أثناء دراستها في كلية الفنون التطبيقية بالقاهرة، اختارت الهدى خميس أيقونة الجمال مارلين مونرو لتكون بطلة أول مشروع تنفذه بالموزاييك، ثم تبعته ببورتريه للفنانة الثائرة فريدا كالو باستخدام التكنيك نفسه.
منذ تخرجها في العام 2014، مروراً بتنظيمها معرضين فرديين، تصحبنا الفنانة التشكيلية المصرية الهُدى خميس، الشهيرة بـ"آل"، في رحلة تعبيرية دليلها فيها المرأة في نُسخ وأزمنة مختلفة.
على الرغم من قناعتها أن غريزة الأمومة ليست فطرية، وتصنِّفها كـ"دور ثانٍ لبطولة النساء المطلقة"، تقدرها وتجيد التعبير عنها. فقد شكَّلت علاقتها القوية والمتشابكة بوالدتها جزءاً كبيراً من إنتاجها الفني
شغفها بعالم النساء تشرحه لرصيف22: "لستُ مهتمة بتفاصيل الرجُل لأني أعيش في مجتمع يجد فيه الرجال مساحات واسعة للتعبير من دون قيود. لكن السيدة كائن يجيد التعبير بأشكال وصور مختلفة لقدرتها على التركيز وصنع التفاصيل، عالمها غني وواسع، تستطيع أن تتلون وتتغير داخل نفس البيئة الواحدة، فمهما تكررت رسومات عن السيدات لن تمل منها".
وتضيف أنها تجد نفسها تعبِّر عن وجه المجتمع من خلال نافذة نسائه، فقصة النبي موسى مثالاً تحكيها من منظور أمه كبطل خفي/ محرك للأحداث.
وعلى الرغم من قناعتها بأن غريزة الأمومة ليست فطرية، وتصنِّفها كـ"دور ثانٍ لبطولة النساء المطلقة"، تقدرها وتجيد التعبير عنها. فقد شكَّلت علاقتها القوية والمتشابكة بوالدتها جزءاً كبيراً من إنتاجها الفني، حتى أنها ترى في رحيل أمها مصدراً رئيسيّاً للإلهام في تنفيذ لوحات معرضها الأول (يناير/ كانون الثاني 2020)، الذي وضعت عليه اسمها "عُقد مها".
تلاحظ في تفقدك إنتاج "الهُدى" أيقونات ثابتة مكررة، بعضها يعبر عن موروثات ثقافية وشعبية، كالكف والعين وحدوة الحصان، والسمك المربوط في الموروث الشعبي المصري بمفهوم الرزق.
هناك موتيفات أخرى تغازل بها نساءها، بطلات أعمالها الفنية، فتستخدم نبات الصبار للتعبير عن قوة وصلابة المرأة وجمالها في نفس الوقت، وترى في الصبار انعكاساً لاحتياج النساء الحساس إلى الاهتمام، فالصبار يحتاج إلى المياه بقدَر، فإذا بالغت في ريِّه يضعف ويموت، كذلك المرأة حسب رؤية "الهُدى".
تصدق الهدى أن الفن، ولوحاتها تحديداً، يجب أن لا يكون موجَّهاً لفئة بعينها، فعندما تكرر عناصر محددة وواضحة فهي تخاطب شخصاً عاديّاً لا يحب ولا يجيد تفسير رسائل خفية أو عميقة، تفضل تقديم لوحة مريحة يرى فيها عالمه ببساطة
وعن ثمرة الرُّمان، التي تضعها في بؤرة اهتمام لوحاتها، ترى فيها صورة لرحم الأم، صَدَفة هشة ثابتة اللون والشكل من الخارج، لا تشبه أنواع الفاكهة التي تتنوع ألوانها وأشكالها، كالموز والتفاح والتوت والعنب وغيرها. إطار الأمومة ثابت مثل غلاف حبة الرمان، أما داخل الثمرة -حسب وصف "آل"- فتوجد كنوز وجواهر خفية، لون لامع حي وقيّم، أسرار مثيرة للاكتشاف، صعب المنال، لكنه تجربة تستحق العناء في كل مرة.
تصدق الهدى أن الفن، ولوحاتها تحديداً، يجب أن لا يكون موجَّهاً لفئة بعينها، فعندما تكرر عناصر محددة وواضحة فهي تخاطب شخصاً عاديّاً لا يحب ولا يجيد تفسير رسائل خفية أو عميقة، تفضل تقديم لوحة مريحة يرى فيها عالمه ببساطة.
وعندما تعبر عن جمال جسد المرأة في تفاصيله العارية من دون حواجز تخاطب مقدِّسي الفن ومريديه. تعبر بشكل عام عن طبقات وبيئات وموروثات مختلفة غير مقيدة بحالة أو اتجاه ثابت، نرى بطلة العمل أحياناً من حي شعبي، ونراها ملكة فرعونية أحياناً أخرى، نعيد اكتشاف صور للأم، الأخت، الحبيبة، الجارة، والصديقة في كل لوحة.
ترسم الهدى مرَّة واحدة في السنة، وتصرح بأن كل مرَّة يولد الإلهام من رحم وجع ما، أنتجت بغزارة بعد فقد أمها، فقد أرادت أن تتواصل معها عبر الرسم واستطاعت ألا تنكسر أو تغرق في الوحدة عن طريق تحويل مشاعرها إلى أحبار وألوان. وبعد انكسارها إثر انتهاء علاقة عاطفية لم تكتمل، خرجت في رحلة بحث عن ذاتها وعن الأسباب، فخلقت قصة حب موازية في لوحات تشكيلية.
توقع الهدى بالعربية على كل لوحة معتزة بلغتها الأصلية، وتضيف أن عدداً من زملائها في العمل أحبوا مصر من خلال رسومها وبدأوا التخطيط لزيارتها
تعود لتبدع مرة أخرى في أثناء مرورها بتجربة غربة شديدة الألم، حسب وصفها، تحمل "آل" الجنسية الأمريكية، حيثُ وُلدت وتعيش وتعمل حاليّاً، تقول إنها ترسم لتحطم أوجاع هذه الغربة.
وجدَت نفسها مضطرة إلى أن تستقل أتوبيساً يوصلها قبل ميعاد بدء عملها بساعة ونصف الساعة، لأنها إن اختارت الأتوبيس التالي سيوصلها متأخرة، فأخذت ترسم بشكل يومي طوال فترة الانتظار تلك، ترسم ما يربط روحها المهاجرة بجذورها، ترسم الأصول والموروثات التي تربَّت عليها وأحبَّتها كي لا تشعر بلحظة فقْد لهُويتها.
توقع بالعربية على كل لوحة معتزة بلغتها الأصلية، وتضيف أن عدداً من زملائها في العمل أحبوا مصر من خلال رسومها وبدأوا التخطيط لزيارتها.
تختتم آل حوارها مع رصيف22 بقولها: "مصر رغم كل محاولات الطمس التي تتحملها في الوقت المعاصر، تظل بلداً شديد الحساسية، قابلة للصمود والتطور، محافظة على هويتها، أسجل ذلك بكل كياني بالرسم في مواجهة ناعمة لما أرفضه من غربة داخل الوطن أو خارجه".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.