشاطات خلال المعارض. فأعلنت ماليزيا وأندونيسيا مثلاً انسحابهما من المشاركة.
في ألمانيا، أعلن الكاتب المسرحي السوري محمد العطار انسحابه مع الكاتبة رشا عباس من ندوة كانا مدعوين إليها في المعرض، احتجاجاً على إلغاء مراسم تكريم شبلي.
وقال العطار: "من المقلق والمعيب أن تتخلى فعالية ثقافية بحجم معرض فرانكفورت للكتاب عن دورها الأساسي في توفير مناخ قائم على حرية التعبير والنقاش، وخاصة في الأجواء الحالية في ألمانيا التي تشهد تضييقاً غير مسبوق على كل نشاط أو رأي داعم للقضية الفلسطينية".
أعلن الكاتب المسرحي السوري محمد العطار انسحابه مع الكاتبة السورية رشا عباس من ندوة كانا مدعوين إليها في معرض فرانكفورت للكتاب، احتجاجاً على إلغاء مراسم تكريم شبلي.
منظمو المعرض أكدوا لصحيفة نيويورك تايمز أن منح الجائزة لشبلي لم يكن موضع شك البتة، وكان القرار متعلقاً بتأجيل الاحتفال لوقت لاحق، كتعبير عن التعاطف مع الأبرياء في إسرائيل وفلسطين المتضررين من هذه الحرب، لتبديد أي تقارير زائفة أو سوء فهم.
وعبر مدير المعرض بوس عن خيبة أمله من الانسحابات لسبب جيوسياسي على حد توصيفه. وقال نائبه، تورستن كاسيمير، إنهم لا يفهمون أنهم يتعاطفون مع الضحايا من الجانبين، لكنهم يقفون بثبات على الجانب الإسرائيلي.
مقاطعة للفعاليات المدعومة من الحكومة الألمانية
ودفع التضييق الذي تتعرض له الأصوات الفلسطينية منذ 7 أكتوبر، في الشارع وفي المدارس وفي الحقل الثقافي، شخصيات فاعلة إلى الاحتجاج ومقاطعة الفعاليات المدعومة رسمياً.
فأعلن الموسيقي البريطاني من أصول عراقية، خيام اللامي، مقاطعته جميع أنواع الدعم الذي تقدمه المؤسسات الحكومية الألمانية احتجاجاً على منع مدينة برلين العنيف للناس من ممارسة حقهم في الاحتجاج والحداد حيال الظلم الذي يحدث في غزة: "لا تستطيع المدينة والبلاد تجريم وكتم أصواتنا وتوقع تواصل عملنا الثقافي. عملي أنا لن يستمر حتماً".
وأصدر مركز "عيون" الثقافي في برلين بياناً، يشير فيه إلى تعرضهم لضغوط من السلطات الثقافية في برلين في الماضي لإلغاء الفعاليات، آخرها، واحدة لمنظمة "صوت يهودي لأجل سلام عادي في الشرق الأوسط"، وهي مجموعة من اليهود والإسرائيليين حاصلة على جائزة غوتنغن للسلام في 2019. وأشار المركز إلى أنه بالنظر إلى فقدان المنظمة أحد أحبائها في الهجوم الوحشي المدان الذي ارتكبته منظمة حماس الإرهابية وأيضاً من قبل حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة، لن يذعنوا لضغط حكومة برلين، وستقام الفعالية في الرابع من شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
وقال المركز إن حكومة برلين سبق أن حذرتهم من أن الحرية الفنية لم تعد مكفولة لمواضيع تعتبر مشحونة سياسياً، ولغياب تعريف موضوعي لذلك، كانوا معتمدين على حكم تعسفي وغير موضوعي من الحكومة.
وأعلنت الكاتبة ديمة بيطار قلعجي، المقيمة في برلين، عن انسحابها من القراءات والفعاليات التي كان يتعين عليها المشاركة أو حضورها تضامناً مع الكاتبات والكتاب والفنانين والفنانات بعد إلغاء المؤسسات الثقافية الألمانية فعالياتهم-ن مؤخراً.
تعليقاً على إلغاء مسرح مكسيم غوركي في برلين عرضاً لمسرحية "الوضع" (في 23 الشهر الجاري)، التي شاركت فيها، والتي تدور حول نقاش الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في دورة تعليم لغة في حي نويكولن البرليني، نشرت الممثلة مريم أبو خالد بياناً مندداً بالقرار، بدأته بالقول:"هل لدي الحق لأكون غاضبة كفلسطينية في ألمانيا؟ نعم أستطيع، لكن سيكون هناك تبعات، لكن ليس لدي ما أخسره سوى كرامتي إن بقيت صامتة، أولاً أريد القول عار عليك أيها العالم".
وكانت المسرحية قد عُرضت لأول مرة في العام 2015، وهي من إخراج الإسرائيلية يال رونين.
وتحدث المسرح في بيان توضيحي عن أن هجوم منظمة حماس الإرهابي وضعها إلى جانب إسرائيل، التي يتوجب عليها الرد، مشيرة إلى أن حماس اتخذت منذ أعوام الشعب الفلسطيني نفسه رهينة.
وقالت إدارة المسرح أنها لا تستطيع تفهم التبسيط، ويعيش على تعدد الأصوات والنقاش والخصام لكن الخصام حول حروب قديمة لن يساعدنا حيال الحرب الجديدة.
سلافوي جيجيك... ضيف ثقيل الكلمة
ربما كان من سوء طالع إدارة المهرجان، حلول الفيلسوف سلافوي جيجك ضيفاً في الافتتاح، ممثلاً للدولة الضيفة سلوفينيا، وهو المعروف بعدم وضع يده أمام فمه عندما يتعلق بإبداء رأيه، حد نشره فيديو مؤخراً يعلن فيه تضامنه مع عبد الله أوجلان، الزعيم المعتقل لحزب العمال الكوردستاني المحظور أوروبياً وأمريكياً.
بعد مضي خطابات مفوضة الثقافة في الحكومة الألمانية الاتحادية، كلاوديا روت، وباقي المسؤولين في افتتاح المعرض وفق الخط العام المتضامن مع إسرائيل دون شروط، تحول خطاب جيجك إلى عرض مسرحي كان ليكون مضحكاً لولا كونه حزيناً، معبراً عن حال حرية التعبير في البلاد الآن.
بدأ جيجك خطابه بإدانة هجوم حماس على إسرائيل، معطياً إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، إلا أنه أشار إلى أنه ما إن يبدأ أحدهم بتحليل خلفية الوضع المعقد، حتى يُتهم بدعم إرهاب حماس، مشيراً لغرابة منع التحليل هذا. وأثار ضحكات الجمهور بتشبيه ما يجري حالياً بالعيش في خلية نحل، وهو أكثر مجتمع توتاليتاري يمكنك تخيله، مؤكداً عدم رغبته في العيش في مثل هكذا مجتمع.
بدأ جيجك خطابه بإدانة هجوم حماس على إسرائيل، معطياً إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، إلا أنه أشار إلى أنه ما إن يبدأ أحدهم بتحليل خلفية الوضع المعقد، حتى يُتهم بدعم إرهاب حماس
ثم تطرق إلى مقال لمجلة ديرشبيغل عن معاداة السامية، يشار فيه إلى أن الضحية وحدها من تستطيع اتخاذ قرار إن كانت ضحية، متسائلاً إن كان لا ينبغي أن ينطبق ذلك على الفلسطينيين أيضاً، يقررون من يسرق أرضهم ويجردهم من حقوقهم الأساسية.
وتوقف عند عدم ذكر أي متحدث في خطابات الافتتاح باستثناء الرئيسة السلوفينية، كلمة "فلسطينيين"، والتركيز على ثنائية حماس وإسرائيل، مؤكداً على ضرورة ذكر ملايين الفلسطينيين، وعدم التعامل معهم كمشكلة، وعلى عدم إمكانية حلول السلام في المنطقة دون حل القضية الفلسطينية.
ثم عاد للتأكيد أنه لا يبرر الجريمة، معطياً لإسرائيل الحق في شن هجوم مضاد، دون نسيان هذه الخلفية المظلمة المتعلقة بالفلسطينيين.
عندما تطرق لقول بعض أصدقائه له إنه يحق للفلسطينيين أن يكونوا معادين للسامية قليلاً نظراً لما تفعله إسرائيل بهم، ولإسرائيل الحق في أن تكون عنيفة بعض الشيء، نظراً لما فعلوه بهم في المحرقة، علق أنه لا يتفهم ذلك، داعياً إلى التفكير في الحقوق الفلسطينية ومكافحة معاداة السامية، عندها صعد مفوض مكافحة معاداة السامية في ولاية هيسه، أوفه بيكر إلى المنصة وقاطعه، داعياً إياه إلى عدم مقارنة إرهاب حماس مع ما يفعل على الجانب الإسرائيلي، متهماً إياه بالتقليل من شأن الجرائم، فانفعل جيجك وساق اعتراض بيكر كدليل على ما يعنيه منطق الإلغاء من الناحية العملية، موضحاً أنها طريقة تنوع قائمة على استبعاد بعض الآراء سلفاً.
عندما مضى في خطابه وأشار إلى دعم يمينيين متطرفين في الغرب لإسرائيل بدافع متعلق برغبتهم في مغادرة اليهود لأوروبا، هذا منذ أيام النازي راينهارد هيدرش، عاد بيكر لمقاطعته واتهمه بالتهوين من القضية، موبخاً إياه بالقول إنه من المعيب أن يتحدث عن ذلك في يوم يتعرض الناس للمذبحة في إسرائيل. رد جيجك المنفعل، قائلاً "في غزة أيضاً"، معتبراً أن الطريقة التي يتحدث بها بيكر تضع ملايين الفلسطينيين/ات في موقف مستحيل، ما سيساهم في صعود معاداة السامية.
إثر هاتين المقاطعتين، وجد جيجك صعوبة في اكمال خطابه المكتوب، لكنه مضى فيه، معتبراً تأجيل تكريم الروائية شبلي، قراراً "شائناً"، والإرهاب ضد إسرائيل متعارضاً مع جميع قيم معرض فرانكفورت للكتاب، لكن أيضاً العقاب المعمم للملايين في غزة، وكذلك إلغاء تكريم عدنية شبلي، موضحاً أنهم يقفون هنا أمام ثقافة إلغاء قائمة على استبعاد أناس لا يناسبون تصورهم عن التنوع والشمول.
محاولاً تبرير وجوده في المعرض رغم ذلك، قال إنه ليس فخوراً فحسب بالتواجد، لكنه يشعر بالخجل أيضاً.
كمن يفكر في تبعات كلمته بعد المقاطعات، ومغادرة بيكر وآخرين القاعة خلال الخطاب مراراً، عاد في النهاية ليؤكد أنه لا يقلل من شأن جرائم حماس، ومعرفة خلفياتها لا يعني تبريرها، ويقر بحق إسرائيل في الوجود، مشيراً إلى أنه ناقد للسلطة الفلسطينية، مؤكداً أنه لا يمدح الفلسطينيين، بل يدعو لرؤية حقوقهم. عندما غادر المنصة لقي تصفيقاً وصافرات استهجان أيضاً.
في وقت لاحق قال المفوض بيكر لوكالة الأنباء الألمانية أنه بوسع المرء الحديث عن كل شيء، أيضاً عن حقوق ومعاناة الفلسطينيين لكن دون مساواتها بالظلم والعنف الشديد والإرهاب، "هذا لا يجوز"، على حد تعبيره.
واعتبر الفيلسوف الألماني دانيال باسكال تزورن، في تغريدة له، أن الغباء الصارخ والجهل والخبث الذي يُرد بها على خطاب جيجك في المعرض يظهر مدى أهميته.
إلى أين؟
عندما ينفض غبار هذا السقوط، الذي كشف عن هشاشة وسط ثقافي ألماني يفترض أنه قائم على اتاحة التعبير دون قيود، سيتوجب على المسؤولين المطمئنين على بقائهم على كراسيهم فعل الكثير لبناء الجسور مع مثقفين قادمين من المنطقة العربية، هذا إن كان ذلك ممكناً.
من فرانكفورت، كتبت المترجمة المتخصصة بالترجمة الأدبية، ساندرا هيتزل، التي ترجمت للعديد من الكاتبات والكتاب القادمين من سوريا والمنطقة العربية أن "جزءاً كبيراً من العمل التي قامت به في السنوات الإحدى عشرة الماضية، لم يعد له معنى، هذا على افتراض أنه كان له معنى أصلاً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...