شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
قوس الشيطان أم قوس الرحمن... من يخبر الأطفال؟

قوس الشيطان أم قوس الرحمن... من يخبر الأطفال؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!


 أقرأ لائحة طويلة، لائحة متجدّدة وطارئة استعداداً للعام الدراسيّ الجديد، وضعتها العديد من المدارس اللبنانيّة تحسّباً لشيء فظيع سيحدث، وكأن كل الأشياء الفظيعة ستحصل دفعة واحدة إذا ما أخلّينا بالقاعدة العامّة.

قوس الشيطان أم الرحمن؟

تنصّ القاعدة الأولى من بين ما قرأت، على ضرورة عدم شراء قرطاسيّة بألوان قوس قزح، أو بدمى وحقائب تتلوّن به، بحجّة أنّها تشجّع الأطفال على "الشذوذ الجنسيّ"، فما هو قوس قزح؟

هو ليس نفسه قوس الله في السرديّة الشعبيّة، فثمّة فارق بينهما.

لست أدري إذا ما كان الفارق تراتبية الألوان، غيابها أو عدمها، لكنّهم حذّرونا بأنّ "قزح" اسم من أسماء الشيطان، أو ربما اسم رجل كافر، لا يمكن استدعاؤه بذكر اسمه، يكفي أن نقول: "الله أكبر، قوس الله، قوس المطر"، وتزول الغمامة.

أقرأ لائحة طويلة، لائحة متجدّدة وطارئة استعداداً للعام الدراسيّ الجديد، وضعتها العديد من المدارس اللبنانيّة تحسّباً لشيء فظيع سيحدث. تنصّ القاعدة الأولى على ضرورة عدم شراء قرطاسيّة بألوان قوس قزح، أو بدمى وحقائب تتلوّن به، بحجّة أنّها تشجّع الأطفال على "الشذوذ الجنسيّ"

ما بين قوس قزح هذا والقوس القديم الذي عرفناه في طفولتنا، خمسة وعشرون عاماً من الخوف، من الترهيب من الألوان والأسماء، من زرع الشك في نفوسنا فيما هو مختلف وغير نمطيّ، ومن الرعب من أي ميل، أو رغبات، أو تهويمات جنسيّة.

البحث في المجهول

كنت في طفولتي كمن يبحث عن إشارة ما، عن نبوءة توحي لي أن ما يحدث في حياتي ليس منقطعاً عما يحدث في حيوات أقراني وقريناتي، وأن ما بدأ بالتفتّح باكراً ليس سوى الرّغبّة والطاقة الدّافقة بالحياة. إلا أنّه لم يكن - وليس بعد حتّى-  ثمّة اهتمام بالتربيّة الجنسيّة والإنجابيّة في غالبيّة المدارس،

فلم يكن هناك مجال للبحث والاستكشاف حول الكثير من المواضيع، إلّا من خلال المجلات التي تقع عليها أيدينا، وفي أحسن الأحوال اليوم، من خلال منصّات ومواقع إلكترونيّة تحتوي على معلومات مغلوطة.

فكنت بحاجتي للمعرفة كمن ينتظر ومضة، لأقارن الومضة السريّة في كتابات جبران خليل جبران، بالرّعشة التي اختبرها عند الاستمناء، متخيّلة أنّه يحوّرها بطريقته الشاعريّة، لزوم الشعر والأدب.

كنت بحاجة للحصول على معلومات صحيحة وأجوبة وافية لأطمئن، ولأتجنّب خوف الحمل من ليفة الاستحمام، خاصة أنني كنت قد قرأت قصّة حمل فتاة مسكينة في إحدى المجلّات، تخبر والدتها قصّتها فيها، بأنّها حملت من "الليفة"، إلا أن اللّيفة المسببة للحمل  لم تكن سوى الأخ الذي اغتصب الفتاة، ودارت الأم بأوهامها الفضيحة.

كنت بحاجة لأن أعرف الكثير عن جسدي الذي نما عليه الشعر، وعن ثديي اللذين تكوّرا ويؤلماني، وعن دمائي التي سالت فجأة دون سابق إنذار.

لكنّ أياً من هذا لم يحدث، لا في المنازل ولا في المدارس، لأنهم يخافون من أن تتفتّح عيون الأطفال على المواضيع الجنسيّة، لكنّهم يتجاهلون أن المعرفة في هذه المواضيع هي حاجة ملحّة، ولا يمكن التعامل معها باستخفاف أو إنكارها، فالتجاهل سيدفع بالأطفال والمراهقين/ات للبحث في كل مكان، والحصول على معلومات يمكن أن تؤدي إلى صدمات جنسيّة أو سلوكيات إدمانيّة على المواد الإباحيّة، معتقدات خرافيّة وممارسات غير وقائيّة يمكن أن تعرقل نموهم/ن وصحّتهم/ن الجنسيّة.

نولد من مهبل أمهاتنا

أتذكر معلومات تلقيتها، أشبه بنكتة سمجة. نكتة لم تضحكنا ولم ترو عطشنا، ولم تجب على أي من تساؤلاتنا، وما زلت لحد اليوم أتساءل: ما المعنى من أن نتعلّم في مدارسنا عن الممارسات الجنسيّة والتوالد من خلال رسوم الحيوانات؟ هل كنّا في حياتنا السابقة ثدييات؟ أم أننا نمتلك البيوض في أمعائنا وننجب أبناءنا بهذه الطريقة؟

لماذا لم يكن ثمّة شرح كاف، يظهر الفوارق التشريحيّة ما بين أجسام الإناث والذكور، ويعطي تصوّرا واضحا عن العلاقات الجنسيّة. ما المضر في أن يتعرّف الأطفال على أجسامهم/ن دون حواجز أخلاقية واهية. 

وما المعنى بأن نبقى لعمر المراهقة، وفي أذهاننا معتقد بأن الأطفال يولدون من "مؤخرة الأمهات"، وأن فجوة العالم المدعوة بالمهبل ليست موجودة على الاطلاق.

الفجوة التي خرج منها العالم، ليست سوى فجوة مغلقة، لحين اقرار المجتمع أنّنا ولدنا من مهبل أمهاتنا، ولسنا برازاً.

توعية جنسيّة أم توعية مجنسنة؟

ما الشكل الذي كانت عليه، وما تزال، حصص التوعيّة والثقافة الجنسيّة؟

يمكننا اعتبار هذه الحصص، إذ ما حصلت، بأنها فرصة للتقسيم على أساس الجنس البيولوجي. يطلب منّا التّراص في  صفوف طويلة، الإناث في خط والذكور في خط، وكأنّ ما بيننا خطوط تماس وبنادق.

نتوزّع في الصفوف مجنسنين، لنأخذ أول درس حول بيولوجيا أجسامنا. ليس شرحاً دقيقاً، ليس شرحاً حتّى، بضع نصائح عمّا يجب فعله، في حال حِضنا.

"الحيض"، " غَسَلِت "، " اجتني "، أتساءل إذا ما كانت مرادفات لشيء واحد، ولما هذا الفيض من التعدّد في الإشارة للشيء عينه. أنتظر توضيحاً في صف التقسيم ذلك، لكنهن يطرحن كلمات جديدة: "دورة شهريّة"، "period"، فهل كل هذا يحصل معنا؟

كيف تجيء وكيف تزول؟ ما من أحد هنا ليقول حقيقة هذا الشيء الغامض، التركيز نفسه ينصب حول كيفيّة الاغتسال والتطهّر، والمحافظة على نظافتنا الشخصيّة، وكأن ما يصيبنا منفصل عن أجسامنا وعن محيطنا الحيوي، وما يهم هو إعادة النظام.

فالدورة الشهريّة ما هي سوى الفوضى التي ستغيّر نظام العالم إذا ما عرفنا بشأنها، ويكفي التخلّص من آثارها لتعود الحياة أدراجها.

هل يمتلك الذكور دوراتهم الشهريّة أيضاً؟ وما الذي يخبرونهم إيّاه في صفوف الفصل تلك؟

لست أدري، لأنّني لم أكن يوماً سوى في صف منفصل.

"الحيض"، " غَسَلِت "، " اجتني "، أتساءل إذا ما كانت مرادفات لشيء واحد، ولما هذا الفيض من التعدّد في الإشارة للشيء عينه. أنتظر توضيحاً في صف التقسيم ذلك، لكنهن يطرحن كلمات جديدة: "دورة شهريّة"، "period"، فهل كل هذا يحصل معنا؟

أصل العالم

يحاول الأطفال في طور نموهم/ن استكشاف الشيء الذي يولد فجأة في داخلهم/ن، ما الذي يميّزهم/ن عن بعضهم/ن البعض، ما يدفع بهم/ن للقيام بسلوكيات جنسيّة، ناتجة إما عن تقليد لمشاهد رأوها سابقاً، أو بدافع الفضول والتجربة، فيتحسّسون/ن أعضاء بعضهم/ن التناسليّة، ذكوراً وإناثاً أو إناثا وإناثا أو ذكوراً وذكوراً.

فرغم مرور العشرات من السنين، لا أتذكر سوى أن عيوننا، أنا ورفاقي ورفيقاتي، إذا ما تلاقت أثناء شرح درس التزاوج بين الحيوانات، كانت تضحك مستغربة، فثمّة ما يجب علينا البوح به، بأننا علمنا سرّ الأسرار، وكيف يأتي الأطفال، فالفراغ المعرفي يخلق دافعاً أكبر للإلحاح بالاكتشاف.

يخبرني رفيقي متسائلاً: "ربما هو الرأس ما يولد أوّلاً، أو ربما الأنف، أو ربما هي أعضاؤنا التناسليّة"، فتحمرّ وجوهنا  استحياءً ونصمت، فمن يشبع فضول الأطفال في المنازل والمدارس؟

ومن يعطيهم/ن حقّهن في المعرفة في حال صمتت الجهات المختصّة؟ من يخبرهم/ن عن أصل العالم وكيف يجيء الأطفال؟ من يحميهم/ن من التجهيل؟ 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image