شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
جاسوس للصهيونية وكاتب رُشح لنوبل 1936… صفحات من سيرة فلسطيني

جاسوس للصهيونية وكاتب رُشح لنوبل 1936… صفحات من سيرة فلسطيني "مجهول"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والتاريخ نحن والحقيقة

الأحد 24 سبتمبر 202312:41 م

جاسوس للصهيونية وكاتب رُشح لنوبل 1936… صفحات من سيرة فلسطيني "مجهول"

استمع-ـي إلى المقال هنا


الغموض وحده، هو العنوان الأبرز للسيرة الحياتية والإبداعية للشاعر والروائي والمسرحي الفلسطيني عزيز ضومط، أول عربي رُشح لنوبل للآداب في عام 1936، فعلى الرغم من الجهد الذي بُذل من جانب باحثين وكتاب فلسطينيين وعرب، للكشف عن السيرة المجهولة لضومط، إلا أن ما توصلوا إليه، لا يكفي لتكوين صورة واضحة عنه، حيث تضاربت المعلومات حول مولده ونشأته، ولم يتم العثور على نسخ من أعماله الإبداعية، فيما جاء انتماؤه إلى الحركة الصهيونية، ومن بعدها النازية، كهويتين فاضحتين، في صدارة المواد الصحافية والدراسات البحثية التي كُتبت عنه. وبات ضومط الذي أُسقط من "التاريخ الأدبي العربي" يُعرف بـ"الكاتب الصهيوني الذي ترشح لنوبل".

ظهر اسم عزيز ضومط في عام 2001، حين كشفت مؤسسة نوبل عن وثائق سرية تضم الأسماء التي وصلت للتصفيات النهائية للجائزة في الفترة من عام 1901 حتى 1950.

على الرغم من الجهد الذي بُذل من جانب باحثين وكتاب فلسطينيين وعرب، للكشف عن السيرة المجهولة لضومط، إلا أن ما توصلوا إليه لا يكفي لتكوين صورة واضحة عنه؛ حيث تضاربت المعلومات حول مولده ونشأته، ولم يتم العثور على نسخ من أعماله الإبداعية

كان الكاتب الفلسطيني "المجهول" واحداً من بين من ترشحوا للجائزة. وفي ما بعد صدر في العاصمة السويدية ستوكهولم كتابان يضمان بعض المعلومات عن الأسماء التي كشفت عنها الجوائز. ومن هنا وصل اسم ضومط إلى الصحافة العربية، وأثار فضولاً كبيراً من جانب الكتاب والمثقفين الفلسطينيين على وجه التحديد، حيث قاموا بالبحث عنه في وثائق وسجلات التاريخ الأدبي. لكن ما توصلوا إليه كان ضئيلاً، لم يخرج عن كونه روائياً فلسطينياً، عاش متنقلاً بين فلسطين ومصر وألمانيا، وكان يكتب مؤلفاته باللغة الألمانية.

وفي ما بعد تعمّق البحث من جانب المترجمين والمشتغلين في مجال البحث التاريخي الأدبي، ليُضاف إلى المعلومات السابقة أن ضومط وُلد بالقاهرة في عام 1890، وتلقى هناك تعليماً في إحدى المدارس الألمانية، قبل أن ينتقل إلى فلسطين ويعيش متنقلاً بين حيفا والقدس، حتى هاجر إلى العاصمة الألمانية برلين في عام 1935. غير أن هوية ضومط وانتماءاته إلى الصهيونية والنازية، وكذلك الأدوار الاستخباراتية التي كان يقوم بها تارة لصالح الحركة الصهيونية، وتارة أخرى لصالح الألمان، كانت المادة الأكثر رواجاً وجدلاً وإغراءً لتناولها من جانب المثقفين والباحثين؛ ففي مقالة للكاتب الصحافي "إيهاب قريبة"، نُشرت بمجلة رُمان الثقافية بعنوان "الكاتب الفلسطيني عزيز ضومط: صهيوني أم نازي أم مناضل"، يسرد قريبة اعتماداً على ما كتبه الإسرائيلي جاكوب م. لاندوا والألماني جيرهارد هوب، مقتطفات من سيرة ضومط وتقلباته بين الصهيونية والنازية، ثم يتساءل عن موقفه من هويته الفلسطينية والعربية، محاولاً إيجاد ثغرة للدخول منها والتأكيد على أنه كان مؤمناً بهويته العربية.

ويُمكننا من خلال ما توصل إليه إيهاب قريبة عبر ترجمته لما كتبه الإسرائيلي والألماني، أن نُكّوِن رؤية خاصة بنا عن هذا الكاتب الغامض. بداية علينا أن نقول إن الوصول إلى سيرة حياة مكتملة لعزيز ضومط، هو أمرٌ أقرب إلى المستحيل؛ فالرجل كان كثير التنقل، وكان يقوم بأدوار استخباراتية، هي عمله الحقيقي، وفي الظاهر كان روائياً ومسرحياً وشاعراً، لم يُقرأ له أحد سطراً شعرياً أو فقرة في رواية، بل إننا لم نعرف اتجاهاته الأدبية، لكننا عرفنا أن مشروعه الأدبي –إن جاز لنا أن نسميه مشروعاً- كان مُكرساً لخدمة الحركة الصهيونية، والترويج لما سماه هو "حلم تل أبيب"، وهو مقال صور فيه –بحسب إيهاب قريبة- "المدينة الناشئة كيوتوبيا يعيش فيها اليهودي مع الفلسطيني جنباً إلى جنب".

الأمر الثاني هو أن عزيز ضومط كان مفتوناً بالثقافة والحضارة الغربية، وكان يرى أن تقوية دعائم الحركة الصهيونية في فلسطين، سيجعل من وطنه حلقة وصل بين الشرق والغرب، ومن ثم تنتقل مقومات ومظاهر الحضارة الغربية إلى فلسطين، ويُصبح وطنه مثل تلك البلاد التي يعمل عندها جاسوساً ضد بلاده التي لا تريد أن تفهم عبقرية الغرب المستعمر!

اختار ضومط أن يكون ابناً باراً للصهيونية حتى أن "حاييم وايزمان" رئيس الحركة الصهيونية قد كلفه بالترويج للصهيونية في أوروبا وجمع التبرعات لشراء الأراضي الفلسطينية. وكان صديقاً لألبرت آينشتاين الذي دعمه هو الآخر فيما يطمح إليه من تأسيس "اليوتوبيا الصهيونية الفلسطينية".

بعد سنوات بذل فيها ضومط الغالي والرخيص، من أجل ترسيخ الحركة الصهيونية في فلسطين، نجد أن الرجل يتحول إلى النازية، ويُعلن أنه نال اضطهاداً كبيرا من جانب اليهود، وأنه الآن يعيش بحرية في ألمانيا؛ ومن الواضح بل من المؤكد، أن ضومط الذي هاجر إلى ألمانيا عام 1935، وتزوج هناك، وعمل مترجماً بوزارة الخارجية، وإذاعياً في الإذاعة العربية ببرلين، من المؤكد أنه وجد أن مصلحته في تلك الفترة أن يُعلن معاداته لليهود، حتى لا يحدث تضارب في الأجندات ويتم الزج به في إحدى معسكرات الاعتقال النازي.

وفي ألمانيا وتحديداً في حقبة العشرينيات، حقق ضومط نجاحاً أدبياً كبيراً، ومُثلت الكثير من رواياته التمثيلية ومسرحياته على أكبر وأهم مسارح ألمانيا. وقد امتدت شهرته إلى فيينا والنمسا، لكن المُلفت والمُربك في آن، أن ضومط ذو الانتماءات الصهيونية، كانت مسرحياته تدور حول شخصيات عربية وإسلامية، مثل ابن سينا، والملكة الآشورية سميراميس، وفتاة من الفيوم، وله رواية مسرحية بعنوان "والي عكا" تم عرضها في فلسطين، ومسرحية أخرى بعنوان: "آخر بني أمية".

وكتب روايتين عن الأقليات في فلسطين وهما: "الدروز والصابئة، كما أنه كان على اتصال بالقوميين العرب في فلسطين، وكانت مراسلاته تصل لهم على مقهى المثقفين التي أطلق عليها خليل السكاكيني "مقهى الصعاليك".

يستند الكاتب الصحفي "إيهاب قريبة"، في مقالته البحثية عن ضومط إلى هذا التواصل من جانب الأخير مع المثقفين القوميين العرب، في التأكيد على عروبة ضومط، ويعود للفترة ما بين ثورة البراق عام 1929، وبداية الحرب العالمية الثانية سنة 1939، وأثناء الثورة الفلسطينية من (1936- 1939)، مدللاً على عروبة الكاتب، وتدهور علاقته بالصهيونية، عبر مقالة نُشرت في جريدة فلسطين عام 1933، جاء فيها:"لضومط مقالاته النارية ودفاعه المجيد، عن القضية العربية على صفحات الجرائد الألمانية وحملاته العديدة على الصهيونية إبان الثورة الفلسطينية في سنة 1929، مما أفسد عليهم دعاياتهم ومكائدهم للعرب".

وكذلك مقالة أخرى نُشرت في جريدة صهيونية، يتباكى فيها كاتبها على خسارتهم لضومط الذي تحول إلى معادٍ لهم. وبصرف النظر عن دقة المصدر، فمن الواضح أن عزيز ضومط كان شخصية شديدة التركيب والالتباس والغموض، لكن الأمر الأوضح على الإطلاق هو أنه كان صهيونياً حتى الرمق الأخير. أما معاداته الظاهرية لليهود فكانت من أجل مصالحه مع بعض القيادات الألمانية، ومن ثم لم يكن تحوله عن الصهيونية بدافع وطني عروبي.

دخل الروائي المصري سامح الجباس، في دائرة الجدل هذه، التي دارت حول عزيز ضومط، حيث أصدر مؤخراً رواية حول سيرة حياة كاتبنا المجهول، بعنوان:"بوستة عزيز ضومط"، عن دار العين للنشر بالقاهرة، وفي تصريحات صحفية أدلى بها، قال الجباس أن اسم ضومط كان مجهولاً بالنسبة إليه، حتى قرأ تقريراً عن الوثائق السرية التي كشفت عنها لجنة جائزة نوبل، وكان من بينها اسم ضومط، الذي أثار شغفه، كونه مهملاً ومجهولاً في تاريخ الأدب العربي.

ثم قام الجباس على مدار عامين في البحث فيما توفر له من وثائق، وكذلك قام بترجمة بعض المواد الأجنبية التي دارات حول ضومط. حتى رأى أنه جمع مادة يصلح أن يبني من خلالها رواية عن هذا الرجل، بجانب اعتماده كـ"روائي" على التخييل وإلا تحولت الرواية إلى عمل بحثي.

عندما نطلع على رواية سامح الجباس عن عزيز ضومط، ربما تراودنا هذه الأسئلة: لماذا لم يكتب هذا الروائي عملاً بحثياً عن ضومط؟ هل السيرة المجهولة لهذا الروائي، كانت في حاجة إلى رواية، أم إلى عمل بحثي في البداية، يُمكننا من تكوين صورة عنه؟ هل يهتم القاريء بقراءة رواية عن شخصية مجهولة أم يهتم بقراءة سيرة عنها؟

جاء طرح هذه الأسئلة منبثقاً من بناء الرواية الذي اعتمده الجباس، والأمر الآخر أن الروائي الحاصل على جائزة كتارا للرواية في دورتها الأولى، لم ينجح هو الآخر في كتابة سيرة مكتملة، نستطيع من خلالها أن نخرج بصورة واضحة عن الكاتب الغامض.

الرواية منقسمة إلى قسمين؛ أحدهما يتناول تاريخ إحدى الجمعيات السرية التي تأسست في عشرينيات القرن الماضي في مصر وهي جمعية "القمصان الزرقاء" التابعة لحزب الوفد، في مقابل جمعية "القمصان الخضراء" التابعة لحزب مصر الفتاة، أما الراوي فهو أحد المنتمين إلى الجمعية الأولى وهو مجهول الاسم. ويحتوي القسم الثاني على مقتطفات من سيرة حياة عزيز ضومط، وثقتها إحدى الجاسوسات التي تجولت في بعض بلدان الشرق لتجميع معلومات عن الكاتب العربي الذي رُشح لنوبل، وكانت مصر محطتها الأخير، وهذه الجاسوسة (الشخصية المتخيلة)، تلتقي بالاسم المجهول في مصر، وفي لقائه الأخير بها يسرق منها المفكرة، قبل أن تذهب بها إلى وطنها لندن.

والسؤال الذي يطرح نفسه، هل أدى هذا الجزء الخاص بمصر العشرينيات إلى إضاءة بعض الجوانب الغامضة في حياة عزيز ضومط؟! أعتقد أن الإجابة لا. فثمة انفصال كبير بين القسمين، هل كَون عزيز وُلد في مصر، سبباً كافياً لاقحام هذا القسم الأول في الرواية؟!.

لقد مثل هذا القسم الخاص بمصر عبئاً على الرواية، حتى أن القاريء يُخيل له أنه أمام روايتين مختلفتين، ولم ينجح تخييل الكاتب أو الحيل الروائية في إخراج عمل روائي متماسك عن هذا الكاتب الذي لا يعرفه أحد.

ثمة معلومات ضئيلة عن عزيز ضومط انفرد بها سامح الجباس، وهي تلك التي ذُكرت على لسان الجاسوسة "هيلين" ومنها أن الأكاديمية السويدية اختارت ثمانية وعشرين اسماً للترشيح في التصفيات النهائية، واحتل عالم النفس "سيغموند فرويد" المرتبة السادسة عشر، فيما احتل اسم الأديب الفرنسي "بول فاليري" المرتبة الثامنة، لكنه لم يحظ بثقة الأكاديمية السويدية، أما اسم عزيز ضومط فقد احتل المرتبة الأولى، ورشحه للجائزة أستاذ الأدب العربي بالجامعة الأمريكية "أ.خ خوري".

وفقاً للروائي المصري سامح الجباس:"توفي عزيز ضومط سنة 1934 في ألمانيا. الدولة الألمانية نظمت له جنازة رسمية مهيبة، شاركت فيها شخصيات ذات مراتب عالية في الدولة، كما شارك ألفا عسكري ألماني في الدفن وأطلقت ثُلة من الحرس الألماني إحدى عشرة طلقة تحيةً له"

ورغم احتلاله المركز الأول إلا أن اللجنة لم تصوت له، وذلك لأن أعماله المكتوبة بالألمانية، كانت قد كتبت بالآلة الكاتبة، ولم تتوفر منها نسخ مطبوعة، ومن المعروف أن الروائي الأمريكي أوجين أونيل، قد فاز بالجائزة لهذا العام المذكور 1936. كما تكشف الرواية عن علاقة صداقة قوية جمعت بين عزيز ضومط والروائي هرمان هسه، حيث أهدى هسه لضومط كتابه بخط يده حول "رحلته إلى الشرق".

وكذلك كان ضومط على علاقة بالفنان المصري يوسف وهبي، وكان قد أرسل له نسخة من مسرحيته "آخر بني أمية" على أمل أن يقوم يوسف وهبي بدور البطل فيها، ويسعى إلى تنفيذها على مسارح فلسطين.

ووفقاً للجباس:"توفي عزيز ضومط سنة 1934 في ألمانيا. الدولة الألمانية نظمت له جنازة رسمية مهيبة، شاركت فيها شخصيات ذات مراتب عالية في الدولة، كما شارك ألفا عسكري ألماني في الدفن وأطلقت ثُلة من الحرس الألماني إحدى عشرة طلقة تحيةً له. وبعدما وصل الخبر إلى الحاج أمين الحسيني في القدس، أعلن الحداد ثلاثة أيام في فلسطين إكراماً لعزيز ضومط".

إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ألم يحن الوقت لتأديب الخدائع الكبرى؟

لا مكان للكلل أو الملل في رصيف22، إذ لا نتوانى البتّة في إسقاط القناع عن الأقاويل التّي يروّج لها أهل السّلطة وأنصارهم. معاً، يمكننا دحض الأكاذيب من دون خشية وخلق مجتمعٍ يتطلّع إلى الشفافيّة والوضوح كركيزةٍ لمبادئه وأفكاره. 

Website by WhiteBeard
Popup Image