شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
التراب والقماش بدل الفوطة... عصور ما قبل البامبرز والكوتكس

التراب والقماش بدل الفوطة... عصور ما قبل البامبرز والكوتكس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الأربعاء 27 سبتمبر 202312:02 م

ترفض الجدّات المسنات حجج أمهات اليوم المقلّات في الإنجاب، وفي إحدى الاجتماعات النسائية التي حضرتها مؤخراً، تذرّعت أم لطفل وحيد بغلاء أسعار الحفاضات لتبرير عزوفها عن الإنجاب ثانية، فما كان إلا من جدتها أن قالت: "حفّضيه بخروق!".

البدائل دوماً جاهزة، وبالطبع هي مستوحاة من الماضي وليس من المستقبل، لذا دعونا نلقي نظرة على تاريخ الحفاضات، فلا ندري بسبب الأوضاع الاقتصادية إلى أي زمن نعود.

الطريبية والخروق

بالنسبة للجدات في منطقة الساحل السوري، وبحسب الذاكرة الشعبية، فإن النساء كن يتجهزن لولادة طفل جديد عن طريق إعداد "الطريبية"، هذه الوسيلة التي صمّمت لتلقي فضلات الوليد والحفاظ على منطقته الحساسة نظيفة جافة.

إعداد الطريبية أو "التريبية" المستوحى اسمها من التراب، كان جزءاً من طقوس التحضّر للولادة، كانت النساء فيه يقصدن أراضي محدّدة، تتميز بتربتها الكلسية البيضاء، تدعى "المحافير"، لإحضار أكبر كمية ممكنة من التراب الأبيض، ومن ثم يتمّ نخله للتخلّص من الحصى والأجزاء الخشنة منه، فهذا التراب سيكون الأرضية التي ستتوضع عليها مؤخرة الرضيع شديدة الحساسية.

وبعد نخل التراب، كان يحفظ في وعاء ما داخل البيت، لتؤخذ منه حفنة عند الحاجة، توضع في صحن تدفئ به على المواقد في الشتاء البارد، ثم تفرش فوق قطعة قماشية مثنية من الأسفل، ممدودة تحت ظهر الرضيع المستلقي دوماً في مهده.

هذه الطريقة تتبع في الأشهر الأولى وأثناء النوم، أما في النهار وحين يبدأ الطفل الحركة، كان يترك "على راحته" ريثما يتعلم أصول العناية بالنظافة الشخصية. كان تخزين التراب أمراً ضرورياً، خاصة في الشتاء حين تبتل الأرض وتتكتل تربتها، ولئلا تضطر المرأة للذهاب لإحضار التراب عند كل عملية تغيير للحفاض، وعندما كان الطفل يبلل نفسه أو يتبرّز، كان التراب يتولى مسألة امتصاص البلل والحفاظ على بشرته جافة، فيتمّ التخلص منه واستبداله بحفنة أخرى نظيفة.

الطريبية أو "التريبية" المستوحى اسمها من التراب، جزء من طقوس التحضّر للولادة، كانت النساء فيه يقصدن أراضي محدّدة، تتميز بتربتها الكلسية البيضاء، لإحضار أكبر كمية ممكنة من التراب الأبيض، ومن ثم يتمّ نخله فهذا التراب سيكون الأرضية التي ستتوضع عليها مؤخرة الرضيع شديدة الحساسية

في مرحلة لاحقة جاء اختراع الحفاضات القماشية أو "الخروق" وهي لغوياً جمع خرقة، وتعني أي قطعة قماش بالية تلف حول المنطقة الحساسة للطفل، فتتلقى فضلاته وتحتفظ فيها بعيداً عن ملابسه، يتم استبدالها عند الاتساخ ثم يعاد غسلها واستخدامها، فيما بعد صُمّمت قماشات بيضاء مربعة مخصصة لهذا الأمر.

ولا بد من الإشارة إلى أن براءة اختراع "الخروق" أو الحفاضات القطنية القابلة لإعادة الاستعمال تعود للولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً لماريا آلين 1887.

لاحقاً وصل المنطقة اختراع الحفاض النايلون الذي كان أكثر كفاءة في العزل من القماش، فكان يوضع فوق الخروق للحفاظ على جفاف الملابس الخارجية، ومن ثم جاء البامبرز، أو الحفاضات التي تستخدم مرة واحدة.

وبحسب مقال منشور على موقع بارينتيغ مود في شباط 2023، ذُكر أن تاريخ الحفاضات لم يكن متماثلاً في جميع الحضارات، وأن المناخ والمواد المتوافرة في المنطقة كانا أكثر العوامل المتحكمة في مادة الحفاض، فالأمريكيون القدماء استعانوا بالعشب وجلود الأرانب كحفاضات بدائية، وفي المجتمعات المتواجدة في مناطق دافئة كان الأطفال يتركون بمؤخرات عارية، أما التقميط (وهو لف جسم الرضيع كاملاً وشده بقماشة قطنية أو من الكتان) فقد كان سائداً في أوروبا في العصور الوسطى، وكان موجوداً لغايتين أساسيتين، هما تأمين نمو مستقيم للأطراف، والاحتفاظ بالفضلات بعيداً عن المهد، وبالتأكيد تأمين الدفء للرضيع.

الصينيون كانوا يلبسون أطفالهم ملابس مشقوقة تتيح للفضلات الخروج، وفي قراهم كان ثمة شيء اسمه "التواصل من أجل الإخراج"، حيث كانت الأمهات أثناء الرضاعة الطبيعية يراقبن العلامات التي تدل أن أطفالهم على وشك الإخراج، فيمسكن بهم فوق وعاء، وعندما يكبر الطفل قليلاً كان يتم الاتفاق على إشارة تدل على حاجة الطفل للإخراج، فيتم إمساكه فوق وعاء أو في الشارع، وفي اليابان كان الكيمونو هو الحفاض البدائي للرضع هناك، وفي بعض المناطق في أفريقيا كانوا يلبسون الأطفال ملابس طويلة لغرض الحشمة دون أن يكون تحتها شيء يعيق إخراج فضلاتهم.

جاءت الثورة الصناعية فبدأت الحاجة لاختراع الحفاضات العازلة، فتمت صناعة حفاضات مغلفة بالمطاط في عام 1910 لكي توضع فوق الحفاضات القماشية، لكنها سببت للأطفال الحساسية والطفح الجلدي فتم استبدالها بالبلاستيك في عام 1950، وبعد الحرب العالمية الثانية وانخراط النساء بشكل كبير في سوق العمل وانخفاض قدرتهم وطاقتهم على استخدام الحفاضات القماشية، ظهرت حاجة ملحة لاختراع الحفاضات المخصّصة لمرة واحدة، وكان أول حفاض من هذا النوع في السويد عام 1942، مصنوعاً من الورق، وتطورت هذه الصناعة بسرعة رهيبة، وفي عام 1961 خرجت شركة بامبرز إلى النور واستولت على الجزء الأعظم من هذا السوق، ولا تزال تطورات هذا المنتج متلاحقة حتى اليوم من ناحية الأنسجة المستخدمة والشكل الذي يصمّم ليتلاءم مع حركة الأطفال الكثيرة.

ماذا عن الفوط الصحية النسائية؟

من المؤكد أن النساء اللاتي كان يشغلهن الاهتمام بنظافة أطفالهن كن قلقات بشأن نظافتهن هنّ أيضاً، فكانت الحاجة ملحة لإيجاد حل للنزيف الذي يتعرّضن له كل فترة معينة من دورة القمر، بغض النظر عن اعتبار المحيط للسائل النازف مقدساً أو ساماً، بحسب نظرية المينوتوكسين. وبحسب موقع كلو، فإن تطور الفوط الصحية النسائية بدأ عبر الاستسلام للأمر وعزوف النساء عن الخروج من منازلهن في فترة الحيض، كونهن كن ينزفن على ملابسهن، لكن هذا الخيار لم يكن متاحاً لجميع النساء، فاضطررن لوضع القطع القماشية بين سيقانهن.

بعض المؤرخين يشيرون إلى استخدام الفرعونيات لأوراق البردي المنقوعة بالماء ليتحسّن ملمسها، وإلى استخدام الصينيات أكياس حريرية محشوة بالرمل، واستخدام نساء العصور الوسطى جلود الحيوانات المجففة وفراءها، والطحالب والأعشاب التي سببت لهن فيما بعد العدوى البكتيرية.

ارتدت نساء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أحزمة الصحة الشخصية التي يشبه شكلها شكل الملابس الداخلية النسائية اليوم، وهي مزودة بوسادة قطنية لامتصاص البلل، أما من كنّ في طبقة اجتماعية أدنى، فقد استخدمن الملابس البالية التي يعاد استخدامها بعد الغسل.

بعض المؤرخين يشيرون إلى استخدام الفرعونيات لأوراق البردي المنقوعة بالماء ليتحسّن ملمسها، وإلى استخدام الصينيات أكياس حريرية محشوة بالرمل، واستخدام نساء العصور الوسطى جلود الحيوانات المجففة وفراءها، والطحالب والأعشاب التي سببت لهن فيما بعد العدوى البكتيرية

كل هذه الخيارات كانت متاحة برغم كون الحيض في تلك الفترة أقل غزارة منه في القرنين الماضيين، بحسب موقع ويب ميد، والذي عزا أسباب ذلك إلى سوء تغذية النساء قديماً، وصغر سنهن عند الزواج وفترات الرضاعة الطبيعية الطويلة، وسن اليأس المبكر.

أما فكرة الفوط الصحية بمفهومها الحالي، ولدت خلال الحرب العالمية الأولى، حيث لاحظت الممرضات أن قدرات السيللوز تفوق قدرات القماش في امتصاص دماء الجرحى، فتم تصنيع أول فوطة نسائية من هذا النوع من بقايا الضمادات السيللوزية عام 1918، وفي عام 1921 أصبحت الكوتكس الخيار الأكثر جماهيرية بين النساء في فترة الحيض، وخاصة بعد انخراطهن في سوق العمل.

في الفترة ما بين عامي 1854 و1915، تم تسجيل براءة اختراع لكؤوس الحيض التي كانت مصنوعة من المطاط والألومنيوم بشكل عام، والسراويل المبطنة بالمطاط المخصصة للعذراوات.

وفي عام 1933 في أوروبا، وبينما كانت نساؤها لازلن يستخدمن الخرق الحيضية، سجلت براءة اختراع باسم تامباكس، المعروف حالياً باسم التامبون أو السدادة القطنية، وهو وسيلة أخرى للتعامل مع النزيف الشهري، اعتبرها البعض أكثر أماناً من البكتيريا البرازية التي يمكن أن تنقلها الفوط الصحية، لكنها لم تكتسب شعبية كبيرة بسبب اعتبارات أخلاقية وأخرى تتعلق بالعذرية.

 بين البدائل التقليدية الاقتصادية وصديقة البيئة، والحلول العصرية الآمنة والمريحة، تتنوع تفضيلات النساء، وهنا لا بد من التأكيد على ضرورة امتلاك جميع النساء حول العالم بلا استثناء، الوعي والحرية الكاملين في اختيار مستلزمات العناية الشخصية الخاصة بهنّ وبأطفالهن، بناء على تفضيلات تخصهنّ وحدهنّ فقط، ولا علاقة لها بأي ظروف.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard