شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
يضع رهانه كله عليها… هل يستقر حكم الرئيس السيسي بعد فوزه في الانتخابات؟

يضع رهانه كله عليها… هل يستقر حكم الرئيس السيسي بعد فوزه في الانتخابات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

كل الخيوط تسير الآن -إن لم تحدث مفاجأة كبرى- باتجاه انتخابات رئاسية محسومة نتيجتها لصالح الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي الذي سيترشح لولاية ثالثة مدتها ست سنوات، ليكون إجمالي ما قضَّاه في السلطة -في حال إكمال مدته الجديدة- ستة عشر عاماً، بعد ثورة عارمة -ثورة 25 يناير 2011- كان مطلبها الأول ألا تزيد مدة بقاء أي رئيس في السلطة عن دورتين مجموعهما ثماني سنوات كما يحدث في الدول الديمقراطية حول العالم.

يتفرد الرئيس السيسي من بين حكَّام يوليو العسكريين: عبد الناصر والسادات ومبارك، بأنه بدأ ولايته بأعلى نسبة تأييد، إذ خرجت جموع من الجماهير للشارع تناديه للتقدم للحكم وانتخبته بأغلبية كاسحة في 2014 (96.91% مقابل 3.09% لمنافسه وقتها الأستاذ حمدين صباحي)، فيما وصل مع اقتراب نهاية مدته الثانية (الحالية) إلى نسبة منخفضة جدّاً من الرضا الشعبي بسبب المشكلات الاقتصادية وتراجع دور مصر السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، والكلام حول الفساد واستغلال السلطة، وهو ما تعكسه تعليقات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، والهاشتاجات التي تطالبه بالرحيل، والاكتفاء بعشر سنوات في السلطة.

الذي يجعل كفة الانتخابات تميل لصالح الرئيس عبد الفتاح السيسي هو ما نتابعه من تجهيز لعناصر مشهد يتم إخراجه بعناية على عدة محاور، أهمها تفتيت المعارضة بدفع أكثر من مرشح يمثلها، بصرف النظر عن تدني جماهيريتهم في الشارع

انتخابات سابقة التجهيز!

لكن: لماذا تبدو النتيجة محسومة؟

الذي يجعل الكفة تميل لصالح الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي هو ما نتابعه من (تجهيز) لعناصر مشهد يتم إخراجه بعناية على عدة محاور، الأول والأهم: هو تفتيت المعارضة بدفع أكثر من مرشح يمثلها، بصرف النظر عن تدني جماهيريتهم في الشارع الذي ربما لم يسمع عن بعضهم قبل إعلانهم الترشح، وذلك وسط أخبار تفيد باتفاقات حدثت بين بعض المعارضين وبين الأجهزة التي تدير المشهد، وهذا لا يفتت الأصوات فقط، ولكنه يُفقد الجماهير الثقة في جدية المعارضة وقدرتها على التكاتف في ظرف دقيق كالذي تمر به مصر، إذ كان كثيرون يأملون أن يتم التغيير سلميّاً عبر صناديق الاقتراع، وهو ما بدا مستحيلاً الآن بسبب أن المعارضين لم يكونوا على مستوى الظرف وتوقعات الناس، والثاني: هو حرمان المرشحين الأقوياء من خوض الانتخابات، وقد تحدثت عن ذلك في مقال سابق.

السؤال المهم الآن ليس إذا كان الرئيس سيفوز بولاية ثالثة أم لا، ولكن السؤال هو: هل سيستطيع تجاوز محنة فشل نظامه في إدارة الملفات الرئيسية والحساسة في الاقتصاد والسياسة والعلاقات الإقليمية والدولية وفي ملف مياه النيل؟

المحور الثالث: أن أجهزة الدولة تنحاز للرئيس، وأبرزها الإعلام الذي يوفر تغطية دقيقة لنشاطاته ويضخم أي شيء يفعله مهما كان تافهاً، في مقابل الهجوم الضاري على المرشح المعارض الجاد الوحيد، أحمد الطنطاوي، بإلصاق تصريحاته له لم يقلها، والقبض على المتطوعين في حملته ومحاكمتهم وسجنهم بالتهم الجاهزة المعروفة. والرابع: هو مسارعة مؤسسات أهلية ونقابات وشخصيات عامة -أبرزهم صبري نخنوخ المدان في قضايا بلطجة والمالك الجديد لأكبر شركة أمنية في البلاد أنشأتها مؤسسة امنية سيادية- لإعلان تأييدهم للرئيس، إضافة إلى أن تمويل الحملات الانتخابية المرتقبة سيميل لصالحه بقوة نتيجة تبرعات محتملة لرجال الأعمال وأصحاب المصالح.

المحور الخامس: أن قائمة المنظمات والجمعيات، الأهلية والدولية، التي أعلنت اللجنة العليا للانتخابات أنها ستراقب العملية الانتخابية، ليس بينها منظمات دولية كبرى لها مصداقية وتاريخ في القيام بهذا الدور، مما ينبئ عن مراقبة شكلية بلا تأثير.

دعاية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية

نجاح الرئيس أم نجاح الدولة؟

السؤال المهم الآن -على ما يبدو- ليس إذا كان الرئيس سيفوز بولاية ثالثة أم لا، لأن الأمر يبدو محسوماً كما ذكرت، ولكن السؤال هو: هل سيستطيع تجاوز محنة فشل نظامه -طوال عشر سنوات- في إدارة الملفات الرئيسية والحساسة في الاقتصاد والسياسة والعلاقات الإقليمية والدولية وفي ملف مياه النيل؟ 

بمعنى آخر: هل سياسة قمع المعارضين وإخفائهم وإسكات الناس وحبسهم احتياطيّاً وسجنهم بتهم صورية، وبدون تهم أحياناً، قابلة للاستمرار في السنوات القادمة؟ هل تؤدي نفس السياسات إلى نفس النتائج، أم سيكون عليه اختبار طرق أخرى تفرضها الواقعية؟ وهل لديه بدائل أصلاً؟ وهل استوعب -بما يكفي- أن نجاح حسني مبارك في انتخابات 2005 لم يحمه من غضب الجماهير التي أطاحته ونظامه ولم تستمع إلى توسلاته؟

مجيء النظام بعد ثورتين واضطرابات مجتمعية واسعة، جعل المصريين يصبرون على قسوة الإجراءات الاقتصادية، على أمل أن يأتي التحسن بعد الاستقرار، وقد ساعد على ذلك وعود الرئيس كل فترة بأن القادم سيكون أفضل خلال مدد زمنية حددها بنفسه ولم تزد الأوضاع بعدها إلا سوءاً

في السياسة تتغير الموازين باستمرار كنتيجة حتمية لتغير الظروف المحيطة باللاعبين الأساسيين، والنظام المرن هو الذي يفهم القواعد ويتعامل مع المتغيرات بدينامية تجعله يبتكر أشكالاً متنوعة في التعاطي مع الملفات المختلفة والمتجددة ليضمن النجاح والاستمرار.

وفي حالة الرئيس السيسي والحالة السياسية في مصر، فإن الذي ضمن نجاح نهجه في البطش بالمعارضين وتكميم أفواههم وسجنهم، دون أن يقابل ذلك غضبٌ شعبيٌّ، أنه جاء في ظروف حرجة، بعد عام من الفشل الظاهر لجماعة الإخوان المسلمين في الحكم، ثم تورط عناصرها في أعمال عنف مثل الهجوم على الجنود وتصفيتهم أو زرع عبوات ناسفة في أماكن مأهولة بالسكان، لا تفرق بين مدني وعسكري، هذه المواجهة جعلت قطاعات واسعة تتسامح مع بعض العنف المؤسسي أملاً في الوصول إلى حالة الأمان الكامل بأقل أضرار ممكنة.

أيضاً فإن مجيء النظام بعد ثورتين واضطرابات مجتمعية واسعة، جعل المصريين يصبرون على قسوة الإجراءات الاقتصادية، على أمل أن يأتي التحسن بعد الاستقرار، وقد ساعد على ذلك وعود الرئيس كل فترة بأن القادم سيكون أفضل خلال مدد زمنية حددها بنفسه ولم تزد الاوضاع بعدها إلا سوءاً، حتى دخلت مصر في أزمة اقتصادية خانقة قد تكون غير مسبوقة منذ بداية عصر محمد علي، رغم ما دخلته الدولة من حروب، وما فرض عليها من حصار اقتصادي.

هذا التسامح امتد إلى قبول التجاوزات الظاهرة التي حدثت في انتخابات 2018، من سجن وترهيب المرشحين المنافسين، وإلى تعديل الدستور ليضمن بقاء الرئيس لضعف مدته الدستورية، لكن أسباب هذا التسامح انتهت الآن، بل وانتقلت إلى الضد.

دعاية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية

تبدل الأوراق بين نقيضين

الأغلبية الكاسحة التي كانت تنظر إلى المشير عبد الفتاح السيسي عام 2013 باعتباره مُخلِّصاً، هي ذاتها التي تحمِّلُه الآن فاتورة الإخفاق الاقتصادي وإفقار الشعب، نتيجة سياسة الاقتراض من الداخل ومن المنظمات الدولية، والدخول في مشاريع ذات تكلفة عالية دون مردود اقتصادي..

هذا التحليل لا يمكن أن يغفل تغير التحالفات الإقليمية، من وقوف قوتين كبيرتين مثل السعودية والإمارات بجانب هذا النظام في بداية حكمه، والمسارعة إلى دعمه بأشكال متعددة، من تقديم ودائع دولارية في البنك المركزي المصري، وتوريد المنتجات البترولية بأسعار مناسبة وعلى أقساط مريحة، والتدخل لدى القوى العالمية لقبوله والتعاطي معه.. إلى إعلانهما المستمر والعلني بأن زمن المساعدات المجانية قد ولَّى، وأن البديل هو شراء الأصول، وبالأسعار التي تناسبهما وتضمن لهما الربح الوفير.

التغير الكبير في المواقف داخليّاً وخارجيّاً، هو الذي يضعف النظام الحالي، ويجعله غير قادر على التعامل مع المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي بشكل عنيف، لأنه لو فعل ستدينه كل القوى الخارجية التي تتابع، لذلك فهو يحاول استثمار وجود طنطاوي ليكون مرشَّحاً مقبولاً يفوز الرئيس عليه بنسبة معقولة

لا شك كذلك أن قضايا الفساد التي تظهر كل فترة، مثل طائرة زامبيا ورشوة السيناتور الأمريكي، أو التعتيم على حوادث كبرى مثل الاشتباكات التي دارت داخل مقر الأمن الوطني في العريش، أو استشهاد بعض الضباط وضباط الصف والجنود في حوادث غامضة، وعدم تصديق قطاعات واسعة من المصريين للروايات الرسمية في كل تلك الأحداث، لا شك أن هذا أثَّر على مصداقية النظام وقدرته على إدارة ملفاته، وعلى إقناعه لمؤيديه بشفافيته وسيطرته على الدولة.

التغير الكبير في المواقف داخليّاً وخارجيّاً، من الضد إلى الضد، هو الذي -فيما أتصور- يضعف النظام الحالي، ويجعله غير قادر على التعامل مع المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي بشكل عنيف، مماثل لما تم مع الفريق أحمد شفيق مثلاً عام 2018، لأنه لو فعل ستدينه كل القوى الخارجية التي تتابع، لذلك فهو يحاول استثمار وجود طنطاوي -مع التضييق عليه إلى أقصى حد- ليكون مرشَّحاً مقبولاً يفوز الرئيس عليه بنسبة معقولة، طبعاً بعد السعي لترشيح آخرين يخصمون من رصيده، ويخصمون من سلوك المعارضة بشكل عام وتصويرها بمظهر المتهافت.

دعاية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية

سيناريوهات المستقبل

هذا عن المشهد الآني، فماذا عن احتمالات المستقبل؟

القراءة المتأنية تقول إننا أمام أحد سيناريوهين، الثاني هو الأرجح من وجهة نظري.

السيناريو الأول: أن يتفهم النظام أن الأوراق تبدلت، وأنه لم يعد يعمل في مناخ مهيَّأ كما كان، فمن ناحية سيكون الإخفاق الاقتصادي ضاغطاً بشكل كبير، بل وسيتزايد الضغط بوتيرة أسرع نتيجة للفشل المحتمل -لو حدث-، ومن ناحية أخرى سيتسع الرفض المجتمعي، خاصة أن أصوات قطاعات واسعة من الناس بدأت تعلو الآن، سواء للمطالبة بظروف معيشية أفضل، أو للمطالبة بالشفافية ومحاربة الفساد، مستغلة الحماية التي توفرها ظروف الانتخابات القادمة، وستكون فرص السيطرة عليها، وإعادتها إلى مربع الصمت قليلة، وكلفتها عالية في الداخل والخارج.

بناء عليه، سيكون على النظام أن يتفهم التغيرات ويتعامل معها برشد، بالسماح بمشاركات أوسع للمعارضين، وفتح المجال للانتقاد دون أن يعقبه قمع كالذي كان ولا يزال يحدث، وبالتالي تُخلَقُ فرص عديدة للحوار والتشارك وإفراز بدائل -مدنية ديمقراطية- يمكن أن تتقدم بأفكار جديدة لقيادة مرحلة ما بعد الفترة الرئاسية الثالثة للرئيس السيسي.

والحقيقة أن هذا السيناريو صعب التحقق عمليّاً، لأن فكرة النظام الحالي عن الإدارة أقرب للقمع وإسكات الناس وحجب الأصوات، والأسوأ أنه -أي النظام- يفعل ذلك عن قناعة أنه الأفضل، وأنه يفعل ما لا يستطيع غيره أن يفعله، وأن المعارضين طامعين في السلطة دون أن يكونوا عالمين أو مؤهلين لتحمل المسؤولية. لذلك أستبعد أن يتم تنفيذ هذا السيناريو الأقل ضرراً.

السيناريو الثاني، الأقرب، أن النظام يسمح مضطرّاً بوجود أصوات عالية الآن -مثل خطاب أحمد الطنطاوي- ليمرر مرحلة الانتخابات الرئاسية، ثم يعود إلى سيرته الأولى بعد انتهائها، وربما يدفع أحمد الطنطاوي وأنصاره ثمناً غالياً لتجرؤهم على الرئيس (سيناريو أيمن نور).

كذلك فإننا على موعد مع انتخابات برلمانية في 2025، وأتصور أنه لن يكون مقبولاً فيها ما حدث في انتخابات 2020 من قائمة موحدة تعدها الأجهزة وتوزع فيها أنصبة على بعض المتعاونين، ففكرة القائمة محل جدل الآن بالفعل، وسوف يحدد أداء الرئيس والأجهزة خلالها ردود الأفعال الشعبية، وما إذا كانت حالة الاحتقان والغضب ستزداد أم ستخف، وإن كنت أتصور أنها ستزداد، لأن هذا النظام لا يتعلم من تجربة السنوات الخمس الأخيرة في نظام مبارك.

أخيراً لا يتمنى أحد أن تسوء الأحوال، وأن تكون مصر مرشحة للدخول في نفق جديد، خصوصاً في هذا الوضع الاقتصادي السيئ، وهذا التجاذب الاجتماعي الكبير بين المؤيدين والمعارضين، ما نحتاجه بالفعل هو الكثير من الرشاد والعقل والاتزان في إدارة ملفات المرحلة المقبلة، وعلى رأسها ملفان رئيسيان، الأول: ملف الاقتصاد ومحاربة الفساد والتضييق على الفاسدين، وشل أيدي المستفيدين منه والمتربحين، والثاني: فتح المجال السياسي والانفتاح في مجال الحريات، بحيث لا يضار صاحب رأي من قول ما يعتقد، طالما لا يفرض رأيه بالقوة، ولا يلزم الآخرين به.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image