شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أُغرم الملك بالكاميرا وتفنن بتصوير زوجاته... تاريخ التصوير الفوتوغرافي في إيران

أُغرم الملك بالكاميرا وتفنن بتصوير زوجاته... تاريخ التصوير الفوتوغرافي في إيران

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 17 مايو 202301:56 م

بعد مرور سنوات قليلة على اختراع كاميرا التصوير في أوروبا، أهدى القيصر الروسي نيكولاي الأول، سنة 1842، جهازاً لثالث ملوك السلالة القاجارية، محمد شاه، أحضره الدبلوماسي الروسي الشاب، نيكولاي بافلوف (nikolai pavlov)، الذي كان قد تعلم التصوير بغية التقاط الصور في طهران.

بعد فترة وجيزة، أهدت ملكة بريطانية فيكتوريا، كاميرا تصوير أخرى للملك الإيراني، وكان الجهازان من نوعية داغيروتايب (daguerreo type). وبسبب طريقة التعريض والمواد المستخدمة فيها، وضرورة حفظ الصور في ظروف خاصة، لم يتبقَّ من الصور الملتقطة سوى صورة واحدة.

كان الفرنسي جول ريتشارد (jules Richard)، ويسميه الإيرانيون ريشارخان، أول من حصل على لقب "عكاس باشي" من البلاط، فعاش طوال حياته في طهران بعدما أسلم وتزوج هناك، كما دُفن فيها (1890-1815م)

أولى الكاميرات كانت في حوزة البلاط والأمراء، وقلّ من كان يتقن فن التصوير، إذ كانوا يلقبونه بـ"عَكاس بَاشي"، والمفردة الأولى تعني المصوّر، والثانية أي "باشي" أصولها تركية وتعني العميد أو الرئيس. و"عكاس باشي" لقب ملكي لتكريم من يعرف كيفية التعاطي مع هذا الجهاز الأوروبي المثير للإعجاب.

وورد في كتاب مرآة البلدان لمؤلفه الوزير اعتماد السلطنة: "لأن السيد رضا الذي يعمل في بلاط حضرة الملك، وصل إلى مستوى الإتقان في فن التصوير، فقد تشرّف بالحصول على لقب عكاس باشي".


وكان الفرنسي جول ريتشارد (jules Richard)، ويسميه الإيرانيون ريشارخان، أول من حصل على لقب "عكاس باشي" من البلاط، فعاش طوال حياته في طهران بعدما أسلم وتزوج هناك، كما دُفن فيها (1890-1815م).

التقط ريشارخان الكثير من الصور، خاصةً لمحمد شاه قاجار، الذي أمر بإدخال جهاز الكاميرا إلى إيران بعد أن وصله الجهاز هديةً من روسيا وبريطانيا. وبعد تأسيس معهد دار الفنون، كان الفرنسي أول معلّم فيه لمادة اللغة الفرنسية.

وثمة دبلوماسيون غربيون لدى طهران مارسوا التقاط الصور من إيران، وكانت أعمالهم وما زالت مصدراً رئيسياً لمعرفة تلك الحقبة من القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وأهم هؤلاء العسكري الإيطالي لويجي بيسكي (Luigi Pesce)، والأرمني أنطوان سيفروغين (Antoin Sevruguin)، الذي صوّر طوال خمسة عقود.

ومارس قاسم ميرزا، أحد الأمراء القاجاريين، فن التصوير ليصبح أول إيراني يعمل بجهاز داغيروتايب، وكان قاسم خان قد بدأ التصوير من مدينة تبريز في شمال غرب البلاد، المحاذية للحدود العثمانية. كما كان أول من أعد ألبوماً من صوره، ولكن ما تبقّى من صور أول المصوّرين الإيرانيين، صورة واحدة كان قد التقطها لنفسه (بورتريه).

الشاه المصوّر وکامیراه

تحولت صناعة التصوير حول العالم مع اختراع جهاز التصوير الفوتوغرافي، ولكن مع تربع الملك الشاب ناصر الدين القاجاري على العرش، وكان يهوى هذا الفن ومارسه بنفسه علمياً وعملياً، دخلت إيران في عهد جديد من التوثيق المصوّر، إذ أمر بإدخال أجهزة التصوير الفوتوغرافي المتعددة.

كانت كاميرا الملك كبيرة توضع على ثلاثة أعمدة خشبية، وكان يستغل ناصر الدين غالبية المناسبات المتعددة ليلتقط الصور لأفراد أسرته ورجال بلاطه. وجاء في مذكراته اليومية حول التقاط الصور من عرس ابنته في سنة 1894: "اليوم كان زفاف تاج السلطنة، ذهبت إلى فناء المنزل الداخلي، وكان هناك حضور واسع من مختلف الشرائح... التقطنا بعض الصور... ثم خلا الفناء وذهب الجميع إلى غرفهم ولم يبقَ أحد كي نلتقط الصور".

كُتبت تقارير ومقالات كثيرة حول الصور التي التقطها الملك بنفسه طوال حياته، لتخبرنا عن قيمتها التاريخية والفنية. ومن أقدم الصور لناصر الدين شاه، صورة لوالدته مَلِك جَهان خانم، وصورة له (بورتريه).

تفنّن الشاه في التقاط الصور لزوجاته، وكانت له 5 زوجات بشكل رسمي، ونحو 80 أخريات ضمن زواج المتعة، كما التقط صوراً لبعضهن وهن عاريات، وتُعدّ صور نسائه من أهم الوثائق القيّمة في تلك الحقبة التي تُعرف بالحقبة الناصرية.

دخلت في هذه الحقبة موجة جديدة من توثيق الصور في الساحة الفنية الإيرانية، حتى أصبحت الفنون البصرية، مثل الرسم والخط، أكثر عزلةً، مقارنةً بكاميرا التصوير الفوتوغرافي.

بالإضافة إلى الشاه، كان ثمة مصورون يعملون في بلاطه، أشهرهم "آقا رضا عكاس باشي"، وكان يهوى صور البورتريه، وبعد أن منحه الملك لقب "عكاس باشي" في سنة 1863، خصص له غرفةً في قصر كُلستان (Golestan)، لمتابعة الشؤون المهنية الخاصة بالتصوير.

كما كان عبد الله ميرزا، من المصورين الآخرين الذين ذاع صيتهم في البلاد، وكان له محل لالتقاط الصور في شارع علاء الدولة بالقرب من موقع سفارة كلٍّ من روسيا وبريطانيا وألمانيا وتركيا.

ثم ذهب الأمير عبد الله القاجاري إلى أوروبا ليتعلم أصول فن التصوير، وعاد مصوراً بارعاً ومدرّساً في هذا المجال، ومن هذا المنطلق جاء ذكره في التاريخ الإيراني كعرّاب فن التصوير الفوتوغرافي في البلاد.

فتوى حل التصوير

عدّ المرجع الديني ملا هادي السَبْزَواري، التقاط الصور أمراً مخالفاً للقانون، واعتقد أن مثل هذا الشيء غير ممكن، فذهب رضا عكاس باشي، إلى مدينة سبزوار في شمال شرق البلاد، والتقط صورةً للمرجع، وحينما رأى ملا هادي صورته استغرب وأُعجب بهذا الفن، ثم أفتى بتحليله.

وفي أحداث الثورة الدستورية التي جاءت لتقليص صلاحيات الملك وتأسيس البرلمان سنة 1905، عمل المصوّر الأرمني ستيبان ستيبانيان (Stepan Stepanian)، كأول مصور صحافي في إيران حيث وثق الثورة وقادتها.

راج التصوير في المجتمع الإيراني عند حلول القرن العشرين، وتم تدريس مادة التصوير الفوتوغرافي في معهد دار الفنون بشكل أكاديمي. وازداد عدد من لُقّبوا بـ"عكاس باشي"، وكثرت إستديوهات التصوير في العاصمة ثم في المدن الإيرانية الكبرى.

تم إنشاء متحف الصور الإيراني في سنة 1995، ويُعدّ أول متحف أخصائي على مستوى الشرق الأوسط، ويضم عشرات الآلاف من الصور القديمة والأولى، وأنواع كاميرات التصوير، وأدوات التصوير ومعداته

وتهافت المتعلمون والأغنياء على هذه المحال طالبين توثيق صورهم ثم طباعتها وتعليقها على جدران منازلهم، فكان معظم المصورين الذين فتحوا إستديوهات في المدن، هم من عملوا في منازل الأمراء والحكام المحليين.

وكتب عين السلطنة، وهو من الأمراء القاجاريين، وقتذاك: "ذهبت مع الأمير محمد حسن ميرزا إلى إستديو التصوير في مدينة أصفهان، وكان محلاً قذراً، وأخذ لنا صورةً تذكاريةً، وكان صاحب المحل هو المصوّر الخاص للراحل اعتضاد السلطنة (خال الملك ناصر الدين شاه)".

أما الحدث الذي كان بمثابة نقطة مفصلية في تعميم فن التصوير والتقاط الصور لمعظم المواطنين، فهو قانون إصدار سجل الهوية الشخصية في سنة 1916.

تم إنشاء متحف الصور الإيراني في سنة 1995، ويُعدّ أول متحف أخصائي على مستوى الشرق الأوسط، ويضم عشرات الآلاف من الصور القديمة والأولى، وأنواع كاميرات التصوير، وأدوات التصوير ومعداته، ومكتبة خاصة، والبطاقات البريدية المصورة. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image