شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
محطات في مسيرة لجان المقاومة السودانية

محطات في مسيرة لجان المقاومة السودانية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الاثنين 18 سبتمبر 202302:43 م

"خرجنا من رحم الشعب، لا لنكون قادةً، إنما شمعةً تحترق لتضيء لهم الطريق"؛ هكذا تحدّث عضو لجان المقاومة السودانية، عمر هنري، في خطاب جماهيري قبل ثلاث سنوات، مدافعاً عن أحد أهم التكتلات الثورية وقتها، نافياً أن يكون ضمن مشروعهم النضالي اعتلاء كرسي السلطة.

وسرعان ما أصبحت لجان المقاومة فاعلاً رئيسياً في المشهد السياسي والثوري منذ اندلاع ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2018، والمحطات الفارقة التي تلتها، كانقلاب (يصفه الجيش بالإجراءات التصحيحية) 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، الذي أطاح فيه العسكريون بالمدنيين من الشراكة في السلطة في الفترة الانتقالية، كما أُقرّت الوثيقة الدستورية الانتقالية.

وحين اندلعت الحرب بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل الماضي، تحولت لجان المقاومة من قيادة التظاهرات إلى نضال من نوع آخر؛ وهو مساعدة المدنيين والعالقين والنازحين، لتعمل عمل غرف الطوارئ في كل الولايات.

فكرة لجان المقاومة

يقول الباحث الاجتماعي بكري الجاك، لرصيف22، إنّ لجان المقاومة خرجت من رحم انتفاضة أيلول/ سبتمبر 2013، التي شهدت مظاهرات عمّت عدداً من مدن البلاد، وارتكب فيها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير مجزرةً بشعةً راح ضحيتها أكثر من 200 شاب في يوم واحد.

وبرزت فكرة لجان المقاومة في ذلك الوقت وسط الفاعلين السياسيين بقيادة قوى الإجماع الوطني، وهو ائتلاف ضمّ المعارضة السودانية، بهدف بناء كتلة ثورية تقود الاحتجاجات من داخل الأحياء السكنية، بدلاً من الخروج إلى الشوارع الرئيسية بغرض حمايتها من قمع السلطة.

تقول القيادية في تجمع المهنيين السودانيين سلمى نور لرصيف22، إنّ تجمع المهنيين وجد عدداً بسيطاً من لجان المقاومة السودانية كانت تُعرف بلجان الأحياء، وكانت خاملةً لا تعمل بعد أن قضى نظام المؤتمر الوطني على المظاهرات في أيلول/ سبتمبر 2013، فبدأ بالتواصل والتنسيق مع الأحزاب السياسية، للعمل على خلق لجان المقاومة في الأحياء، لتساعد في خطة التصعيد الثوري والحشد للمظاهرات.

وتضيف أنّ تجمع المهنيين بمساعدة التنظيمات السياسية في قوى الحرية والتغيير منذ كانون الأول/ ديسمبر 2018، حتى نيسان/ أبريل 2019، استطاع تكوين العشرات من لجان المقاومة، عبر أعضائه في الأحياء السكنية.

دور فاعل في الثورة

من جانبها، تؤكد الناطقة الرسمية باسم تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم، مشاعر خضر، على دور الأجسام السياسية والمهنية في تأسيس لجان المقاومة. وتذكر لرصيف22، أنّ ما ميّز لجان المقاومة أنها منفتحة وغير مقيّدة بشروط لكسب عضويتها، ولهذا استفادت من مجهودات وخبرات تجمع المهنيين وبقية الأجسام الثورية على اختلاف مشاربها، في نقل الخبرة وتعزيز الكفاءات الشابة إلى العمل العام، وأسهم ذلك في صقل خبرة أعضاء اللجان، التي كانت غير منظمة في البداية.

أما عن الأدوار الفاعلة للّجان في محطات الثورة المختلفة، فتذكر القيادية في تجمع المهنيين، أنّ دور اللجان في فترة الاعتصام تغيّر من الحشد إلى تأمين ساحة الاعتصام، وتوفير الاحتياجات والنظافة وغيرها، وذلك بالتنسيق مع الأجسام الأخرى.

وتضيف سلمى نور، أنّ اللجان لعبت دوراً حتى لحظة التفاوض بين العسكري الذي كان يريد الاستئثار بالسلطة وقوى الحرية والتغيير التي كانت تطالب بمدنية كاملة للدولة، حتى الخروج باتفاق الشراكة بين الطرفين في إدارة الفترة الانتقالية.

في السياق ذاته، يذكر عضو لجان المقاومة في شرق النيل في الخرطوم، الطيب محمد صالح، أنّ لجان المقاومة عملت تحت لافتة لجان الخدمات والتغيير في قانون الحكم المحلي الذي أجازته الحكومة، وأصبحت مسؤولةً عن الخدمات الأساسية والقيام بتوزيعها لضمان وصولها إلى المواطنين.

برلمان غير رسمي

ويصف الباحث الاجتماعي بكري الجاك، لجان المقاومة في الفترة الانتقالية، بأنّها كانت بمثابة برلمان غير رسمي؛ حيث ركزت على مراقبة الحكومة الانتقالية، ورفضت رفع الدعم، وصعّدت حين صدرت توجهات وقرارات لا تلبّي تطلعات الشعب السوداني ولا تحقق شعارات الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة.

لجان المقاومة في الفترة الانتقالية كانت بمثابة برلمان غير رسمي؛ حيث ركزت على مراقبة الحكومة الانتقالية؛ ورفضت رفع الدعم، وصعّدت حين صدرت توجهات وقرارات لا تلبّي تطلعات الشعب السوداني ولا تحقق شعارات الثورة المتمثلة في الحرية والسلام والعدالة

ويشير لرصيف22، إلى أنّ الفترة الانتقالية شهدت مرحلة النضج السياسي للجان المقاومة؛ من حيث تكوين شكل تنظيمي هرمي، بدايةً من تنسيقيات تبدأ بالحي السكني، ثم الوحدة الإدارية وبعدها إلى المحليات ثم الولايات، مع وضع رؤى واضحة لتحقيق أهدافها، كان منها إكمال هياكل السلطة وتحقيق العدالة لشهداء الاحتجاجات.

وفي شباط/ فبراير 2022، أعلنت لجان المقاومة عن وثائق سياسية لإنهاء الانقلاب وتأسيس سلطة الشعب، وهو ما عدّته القيادية في اللجان مشاعر خضر: "قمة النضج السياسي ببلورة رؤية لحكم السودان".

لا يتفق الباحث بكري الجاك مع ذلك، ويرى أنّ هذا التحول نحو العمل السياسي جعل اللجان محل تنافس بين القوى السياسية.

انقسامات اللجان

لكن قبل ذلك، ومنذ تشكيل حكومة عبد الله حمدوك الأولى، بمشاركة ائتلاف قوى الحرية والتغيير كحاضنة سياسية، في أيلول/ سبتمبر 2019، ظهرت الانقسامات داخل الائتلاف، وبدأت مع انسحاب الحزب الشيوعي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، مفضّلاً خطّاً ثورياً راديكالياً، وتبعته بعد ذلك خلافات داخل أحزاب ومكونات الائتلاف، ألقت بظلالها على لجان المقاومة.

تقول القيادية في تجمع المهنيين سلمى نور، إنّ الانقسامات والتصدعات في لجان المقاومة كانت بسبب الضعف السياسي لدى القوى السياسية والمدنيين، بعد خروج الشيوعي وأجسام نقابية من الائتلاف الداعم للحكومة، ثم تنافسهم على لجان المقاومة وتوظيفها في إسقاط حكومة حمدوك.

وفي السياق نفسه، يتهم عضو لجان مقاومة شرق النيل الطيب محمد صالح، الأجهزة الأمنية باختراق اللجان وزرع الشقاق داخلها. ولدى الباحث بكري الجاك مقاربة إضافية، إذ يرى أنّ محاولة اللجان لعب دور سياسي كان من أسباب الانقسامات داخلها؛ حيث لا يمكن وضع إطار سياسي موحد لجسم ليس لديه تنظيم هرمي.

واللافت أنّ انقسامات لجان المقاومة لم تقتصر على المواقف السياسية من القوى المدنية، بل كانت لبعضها تفاهمات مع القوى العسكرية، سواء الجيش أو الدعم السريع، من خلال المشاركة في لقاءات واجتماعات وتكتلات سياسية، واتخاذ مواقف تخالف رؤية ائتلاف الحرية والتغيير لصالح دعم العسكريين وحلفائهم من قوى سلام جوبا، من المؤيدين لانقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

لكن قطاعاً عريضاً من لجان المقاومة توحد على هدف إسقاط الانقلاب في 2021، الذي يصفه الجيش من ناحيته بالإجراءات التصحيحية لمسار الفترة الانتقالية. وقادت اللجان الاحتجاجات الذي ظلت مستمرةً بدرجات متفاوتة، ورفعت شعار اللاءات الثلاثة (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية)، لكن لم تعد لديها القدرة والشعبية في الشارع كما كانت في البداية، مع طول أمد الاحتجاجات، وتردّي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وظهور قوى سياسية تقليدية داعمة للجيش، ورافضة للتصعيد الثوري، بعد أشهر من الخمول عقب الإطاحة بنظام عمر البشير.

الحرب تغيّر المعادلة

ولكن سرعان ما انقلبت الأوضاع في السودان بعد اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل الماضي، لتأخذ لجان المقاومة دوراً جديداً، إذ تحولت إلى غرف طوارئ في أماكن وجودها. تقول الناطقة الرسمية باسم تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم، مشاعر خضر، إنّ عدداً من اللجان عمل على تكوين غرف للطوارئ وإقامة مطابخ جماعية في الأحياء لسد حاجة المواطنين من الغذاء، بعد أنّ ضاقت السبل وازداد الوضع سوءاً.

وتضيف أن العديد من اللجان باتت تعمل على حراسة الأحياء السكنية من النهب، والتعاون مع منظمات العمل الطوعي والإنساني، مضحين في سبيل ذلك بأرواحهم.

بعد اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل الماضي، تحولت اللجان إلى غرف طوارئ في أماكن وجودها وأقامت مطابخ جماعيةً في الأحياء لسد حاجة المواطنين من الغذاء، بعد أنّ ضاقت السبل وازداد الوضع سوءاً

بدوره يقول عضو لجان مقاومة شرق النيل الطيب محمد صالح، إنّ اللجان في ظل الحرب تعمل في ظروف معقدة، حيث تقوم برصد الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها طرفا الصراع، وكذلك تقدّم المساعدات الطبية للكوادر الطبية في المستشفيات، وتنسق مع الجمعيات والمتطوعين لسدّ النقص في الأدوية.

ويختم بأنّ اللجان تساعد المواطنين العالقين في مناطق القتال في الخرطوم، من خلال توفير الغذاء، ووسائل النقل، والإشراف على معسكرات النازحين في الولاية. وإلى جانب هذه الأدوار التي فرضتها الحرب، يرى صالح أنّ على لجان المقاومة استئناف العمل السياسي، من أجل الدفع نحو إنهاء حالة الحرب، والتوصل إلى تسوية، تقود إلى إرساء الحكم المدني وتحقيق مطالب الثورة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

0:00 -0:00
Website by WhiteBeard