منذ اندلاع انتفاضة الشعب السوري في شهر آذار من عام 2011، ضدّ النظام المستبد في سبيل الحرية والكرامة، وبناء نظام ديمقراطي تعدّدي، ظلت أسئلة من نوع: كيف سيتصرّف العلويون؟ ما هو موقفهم مما يجري؟ هل سيدعمون النظام حتى النهاية؟ وغيرها من أسئلة مشابهة، موضوعاً لرهانات كثيرة.
وبعد أن توقفت المعارك الكبرى، وباتت سورية موزعة إلى مناطق نفوذ دولية، صار الحل السياسي الموضوع الرئيس لانشغال الأوساط المحلية والدولية، تجدّدت الرهانات حول دور العلويين في الحلول المطروحة للأزمة السورية، وهل سوف يقبلون باستمرار النظام بعد كل الأثمان الباهظة التي دفعوها من دماء أولادهم ومن مصادر عيشهم؟ واليوم، بعد أن بدأت انتفاضة السويداء، عاد الرهان من جديد يتركز حول احتمال انتفاضة العلويين ضد النظام، خصوصاً وأن الأزمة الاقتصادية تطحن الجميع. لقد اختبرت الحياة جميع هذه الرهانات وبيّنت أنها رهانات خاسرة.
من حيث المبدأ، إن تخصيص السؤال بطائفة بعينها يجعله سؤالاً خاطئاً، وبالتالي ليس له جواب صحيح. خطأ السؤال يأتي أولاً؛ من كون النظام ليس نظام الطائفة العلوية، وبالتالي لا يشكّل العلويون خلفيته الاجتماعية. ثانياً؛ لا توجد طائفة أو فئة اجتماعية لها الموقف ذاته، سواء في السياسة أو في غيرها. ثالثاً؛ لا يصحّ البحث في النظام السياسي السوري بلغة ومفاهيم طائفية.
منذ اندلاع انتفاضة الشعب السوري في عام 2011، ضدّ النظام المستبد في سبيل الحرية والكرامة، ظلت أسئلة من نوع: كيف سيتصرّف العلويون؟ ما هو موقفهم مما يجري؟ هل سيدعمون النظام حتى النهاية؟ وغيرها من أسئلة مشابهة، موضوعاً لرهانات كثيرة
النظام السوري هو نظام المصالح، وفي حقل المصالح ينبغي دراسته، وتحليله، للوقوف على عناصر القوة فيه والضعف. إنه نظام تحالف مالي أمني شديد المحافظة، استطاع خلال أكثر من خمسة عقود أن ينسج علاقات قائمة على المصالح مع فئات اجتماعية مختلفة، بعضها حقيقي وبعضها فيه كثير من الوهم، لكنه الوهم الذي تحوّل إلى نوع من القناعة لدى كثيرين. من هذا الوهم ما يقول بأن النظام السوري هو نظام علوي، وأن العلويين يشكلون خلفيته الاجتماعية، وبالتالي سوف يدعمونه حتى النهاية.
لم يعرف عن العلويين أنهم طائفيون دينياً، ولا يميزون أنفسهم عن أتباع الديانات الأخرى والمذاهب بدلالة ما يؤمنون به، شعارهم في ذلك "كل على دينه الله يعينه". فهم لا يكفرون أحداً، وهم منفتحون على الطوائف الدينية الأخرى، يعيشون معها في وئام ويتزاوجون. غير أن السلطة بعد عام 1970 برئاسة الراحل حافظ الأسد، عملت على ترسيخ وهم لدى كثير من العلويين، يفيد بان النظام أتاح لهم لأول مرة في تاريخ سورية أن يستلموا الحكم، وأن يستفيدوا من مزاياه، والفرص التي يتيحها، وأن يتحوّلوا إلى قوة حقيقية في المجتمع والدولة. والحقيقة هي أن المناطق الساحلية في سورية، حيث ينتشر العلويون، من أكثر المناطق فقراً. تأسيساً على هذا الوهم، نجح النظام بتكوين نوع من العصبية "السياسية" لدى كثيرين منهم، استثمرها لتعزيز الأجهزة الأمنية والعسكرية بكوادر وعناصر علوية، خصوصاً في سلك الضباط.
يكاد هذا السلوك أن يكون نظامياً في الأنظمة المستبدة، إذ يتم التركيز على حضور العناصر الموالية عضوياً (الأقرباء وأبناء العشيرة أو القبيلة أو الطائفة أو أبناء المنطقة) في الأجهزة الأمنية والعسكرية.
بطبيعة الحال، ما كان باستطاعة الراحل حافظ الأسد، ولا ابنه فيما بعد، الاستمرار بالحكم استناداً إلى أوهام آمن بها كثيرون، لولا أنه، بالتوازي معها، أوجدا لحكمهما ركائز حقيقية قوية. من هذه الركائز وأهمها هي الركيزة الأمنية. لقد كانت قضية أمن السلطة محورية في سياسات النظام، لذلك تم إنشاء اجهزة امنية متعدّدة، وتم تعزيزها وحمايتها من المساءلة عن أفعالها قانونياً. وبالمناسبة، لقد كان نصيب أبناء الطائفة العلوية من قمع النظام قبل عام 2011 الأكبر نسبياً، إذ يندر وجود أسرة علوية في الساحل السوري لم يتعرّض أحد أبنائها للسجن.
إن القراءة الطائفية الخاطئة لطبيعة النظام، والتي أسّست بدورها للرد عليه بقوى طائفية وإرهابية مسلحة، مدعومة من أطراف دولية، ساهمت في بقائه وإعادة إنتاجه. وإنه لمن الخطأ الفادح، علمياً وسياسياً، تفسير ما جرى في سورية بلغة طائفية
والركيزة الثانية هي بناء علاقات قوية قائمة على المصالح مع طبقة التجار والصناعيين ورجال الدين (السنّة تحديداً)، من خلال إشراكهم في لعبة الإثراء غير المشروع ونهب مقدرات البلد. لقد تكونت في عهد حافظ الأسد طبقة واسعة النفوذ من التجار والصناعيين، خصوصاً في دمشق وحلب، استطاعت أن تراكم ثروات خيالية، قامت بتهريب قسم كبير منها إلى خارج البلاد.
والركيزة الثالثة وهي تفريغ المجتمع من أية حياة سياسية أو مدنية طبيعية، وتحويل جميع الأحزاب التي سمح لها بالعمل، وفي مقدمتها حزب البعث وكذلك النقابات، إلى مجرد أجهزة للسلطة تؤدي أدواراً أمنية بصورة مستمرة.
لقد تم امتحان جميع هذه الركائز، سواء ما كان منها وهماً أو حقيقة، خلال الأزمة الراهنة وتبين نجاحها. وإذا استثنيت الركيزة الأمنية فإن الركائز الأخرى لا دور يذكر للعلويين فيها.
إن القراءة الطائفية الخاطئة لطبيعة النظام، والتي أسّست بدورها للرد عليه بقوى طائفية وإرهابية مسلحة، مدعومة من أطراف دولية، ساهمت في بقائه وإعادة إنتاجه. في هذا السياق كان الثمن الذي دفعه الشعب السوري بكل فئاته وهوياته كبيراً جداً، وإنه لمن الخطأ الفادح، علمياً وسياسياً، تفسير ما جرى في سورية بلغة طائفية، والرهان على دور هوية دون أخرى للخروج من الأزمة، ورسم ملامح مستقبل الدولة السورية المنشودة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه