شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
كندا واللاجئون... فارس أبيض أم رجل أعمال مستغل؟

كندا واللاجئون... فارس أبيض أم رجل أعمال مستغل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والمهاجرون العرب

الأحد 8 أكتوبر 202303:37 م

أعلنت كندا في عام 2022 عن مبادرة جديدة لإعادة توطين 600 لاجئ أفغاني من مجتمع الميم عين. مؤخراً، أعلن ترودو أيضاً عن مبادرة جديدة لتوطين 250 لاجئاً إضافياً من مجتمع الميم عين من إفريقيا في يونيو 2023. تبدو كندا كأرض الميعاد، أو "الملاذ الآمن"، في كل مرة نطالع فيها وجه ترودو المشرق يخطب عن الحرية والعدالة والشجاعة والوقوف إلى جانب الحق. أما على أرض الواقع، تبدي الحكومة الفدرالية الكندية وجهاً آخر أكثر قتامة.

الملاذ الآمن للجميع

في إحدى قصص سلسلة حكايات لاكي لوك المصورة للرسام الفرنسي جوسيني، تقوم فرقة متنقلة بتقديم مسرحية الفارس الأبيض الذي يصل في اللحظة الأخيرة لينقذ الفتاة الفقيرة وأخاها الصغير، من براثن صاحب المنزل الذي أراد خطف الطفل كتعويض عن عدم دفع الإيجار.

تنتقل الفرقة لتقديم المسرحية من بلدة إلى أخرى، بالتزامن مع سلسلة من السرقات التي استهدفت البنك المحلي لكل بلدة، ليكتشف، لاكي لوك، في النهاية أن السارق لم يكن سوى الفارس الأبيض نفسه.

استقبلت كندا عبر تاريخها موجات عديدة من اللاجئين من الصين وكوريا وبولندا ودولاً أخرى. وفي المقابل، تنم آليات وسياسات إعادة توطين اللاجئين عن عنصرية، ومعايير مزدوجة وفوائد اقتصادية جمة لكندا

تشبه هذه القصة الكيفية التي تتعامل بها كندا التي تستمر بالترويج لنفسها كالملاذ الآمن للاجئين في العالم.

نذكر إعلانات ترودو الحماسية عن استقبال اللاجئين السوريين، ثم الأفغانيين، ثم الأوكرانيين. تتصدر كندا إحصائياً دول العالم في توطين اللاجئين من خلال عدة برامج ومبادرات.

استقبلت كندا عبر تاريخها موجات عديدة من اللاجئين من الصين وفيتنام وكوريا وبولندا وإيرلندا وهنغاريا ودولاً أخرى. وفي المقابل، تنم آليات وسياسات إعادة توطين اللاجئين عن عنصرية ومعايير مزدوجة وفوائد اقتصادية جمة لكندا.

ليس هناك ما يحدد آلية أو خطاً زمنياً محدداً لدراسة وقبول طلبات اللجوء، وبالتالي لا يوجد ما يضمن التعامل مع هذه الطلبات على قدم المساواة.

قدمت بنفسي ملفات لجوء للحكومة الكندية لاتزال قيد الدراسة منذ 3 سنين، بينما أُعطيت الموافقة الفورية لطلبات أخرى دون سبب واضح. يعتمد الأمر على شبكة معقدة من الأولويات والعلاقات والمصالح السياسية مع الدول المضيفة و"كوتا" الأعداد المرغوبة والمجموعات التي يُمكن استغلالها سياسياً واقتصادياً.

سارعت كندا للتدخل عند بداية الحرب الأوكرانية، وكانت استجابتها للاجئين الأفغانيين متزامنة أيضاً. لِمَ لم تُتح كندا برنامجاً للاجئين اليمنيين بالمقابل؟ هل يمكننا افتراض أن لهذا علاقة بصفقات السلاح الضخمة التي عقدها ترودو مع السعودية بصمت بين إعلاناته الصاخبة عن إنقاذ اللاجئين؟

ليس هناك ما يحدد آلية أو خطاً زمنياً محدداً لدراسة وقبول طلبات اللجوء، وبالتالي لا يوجد ما يضمن التعامل مع هذه الطلبات على قدم المساواة.

بماذا يختلف الأوكرانيون عن الأفغان؟ أظهرت المعايير المزدوجة التي تعاملت بها الحكومة الكندية مع اللاجئين من أفغانستان ومن أوكرانيا الأولويات السياسية، والعنصرية التي يكرسها نظام الحكومة.

طار عشرات الآلاف من الأوكرانيين من أوكرانيا مباشرة بواسطة أذون دخول مؤقتة أتاحت لهم الدخول الفوري لكندا التي لم تُحدد سقفاً مسبقاً لعدد المقبولين. فرضت الحكومة الكندية بالمقابل على اللاجئين الأفغانيين قنوات محدودة للتقدم للجوء أو الهجرة من خلال البرامج التقليدية التي قد تستغرق أعواماً، وحددت سقفاً مسبقاً لأعداد المقبولين. تظهر المؤشرات الرقمية الفارق بوضوح: فمن خلال البرنامج الأوكراني وصل إلى كندا بين مارس 2022 وأغسطس 2023 ما يزيد عن 175 ألف لاجئ أوكراني، وتمت الموافقة على أكثر من 875 ألف طلب. وبالمقابل، تظهر الإحصائيات الرسمية أن العدد الكلي للاجئين الأفغانيين الذين وصلوا إلى كندا منذ أغسطس 2021 لا يزيد عن ثلاثين ألف لاجئ أفغاني.

لاشك في أن إعادة توطين اللاجئين في بيئة آمنة أمر إيجابي، خصوصاً لمن تنعدم لديه فرص الحياة والاستقرار، إلا أن هذه الطريقة في التعامل تطرح الكثير من الشكوك حول إنسانية النوايا الكندية فيما يخص إعادة توطين اللاجئين، وعن الحقوق الفعلية التي يتمتع بها أي لاجئ في كندا سوى الحماية من القتل، رغم وصولهم إلى كندا كمقيمين دائمين يتمتعون افتراضياً بكافة حقوق المواطن الكندي، عدا الانتخاب والحصول على جواز سفر أو شغل مناصب حكومية رفيعة.

لازلنا لم نتحدث بالطبع عن أولئك الذين يتقدمون بطلبات اللجوء من داخل كندا ويخضعون لإجراءات حكومية ذات طابع عنصري ورافضة بالغالب. كما أكدت محامية مختصة في قضايا اللجوء والهجرة أنها تعرضت لحوادث عنصرية في قاعة المحكمة من قبل القضاة أنفسهم بسبب بشرتها السمراء.

ولا يوجد أي سلطة في كندا تنظم وكالة خدمات الحدود الكندية أو تراقب عملها.

اللاجئ الاقتصادي

في ضوء كل هذا، يحق لنا أن نتساءل عن المنافع التي تحصل عليها كندا من خلال عملية توطين اللاجئين.

تخطط كندا لاستقبال 1.5 مليون قادم جديد حتى العام 2025 بسبب النقص الحاد في اليد العاملة في شتى القطاعات المهنية. وتشير الأرقام إلى تخفيض عدد اللاجئين مستقبلاً مقابل المهاجرين الاقتصاديين. وفقاً لرويترز، فرغم أن كندا تخطط لزيادة عدد المهاجرين، إلا أنها في المقابل تخطط لتخفيض عدد اللاجئين المدعومين حكومياً بحوالي الثلث (من 23,550 إلى 15,250 في عام 2025). تُتيح كندا أيضاً برامج لجوء اقتصادية منذ العام 2021، وتحديداً البرنامج التجريبي لسبل الانتقال الاقتصادية، والذي يتعامل مع اللاجئين كمهاجرين اقتصاديين بناء على حاجة السوق. هل الهدف من هذه المبادرات الوقوف إلى جانب الحق والعدالة؟ الأمر مرهون بمدى حاجة السوق الكندي للعمالة الرخيصة، والبرامج الحكومية للجوء ماهي سوى آليات انتقائية تصطفي من يمتلك أفضليات اقتصادية مثل الدراسة الجامعية والخبرات المهنية والأصول المالية.

يوفر اللاجئون أيضاً دعاية انتخابية مؤثرة، وخصوصاً عندما يصلون إلى كندا من ناحية السياسة الداخلية. استثمر الحزب الليبرالي تحديداً بقيادة جاستن ترودو في هذه الحملات الدعائية بدءاً من توطين اللاجئين السوريين. تُصاغ كل قصص النجاح بذات الطريقة: أولئك الضائعون الذين وجدوا ملاذاً آمناً يحتضنهم يعربون عن امتنانهم للفارس الأبيض الذي حررهم من براثن الموت، ويحكون قصصهم المؤثرة على وسائل الإعلام أو أمام الجمهور، بينما لا يثير الجمهور معرفة المصاعب الحقيقية التي يتعرضون لها للاستقرار في كندا في السنوات التالية بعد نشوة الوصول المضخمة إعلامياً.

اكتسبت كندا سمعتها كملاذ تاريخي آمن من خلال تسهيل عبور السود الناجين من العبودية في أمريكا عبر "الخط الحديدي السري"، لتستمر حتى اليوم بحصد الفوائد الاقتصادية والسياسية من هذه الصورة على كافة المستويات. حتى لو كان ذلك على حساب اللاجئين أنفسهم الذين تتباهى كندا بدعمهم، فالفارس الأبيض ليس في الحقيقة سوى رجل أعمال يسعى لملء جيوبه.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard