شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
نساء لا تأتيهن الدورة الشهرية... عن العدالة الإنجابية من منظور عابر للثنائية الكلاسيكية

نساء لا تأتيهن الدورة الشهرية... عن العدالة الإنجابية من منظور عابر للثنائية الكلاسيكية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والفئات المهمشة

الجمعة 6 أكتوبر 202311:06 ص

دائماً ما يأتي هذا الشعور بأنك على وشك أن تخسري شيء ما، شعوراً، سياقاً فكرياً، مشاعر متراكمة، أو حباً وقراراً ربما. كل واحدة منا تشعر بهذا، ولو قليلاً، ربما عن طريق سياق الصدفة لطبيعة الشي الذي قد ننتظره أو الذي يأتي أمامنا. ماذا عن تلك المشاعر التي تقول إني أمتخض الآن دون أن أحيض، لأشعر بنسائية ربما، وانتماء للجسد؟

تختلف تعريفاتنا للعدالة الإنجابية من تقاطعاتنا النسوية أو حتى عن المفهوم الأعمق للعدالة، لكنها بالنسبة للمدافعات عنها لها جوانب متشابهة، فهي قضية محورية، تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، كونها القضية التي قد تحمل الكثير من التقاطعات المركزية للعديد من القضايا الحقوقية النسوية، الكويرية والاجتماعية.

عندما نقول الإنجاب، فإن الكلمة دائماً تأخذنا إلى العلاقة الإنجابية، وهي المعروفة بالأنواع الكلاسيكية للمفاهيم الاجتماعية والثقافية، بينما نعرّفها نحن كنسويات، بأنها مظلة يمكن أن تلتمس بها كافة القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، دون الدلالة النمطية للمصطلح حول الإنجاب، أو الدور المفروض اجتماعياً.

قد يأخذنا المفهوم، في حال وددت التماس الجانب الحقوقي والنسوي الكلاسيكي، على أنها قد تكون مقاربة بين "النمطية الاجتماعية والحقوقية التقدمية للطاولة التي تجلس عليها النساء ضد السلطوية الاجتماعية والبطرياركية التي حددت الأدوار الاجتماعية".

لا أظن أننا قد ننتظر اعترافاً بالمخاض من مجتمع لم يفهم بعد الأبعاد الخارجية للعملية، ولن تمنحنا السياقات التاريخية الفرصة للإحساس بنسائيتنا أو رجوليتنا، أو حتى الفهم لماذا قد أتمخّض لسنوات

في حين أن المظلة لها تأخذنا إلى السياق النسوي الحقوقي الذي ناضلت من أجله النساء على مرور الوقت، في قضايا ذات طابع انتمائي حقوقي، ومن خلال التجارب المختلفة للحقوقيات والنساء. من الحق بالتعبير عن الذات، الانتماء، الهوية، والوجود بمساحة تقتضي احتراماً كاملاً للمساواة ضد السلطوية - الذكورية التي قد تأتي أمامنا، والتي حملت دلالات وآليات لفهم التجارب والتعامل معها وفق السياقات التي عاشتها النساء والعابرات والكويريات من تجاربهن في تلك الفترات.

ما هي العدالة الإنجابية؟

وفي فهمنا للعدالة الإنجابية والتي يمكننا رؤيتها في زوايا، مثل الإنجاب، والتعليم، والجنس، والمواطنة، والانتماء، والبيئة، والاقتصاد، بما يشمل العديد من جوانب المجتمعات والثقافات المختلفة، نتأكد من أن تعريفها لا يقتصر على فئة اجتماعية معينة أو  فصل. 

عندما نتحدث عن العدالة والإنجاب فإننا قد نعني الكل بالفرد، والفرد يعكس قليلاً الكل، أو ربما الاستقلالية الفردانية التي تتيح للفرد الرؤية من مكان حيادي، أو الحرية من القيود، تحت عدالة شاملة بالمعنى والمفهوم الفلسفي لها. لذلك فإن الحقوق الإنجابية والعدالة لا تقتصر على مفهوم المصطلح نفسه، بل هي رمزية تشمل كافة الحقوق التي يراها الفرد في القضية والبيئة والانتماء الموجود فيه.

نساء لا تأتيهن الدورة الشهرية

في هذا السياق، ربما أتحدث عن العدالة الإنجابية للنساء العابرات، وربما أطرح سؤالاً لفت انتباهي سابقاً: ماذا عن النساء اللاتي لا تأتيهن الدورة الشهرية؟

في بعض التجارب التي قرأت عنها، تحدّث البعض عن مفهوم الدورة الشهرية من منظور إعادة تشكيل المشاعر الشهرية للشخص التي/الذي تقوم أو يقوم بذلك، أي أننا نتخلص من كل مشاعرنا التي لها تأثير شهري لكي تبدأ او يبدأ الفرد من جديد.

يبقى هذا التعريف مبنياً على التجربة الشخصية والمعنى الذي تحمله كل امرأة أو فرد- واحد منا كإنسان، سواء أتى إلينا الحيض أم لا. لكن هنا، في هذا الفهم والتعريف للمفاهيم المعقدة أو المتشعّبة حول فترة الحيض وتجارب العدالة الإنجابية، كيف نتخلّص، نحن العابرات، من مشاعر نهاية الشهر، أو بمعنى أدق: كيف أريح معدتي من امتخاضي دون أن يصبح جسدي مطاطاً كالماء أو أعطيه حقه من التجربة؟  كيف أستطيع أن أحافظ على تماسك جسدي واهتمامي بالمشاعر الإنسانية التي أواجهها خلال الشهر، مثل الحب والكراهية والمودة والقبول والتضامن، دون أن أقلق من انتفاخي البسيط الذي حملته لمدة شهر،  أسابيع، سنة، دون أن يغادرني بطريقة لا أحبها؟

بالنسبة لي، أصل إلى ذلك المكان في سريري الذي يخبرني إما أن أنام وأدع جسدي يأخذ راحته، أو أن أتكور على نفسي كالبيضة وأتقلب على الوسادة مع الامتنان والمودة الذي أشعر بهما حينما أشعر بالحب. لا أريد أن يتركني جزء من جسدي، الشعور الذي أبقاني متماسكة والذي أشعرني بالانتماء معاً.

أو يبقى أمامي خياران: إما أن أحمل كل شيء وأظل عالياً، محلقة عن نمطية المجتمع، أو أن أترك وأحلّق من جديد دون أن أعرف سبيلاً لذلك. لقد كان من السهل دائماً التعامل مع هذه المشاعر في البيئة التي تخبرني بالاسم الذي اخترته، أو الأماكن التي تحتضن كياني الذي يعبر عن كل تجربتي، والحب الذي أبادله للحياة والمجتمع والوجود.

في تجربة الجسد العابر للثنائية النمطية، التعبير عن هذا الإحساس/التجربة قد يختلف من امرأة لأخرى. في حين قد تحتوي هذه التجربة أيضاً على العديد من التجارب الحياتية في التعامل مع المشاعر الإنسانية وتقبّل الجسد والهوية، أعني من تجربتي مع شعور التمخّض، الألم ربما، المحافظة على سياق معين دون نهاية مادية ملموسة تقتضي بالحيض، يجعل صلابة الإحساس بالامتثال للعواطف الاجتماعية شيئاً لا يعتمد على الحدث الذي يحدث الآن.

لقد امتثلت في جوانب هذا الحيض - الخفيف ربما- لتحمّل مسؤولية معينة تجاه التخفيف من المشاعر والصور والكلمات التي لها تأثير مختلف، والممارسات التي قد أشعر بها، والتي قد لا تتناسب مع تجارب الأفراد الآخرين.

بمعنى آخر، الجسد أصبح مقسماً لدي إلى أماكن: هناك مساحتي الشخصية في القلب والعقل الواعي، ومساحة المجتمع في المكان الذي تحدث فيه هذا العملية، ومن هناك قد أستمرّ في رسم القبول والتضامن الذي تمثله تجربتي في الحب، وكذلك المجتمع، والمشاعر من التقبّل والتضامن والمودة. منها تأتي مراعاتي لفكرة أن الشخص الذي أمامك لديه مشاعر والذي ينتج عنها إحساس بالأمومة غير النمطية الذي يساعد على فهم كافة التجارب التي قد تأتي في سياق الشارع، الجلسة، المحادثة، السلوك، بالنسبة للتجربة الشخصية بعيداً عن استحقاق أو أخطاء المجتمع الذي أمامي. كأن تعتبريه ابناً لك بالاحتضان أو المراعاة الإنسانية للمشاعر، في عملية مستمرة للحفاظ على الهوية.

ماذا تقول النساء العابرات عن كونهن أمهات دون إنجاب

جاد (امرأة ترانس) تقول عن تجربتها في احتضان العديد من الكويرين والكويريات عاطفياً في بيروت، أنها مع شعور الأمومة كانت جميلة، خاصة إذا كنت تقدم المساعدة للأفراد الميم‑عين أو غيرهم، وتقول في كلماتها إن شعور تقديم المساعدة جميل، ناهيك عن أن تكون من أفراد المجتمع الذي تنتمي إليه. 

وتوضح أن التواجد حولهم يوفر الدعم المعنوي والنفسي والاعتراف بقوة اتجاه الإرهاق الاجتماعي والتمييز المستمر الناتج عن المجتمع، بينما روت خلال تلك التجربة التي انعكست لسنوات داخل مساحات الميمات، أن انتظار القيام بشيء ثم إعطاءه للأفراد الذين يحتاجون إليه دون أن يخيب ظنهم، يُشعر بالأمان.

تظل الدورة الشهرية للنساء الترانس مغلقة أمام القدر، إما أن يلهينا بإحساس جميل ويأخذ منا شعورنا الشهري أو السنوي، أو يشتتنا حتى نتجاهل أو يصادر أيضاً ذلك الشعور

 كما تقول إن التجارب السابقة كانت مختلفة عن بعضها البعض، وكل مرحلة جلبت معها أفراداً وألواناً وأطيافاً جديدة. كانت هناك دائماً مجموعات تنتظر بعضها البعض للقاء والتسكع والاستمتاع قليلاً في الأماكن الخاصة. يحتاج الكثير من الأفراد إلى الشعور بأن كل شيء على ما يرام ومتاح لأولئك الذين يريدون أن يشعروا به، ولم يخب أمل أحد من الذين استقروا أو أقاموا فترة ثم غادروا البلاد. 

بعبارات أبسط، كانت جميلة وتوفر الدعم المتبادل المستمرّ والقوي للأقران.

تؤكد دوللي (امرأة ترانس من بيروت) أن كل امرأة بيننا تحب أن يكون لها طفل، خاصة عندما تكون امرأة عابرة جندرياً- جنسياً، ولديها فائض من الحنان لتعطيه. تقول دوللي عن تجربتها إنها دعمت وربّت ثلاثة أطفال ليسوا أطفالها، غادر أحد الأطفال وعاش في هولندا بعد خمس سنوات، ولكن الآن عندما تتحدث معه تنتابه مشاعر السعادة، ويناديها بـ أمي". أما الطفل الثاني فهو لامرأة مهاجرة، وبقي لديها سبع سنوات حتى تمكن من العودة إلى الفلبين. أما الثالث فهو من أب سوري وأم فلبينية. تركه أبوه وأمه. قامت بتربيته، ثم وكلت شقيقها وزوجته بتربيته، لأنها لم تتمكن من تسجيله باسمها، قام شقيقها بتسجيل الصبي مع زوجته.

تضيف دوللي أن كونها امرأة عابرة جنسياً منحها إحساساً بالأمومة، وتبادل المودة والحب مع الأفراد الذين تهتم بهم، وتضيف أيضاً أن الطفل الأخير لا يزال حولها، وتقوم والدته، وهي زوجة شقيقها الذي لم يتمكن من الإنجاب، بتأمينه عند ذهابه، كما تؤكد أن وجودها في دولة لا تمنح حق تسجيل الطفل أمر مؤسف.

في فكرة الانتماء هذه للجسد والروح والمجتمع، لديك مساحة واسعة للشعور بالانتماء الذي نختاره، والذي يرفضه المجتمع لعدم رجوعه إلى الصور النمطية الكلاسيكية الخالية من مبدأ الفهم والقبول والتضامن.

وبصرف النظر عن الألم العاطفي، يجب إطلاق هذه المشاعر بطريقة عاطفية. تظل الدورة الشهرية للنساء الترانس مغلقة أمام القدر، إما أن يلهينا بإحساس جميل ويأخذ منا شعورنا الشهري أو السنوي، أو يشتتنا حتى نتجاهل أو يصادر أيضاً ذلك الشعور.

لا أظن أننا قد ننتظر اعترافاً بالمخاض من مجتمع لم يفهم بعد الأبعاد الخارجية للعملية، ولن تمنحنا السياقات التاريخية الفرصة للإحساس بنسائيتنا أو رجوليتنا، أو حتى الفهم لماذا قد أتمخّض لسنوات. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard