شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
القلعة سقطت على يد المهرّجة… أشهر مهرّجي العالم العربي وإيران عبر التاريخ

القلعة سقطت على يد المهرّجة… أشهر مهرّجي العالم العربي وإيران عبر التاريخ

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ

الجمعة 29 سبتمبر 202312:17 م

"في المزاح كثير من الحقائق". (الكاتب والروائي المصري نجيب محفوظ).

عندما نسمع بكلمة المهرّج، تتبادر إلى أذهاننا صورة شخص يرتدي ملابس ملونةً وقبعةً ذات سبعة ألوان، له أنف كرويّ أحمر وينتعل حذاء كبيراً. لكن هذه الصورة الحديثة ليست لها أي صلة مع مهرّجي القرون الماضية، الذين نقرأ عنهم في النصوص التاريخية والأعمال الأدبية واللوحات والصور الفوتوغرافية القديمة. هؤلاء المهرجون عملوا في القصور ولدى الملوك، وذلك لإضفاء البهجة والترفيه على حضرة الملك وأكابر الحكم، كما كانت مجموعة أخرى منهم، تتجول في الشوارع بسخرية، للحصول على بعض النقود من عامة الناس.

تاريخ المهرّجين

ليس من الواضح متى بدأت الروح البشرية المُحبّة للفكاهة في خلق شخصية "المهرّج"، كما لا أحد يعرف متى انتشر التهريج في القصور، كما أن هناك نصوصاً قليلةً موجودةً حول هذا الموضوع.

صورة لمهرّجين شهيرين في إيران في الماضي

كتب ابن النديم، أحد علماء القرن الرابع الهجري البارزين في بغداد، في كتابه "الفهرست": "أول من سهر الليالي على حكايات وقصص الأساطير هو الإسكندر المقدوني، إذ كانت لديه مجموعة من الأشخاص، يضحكونه بسرد هذه القصص الخيالية، ولم تكن نيته الاستمتاع بهذا العمل، لكنه أراد أن تأمن حمايته بوجود هؤلاء الأشخاص حوله ليلاً".

أشهر مهرّجي ملوك إيران هو الذي اشتُقت من اسمه كلمة مهرّج بالفارسية (دَلقَك)، وهو "طَلحَك" أو "تَلخَك"، وكان مهرّج بلاط السلطان محمود الغزنوي، الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي

كما يذكر عالم الآثار الفرنسي الشهير رومان جيرشمان، مقلّدي الشخصيات والمهرّجين في كتابه "إيران من البداية إلى الإسلام": "كان في هذه القصور مقلّدون وسحرة ومهرجون وموسيقيون".

ويروي الشاعر الإيراني في القرن الثاني عشر الميلادي نظامي الكَنجَوي، في منظومته الشعرية المعنونة "هَفتْ بِيكَر" التي تدور أحداثها في العهد الساساني، في القرن الخامس الميلادي، قدوم ستة آلاف من أساتذة الكوميديا والمهرّجين إلى مختلف مدن إيران من أجل إسعاد الناس.

لكن الباحث والكاتب الإيراني المعاصر سَبُکتَکین سالور يعتقد أن التهريج كان أسلوباً عربياً أصبح مألوفاً في بلاط الأمراء والجنرالات والحكّام الإيرانيين، بعد سيطرة العرب على إمبراطورية إيران وشمال إفريقيا، وفي الشرق أخذ أمراء الأتراك وملوكهم هذه العادة من أمراء العرب، كما أنها دخلت إلى إسبانيا وأوروبا على يد العرب. وسبب ادعائه هو غياب المهرجين في قصور ملوك إيران حتى بعد الإسلام، كآل بويه وآل زيار، فضلاً عن اهتمام الخلفاء الأمويين والعباسيين الكبير بالمزاح.

اللعب على الحبل أو إضحاك الكبار

هناك خلاف كبير بين المؤرخين حول دور مهرّجي الملوك، إذ يعتقد بعض الناس أن الملوك امتلكوا المهرجين، ليكونوا مرآةً لعيوبهم، ويرى البعض الآخر أن الملوك أرادوهم فقط لتسليتهم وتسلية حاشيتهم، وإذلالهم لجعلهم يفهمون أن لا قيمة لديهم، كما يظن البعض أن المهرجين كانوا بمثابة جسر بين الشعب والملوك.

صورة من مهرّجين في إيران في الماضي

ولكن كيف يمكن للملوك المتعطشين للدماء الذين كانوا يسفكون دماء الشعب بسهولة، مثل المتوكل العباسي ومحمود الغزنوي، أن يجلبوا مهرجاً ليكتشف عيوبهم، خاصةً أن بعض هؤلاء المهرجين كانوا فاسدين وظالمين مثل ملوكهم؟ جاء عن مهرّج المتوكل العباسي "ابن الأثير"، في تاريخ الطبري: "استغلّ ذلك الرجل (المهرج) قربه من الخليفة، وكم قتل من الناس، وكم أوقع من الرجال تحت رحمة الجلاد".

الأمر المؤكد هو أن المهرجين كانوا من كماليات البلاط ووسيلةً يستمتع بها الملوك، إلى درجة أن بعض الكبار والوزراء، امتلكوا المهرّجين لإثبات مكانتهم ورفعها فحسب، لكن هؤلاء المهرجين لم تكن لديهم حياة عادية ومريحة، إذ بحسب النصوص التاريخية الفارسية، لم يكن هناك مهرج في بلاط ملوك إيران، إلا وأُمر بقتله مرةً واحدةً على الأقل من قبل الملك.

أين يقع منزل الملك؟

كان اختيار مهرجي البلاط وتوظيفهم يخضعان لمبادئ وقواعد معيّنة، ولم ينجح الجميع في دخول القصر، حتى لو كانوا موهوبين جداً. بحسب النصوص والأعمال التاريخية، فإن كلام المهرجين وبالطبع مظهرهم الغريب والمثير للسخرية كان من أبرز معايير اختيارهم. إضافة إلى ذلك، لاختيارهم كان يجب أن يكون المهرج، من المجانين أو الأقزام أو الحدب أو أي شخص كان له مظهر مختلف وغير عادي، ذلك بالإضافة إلى روح النكتة الساخرة واللسان الحاد، وقدرته على غناء الأغاني السعيدة، وسرد القصص المضحكة، وكلما كان يُظهر أنه أكثر غباءً، فتكون لديه فرصة أكبر للحصول على منصب "مهرج القصر".

مهرّجو القصور في إيران

المهرج الأول الذي يظهر اسمه في الكتب التاريخية الفارسية هو "بَطَكْ"، الذي عاش في عصر السامانيين والأمير سديد، في القرن العاشر الميلادي. يعني اسمه في الفارسية "البطة الصغيرة"، ويُروى أن أحد ضيوف السلطان رأى هذا المهرج فقال مستهزئاً: "أهذا هو بطك؟"، فأجابه المهرج: "نعم، فإني ابن أبي".

لكن أشهر مهرّجي ملوك إيران هو الذي اشتُقت من اسمه كلمة مهرّج بالفارسية (دَلقَك): وهو "طَلحَك" أو "تَلخَك"، وكان مهرّج بلاط السلطان محمود الغزنوي، الذي عاش في القرن الحادي عشر الميلادي. وعنه قال الأستاذ الجامعي والرئيس السابق لمجمع اللغة الفارسية الدكتور محمد جعفر محجوب: "لقد أطلقوا عليه هذا اللقب، بسبب كلامه المرير الساخر"، وتعني مفردة "تَلْخ" في الفارسية "المُرّ".

وفي كتاب تاريخ البيهقي، نرى أنه على الرغم من العلاقة الوثيقة بين المهرّج والسلطان محمود، إلا أن الملك أمر بقتل المهرج أربع مرات وندم قبل تنفيذ الحكم، وهناك روايات عدة عن نكات طلحك في تاريخ البيهقي:

"ذات يوم سأل السلطان محمود مهرّجه: كيف تقوم الحرب بين الناس؟ أجابه طلحك: خراء في خراء. فانزعج السلطان من إجابته وسأله: ما هذا الخراء الذي أكلته؟ ماذا سألت أنا وماذا أجبت أنت؟ فردّ عليه المهرج: أقصد بالقول هذا أنه عندما أحد يقول شيئاً والآخر يجيب في غير محله، تندلع الحرب بينهما".

رسم يظهر مهرّج إلى جانب ملك

كان للملك عباس الصفوي، ملك إيران في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر الميلادي، في بلاطه عدد من المهرجين، من بينهم مهرّجة وحيدة مذكورة في الكتب التاريخية. ففي كتاب حياة الشاه عباس الأول، يذكر المؤرخ والكاتب الإيراني نصر الله فلسَفي، هذه المهرجةَ المعروفة بـ"دلالة قزي"، على النحو التالي: "كانت في حاشية الشاه عباس امرأة مهرّجة، كانت في غاية الذكاء والبهجة والمرح، وكانت رفيقة الملك في السفر، وعلى عكس غيرها من النساء، لم تكن تغطي وجهها من الرجال، وإذا ذهب الملك للصيد أو السفر، فإنها تذهب أيضاً معه".

تميُّز دلالة قزي وقربها من الملك تسببا في أن يرى رؤساء الحكومة وأقارب الملك، برغم أنهم كانوا يخشون من المعاشرة أو الجماع مع نساء حريم الملك، أنه من الضروري التقرب إليها بغية التقرب من الملك.

كما استخدم الشاه عباس أحياناً هذه المرأة في الشؤون السياسية، ففي بداية القرن السابع عشر، وعندما حاصر قلعة قندهار بالقوة -رداً على تهديدات جهانكير الهندي-، أمر دلالة بالدخول إلى داخل القلعة مع مجموعة من النساء، للاستيلاء عليها، وبعد احتلال القلعة على أيديهنّ، أُعلن في إيران أن قلعةً محصنةً مثل قندهار، تابعة للملك الهندي، سقطت على يد المهرجة ومجموعة من النساء.

ومن بين المهرجين المشهورين الآخرين لهذا الملك، يمكننا أن نذكر "مصطفى الأصلع"، الذي وقع في النهاية تحت غضب الملك وسيفه بسبب كلامه.

أحد أشهر مهرّجي البلاط في جميع العصور الإيرانية هو "كريم شيره اي"، المهرّج المفضل لدى الملك القاجاري ناصر الدين شاه، الذي حكم إيران في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، وكان لدى ناصر الدين شاه عدد من المهرجين الآخرين في البلاط، لكن كريم شيره اي، ذا العينين اللامعتين، كان محبوباً أكثر من غيره ومعفياً من الأدب، حتى تجاه الملك نفسه.

المهرّج الإيراني كريم شيره اي

دخل شيره اي البلاط بسبب مهارته في أداء العروض، وقدرته على الاستهزاء بأصحاب الألقاب، حيث أطلق عليه الملك لقب "دوشاب الملك". وفي أثناء فترة الاضطراب السياسي لناصر الدين شاه، انتقد هذا المهرج رحلات الملك القاجاري التي كلفت الكثير من النفقات، وذلك بسخرية ممزوجة بأشد العبارات والألفاظ الفكاهية، مما أسعد رجال الحاشية والشاه نفسه، وبسبب محبته هذه لدى الملك، أُعلن الحداد العام لمدة ثلاثة أيام عند وفاته.

مهرّجو قصور العرب

وكان للمتوكل العباسي مهرج اسمه "عطاء"، اشتهر بلهجته الصريحة وتهوّره. ويُحكى أن المتوكل قال يوماً لمن حوله إن: "أبا بكر جلس أدنى من النبي صلى الله عليه وسلم بدرجة على المنبر، وبعد أبي بكر جلس عمر أدنى بدرجة، ولكن عثمان أفسد هذا الترتيب وجلس في القمة"، فقال عطاء: "إن عثمان له حق عظيم عليكم جميعاً، لأنه إذا استمر في هذه الممارسة، فسيتعيّن عليكم الآن الجلوس في قاع البئر ووعظنا".

أحد أشهر مهرّجي البلاط في جميع العصور الإيرانية هو "كريم شيره اي"، المهرّج المفضل لدى ناصر الدين شاه القاجاري، الذي حكم إيران في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي

وكان أبو نواس الشاعر نديم الخليفة العباسي هارون الرشيد، وهو منحدر من جذور إيرانية وتحديداً من الأهواز، وقد ذهب إلى البصرة عندما كان طفلاً. روى كُثرٌ أنهم رأوا أبا نواس يحمل في يمينه عنقوداً وفي يساره حبة زبيب، وكان يأكل حبة عنب وزبيباً أينما شاء. قالوا: ما هذا؟ قال: "أب وابن وروح القدس". توفي أبو نواس في سجون هارون الرشيد.

المهرجون المتجولون

كان المهرجون المتجولون، المعروفون باسم "لوتي"، منتشرين في إيران على مر العصور، حيث أصبحت شخصيات بعضهم رمزاً للمناسبات والأعياد، وليس لديهم أي تخصص في الكوميديا، بل كان كل من يعرف روح الدعابة والنكتة ويستطيع أن يُضحك الناس أو يسليهم في الأسواق والشوارع، بكلماته الساخرة والطريفة، يُعدّ مهرّجاً متجولاً.

كان هؤلاء المهرجون دائماً معرّضين لخطر الاعتقال بتهمة شرب الخمر والسّحر والجنون، وكان عملهم أصعب بكثير من مهرّجي القصور، ومن أشهرهم "حسين لوتي"، و"شيخ شيبور"، و"شيخ كارنا"، و"حسن القط".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image