تكاد لا تنتهي أزمة بين العراق والكويت حتى تنشب أخرى. ملفات شائكة، تثار بين الحين والآخر، تشغل بنيرانها حيّز الساحات في البلدين، برغم التاريخ المشترك والمتجذر بينهما، والتقارب المتأصل الذي يجمعهما. فعلاقة الدولتين، لا تقتصر على الجيرة فحسب، بل تشمل علاقات نسب عشائرية، إذ إن معظم عشائر الكويت، من أصول عراقية.
هدوء ومودة أنهيا شعلة المشكلات بين البلدين، بعد استضافة العراق تصفيات كأس الخليج العربي، ولكن التوتر سرعان ما وجد ثغرةً للعودة من جديد، في الرابع من أيلول/ سبتمبر الحالي، بعد أن أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، قراراً بعدم دستورية اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله. فما القصة؟
خلافات متكررة
في عام 2013، وافق البرلمان العراقي، على تقسيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، الواقع في أقصى شمال الخليج العربي، ويمتد إلى داخل الأراضي العراقية، مشكّلاً خور الزبير، وميناء أم قصر في محافظة البصرة.
لطالما كان خور عبد الله نقطة خلاف بين العراق والكويت، خاصةً بعد مباشرة الكويت بناء ميناء مبارك الكبير، الذي استحوذ على مساحة واسعة منه.
ولطالما كان هذا الخور نقطة خلاف بين البلدين، خاصةً بعد مباشرة الكويت بناء ميناء مبارك الكبير، الذي استحوذ على مساحة واسعة منه.
برّرت المحكمة قرارها، في الرابع من أيلول/ سبتمبر الجاري، بعدم استيفاء الاتفاقية الشروط الدستورية، المتعلقة بموافقة ثلثَي أعضاء البرلمان على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وفقاً للمادة 61 من الدستور العراقي، بالإضافة إلى عدّها مجحفةً ومضرّةً بمصالح البلاد.
مجلس الوزراء الكويتي رفض القرار العراقي الأخير، وطالب وزير خارجية الكويت، سالم عبد الله الصباح، باحترام سيادة الكويت وحرمة أراضيها، كما أصدرت دول مجلس التعاون الخليجي، بياناً مشتركاً مع وزير الخارجية الأمريكية، في 18 أيلول/ سبتمبر الجاري، طالبوا فيه باستكمال ترسيم الحدود البحرية بين البلدين لإنهاء الأزمة.
سبق أن رسمت الأمم المتحدة الحدود البرية بين الدولتين في عام 1993، في أعقاب الغزو العراقي للكويت، ولكنها تركت ترسيم الحدود البحرية لكلٍ منهما، في حين لا يزال الطرفان يرفضان التوصل إلى اتفاق من شأنه إنهاء هذه الأزمة.
الجانب الكويتي يطالب بمنحه مساحةً واسعةً، بدأ بالفعل بالاستحواذ عليها، بعد تدشين مشروع ميناء مبارك في جزيرة بوبيان، بالقرب من الحدود العراقية، في حين تعتقد بغداد أن هذا الترسيم سيؤدي إلى خنق منافذها البحرية، وترغب في تحديد مساحات تتيح لها الوصول إلى الخليج بسهولة، خاصةً في ظل اعتماد اقتصادها على الريع النفطي، واعتبار هذه المنافذ محطةً رئيسيةً لتصديره.
طالب العراق جارته، بوقف بناء ميناء مبارك إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي، ولكن الأخيرة لا تزال ترفض ذلك.
المحكمة الاتحادية العليا في العراق أصدرت قراراً بعدم دستورية اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، والخارجية الكويتية تندد بالقرار العراقي وتطالب باحترام سيادة الكويت وحرمة أراضيها. خور عبد الله يؤجج العلاقات بين الكويت والعراق. ما القصة؟
توقيت غريب
إثارة هذه المسألة في التوقيت الحالي تثير تساؤلات عدة. الباحث الدستوري، سعد مطلب الجميلي، يشير إلى أن السبب الرئيس في توقيتها الحالي، هو عدم اعتراض أي من الحكومات السابقة على بنود الاتفاقية أو مراجعتها، ولكنه يستدرك في تصريحه لرصيف22، أن للمشكلات السياسية دوراً في إثارتها حالياً، لا سيما في ظل محاولات جذب الأصوات والكسب الجماهيري مع قرب الانتخابات المحلية، وإعتبارها محاولات لإسقاط الخصوم أيضاً، خاصةً أن الكيانات الضالعة في هذه الاتفاقية لا تزال موجودةً بقوة على الساحة، مثل حزب الدعوة وغيره.
بالإضافة إلى ذلك، فإن القرار يأتي بعد أيام من إثارة مسألة بيع جزء من قضاء أم قصر في محافظة البصرة للكويت، على إثر تصريح وزير الخارجية الكويتي، بعودة أم قصر إلى الوطن الأم، أي الكويت.
وزارة الخارجية العراقية نفت في 2 آب/ أغسطس هذه المسألة، معللةً الأمر بأن القضاء لم يسلّم، ولكن تم تسليم منطقة حدودية، تقع ضمن الترسيم الحدودي بين البلدين، وفقاً للقرار 833 لعام 1993، كما تبنّى الجانب الكويتي بناء مساكن بديلة للدور العراقية الواقعة داخل هذه المنطقة.
مصدر في رئاسة الوزراء، يؤكد أن الجزء الذي تم تسليمه يقع داخل الحدود العراقية، بكيلومترات عدة، وهو بذلك لا يستبعد تورط الحكومات السابقة في بيع المنطقة، ويعلل تبريرات الحكومة الحالية بالعجز عن استعادة حقوق البلد، لا سيما وأن المتورطين في القضية، أحزاب كبيرة مقربة من القادة السياسيين الحاليين.
وبغض النظر عن ذلك، فإن هذه الأزمة ليست جديدةً بين البلدين، إذ سبق أن خاضا صراعات كثيرةً، تُعدّ الأزمات الحالية، تراكمات لها.
تاريخ شائك
تجمع البلدين علاقات واسعة، فمعظم العشائر الكويتية أصلها من العراق، ويعيش أولاد العمومة بين البلدين، في محافظة البصرة، وفي دولة الكويت.
كانت الكويت جزءاً من ولاية البصرة إبان العهد العثماني، وتغيّر الواقع بعد الاتفاقية الأنغلو-عثمانية في عام 1913، والتي وافقت فيها الأخيرة على استقلال الكويت تحت حكم آل صباح المبارك، وترسيم حدودها مع ولاية البصرة، وبعد سقوط الدولة العثمانية، واحتلال بريطانيا للعراق والكويت، طالب أميرها أحمد الجابر الصباح، بالإبقاء على الترسيم نفسه الذي أقرّته الاتفاقية السابقة، ووافق المندوب السامي البريطاني في العراق، بيرسي كوكس، على ذلك في عام 1923.
الباحث في التاريخ السياسي، سلام العزاوي، يشير إلى أن إثارة المسألة الكويتية العراقية، بين الحين والآخر، غالباً ما تنطوي على دوافع سياسية، إذ تبرز غالباً في فترات القلاقل الداخلية، أو الأزمات العالمية، ومحاولة إشغال الشعب عنها، مثل إثارتها إبان الحرب العالمية الثانية
في عام 1932، اعترفت حكومة الملك فيصل الأول، ورئيس وزرائها نوري السعيد، بالحدود الكويتية العراقية، ولكن الملك غازي الذي خلف أباه في الحكم عام 1933، عاد للمطالبة بضم الكويت إلى البصرة، في عام 1939، ولا يستبعد البحث المنشور بعنوان "موقف الملك غازي من مشكلة الحدود مع الكويت 1933-1939"، للباحثة وئام شاكر غني، احتمال أن تكون لرشيد عالي الكيلاني، ونزعاته القومية، يداً في هذه المطالبة.
ولكن الملك غازي ذو نزعة قومية بدوره، جمعته بألمانيا علاقة وثيقة، نكايةً ببريطانيا التي بدأ بالابتعاد عنها، وتالياً يعتقد أن التأثير الألماني كان دافعاً أيضاً وراء هذه المطالب، لا سيما وأن الأخيرة كانت تحاول جاهدةً تقليل النفوذ الإنكليزي في منطقة الخليج العربي والعراق.
أمر الملك غازي بتحشيد قوات عسكرية بقرب الحدود، استعداداً لاجتياح الكويت، ولكن وفاته المفاجئة في عام 1939، أفشلت هذا المخطط، كما أن فشل ثورة مايس عام 1941 ضد البريطانيين، وهروب زعيمها رشيد عالي الكيلاني إلى ألمانيا، محت الأمر من الوجود.
ثم عادت المسألة إلى الوجود بعد قيام الجمهورية العراقية في عام 1958. طالب رئيس الوزراء، وقتها، عبد الكريم قاسم، بالمطالب نفسها، وعدّ الكويت محافظةً عراقيةً، تم سلبها من البلد، وحشد قوات عسكريةً قرب الحدود أيضاً.
طلب آل صباح الدعم من الدول العربية والأجنبية، وبالفعل استجابت لهم دول عديدة، ولكن الاجتياح فشل، بمقتل عبد الكريم قاسم عام 1963.
في 1 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1966، اجتاح العراق جزيرة بوبيان الكويتية، احتجاجاً على اتفاق كلّ من حاكم الكويت وإيران على تقسيم المجرى القاري دون مشاركة العراق في ذلك، ولكنه انسحب منها بعد تدخل دول، وإلغاء الاتفاقية.
الباحث في التاريخ السياسي، سلام العزاوي، يشير إلى أن إثارة المسألة الكويتية العراقية، بين الحين والآخر، غالباً ما تنطوي على دوافع سياسية، إذ تبرز غالباً في فترات القلاقل الداخلية، أو الأزمات العالمية، ومحاولة إشغال الشعب عنها، مثل إثارتها إبان الحرب العالمية الثانية، ثم محاولة عبد الكريم قاسم إبعاد الشعب عن فكرة الانقلاب بعد علمه بوجود محاولات للثورة عليه.
ولكنه يؤكد، في تصريح لرصيف22، أن الغزو العراقي للكويت في عام 1990، تعلّق بمسائل اقتصادية، أكثر من تعلّقه بعدّ الكويت أرضاً عراقيةً، أو بمحاولة لإشغال الشعب.
كان الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، قد غزا الكويت في عام 1990، وبرّر فعلته وقتها، بعدم استجابة الأخيرة لاعتراض العراق بخصوص بيع النفط بأسعار مخفّضة، الأمر الذي أضرّ باقتصاد العراق المنهار، بعد سنوات من الحرب، بالإضافة إلى ذلك، فقد اتهمت بغداد، الحكومة الكويتية، بحفر آبار ارتوازية بالقرب من الحدود العراقية، وسرقة نفطها.
نتائج هذا الاجتياح، أتت بدمار شامل للعلاقة بين البلدين، بالإضافة إلى وضع العراق تحت الحصار الاقتصادي، الذي استمر أكثر من عقد من الزمان، قبل أن يرزح تحت وطأة ديون كبيرة بعد احتلاله من قبل الأمريكيين، في عام 2003، أيضاً.
بعد عام 2003، استؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولكن مشكلات الحدود لم تنتهِ بينهما، إذ عادت إلى الواجهة من جديد في عام 2005، بعد أن اتهمت بغداد نظيرتها الكويتية، ببناء حاجز حديدي، تجاوز الترسيم الحدودي بينهما، وهدم دور المواطنين في قضاء أم قصر
بعد الاحتلال
بعد عام 2003، استؤنفت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولكن مشكلات الحدود لم تنتهِ بينهما، إذ عادت إلى الواجهة من جديد في عام 2005، بعد أن اتهمت بغداد نظيرتها الكويتية، ببناء حاجز حديدي، تجاوز الترسيم الحدودي بينهما، وهدم دور المواطنين في قضاء أم قصر.
حاول رئيس الوزراء وقتها، إبراهيم الجعفري، تهدئة الموقف، ولكن أقاويل سياسيةً تشير إلى أن الكويت قد اشترت بالفعل هذه المنطقة من الحكومة العراقية، وهي الأزمة نفسها المتعلقة بتسليم جنوب قضاء أم قصر في محافظة البصرة إلى الكويت.
لم يستبعد مصدر في رئاسة الوزراء وقتها، تورط الحكومة في مثل هذه الخيانة، لا سيما أنها كانت ضعيفةً سياسياً وشخصياً، بالإضافة إلى حاجة السياسيين وقتها إلى تمويل أحزابهم، وأجنداتهم الخاصة.
ويؤكد في حديثه إلى رصيف22، أن التورط لا يقتصر على بيع مناطق حدودية، ولكنه يشمل موافقة العراق على قيمة التعويضات المالية المرتبطة بالبند السابع.
وكان العراق قد خرج من طائلة البند السابع، المرتبطة بدفع تعويضات إلى الكويت نتيجةً لغزوه إياها، في عام 2022، وسبق أن رفضت الكويت، طلبات عدة تقدمت بها الحكومات العراقية، بتخفيض قيمتها، لاعتبارها مسألةً سياديةً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmed -
منذ 4 ساعاتسلام
رزان عبدالله -
منذ 14 ساعةمبدع
أحمد لمحضر -
منذ يومينلم يخرج المقال عن سرديات الفقه الموروث رغم أنه يناقش قاعدة تمييزية عنصرية ظالمة هي من صلب و جوهر...
نُور السيبانِيّ -
منذ 4 أيامالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ 5 أياموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامرائع