شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
ألعاب خشبية وحضانات في الطبيعة... كيف تكون مساحات أطفالنا صديقة للبيئة؟

ألعاب خشبية وحضانات في الطبيعة... كيف تكون مساحات أطفالنا صديقة للبيئة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الاثنين 2 أكتوبر 202303:13 م

"لم أعد أتناول طعامي في مطاعم الوجبات السريعة، ليس بسبب الطعام ولكن حفاظاً على البيئة"، تقول لرصيف22 سالي محمد وهي أم لثلاثة أطفال وتعيش في مدينة طنطا المصرية، موضحة أنها أصبحت لا تتقبل فكرة وجود الألعاب البلاستيكية في منزلها ومع أطفالها على الإطلاق، ولعل هذا السبب الذي جعلها تقرر عدم الذهاب معهم لمطعم شهير يضع لعبة صغيرة من البلاستيك مع وجبات الأطفال.

ورغم أن الطفل يذهب خصيصاً للمطعم من أجل اللعبة وليس الطعام، فإن الأمر لا يستغرق أكثر من ربع ساعة حتى يمل منها ويكون مصيرها الرمي وسط أكوام من اللعب البلاستيكية الأخرى وفي النهاية لسلة المهملات.

تشجع سالي أطفالها على ترك الألعاب البلاستيكية بشراء أخرى بديلة صديقة للبيئة، والابتعاد عن تلك التي تحتاج للبطاريات لتشغيلها، أو الاعتماد على البطاريات القابلة للشحن أكثر من مرة بهدف التخفيف من الاستهلاك.

اتفقت مع أصدقائي على تبادل اللعب التي ضجر منها الأطفال، خاصة غالية الثمن والتي ما تزال حالتها جيدة.

"أعلم أضرار البلاستيك جيداً بحكم دراستي في كلية العلوم قسم الكيمياء، وأخشى الضرر الجسيم منها على أطفالي، سواء بعد أن وجدتهم يضعونها داخل أفواههم، أو بسبب ألوان اللعبة التي تنتقل إلى أيديهم وبعدها يتناولون الطعام فوراً، فجميعها صبغات كيميائية ضارة قد لا نلاحظها مباشرة في أحيان كثيرة. على سبيل المثال فإن طفلي كان يستخدم الألعاب الصغيرة كملعقة لتناول الطعام وهو أمر ضار جداً"، تقول.

وتشير إلى أنها تبحث عن الألعاب البلاستيكية الصديقة للبيئة لكنها غالية الثمن بعض الشيء، لذلك فإن اعتمادها الأساسي مع أطفالها على الورق كوسيلة للعب، بإعادة تدويره وصنع طائرات ورقية ووردات كبيرة منه، وقراءة الكتب المصنوعة من قماش الجوخ، فإلى جانب كونها صديقة للبيئة، فهي عملية للغاية وتعيش عمراً طويلاً.

بلاستيك غير صديق للبيئة

أوضحت دراسة علمية نُشرت بمجلة أبحاث الطلاب في جامعة إنديانا الأمريكية أن صناعة ألعاب الأطفال تُكلف حوالى 90 مليار دولار سنوياً، ومقابل كل مليون دولار أرباح يتم استهلاك أربعين طناً من البلاستيك، فالألعاب نفسها مصنوعة من البلاستيك وتعبأ في غلاف بلاستيكي أيضاً مما يجعل الخطر مُضاعفاً.

كما أشارت الدراسة إلى أن هذه الصناعة تُنتج كميات كبيرة من الغازات الملوثة للهواء مما يتسبب في تفاقم أزمة تغيّر المناخ، عدا أن ملايين الألعاب تلقى في مكبات النفايات وهنا يكون مصيرها النهائي الحرق أو التحلل مما يسبب الضرر للبيئة، فعند حرقها تنطلق الغازات السامة وثاني أكسيد الكربون، وإن ظلت دون حرق فستزيد العبء لأنها مصنوعة من بلاستيك يستغرق مئات السنين كي يتحلل، ونصحت الدراسة بضرورة البحث عن حلول صديقة للبيئة تكون عملية ومتوازنة لمستهلكي الألعاب والبيئة على حد سواء.

via GIPHY


أمهات واعيات

خلال السنوات الأخيرة، بدأ موضوع الألعاب الصحية وغير المضرة بالبيئة يشغل بال كثيرين في العالم العربي، ليحاولوا إيجاد حلول للأمر. في حديثها لرصيف22 تقول سهى السيد وهي سيدة مصرية تعيش في القاهرة، إنها قررت أن تستغني عن كل الألعاب البلاستيكية حرصاً على صحة أطفالها، خاصة بعد أن تعرّض طفلها الرضيع لحالة شديدة من الإعياء نقل على إثرها للمستشفى، وتبين بعد التحاليل وجود مادة لم تنس اسمها حتى الآن هي "الفثالات" ضمن تحليل البول.

نصحها الطبيب حينها بألا يحتك رضيعها مع أي منتجات بلاستيكية سواء كانت ألعاباً أو أطباقاً، ومنذ ذلك الوقت بدأت بشراء الألعاب الخشبية مثل السيارات والقطارات والأرقام والحروف لأطفالها، وشجعها على ذلك وجود ورشة تصنعها وتبيعها بأسعار رخيصة.

أصبحت أتعمد خروج أطفالي للعب في الحدائق العامة أو على سطح المنزل المليء بأكوام الرمال، وذلك هرباً من الألعاب البلاستيكية التي قرأت الكثير عن أضرارها

ما سبق لا يقل أهمية عما فعلته بسمة محمد وهي سيدة متزوجة ولديها 3 أبناء. تقول إنها لم تعد تشتري الكثير من الألعاب البلاستيكية على الرغم من مميزاتها مقارنة بمثيلتها المصنوعة من القماش والقطن والخشب وخيوط الكروشيه، مثل رخص الثمن وسهولة الغسل والتنظيف، كما تحاول أن تُبعد أطفالها عن الألعاب البلاستيكية تماماً بعد أن لاحظت رائحتها غير المُريحة والتي توحي باحتوائها على الكيماويات.

وتشرح لرصيف22: "اتفقت مع أقاربي وأصدقائي على تبادل اللعب التي ضجر منها الأطفال، خاصة غالية الثمن والتي ما تزال حالتها الجيدة".

في هذا السياق اختبر باحثون في جامعة تورونتو 96 منتجاً مصنوعاً من البلاستيك مثل أدوات المطبخ والأجهزة الإلكترونية والملابس والألعاب البلاستيكية، ووجدوا أن الأخيرة تحتوي على البارافينات المكلورة أو CPS بنسبة كبيرة للغاية، وهى مركبات كيماوية تسبب السرطان وتضاف للبلاستيك لجعله أكثر ليونة، وقد حُظرت في كندا منذ عام 2013.

via GIPHY


لعب مع الطبيعة

ولأن تعليم العادات الجيدة للأطفال لا يتحقق إلا بالصبر وغرس القيم بداخلهم، يجب أن يتكون الوعي البيئي لديهم منذ الصغر، وأن يكون بشكل تكاملي بين المنزل والمؤسسة الدراسية، فمن غير المعقول أن يعلّم الأهل أطفالهم المفاهيم البيئية في المنزل ليذهبوا إلى الحضانة أو المدرسة ويجدوا ما هو عكس ذلك.

بعد دراسة وبحث طويلين، ابتعدت تماماً عن الأثاث البلاستيكي في حضانتي.

هذا تحديداً ما تعمّدته هدى عثمان عياد مؤسِّسة حضانة "برايت ستبس" في الجيزة، والقائمة بشكل أساسي على فلسفة التعلم "المنتسوري "المهتمة باحتكاك الطفل بالبيئة واكتشافه لكل عناصرها الطبيعية. تقول عياد إنه بعد دراسة وبحث طويلين، ابتعدت تماماً عن الأثاث البلاستيكي في حضانتها، ليس لأنه مضر بالبيئة فقط، بل لأن الألوان مُشتتة لعقل وانتباه الطفل على حد قولها، لذلك اشترت الأثاث الخشبي رغم تكلفته العالية مقارنة بنظيره البلاستيكي.

وتشرح أكثر لرصيف22: "أطبق الفلسفة البيئية من خلال طرق عدة، الأولى تعامل الأطفال مع الطبيعة بشكل مباشر، إذ ألحقنا بالحضانة مساحة خضراء كبيرة فيها أشجار وأنواع مختلفة من الزهور يتأملها الأطفال ويتعلمون الحفاظ عليها وعدم قطفها، وكل أسبوع لدينا نشاط بيئي مرتبط بالحيوانات والطيور، فمثلاً نجلب الأرانب والدجاج لهذه المساحة الخضراء ويبدأ الأطفال باللعب معها وملاحظة حركاتها المختلفة ومعايشتها، وهناك أيضاً أيام للعب في الرمال ووضع المياه عليها وتكوين أشكال منها، كذلك ملاحظة حركة أسراب النمل، هذا بالإضافة للألعاب الخشبية مثل ألعاب الهندسة والعمارة والمجسمات والفك والتركيب".

الحديث السابق يأتي تماشياً مع ما قامت به نجلاء محمد وهي أخصائية تربوية للأطفال، إذ أصبحت تتعمد خروج أطفالها للعب في الحدائق العامة أو على سطح منزلها المليء بأكوام الرمال، وذلك هرباً من الألعاب البلاستيكية التي قرأت الكثير عن أضرارها، مشيرة إلى أن الطقس الحار جعل جميع الأطفال يتركون البيوت ويهرعون إلى الشوارع والأسطح ليلعبوا الحجلة وكرة القدم كما كان الأمر للأجيال الأكبر سناً.

اعتمادي الأساسي مع أطفالي على الورق كوسيلة للعب، بإعادة تدويره وصنع طائرات ورقية ووردات كبيرة منه، وقراءة الكتب المصنوعة من قماش الجوخ، فإلى جانب كونها صديقة للبيئة، فهي عملية للغاية وتعيش عمراً طويلاً

وغير بعيد عن حضانة عياد، وتحديداً في المقطم بمدينة القاهرة، تأسست جمعية "ألوان وأوتار" عام 2005، وفي عام 2011 ومع ازدياد الوعي البيئي للقائمين عليها، افتتحوا ركناً خاصاً بالتوعية البيئية للأطفال من عمر سنتين إلى ست سنوات، وترى المسؤولة عن الفصل التوعوي الأستاذة أمنية عدلان بأن الأطفال تحت عمر ست سنوات يحتاجون تدريباً على أرض الواقع يحفّزهم على الاهتمام بالبيئة من حولهم، لذلك توفر الجمعية أنشطة وورشاً مثل صناعة الفخار التي تمكن الطفل من التعامل مع الطين، وورش الرسم المختلفة والألعاب الترفيهية والرياضة.

ما سبق ليس فقط ما يحاولون تعليمه للأطفال، بل ينمون لديهم الوعي البيئي بطرق مختلفة كما تقول عدلان لرصيف22، مثل تعلم فرز القمامة فيضعون الورق وبقايا الطعام والبلاستيك في سلال مختلفة، وإمكانية إعادة تدوير الورق مرة أخرى من خلال القص والطي، كما يتعمدون تعليم الطفل ترشيد استهلاك المياه ومراقبة الحشرات والحيوانات، كل ذلك بعيداً عن الألعاب البلاستيكية التي لا وجود لها في مقر جمعيتهم على الإطلاق.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image