يحدث أن تقع عمليات إرهابية في دول المنطقة بمساعدة من فرد من أفراد المؤسسات الأمنية والعسكرية، يعتنق الفكر السلفي الجهادي، ويتم تجنيده من قبل تنظيمات متطرفة مرتبطة بالقاعدة أو داعش أو كما حدث مع الجماعات الإرهابية المصرية خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي. لكن حين تتكرر تلك الحوادث بشكل كبير، يؤشر ذلك إلى وجود نمط من اختراق الجماعات الإرهابية للمؤسسات الأمنية والعسكرية، وتلك الحالة موجودة في دولة الصومال الفيدرالية، حيث اخترقت حركة الشباب المجاهدين المصنفة إرهابيةً، محلياً ودولياً، قوات الأمن والجيش في الصومال.
تفجير الأكاديمية العسكرية
يوم الإثنين في 24 تموز/ يوليو الماضي، تبنّت حركة الشباب تفجيراً انتحارياً داخل أكاديمية "جالي سياد" العسكرية في مديرية هدن في مقديشو، استهدف مجموعةً من الجنود في أثناء التدريب الصباحي. وتسبب التفجير في مقتل 30 جندياً وإصابة 73 آخرين، بينما ادّعت حركة الشباب أنّ 73 جندياً لقوا حتفهم وأُصيب 124 آخرون. ولاحقاً، نشرت وسائل إعلام محلية أنباء عن اعتقال الجيش ثلاثة ضباط من بينهم ضابط برتبة عقيد، بسبب تورطهم في تسهيل دخول الانتحاري إلى الأكاديمية شديدة التحصين. قبلها، أعرب رئيس مجلس الشعب الصومالي، الشيخ آدم مدوبي، في تصريحات لوسائل إعلام، عن شكوكه في تقديم تسهيلات للمهاجم من داخل الأكاديمية العسكرية، وقال: "ليس لدي شك في أن تفجير كلية جالي سياد العسكرية قد تم تسهيله. نتوقع إجابةً واضحةً من القوى الأمنية".
عقب ذلك، أعلنت وكالة المخابرات والأمن الوطني عبر حسابها الرسمي على منصة "إكس"، عن القبض على 10 مسؤولين حكوميين بتهمة التخابر والتعاون مع حركة الشباب، وذلك في 4 آب/ أغسطس 2023.
كما نشرت الوكالة إعلاناً عبر المنصة ذاتها، يتضمن طلب المساعدة للقبض على اثنين من الضباط الفارين بتهمة تسهيل الهجوم الانتحاري على أكاديمية جالي سياد العسكرية، هما عبد الستار عبد القادر عيسى، وأيانلي محمد علي.
تقدّم قصة الضابطين السابقين ملمحاً عن اختراق حركة الشباب لأعلى أجهزة الأمن؛ وهي وكالة المخابرات، وبحسب حديث مصدر قريب من الحكومة، فضّل عدم كشف هويته، فإن الضابطين كانا مسؤولين في حركة الشباب الإرهابية، وتظاهرا بترك الحركة، وتمّ تعيينهما في مناصب عسكرية في عهد الرئيس السابق فرماجو (2012-2017). وأضاف المصدر، أنّه مع تنصيب الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، الذي عيّن مهد صلاد مديراً للمخابرات، تمت ترقية الضابطين الفارين إلى مناصب عسكرية أرفع لأنّهما من قبيلة الرئيس ومدير المخابرات نفسها؛ قبيلة "هوية".
تظاهرا بترك حركة الشباب الإرهابية، وتمّ تعيينهما في مناصب عسكرية، فسهّلا هجوماً انتحارياً على أكاديمية عسكرية تسبب في قتل عشرات الجنود، ثمّ هربا إلى مناطق الحركة
وذكر أنّ الضابطين سهّلا عمليات عسكرية لحركة الشباب، وتسببا في سقوط عشرات القتلى والجرحى، وهربا إلى مناطق الحركة بعد القبض على متعاونين معهما. يقول المصدر: "هذا غباء من الأمن. لأنهما من قبيلة الرئيس تمت ترقيتهما... وفقط".
التغلغل في الأمن والجيش
ومن بين الوقائع الأخرى المشابهة، إدانة مدرب عسكري بتهمة العمل لصالح حركة الشباب الإرهابية، في شهر شباط/ فبراير 2023، وتنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة مواطنين بالتهمة ذاتها، في الشهر التالي، من بينهم ضابطان سابقان في الجيش.
يقول صحافي صومالي، فضّل عدم الكشف عن هويته، إنّ هناك أفراداً من الحركة ينشقّون وينضمون إلى القوات الأمنية، لكنهم يظلون على ولائهم لحركة الشباب، ويقومون بتسهيل عملياتها. ويذكر لرصيف22 أنّ "الحركة لديها موالون في جميع المؤسسات الحكومية، لكنهم آخذون في التقلص خلال الفترة الأخيرة التي شهدت تحقيقات داخليةً للكشف عن الموالين للحركة". جدير بالذكر أنّ وجود الحركة القوي والمنظم أسبق من الوجود الفعلي للحكومة الفيدرالية، التي عملت من العاصمة مقديشو بعد وجود قوي للحركة دام لأعوام، ما جعل الحركة قادرةً على اختراق الحكومة الجديدة سواء عبر بعض المنشقين عنها، أو من خلال الموالين لها الذين التحقوا بمؤسسات الدولة الجديدة، فضلاً عن شراء الولاء مقابل المال.
يقول المصدر المقرب من الحكومة، إنّه من دون تعاون مع الأمن لا تستطيع حركة الشباب تنفيذ معظم عملياتها. ويذكر أنّ التعاون يأخذ شكلين؛ الأول من خلال المنشقين السابقين، والثاني من خلال دفع مبالغ كبيرة للضباط المسؤولين، مثل هجوم منطقة "زوبي" في عام 2017، الذي أسفر عن 512 قتيلاً وأكثر من 290 مصاباً، وأدت التحقيقات إلى إلقاء القبض على ضابط والكشف عن تلقيه 70 ألف دولار مقابل تسهيل العملية الانتحارية.
ويوضح أنّ الضباط المتعاونين مع الحركة يمنحون جنود الحراسة أوامر بإخلاء مواقعهم، وبعضهم يمنح الجنود مبالغ ماليةً ويطلب منهم الذهاب للغداء في مكان فاخر بعيد عن المكان المستهدف، ثم تأتي سيارة تابعة للحركة للتأكد من خلوّ المكان من جنود الحراسة، وبعدها تأتي السيارة المفخخة لتنفيذ العملية.
وعلى النسق نفسه، وقعت عملية حصار فندق "روز" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، حين فجّر انتحاري نفسه في الفندق شديد التحصين الذي يقيم فيه كبار المسؤولين الحكوميين والنواب، واحتل خمسة آخرون الفندق، وأسفرت العملية عن مقتل 8 مدنيين وإصابة العديد من المسؤولين. كان المسؤول عن نقل الإرهابيين إلى المنطقة المحصنة سائق رئيس مجلس الشعب السابق ووزير الدفاع السابق، محمد مُرسل شيخ عبد الرحمن، وهو ما أكده الأخير.
مكافأة الجهاديين السابقين
وبخلاف تقديم الجهاديين السابقين إلى المحاكمة، يحصل هؤلاء على مناصب عليا في الحكومة الفيدرالية الصومالية، وهو أمر يرسخ سياسة الإفلات من العقاب التي تعود إلى عجز الحكومة عن فرض سيادة القانون في البلاد، ما يجعلها تستخدم ورقة المناصب والامتيازات لتشجيع قيادات الحركة على الانضمام إليها.
وأشهر هؤلاء، نائب زعيم حركة الشباب السابق والمتحدث السابق باسم الحركة، مختار روبو علي "أبو منصور"، الذي انشق عن الحركة عام 2013، وأصبح وزيراً للأوقاف والشؤون الدينية في أول حكومة في عهد الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، على الرغم من أنّه ما يزال ضمن قائمة العقوبات الدولية. والمثال الثاني، القيادي السابق في الحركة، إبراهيم أدن إبراهيم، المنشق في عام 2016، والذي عُيّن في منصب نائب مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب.
يحصل الجهاديون السابقون على مناصب عليا في الحكومة الفيدرالية الصومالية، وهو أمر يرسخ سياسة الإفلات من العقاب التي تعود إلى عجز الحكومة عن فرض سيادة القانون في البلاد
ومن الأمثلة الشهيرة، الرئيس السابق لجهاز استخبارات حركة الشباب المعروف باسم "أمنيات"، زكريا إسماعيل أحمد حرسي، الذي ترك الحركة في عام 2013، وانضم بعد عام إلى الحكومة الفيدرالية، ويشغل منصباً رفيعاً في وكالة المخابرات والأمن الوطني، وورد اسمه في تقارير عن الانتهاكات التي شهدها سجن "غودكا جليعو" سيئ السمعة.
وبرغم أنّه غير معروف عن هؤلاء استمرار علاقتهم بحركة الشباب، يشكّل وجودهم في الحكومة تعزيزاً للأفكار السلفية المتطرفة. على سبيل المثال، وعبر صفحته على فيسبوك، شارك نائب مدير المركز الوطني لمكافحة الإرهاب إبراهيم أدن إبراهيم، منشور رجل دين صومالي، فيه نقاش لموقف الداعية المتطرف إياد قنيبي، الذي يرفض الديمقراطية، كما أنّه شارك منشورات عدة تتضمن كلاماً عن آباء الفكر الجهادي الحديث، أمثال سيد قطب و"أبو الأعلى المودودي" وغيرهما. فهل يستطيع مثل هذا الرجل الذي كان مسؤولاً عن شؤون التعليم في حركة الشباب في إقليمي "باي وبكول" أنّ يحارب التطرف الفكري وهو يستقي زاده من الأدبيات نفسها التي خرج منها الفكر المتطرف؟
قبل ذلك، في عام 2009، أعلنت الحكومة الصومالية تمرير قانون لتطبيق الشريعة الإسلامية، في خطوة من رئيس البلاد الانتقالي والقيادي السابق في المحاكم الإسلامية شريف شيخ أحمد، لثني حركة الشباب عن قتال الحكومة، ومع ذلك لم يتراجع النشاط الإرهابي للحركة حتى اليوم.
وفي دراسة صادرة عن "مجموعة الأزمات الدولية" في 2022، يذكر الباحثون أنّ "الانشقاق الفردي لم يفعل شيئاً يُذكر لتغيير مسار الصراع. وكان الأعضاء المنشقّون في خلافات مع قيادات حركة الشباب أو في طريقهم للخروج من الحركة".
في ضوء هذا الواقع، لماذا تكافئ الحكومات الصومالية الجهاديين السابقين بمناصب رفيعة، بينما لم يقدّموا شيئاً لجهود مكافحة الإرهاب؟ هل كان الأولى تقديمهم للعدالة، خصوصاً من تلوثت أيديهم بدماء الصوماليين على غرار رئيس مخابرات الحركة السابق زكريا حرسي، الذي يُعدّ مسؤولاً عن عشرات العمليات الإرهابية التي أودت بحياة الآلاف بحكم منصبه؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...