تنطلق بعد أشهر عدة، الانتخابات الرئاسية المصرية التي من المقرر لها أن تُجرى في نهاية عام 2023، أو في الربع الأول من سنة 2024، وهي محطة تاريخية مهمة في حياة المصريين، يتحدد بناءً عليها شكل النظام السياسي في السنوات الست المقبلة.
ومن المرجح أن يخوض الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، الانتخابات مجدداً، طبقاً لحقه في الترشح لفترة رئاسية ثالثة وفقاً للتعديل الدستوري الأخير الصادر سنة 2019، والذي يتيح للرئيس المصري أن يترشح لفترة ثالثة، وتعديل فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، إذ عُدّلت المادة 240 من الدستور لضمان ذلك، واستُحدثت مادة جديدة رقمها 241 تكفل للرئيس الحالي الترشح لفترة ثالثة.
وكان عدد من المرشحين قد أعلنوا تقدّمهم رسمياً للانتخابات، منهم النائب البرلماني السابق أحمد طنطاوي، ورئيس حزب الوفد عبد السند يمامة، ورئيس حزب الشعب الجمهوري حازم عمر، ورئيس حزب السلام الديمقراطي المستشار أحمد الفضالي، وهو رئيس تيار الاستقلال الذي يُعدّ من أحدث التيارات السياسية في مصر، بالإضافة إلى التيار الليبرالي الحر الذي جرى تأسيسه في شهر حزيران/ يونيو الماضي، بضمّ أحزاب عدة، لكنه لم يعلن رسمياً عن مرشحه للرئاسة، وإن كانت بعض قياداته المشهورة كمحمد أنور السادات مؤهلةً لذلك، بالإضافة إلى ناشطيه السياسيين كهشام قاسم وهشام عوف وخالد داوود وعماد جبر وغيرهم.
اللافت أن الانشقاقات والصراع الداخلي في حزب الوفد، حالت دون اجتماع كلمة أعضائه على مرشح رئاسي. يقول بيان منسوب إلى الهيئة العليا لحزب الوفد، إن تصريحات عبد السند يمامة التي أعلن فيها ترشحه باسم الحزب لا تمثل الوفد، ويقول الدكتور محمود أباظة، رئيس حزب الوفد الأسبق، خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي نشأت الديهي في برنامج "بالورقة والقلم"، المذاع على فضائية "ten"، إن المشاركة في الانتخابات الرئاسية مسألة خطيرة جداً، ولا يجوز أن يتخذ شخص بمفرده قرار الترشح، مضيفاً أن الهيئة العليا لحزب الوفد هي صاحبة الاختصاص في اختيار المرشح للرئاسة من خلال اقتراع سرّي.
"ما يدعو إلى الأسى أن كثيرين في صفوف السلطة والمعارضة على حد سواء، يتعاملون مع انتخابات الرئاسة المقبلة وكأنها باب الخروج من المأزق. مصر تعاني من مشكلات أعمق من توعك الاقتصاد. إنها إلغاء المؤسسات، وانتهاك القانون، وانهيار قيم وأساليب اجتماعية راسخة، واقترابنا من حرب الكل ضد الكل"
نخبة منشقّة!
بشكلٍ مبكر، يوجه الكاتب عمار علي حسن، نقده إلى السلطة والمعارضة على السواء في تناولهما للانتخابات، ويقول: "ما يدعو إلى الأسى أن كثيرين في صفوف السلطة والمعارضة على حد سواء، يتعاملون مع انتخابات الرئاسة المقبلة وكأنها باب الخروج من المأزق. مصر تعاني من مشكلات أعمق من توعك الاقتصاد. إنها إلغاء المؤسسات، وانتهاك القانون، وانهيار قيم وأساليب اجتماعية راسخة، واقترابنا من حرب الكل ضد الكل".
كذلك، يشير في مقال سابق له إلى "أن المتسابقين في انتخابات الرئاسة المقبلة صنفان: الأول 'يُملى عليه'، أي يعمل بطريقة مباشرة، ومتفق عليها تماماً، لصالح السلطة، ويمضي على الخط المرسوم له، دون أدنى خطوة يمنةً أو يسرةً. والثاني 'يُملى له' بمعنى أن يدخل السباق دون اتفاق، ولا تأتيه أي أوامر، ويكون صادقاً كل الصدق مع الرأي العام في ما يقوله ويفعله، لكن تُهيّأ له الظروف التي تجعله يتوهم أنه منافس حقيقي أو أن تحدّيه للسلطة سافر، بينما يكون وجوده وخطابه في الحقيقة، ودون أن يدري، مجرد جزء في خطة المنافسة، وفي الحالة الثانية، يتحول هذا المرشح المتحدّي والمتصدّي إلى بضع نقاط تصب في صالح من يتحداه، أو تكون أحد الأسهم التي تحقق له النصر، بل تعطيه دفعةً تجعله يستمر في الحكم أكثر مما هو مقدّر ومقرر".
ويتابع: "إذا كان تشخيص واكتشاف من 'يُملى عليه' سهلاً، لأنه ظاهر عياناً بياناً، وتم تجريبه، والوقوف على مساراته ومآلاته، فإن صنف من 'يُملى له' لم يُجرَّب بعد. وربما يرى البعض أنه قد جُرّب بالفعل مع حمدين صباحي في 2014، لكن الظرف السياسي وقتها جعل هذا الإملاء الخفي مختلفاً، وقُدّم صباحي باعتباره رجل تضحية، يؤدي دوراً لـ'إنقاذ الدولة' التي كانت في مأزق، حتى لو كان هناك من يحصر الدولة في السلطة الحاكمة، وينسى بقية العناصر".
يختلف مع هذا الطرح الدكتور عبد المنعم سعيد، عضو مجلس الشيوخ، ورئيس مؤسسة "المصري اليوم"، فيقول في مبررات التعديل الدستوري الأخير والذي أتاح للرئيس المصري الترشح لفترة ثالثة، إن "الانتخابات الرئاسية المقبلة هي فترة استثنائية أقرّها الدستور للرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي قاد البلاد خلال فترة حرجة تلت ثورتَي 25 كانون الثاني/ يناير 2011، و30 حزيران/ يونيو 2013؛ كما قاد أهم عملية للإصلاح عرفتها البلاد في تاريخها المعاصر، بحيث تستكمل البرنامج الوطني حتى عام 2030 إجمالاً".
ويتوسط بين الرأيين الدكتور عمرو الشوبكي، النائب السابق والكاتب في "الأهرام"، حيث يقول إن "الاستحقاق الانتخابي القادم فيه جوانب معلنة من مرشحين محتملين، وهيئة عليا للانتخابات، وحوار وطني، ونقاشات بين الدولة، وبعض قيادات الأحزاب، لكن فيه الكثير من التفاعلات غير المعلنة أو غير المرئية، التي قد تأخذ شكلاً سلبياً، بانسحاب قطاع واسع من الناس من المشاركة في الانتخابات وتزايد المقاطعة السلبية".
"الاستحقاق الانتخابي القادم فيه جوانب معلنة من مرشحين محتملين، وهيئة عليا للانتخابات، وحوار وطني، ونقاشات بين الدولة، وبعض قيادات الأحزاب، لكن فيه الكثير من التفاعلات غير المعلنة أو غير المرئية، التي قد تأخذ شكلاً سلبياً، بانسحاب قطاع واسع من الناس من المشاركة في الانتخابات وتزايد المقاطعة السلبية"
فما يثبته الشوبكي بحوار وطني ونقاشات داخلية في الدولة، يصفه بأن كثيراً من جوانبه غير مرئية وتفاعلاته غير معلنة، مما يفقد الثقة بالانتخابات ويؤدي إلى مقاطعة واسعة.
مرشح جاد ولكن
تكاد تتفق معظم الآراء على أنه لا مرشح رئاسياً جاداً ومعارضاً بشكل حقيقي للرئيس السيسي، سوى البرلماني السابق أحمد طنطاوي، خصوصاً بعد تصريحه المفاجئ في حزيران/ يونيو الماضي، بضرورة عودة الإخوان المسلمين والتصالح السياسي معهم، ما أشعل ثورة غضب حزبيةً وسياسيةً داخليةً ضده.
في هذا السياق، يقول هشام عناني، رئيس حزب المستقلين الجدد، إن عودة جماعة الإخوان الإرهابية إلى المشهد السياسي، أمر مرفوض على الإطلاق، ويتنافى مع النصوص الدستورية، كما يعبّر ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل، عن استيائه من التصريحات المنسوبة إلى حملة أحمد الطنطاوي، والتي ترحب فيها بجماعة الإخوان، مشيراً إلى أن ذلك يخرجها عن الرضا الشعبي بشكل رسمي الذي رفض جماعة الإخوان التي ارتكبت جرائم عنف وحملت السلاح.
ويبدي كذلك الدكتور هشام عبد العزيز، رئيس حزب الإصلاح والنهضة، امتعاضه من توجهات طنطاوى وترحيبه بجماعة الإخوان الإرهابية وعودتهم مرةً أخرى إلى المشهد السياسي المصري، ويقول رضا صقر، رئيس حزب الاتحاد، إن طنطاوي كشف عن نفسه كمرشح لجماعة الإخوان، وذلك بعد تصريحات نُسبت إلى حملته الانتخابية ترحب فيها بعودة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي مرةً أخرى، مشيراً إلى أن الشعب المصري رافض تمام الرفض عودة الجماعة مرةً أخرى، نظراً إلى ما ارتكبته من جرائم في حق الوطن على مدار السنوات الأخيرة.
وعرض النائب محمود بدر، المعروف بولائه الشديد للسلطة، مقطعاً مصوّراً للقيادي أيمن نور، الموالي للإخوان في الخارج، ورئيس ما يُطلق عليه "اتحاد القوى الوطنية المصرية" الكائن في تركيا، يتحدث فيه عن لقائه بطنطاوي في بيروت، وهو ما لم ينفِه الأخير.
تكاد تتفق معظم الآراء على أنه لا مرشح رئاسياً جاداً ومعارضاً بشكل حقيقي للرئيس السيسي، سوى البرلماني السابق أحمد طنطاوي، خصوصاً بعد تصريحه المفاجئ في حزيران/ يونيو الماضي، بضرورة عودة الإخوان المسلمين والتصالح السياسي معهم، ما أشعل ثورة غضب حزبيةً وسياسيةً داخليةً ضده
واتهام طنطاوي بالتعاون مع الإخوان ليس جديداً، حيث أصدر في عام 2019 تحالف الأحزاب المصرية الذى يضم 40 حزباً، بياناً للرد على طنطاوي بخصوص مبادرته لتدعيم أركان الدولة، قالوا فيه: "ما طرحه أحمد طنطاوي عضو مجلس النواب بشأن مبادرته لتدعيم أركان الدولة، محاولة مكشوفة يتستر خلفها من يسعون إلى هدم الدولة المصرية وخاصةً جماعة الإخوان الإرهابية التي يبدو أن أحمد طنطاوي تحالف معهم ويتحدث بلسانهم، متجاهلاً رأي الشعب المصرى ومتمسكاً برأي الخونة والإرهابيين".
وتكمن جدية طنطاوي في أنه المرشح الرئاسي الوحيد المحتمل الذي يوجه انتقادات لاذعةً إلى النظام السياسي، حيث يُحمّله مسؤولية الفشل الاقتصادي، بوصفه يحكم مصر بشكل منفرد منذ سنوات، وأنه يغلق الطريق أمام التغيير السلمي، ملمّحاً إلى أن التغيير الوحيد الذي سوف يكون في متناول الشعب هو الثورة أو الفوضى والعنف، مستشهداً بالتجربة البرازيلية في التغيير التي نجحت في تغيير الرئيس بولسونارو، دون عنف وفوضى وعن طريق صندوق الانتخابات. وفي تصريحات قديمة له عندما كان نائباً، قال: "أنا لا أحب الرئيس ولا أثق بأدائه".
كذلك، اتهم الطنطاوي في بيان في 13 أيلول/ سبتمبر الجاري، سلطات الأمن في البلاد بارتكاب "جرائم أمنية" بحق أعضاء حملته الانتخابية، وأشار إلى "قيام سلطات الأمن بالقبض والاحتجاز والإخفاء لعدد كبير من المتطوعين بالحملة، وأقدمت على توجيه التهم النمطية المتكررة لستة منهم حتى الآن، وبموجبها تم حبسهم احتياطياً من قِبل نيابة أمن الدولة"، وقال إن "هذه التجاوزات تستهدف إرهابي وزملائي بالحملة ومؤيديها".
في المقابل، فإن أشهر مرشحي الرئاسة الآخرين المنتمين إلى ثاني أكبر الأحزاب المصرية، حزب الوفد، لم يكن له هذا الموقف المعارض للرئيس السيسي، حيث مدح عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد، الرئيس السيسي مما يخرجه من قائمة المرشحين الجادين للمنافسة على مقعد الرئيس.
جدل الحريات في مصر
في الخامس من شهر تموز/ يوليو 2023، انطلقت جلسات الحوار الوطني بين السلطة والمعارضة في مصر، كاستجابة لنداء الرئيس المصري للانفتاح على العملية السياسية بعد سنوات من الجمود الذي أعقب عمليات فض اعتصام رابعة في 14 آب/ أغسطس 2013، والأحداث التي أعقبته، في إشارة من السلطة إلى أن الذي دفعها إلى تجميد الحياة السياسية بهذا الشكل هي "تحديات الإرهاب".
"الرئيس اضطر إلى عقد هذا الحوار نظراً إلى وجود تحديين رئيسيين أمامه. فأولاً، أدرك أن الأزمة الاقتصادية الحالية من المرجح أن تتبعها، وربما قريباً، اضطرابات اجتماعية، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى اضطرابات سياسية إذا لم يتم احتواؤها، والتحدي الرئيسي الآخر هو الانتخابات الرئاسية لعام 2024".
وكان قد جرى في شهرَي أيار/ مايو وحزيران/ يونيو، التمهيد لتلك الجلسات بإقناع المعارضين للحوار، بأهميته، ومن ذلك ما صرّح به الكاتب ضياء رشوان، نقيب الصحافيين السابق والمنسق العام للحوار الوطني، إذ قال "لا خطوط حمراء في الحوار الوطني سوى الدستور، وإنه من ضمن الملفات المطروحة أمام لجان الحوار، تعديل أحكام الحبس الاحتياطي"، مشيراً إلى أن الدولة المصرية لم تعرف حواراً من هذا النوع الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ سنوات طويلة"، مؤكداً في الوقت نفسه "عدم مشاركة كل من مارس العنف أو حرّض عليه".
ورداً على ضياء رشوان، كتب أحمد سامح وهو أحد مؤسسي معهد الأندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف، مُشككاً في جدية الحوار الوطني، قائلاً: "الرئيس اضطر إلى عقد هذا الحوار نظراً إلى وجود تحديين رئيسيين أمامه. فأولاً، أدرك أن الأزمة الاقتصادية الحالية من المرجح أن تتبعها، وربما قريباً، اضطرابات اجتماعية، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى اضطرابات سياسية إذا لم يتم احتواؤها، والتحدي الرئيسي الآخر هو الانتخابات الرئاسية لعام 2024، حيث سيُطلب منه، كمرشح رئاسي، برنامج انتخابي حقيقي بجدول زمني. ولا يستطيع أن يكرر تجربة الانتخابات الرئاسية 2018، التي خاضها في غياب أي منافس فعلي. وبالنسبة إلى الانتخابات المقبلة، سيكون من الضروري تهيئة مناخ سياسي أكثر انفتاحاً. ومع ذلك، لا تزال المنافسة السياسية محظورةً حيث يتم سجن أو نفي معظم الناشطين السياسيين".
من جهة أخرى، أعلنت الأمانة الفنية للحوار الوطني عن التوصيات التي توافق عليها المشاركون في الحوار الوطني، ولجانه، ومجلس أمنائه، فبالنسبة إلى لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة، "تناول الحضور قضية التمييز"، وثمة "إجماع وطني واضح على أهمية دعم قضايا حقوق الإنسان باعتبارها هدفاً وطنياً تعمل على تحقيقه جميع مؤسسات الدولة"، وأن "الدولة أولت اهتماماً تشريعياً وتنفيذياً في سبيل حماية الفئات الأولى بالرعاية وتميزهم تميزاً إيجابياً مثل المرأة وذوي الإعاقة، كما أصدرت القانون الذي يضمن حرية بناء الكنائس ودور العبادة للمسيحيين بعد نحو 150 عاماً من الأمر العالي الصادر المنظم لهذه المسألة".
وإلى هنا ظل جدل الحريات في مصر بين توجه السلطة المصرية الجديد بـ"الانفتاح"، وبين آراء المشككين في المعارضة، لكن مرجع الطرفين يبدو أنه الدستور الذي يُحتكم أخيراً إلى نصوصه باعتباره مرجعيةً عليا والقيمة الوحيدة التي يجمع عليها الشعب المصري، ودوره في انتخابات الرئاسة المقبلة حاسم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع