في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان، واجهت تالا (20 عاماً) مشكلة فرضت عليها الرجوع إلى طرق قديمة للتكيّف مع ارتفاع الأسعار، بحيث اضطرّت للعودة إلى العادات التي كانت منتشرة قبل العام 1898، وهو العام الذي شهد إطلاق أول فوطة صحية من قبل شركة Johnson & Johnson.
بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الفوط الصحية في لبنان والمستلزمات النسائية خلال الدورة الشهرية، تعيش تالا حالة من الاستياء، وفي ظل تصاعد قيمة الدولار، أصبحت تواجه صعوبات كبيرة لتلبية احتياجاتها الأساسية.
أبدت تالا، وهي طالبة جامعية تتحمّل مسؤولية الإنفاق على أسرتها، قلقها بشأن الوضع الراهن: "أعمل بجد لتأمين المعيشة في ظل الظروف الصعبة وأسعى دائماً للتوفير بسبب الدخل المحدود الذي أتقاضاه".
وأضافت لرصيف22: "بعد الارتفاع الفاحش في الأسعار، شجّعتني أمي على الاعتماد على قطع القماش بدلاً من الفوط الصحية. تلك القطع يمكن تعقيمها وغسلها، ما يجعلها بديلاً مقبولاً للفوط الصحية التي يتجاوز سعر علبة واحدة منها 150 ألف ليرة لبنانية".
حلول أخرى وأرقام مخيفة
في دراسة أجرتها جمعية في-مايل بالشراكة مع "بلان انترناشونال" حول واقع "فقر الدورة الشهرية"، تبيّن أن 76% من النساء والفتيات في لبنان لديهنّ صعوبة في الوصول إلى مستلزمات الدورة الشهرية بسبب الزيادة الحادة في الأسعار، وأكدت 87.9% أنهنّ غيّرن سلوكهنّ الشرائي لجهة منتجات الدورة الشهريّة.
في الوقت الذي تستعصي فيه مشكلة ارتفاع أسعار الفوط الصحية، تلجأ الكثير من النساء والفتيات إلى استخدام الفوط لفترات أطول، على الرغم من المخاطر الصحية المحتملة.
في هذا السياق، شاركت عايدة (25 عاماً) تجربتها مع رصيف22 قائلة: "نظراً للارتفاع الحاد في الأسعار وصعوبة استخدام بدائل، أجبرتني الظروف على إطالة فترة استخدامي للفوطة الصحية".
"بعد الارتفاع الفاحش في الأسعار، شجّعتني أمي على الاعتماد على قطع القماش بدلاً من الفوط الصحية. تلك القطع يمكن تعقيمها وغسلها، ما يجعلها بديلاً مقبولاً للفوط الصحية التي يتجاوز سعر علبة واحدة منها 150 ألف ليرة لبنانية"
على الرغم من أنه يُنصح بتغيير الفوطة الصحية كل أربع ساعات على الأقل، إلا أن وضع عايدة المادي الحالي لا يتساهل مع هذا التوجّه الصحي.
مع ذلك، هناك بعض البدائل التي تكتسب شعبية بين النساء في السنوات الأخيرة، من بينها "كأس الحيض" الذي تم ابتكاره في العام 2005، والذي أصبح محل تفضيل بالنسبة لكثير من النساء لعدة أسباب، بما في ذلك الراحة المادية، بحيث تشتريه الشابة مرة واحدة فقط.
من جهتها، تستخدم مريانا "كأس الحيض" منذ حوالي ثلاث سنوات: "بعد بعض التردّد والتشجيع من الأصدقاء، وأيضاً بسبب الأزمة المالية المستمرة، قرّرت أن أجربه".
وعبّرت هذه الشابة عن رضاها عن هذا الخيار، قائلة لرصيف22: "في البداية كان الأمر مزعجاً، ولكن سرعان ما تعتادين عليه، يصبح الأمر أسهل وأكثر راحة وتوفيراً".
وأضافت: "من خلال تقديراتي الخاصة، أعتقد أنني تمكنت من توفير ما يقرب من 3000 دولار أميركي منذ بداية الأزمة وبدء استخدامي لكأس الحيض بدلاً من الفوط الصحية. تلك البدائل تشكل حلاً محتملاً للمرأة اللبنانية في مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة".
يداً بيد ضد فقر الدورة
بعد الانفجار الهائل الذي هزّ مدينة بيروت في الرابع من آب/أغسطس، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي يعاني منها لبنان، انخرطت العديد من الجمعيات المدنية في مبادرات تهدف للتخفيف من معاناة اللبنانيات، خصوصاً فيما يتعلق بفقر الدورة الشهرية، وهو المصطلح الذي يشير إلى عدم قدرة النساء على توفير الحاجيات الأساسية للدورة الشهرية.
واحدة من تلك الجمعيات هي جمعية "jeyetik" التي أسستها ميريام سكاف.
وفي حديثها مع رصيف22، أوضحت سكاف أن الجمعية أطلقت هذه المبادرة في اليوم الذي تلا انفجار بيروت مباشرة، بغية تقديم الدعم للنساء وضمان حصولهنّ على الحاجيات الخاصة بالدورة الشهرية.
"أعتقد أنني تمكنت من توفير ما يقرب من 3000 دولار أميركي منذ بداية الأزمة وبدء استخدامي لكأس الحيض بدلاً من الفوط الصحية. تلك البدائل تشكل حلاً محتملاً للمرأة اللبنانية في مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة"
ومع استمرار تدهور الوضع الاقتصادي وبفضل الجهود المبذولة، تمكنت الجمعية من مد يد العون لأكبر عدد ممكن من النساء اللواتي يواجهن صعوبات في شراء مستلزمات الدورة الشهرية: "لقد شهدنا ارتفاعاً ملحوظاً في الطلب على خدمات الجمعية، ورغم الشكر والامتنان الذي نراه في عيون الكثير من النساء، إلا أننا نلاحظ الخجل الذي يسيطر على وجوه البعض منهنّ عند طلب المساعدة."
هذا وأكدت ميريام سكاف أن مواقع التواصل الاجتماعي لعبت دوراً حيوياً في رفع الوعي حول المبادرة، ما سهّل على الكثير من النساء التواصل وطلب المساعدة، ودعم المجتمع لهذه القضية.
خطر صحي أم لا؟
في زمن الابتكارات والتطورات المستمرة، تظل النظافة الشخصية في مقدمة اهتمامات النساء، وبشكل خاص خلال أيام الدورة الشهرية.
في هذا الإطار، قدمت الطبيبة النسائية وطبيبة الصحة الجنسية، ليال أبي زيد، لرصيف22، نظرة شاملة حول مختلف الخيارات المتاحة وما يمكن أن يحمله كل منها من فوائد ومخاطر.
الفوط الصحية: الحرص على التغيير المستمر
أكدت أبي زيد أن الفوط الصحية صُمّمت للتغيير في فترات منتظمة، تتراوح بين ساعتين وأربع ساعات، وذلك لضمان ألا تتحوّل المنطقة الحساسة إلى بؤرة للبكتيريا والفطريات والالتهابات. تحذير يتجاهله البعض بالاستخدام المستمر الذي قد يكون خطيراً.
القماش: الاختيار الطبيعي
على الرغم من كون القماش خالياً من المواد الكيميائية وأقل عرضة لتسبب الحساسية، فإنه يحتاج إلى العناية والغسيل والغلي بالماء المستمر للحفاظ على نظافته، وقد يعتبر البعض ذلك مكلفاً من حيث الوقت والموارد، خصوصاً في ظل القدرة المحدودة للقماش على الامتصاص.
السدادات القطنية "tampons"
شاهد العالم حالات تسمّم خطيرة لنساء نتيجة نسيان تغيير السدادة لأكثر من 8 ساعات. هذا التسمّم، المعروف بمتلازمة الصدمة التسمّمية، قد يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة ومضاعفات تهدّد الحياة.
للحدّ من مخاطر التسمّم، يجب على النساء تغيير السدادة بانتظام، على الأقل كل 4 إلى 8 ساعات، حسب الحاجة وكمية النزيف، كما يجب اتباع تعليمات الاستخدام الموجودة على العبوة والحرص على تخزين السدادات في مكان جاف وبارد.
"الفوط الصحية صُمّمت للتغيير في فترات منتظمة، تتراوح بين ساعتين وأربع ساعات، وذلك لضمان ألا تتحوّل المنطقة الحساسة إلى بؤرة للبكتيريا والفطريات والالتهابات"
كأس الحيض: الصديق المزدوج
يحقق كأس الحيض نجاحاً كبيراً كبديل صديق للبيئة والميزانية، لكن حذرت ليال أبي زيد من المواد السامة المحتملة التي قد تحتوي عليها بعض الأنواع، والتحذير الأكبر هو من تركها لفترات طويلة دون تفريغ وتنظيف، فذلك قد يؤدي إلى مشكلات صحية.
ملابس الدورة الشهرية: الاختيار المبتكر
تظل "ملابس الدورة" أو ما يعرف بـ "period panties" خياراً مثالياً للعديد من النساء، خصوصاً اللواتي يعانين من حساسية تجاه الفوط الصحية. تقدم هذه الملابس حلاً مستداماً واقتصادياً وفعالاً في مكافحة الروائح والحفاظ على المنطقة غير رطبة، لكن، نصحت ليال أبي زيد بشراء ملابس الدورة ذات الجودة العالية واتباع إرشادات الغسيل.
في النهاية، تحتاج النساء إلى تقييم احتياجاتهنّ الشخصية واختيار الخيار الأمثل الذي يوفر لهنّ الراحة والحماية، مع مراعاة الحفاظ على صحتهنّ وسلامتهنّ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ 3 أياملا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...