دعوة عماد جاد، المتحدث باسم التيار الليبرالي الحر، بأن يتم الدفع بالفريق محمود حجازي رئيس الأركان المصري الأسبق في الانتخابات الرئاسية القادمة، ليكون رئيساً انتقاليّاً يمهد لتسليم السلطة للمدنيين، هي دعوة شخصية لا تعبر عن التيار الذي يتحدث باسمه.
هو قال ذلك صراحة في البيان الذي كتبه على صفحته الشخصية على موقع فيسبوك يوم 14 سبتمبر/ أيلول الحالي، بعنوان "نداء من أجل الوطن"، قال: "بيان أكتبه بصفة شخصية"، وقد أكد التيار الحر عدم صلته بهذا الطرح في بيان أصدره يوم 16 من الشهر نفسه، جاء فيه "ينفي التيار الحر أي علاقة له بما كتبه الأستاذ عماد جاد حول تفضيله لرئيس من خلفية عسكرية لمصر، وترشيحه للفريق محمود حجازي كرئيس قادم لمصر".
وقد عاد عماد جاد وأكد على ذلك في تصريحات صحافية في اليوم التالي حين قال "أكدت على ذلك في البوست حتى لا يحسب الأمر على أنه صادر عن التيار الحر".
تتحكم القوات المسلحة في كل تفاصيل الحياة في مصر، من المشاركة الكبيرة في الاقتصاد، حتى التدخل في اختيار الموظفين الحكوميين، فضلاً عن السيطرة على كل المؤسسات التنفيذية والإعلامية والدينية والثقافية والتعليمية، بشكل سيجعل من الصعب نجاح أي رئيس من خارج الجيش
دعوة جاد بهذه الصورة –إذا قُرِئت بعمق- تنبني على مرتكزين أساسيين:
الأول: أن فترة حكم الرئيس السيسي فاشلة تماماً، وقد أوصلت مصر إلى طريق مسدود سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، وأفقدتها دورها الإقليمي المحوري في ظل تصاعد قوى ولاعبين جدد، علاوة على حالة الانسداد التي قتلت السياسة وهمشت أي صوت مخالف بمطاردة وسجن المعارضين، ولذلك فإن "مصر لن تتحمل استمرار السياسات الحالية فترة قادمة"، وأن "هذه دعوة من القلب أراها تمثل مخرجاً آمناً من حالة الانسداد التي وصلنا إليها" بحسب نص بيان جاد.
الثاني: أن أي خروج من الأزمة الحالية لن يكون عمليّاً ولا ممكناً بدون مساعدة القوات المسلحة و(تحركها)، وهذا هو الخطير في دعوته والذي لا يأخذ حقه من البحث.
السيسي ليس شريكاً في المستقبل
الواقع على الأرض يقول إن القوات المسلحة تتحكم في كل تفاصيل الحياة في مصر، من المشاركة الكبيرة في الاقتصاد، حتى التدخل في اختيار الموظفين الحكوميين، من مدرسين وخطباء مساجد وغيرهم، بل وتدريبهم تدريباً عسكريّاً في أكاديمياتها كي تضمن ولاءهم، فضلاً عن السيطرة على كل المؤسسات التنفيذية والإعلامية والدينية والثقافية والتعليمية، بشكل سيجعل من الصعب نجاح أي رئيس من خارج الجيش. لذلك فإن جاد يرى أن: "الرئيس الجديد في تقديري لا بد أن يأتي من دولاب مؤسسات الدولة، من خلفية مدنية أو عسكرية، تثق فيه المؤسسة العسكرية ويدير معها عملية خروج مؤسسات الدولة السيادية من الاقتصاد وكافة المجالات التي لا تدخل في اختصاصها الأصيل".
البيان إذن يبحث عن رجل –غير الرئيس السيسي-، مدني أو عسكري، تثق فيه المؤسسة العسكرية وتقبل التعاون معه بهدف إخراج "مؤسسات الدولة السيادية" –الجيش والمخابرات- من الاقتصاد وكافة المجالات، والنقطة الأهم التي توضح "إخراج" الرئيس السيسي من عملية الترتيب للمستقبل، أنه - أي جاد- يرى أن على الرئيس الانتقالي القادم من ضمن مهامه، أن "يستفتي على إلغاء تعديلات 2019 للعودة إلى الفصل والتوازن بين السلطات. ويحقق الاستقلالية للأجهزة الرقابية" في إشارة للتعديلات التي نصت على وضع أمر السلطات القضائية والرقابية في يد الرئيس.
دعوة عماد جاد تمثل قطاعاً واسعاً من المصريين، لا يتوقعون خيراً في استمرار النظام الحالي بنفس طريقته، وفي الوقت نفسه لا ترى أن الانتخابات القادمة يمكن أن تغير الوضع في ظل إمساك النظام بكل تفاصيل ومفاصل الدولة وأجهزتها، مما يجعل وصول أي شخص لمقعد الرئاسة –غير الرئيس السيسي- مستحيلاً
إذن، على الرغم من أن عماد جاد أشاد بمشروعات البُنى التحتية التي أنجزها الرئيس السيسي، فإنها مجرد إشادة شكلية، فهو يحمِّله مسؤولية التدهور الاقتصادي والسياسي الحادث الآن، ويشير غلى أن سعيه إلى تعديل دستور 2014 (ضمن تعديلات 2019) ليضمن بقاءه في الحكم ثماني سنوات إضافية فوق السنوات الأصلية المنصوص عليها في الدستور، هو الذي أوصل مصر إلى ما وصلت إليه، بخلاف أنه ليس ثمة ضمان ألا يقدم الرئيس على إحداث تعديلات دساورية أخرى لأغراض أخرى في المستقبل تصب في صالح الحاكم الفرد، في غياب آليات عمل لمؤسسات مستقلة تعرقل ذلك.
بيان إلى القادة العسكريين
بيان جاد على هذا النحو لا يتحدث إلى الشعب المصري الخائف والقليل الحيلة الذي يعاني من وطأة الإجراءات الاقتصادية ومن التضخم وارتفاع الأسعار وتدني قيمة العملة المحلية، ولكنه موجه –من طرف خفي- إلى القوات المسلحة نفسها، التي عليها أن تساند مرشح بديل وتعمل معه من أجل الإصلاح، وأن: "الدعوة تستهدف حلّاً توافقيّاً مع مؤسستنا العسكرية التي نجل دورها ونقدره على كل المستويات". لهذا يطلب "التمعن في هذا الاقتراح بهدوء" لقراءة المسكوت عنه في البيان، وليس الظاهر المُفصح عنه فقط.
الواقع أن دعوة عماد جاد لا تمثله وحده، لكنها تمثل قطاعاً واسعاً من المصريين، لا يتوقعون خيراً في استمرار النظام الحالي بنفس طريقته، خاصة أنه لا يعترف بأنه أخطأ، بل يرمى الفشل على أسباب أخرى خارجة عن إرادته، وفي الوقت نفسه لا ترى أن الانتخابات القادمة يمكن أن تغير الوضع في ظل إمساك النظام بكل تفاصيل ومفاصل الدولة وأجهزتها، مما يجعل وصول أي شخص لمقعد الرئاسة –غير الرئيس السيسي- مستحيلاً. هي دعوة تشاؤمية واقعية تأمل وتنتظر أن يقدم الجيش بديلاً من بين عناصره –العاملين أو المتقاعدين- بشكل آمن، يصلح ما يستطيع إصلاحه ولا يفقدهم امتيازاتهم كلها في الوقت نفسه، لأنه "الوحيد" الذي يستطيع أن يفعل شيئاً يغير المعادلة القائمة.
الفريق محمود حجازي –أو غيره- لا يستطيع الترشح للرئاسة إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يرأسه الرئيس السيسي، الذي تقول كل المؤشرات إنه سيخوض الانتخابات، وأنه لو تظلم - أي حجازي- سيكون تظلمه أمام "اللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة" تحت هيمنة الرئيس أيضاً
فيما يشبه التحرك الداخلي
بالتأكيد يعلم عماد جاد أكثر من غيره، بحكم انخراطه في العمل السياسي وعمله في مركز الدراسات الاستراتيجية في الأهرام، أن تقديم البديل ليس عملية آمنة، ولا سهلة، ولا ممكنة بدون احتكاكات بين القادة العسكريين ليست مضمونة النتائج، ببساطة لأن الرئيس السيسي استصدر قانوناً من البرلمان، وصادق عليه، في يوليو/ تموز 2020 يقضي بأنه "لا يجور للضباط بالخدمة أو من انتهت خدمتهم بالقوات المسلحة الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية أو المجالس النيابية أو المحلية إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة". وأنه "يجوز لصاحب الشأن الطعن في قرار المجلس المشار إليه أمام اللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة".
أي أن الفريق محمود حجازي –أو غيره- لا يستطيع الترشح للرئاسة إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يرأسه الرئيس السيسي، الذي تقول كل المؤشرات إنه سيخوض الانتخابات، وأنه لو تظلم - أي حجازي- سيكون تظلمه أمام "اللجنة القضائية العليا لضباط القوات المسلحة" تحت هيمنة الرئيس أيضاً، وقد استصدر الرئيس هذه التعديلات لتمنع العسكريين من الترشح لعدم تكرار تجربتي الفريق أحمد شفيق والفريق سامي عنان والمقدم أحمد قنصوة في انتخابات 2018، وأبسط قواعد المنطق تقول إنه لا يمكن أن يستصدر قراراً بالمنع، ثم (يسمح) للفريق محمود حجازي بالترشح، خاصة أن حجازي – كما يقول عماد جاد لموقع المنصة- "يتمتع بالكاريزما، وعلى قدر من الثقافة والاطلاع"، وهو على اتصال بالواقع السياسي والسياسيين منذ عام 2011، وأن من يصلح ليكون رئيساً لفترة انتقالية توصل للحكم المدني "شخصيتين فقط هما الفريق محمد العصار رحمه الله، والفريق محمود حجازي ربنا يديله الصحة نظراً لما تتسم به شخصيتهما من إطلاع وإيمان بمبادئ الدولة الديمقراطية"، وأنه "بعد موت الفريق العصار مابقاش ينفع غير الفريق حجازي".
بيان جاد وحواره لا يخاطبان محمود حجازي نفسه أيضاً، فقد ذكر أنه لم يتصل به في الفترة الأخيرة، وأنه لم يره منذ ثماني سنوات، إنما يخاطب من يستطيعون فرضه حفاظاً على مصالحهم، وهو لا يعطي ضمانة بأن يوافق حجازي على أن يكون معبراً للمدنيين سوى معرفته الشخصية له، وكونه مؤمناً بالدولة المدنية، ناسياً أن تغير الظروف يمكن أن تقلِّب النفوس وتخلق مستجدات وقناعات جديدة، سيكون لها ما يبررها عند الرجل وعند المحيطين به.
أحمد الطنطاوي رئيساً لمصر
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا يبحث الناس عن حل مستحيل وغير مضمون من داخل المؤسسة العسكرية، ولا يتكتلون خلف مرشح طرح نفسه بالفعل هو أحمد الطنطاوي؟ مع ملاحظة أنه يمتلك شخصية متزنة، نظيف اليد واللسان، ولديه رؤية سياسية واقتصادية نافذة يطرحها على فترات في لقاءاته التليفزيونية والصحفية انتظاراً لبرنامجه الانتخابي الذي قال إن متخصصين يعكفون على إعداده، وقبل كل ذلك وفوقه أنه جريء، يهاجم الرئيس ونظامه بانتظام وفي الصميم، دون أن يقع في أخطاء قانونية تعطي النظام فرصة القبض عليه ومحاكمته وسجنه، كما فعلت ذلك مع سياسيين آخرين، آخرهم "هشام قاسم" رئيس مجلس أمناء التيار الحر، الذي قال التيار في بيانه الذي صدر يوم 17 سبتمبر/أيلول إنه كان مرشحاً محتملاً للرئاسة.
الحقيقة أن المتابع المحايد سيجد أن أحمد الطنطاوي يقدم نموذجاً مبهراً لحملة انتخابية في ظل ظروف دولة ديكتاتورية، بدءاً من عكوفه في لبنان لدراسة بعض الملفات واستيعاب منطق التحالفات والأرقام، ثم إعلان نيته الترشح وإعلان موعد قدومه إلى مصر، ثم إيجاد مقر مناسب للحملة في وسط القاهرة، وتشكيل أعضاء حملته الانتخابية في كل المحافظات، وزيارة المقار الفرعية وعقد حوارات مع المتطوعين وتدريبهم بواسطة مختصين، كل هذا يترافق مع حملة إعلامية بدأت بحوارات متفرقة ثم تكثفت شيئاً فشيئاً، تناول من خلالها المشكلات التي تمر بها مصر، ورؤيته للحلول العلمية والعملية الممكنة، إضافة إلى ردوده الهادئة العاقلة والمقنعة على كل ما يثار حوله وحول حملته.
كما أن خطابه عن احترام الدستور، ودور مؤسسة الرئاسة والرئيس نفسه في النظام المرتقب، يعد نموذجاً لإدارة ديمقراطية لا تفتقدها مصر فقط، بل كل دول المنطقة، ولا أكون مغالياً لو قلت إن كل دول الجنوب تفتقدها بشدة، وإن حرصت بعض الدول على وضع لمسات شكلية هنا وهناك على وجه أنظمة أحادية لا تعترف بالتداول ولا بالفصل بين السلطات.
هذا الخطاب المتوازن، وتلك الشخصية الهادئة المتزنة، جعلا بعض الرموز الثقافية والاجتماعية تعلن تأييدها لأحمد طنطاوي مثل محمد غنيم وحسن نافعة وعلاء الخيام ومأمون فندي وخالد فهمي وحافظ الميرازي وغيرهم، لكن الأمل لدى الغالبية ليس كبيراً في أن يتمكن الطنطاوي من الفوز في الانتخابات، إذا سُمِح له بالترشح من الأصل، فمن المحتمل أن يتم التضييق عليه لإعاقة إكماله لعدد التوكيلات المطلوبة. ثم إنه لو نجح، وهذا يبدو مستحيلاً، سيواجه دولة عميقة (قد) ترفض التعاون معه وتعمل على إسقاطه مثلما حدث قبل ذلك.
تأثير القوى الإقليمية والعالمية
على أرض الواقع يبدو مشهد الانتخابات الرئاسية القادم في مصر معقداً إلى حد بعيد، فمن ناحية يقبض الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، المرشح المحتمل للانتخابات، على مقاليد الأمور كما أشرت، محصَّناً بمجموعة من القوانين التي تمنع مرشحين أقوياء من الترشح، مثل جمال وعلاء مبارك والقادة العسكريين الحاليين والمتقاعدين، كما يقبض على كل أجهزة الإعلام الحكومية وشبه الحكومية التي تهاجم منافسه بضراوة وتقصيه، بينما تستضيف "الكومبارس" الذين يعلنون أنهم سيترشحون وهم يؤيدون الرئيس على طريقة موسى مصطفى موسى (مرشح تقدم لمنافسة الرئيس السيسي في 2018 معلناً تأييده له).
لكنه في نفس الوقت يواجه غضباً شعبيّاً عارماً بسبب الأحوال الاقتصادية التي "بهدلت" قطاعات واسعة من المصريين، حتى أولئك الذين كانوا مستريحين ماديّاً في عهد حسني مبارك من الشرائح الوسطى والعليا للطبقة المتوسطة وكبار الموظفين. كما يواجه رفضاً إقليميّاً ودوليّاً لم تظهر آثاره ولا ملامحه بشكل صريح حتى الآن، حيث ترشح معلومات غير رسمية وتُنشر إشارات عبر متصلين بتلك القوى، على موقعي تويتر ويوتيوب، أن الرئيس هو السبب في الانهيار الاقتصادي عن طريق سيطرة الجيش على الاقتصاد، وأن عليه أن يكتفي بالسنوات العشر التي قضَّاها في الحكم ليفسح المجال لآخرين يمتلكون رؤى للحل، وأن هذه الدول التي دعمته كثيراً في الماضي ليست مستعدة لتحمل فاتورة الفشل، وأنها لن تقدم غير ما قدمته في ظل عدم استثمار أموال المساعدات بالطريقة المثلى، وعدم ضمان وصولها إلى مستحقيها ومساعدتها في تنمية حقيقية.
المشهد معقد بالفعل، لكن الأيام القادمة ستجلي غموضه تباعاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم