بدا تدبير المغرب لكارثة الزلزال في منطقة الحوز، وكأنه رمي حصاة في البركة الآسنة للعلاقات بين المملكة والجمهورية الفرنسية، لتطفو فوق السطح صورة واضحة للأزمة بين الرباط وباريس.
كانت العلاقات المغربية الفرنسية تشهد نوعاً من البرود خلال السنوات الأخيرة، لكن فاجعة زلزال الحوز عمّقت هذه الأزمة بين البلدين، بعد قبول الرباط مساعدات الإغاثة والإنقاذ من إسبانيا والمملكة المتحدة وقطر والإمارات العربية المتحدة، "مستثنيةً" مقترح تقديم مساعدات من باريس.
ضغوط في باريس
لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ أصرّت الجمهورية الفرنسية على معاكسة المغرب ومحاولة الضغط عليه، وتكشف ردود فعل بعض وسائل الإعلام وبعض النخب السياسية الفرنسية، وفي مقدمتهم الرئيس إيمانويل ماكرون، عن هوة حادة في العلاقات بين البلدين.
يذهب أستاذ العلوم السياسية في الكلية متعددة التخصصات في تازة (شرق)، إسماعيل حمودي، إلى أنه "في الوقت الذي كان على المغرب وفرنسا فيه طي صفحة الأزمة القائمة بينهما والتوجه نحو المستقبل، لاحظنا أن الزلزال عمّقها؛ لأن باريس تصرّفت بعداء وبعدوانية تجاه المغرب، ونظّمت حملةً إعلاميةً قويةً لتشويه صورة المملكة".
"سبب هذه الممارسة العدوانية من فرنسا، أن الرئاسة الفرنسية تريد أن تفرض منطقها في طريقة تدبير المغرب لهذه الفاجعة، وهو ما رفضته الرباط طبعاً التي طرحت أولويات ومقاربةً خاصةً بها في تدبير الكارثة"، يوضح حمودي في إفادته لرصيف22.
لهذا، توجد "حساسية مفرطة لدى الفرنسيين في التعامل مع القضايا المغربية، تدفعها إلى ممارسة نوع من الوصاية والاستعلاء الاستعماري. وهي في الأخير سياسة ليست مفيدةً لا لفرنسا ولا للمغرب"، يضيف المتحدث نفسه.
زلزال الحوز محطة من المحطات التي حاولت الرئاسة الفرنسية استغلالها من أجل تسييس الخلاف الذي تمر به العلاقات المغربية الفرنسية
يرى المستشار في الشؤون السياسية والإستراتيجية، هشام معتضد، أن "زلزال الحوز محطة من المحطات التي حاولت الرئاسة الفرنسية استغلالها من أجل تسييس الخلاف الذي تمر به العلاقات المغربية الفرنسية، وذلك بمحاولتها القفز فوق البعد الإنساني للحادث، بغرض كسب رصيد إنساني يخوّلها خلق سياق لانفراج أزمتها الدبلوماسية مع الرباط".
وكان المغرب قد ترك منصب السفير في باريس شاغراً طوال أشهر، بعد أن ضغطت باريس من أجل إدانة الرباط من داخل البرلمان الأوروبي، ويرفض الملك محمد السادس، بحسب وسائل إعلام فرنسية، التواصل المباشر مع الرئيس ماكرون، بعد اتهام باريس للرباط بمحاولة التنصت على هاتف الرئيس الفرنسي.
لكن الزلزال بدا وكأنه منح باريس ورقة لي صفحة الخلافات، وبحسب محدثنا باءت "كل تحركات الرئاسة الفرنسية وقيادتها السياسية بالفشل، في محاولتها القفز فوق هذه المحنة الإنسانية لأغراض سياسوية وإستراتيجية محضة، ولم تتحقق أهدافها التي خططت لها سلفاً، والتي تتماشى مع التوجه السياسي الفرنسي الذي يحاول جاهداً حلحلة الأزمة التي خلقها في علاقاته مع المغرب"، يردف معتضد في تصريحه لرصيف22.
فتور في العلاقات منذ سنتين
لم يكن زلزال الحوز سبباً في الأزمة بين المغرب وفرنسا، بل إن العلاقات بين البلدين "تمرّ بمرحلة فتور منذ مدة ليست بالقصيرة، بسبب الموقف المتردد لفرنسا من قضية الصحراء، وقرار البرلمان الأوروبي الذي يدين المغرب في قضايا تتعلق بحقوق الإنسان، وهو القرار الذي لعبت فرنسا دوراً مهماً في صدوره"، يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة محمد بن عبد الله في فاس، فؤاد أعلوان.
وأبرز أعلوان في حديثه إلى رصيف22، أنه "بالرغم من سعي الدبلوماسية الفرنسية في مناسبات عديدة إلى احتواء الأزمة، فإن المغرب بدا صارماً في موقفه الرافض لتطوير علاقاته الدبلوماسية مع فرنسا واستئنافها بشكل طبيعي كما كان عليه الوضع قبل سنوات عديدة، وهو ما تجلى بوضوح في رفض تلقّي المساعدات الفرنسية إثر زلزال الحوز برغم إلحاح فرنسا".
بالرغم من سعي الدبلوماسية الفرنسية في مناسبات عديدة إلى احتواء الأزمة، فإن المغرب بدا صارماً في موقفه الرافض لتطوير علاقاته الدبلوماسية مع فرنسا
في هذا الاتجاه، يسجل الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، أن "العلاقات بين الرباط وباريس مرّت بالفعل بهزات دبلوماسية عدة خلال السبعين سنةً الماضية، وكانت في كل مرّة تصمد أمام تلك الزلازل (أي منذ استقلال المغرب)، وتعود المياه إلى مجاريها، وربما تطوّرت نحو الأفضل".
ولكن الأزمة الحالية في العلاقات المغربية الفرنسية، "تتميّز عن سابقاتها، بأنها أزمة صامتة، وكلا الطرفين يتفاديان الاعتراف بها رسمياً، لذلك يبقى هامش التحليل مبنياً على تأويل بعض التصريحات أو الإشارات أو الإلغاء الذي يطال بعض الأجندات بين البلدين"، يستطرد نور الدين في إفادته لرصيف22.
استياء مغربي من خطاب ماكرون
على هذا الأساس، فُسّر إعلان وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، عن زيارة مبرمجة للرئيس الفرنسي إلى المغرب، في مقابل نفي الأمر في الرباط من خلال مصدر رسمي، على أنه تتويج لحالة من الضغط الفرنسي، زيادةً على الاستياء العارم للمغاربة قبل ذلك من "خطاب" ماكرون، عبر منصة "x" (تويتر سابقاً)، الذي أكد أنه موجه إلى المغربيات والمغاربة، إذ انتشر مباشرةً بعد ذلك، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هاشتاغ #أنا_مغربي_أرفض_خطاب_ماكرون.
الرئيس الفرنسي، الذي فشل منذ ولايته الأولى في تدبير العلاقات المغربية الفرنسية، أكد في الخطاب نفسه على رغبته في تجاوز الأزمة الحالية
يقول معتضد: "كلام ماكرون إشارة واضحة إلى تدهور الأمور السياسية داخل مطبخ الرئاسة الفرنسية، وتراجع الفكر السياسي على مستوى الرئاسة الفرنسية، وانحطاط الخط الدبلوماسي الذي اعتادت عليه الأعراف البروتوكولية الفرنسية".
وأضاف لرصيف22، أن "أسلوب ماكرون أبان عن محدودية التدبير السياسي لدى الرئاسة الفرنسية، وأظهر سياسة فرنسا السيادية في طابع طفولي وارتجالي؛ سياسة بعيدة عن أبسط قواعد التدبير الرئاسي، وغير منسجمة مع تاريخ الأمة الفرنسية السياسي والثقافي".
ضربٌ للأعراف الدبلوماسية؟
في السياق نفسه، وصفت البرلمانية عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة الزهراء التامني، خطاب الرئيس الفرنسي للشعب المغربي، بأنه "ضربٌ واضح وصارخ لكل أعراف الدبلوماسية، ولميثاق الأمم المتحدة الذي ينصّ في المادة 78 على سيادة الدول، كأحد أبرز مبادئ الميثاق، وهو الأمر الذي ضرب به ماكرون عرض الحائط".
وتساءلت النائبة البرلمانية، في سؤال إلى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، عما "إذا كانت الدولة المغربية ستسكت عن هذا الاستعلاء وهذه النظرة الاستعمارية الفرنسية تجاه المغرب وإفريقيا؟".
البرلمانية نفسها استنكرت الخطابات غير المهنية واللا إنسانية لعدد من المجلات والصحف والقنوات الفرنسية، ثم كلمة رئيس الجمهورية الفرنسية، في خضم التضامن الجماعي للشعب المغربي على إثر زلزال الحوز.
يؤكد أعلوان، أن فيديو ماكرون الموجه إلى المغاربة "يُعدّ منافياً للأعراف الدبلوماسية، فالشعب المغربي له رئيس دولة يمثله هو الملك محمد السادس، الذي يُعدّ بموجب الفصل 42 من الدستور المغربي الممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها".
يضيف في حديثه إلى رصيف22، أنه "لا يجب التعامل مع الوضع بشكل انفعالي، وإعطاء الأمور أكثر من حجمها، خاصةً أن الرئيس الفرنسي، الذي فشل منذ ولايته الأولى في تدبير العلاقات المغربية الفرنسية، أكد في الخطاب نفسه على رغبته في تجاوز الأزمة الحالية وأبدى احترامه ضمنياً للسلطات المغربية وقرارها السيادي".
وهو الأمر الذي لا يختلف معه، نور الدين، عندما رأى أن الرئيس الفرنسي "عبّر خلال تلك الكلمة بشكل واضح عن احترامه للقرار السياسي لجلالة الملك وللحكومة المغربية وكرّر ذلك مرتين؛ وهو ما يقتضي أن نقول إن كلمة الرئيس الفرنسي كان فيها الكثير من اللباقة والاحترام لملك المغرب وللحكومة المغربية وللشعب المغربي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومعن أي نظام تتكلم عن السيدة الكاتبة ، النظام الجديد موجود منذ سنوات ،وهذه الحروب هدفها تمكين هذا...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ أسبوعمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ اسبوعينعزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ 3 اسابيعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...